أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ۖ















المزيد.....


وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ۖ


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6868 - 2021 / 4 / 13 - 00:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الخلق والتخليق والنشأة الأولى من المفردات المعرفية التي كثيرا ما تداولها النص الديني بكثرة والتكرار التأكيدي للفكرة، أما على وجه التعميم عادة أو على وجه التفصيل خاصة ومنها الآية موضع البحث ، فالخلق المتنوع بين جماد ونبات وحيوان وبين ما يرى وما لا يرى يستوجب أن يكون لكل خلق قاعدة وطريقة وأدوات ومواد تختلف كل حسب ما ينتج، وبالرغم من أن هناك نص قرآني بفيد بوحدة المصدر التخليقي وهو (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، لكنه أيضا خصص جزء من الخلق وهو الجزء الحي منه، مع لحاظ أن كلمة جعلنا لا تعني بالضرورة أنه ضمن عملية الخلق والتخليق، بل أن المفهوم المنطقي أن أداة التبعيض أو المصدرية تفيد أن الجعل يكون بين أن الماء بتركيبته الكيميائية أو في مفردات هذه التركيبة محتملان عقليان، فيد يكون الشيء الحي مجعول من الماء كما في النص الأفتتاحي، أو من جزء منه أي من الماء سواء من الأوكسجين أو من الهايدروجين أو بأي شكل أخر، فقط أن يكون الماء هو بتركيبته الكيميائية محل الجعل غير مضاف له أو موصوف بصفة لأخرى.
الماء المجرد من كل وصف لاحق كما في النص (من ماء مهين) أو (من ماء دافق) أو أي تركيبة لغوية لاحقة (من طين) هو الماء الذي يكون أساس الحياة، أما لو لحقه الوصف والتركيب والزيادة فهو يشير إلى الكيفية والتكوين عبر ميكانيكية ما أو عبر وسيط مساعد، ولا يقصد به الماء مجردا، عنصر الحياة الرئيسي في مفهوم النص يبقى هو بذاته لا يحتاج إلى أكثر من فهم بسيط لقوانين الوجود ومنها أن توفر الماء في أي حيز مكاني مقدمة لكل وجود ويتناسب مقدار الماء مع كمية الحياة فيه، والمعلوم مثلا أن الكرة الأرضية يشكل الماء النسبة العالية فيه وبحدود الـ 70% منه، هكذا أصبح هذا الكوكب مكانا مثاليا لوجود الحياة وديمومتها على النحو الذي نراه.
نعود للنص (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ) لنسأل سؤالا أوليا قد تتبعه أسئلة أخرى حول كون من أشكال الحياة الأخرى ما هو غير منطبق على معنى (الدابة)، فهل هذه الكائنات الحية لم تخلق من ماء؟ أو لم تجعل الآية الماء من ضمن الجعل المذكور مسبقا؟ الجواب نرجع به للفهم التام حين نعرف ما معنى الدابة تحديدا، وبالرجوع للقواميس وما عرف منها من لغة العرب أن الدابة هي (كلُ ما يَدِبُّ على الأرض، وقد غلب على ما يُركَبُ من الحيوان "لمذكر والمؤنث" والجمع : دوابُّ) بمعنى كل ما يتحرك من الحيوانات على الأرض بأي شكل من الأشكال، والجذر اللساني لها هو (د _ ب) ومنها أخذ الدبيب الذي يعني الحركة، وكل ما دبت فيه الحياة فهو دبيب ومدبوب وداب (دَبَّ فِيهِ دَبِيبُ الحَيَاةِ : اِنْتَعَشَتْ فِيهِ الحَرَكَةُ، سَرَتْ فِيهِ الحَيَوِيَّةُ)، والدبيب هو سريان الشيء في موضعه ليكون علامة لوجود المدب كقولنا دب الضعف في أوصاله كناية عن الضعف وأنتشاره (دَبَّ الضَّعْفُ فِي أعْضَائِهِ: سَرَى رُوَيْداً رُوَيْداً)، والملخص من كل المعاني يفيد السريان والحركة، فمن لا يتحرك لا يمكن أن نقول عنه دابة بأي شكل من الأشكال فهو جامد أو مجمد (دَبَّ الشَّيءُ في الشَّيءِ: سَرَى).
هذا من الناحية اللغوية بشكل أساسي يفيد المعنى العام الذي في جزء منه أن جعل من الحيوانات كافة يطلق عليها كلمة دابة (إنّ الله يسمع دبيب النَّملة السَّوداء في الليلة الظَّلماء على الصَّخرة الصمَّاء)، وتعود مرة أخرى للنص (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ) لنرى أن الأستعمال اللغوي لكلمة دابة لا يقصد منها المعنى الجزئي وإنما أراد فيها المعنى العام وهو (كل كائن يتحرك بالقوة التي في داخله تسري)، بمعنى كل كائن له روح يتحرك من خلالها وبها وهذا يعني أن من لا روح فيه لا يسمى دابة وإن تحرك أو سر بفعل فاعل أو قوة خارجية عنه، فلا تسمى السيارة والقطار والطائرة دابة برغم أنها تتحرك وأيضا من داخلها بقوة ولكنها ليست ذاتية فهي موقوفة على نظام يتحكم به من الخارج، ولكن يطلق عليها لفظ دأب (أي منهج أو ألية أو سيرة) كما جاء في نصوص عديدة منها (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ) ﴿52 الأنفال﴾، وكذلك (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) ﴿33 ابراهيم﴾، فالدأب إذا النظام أو القانون أو الآليات التي تحرك وتسير الشيء.
فالدابة إذا في المفهوم النصي القرآني كل كائن يتحرك أو يسري أو يعيش وينمو ويتطور وفقا لما فيه من قوة ذاتية قادرة أن تجعله كذلك من خلال بث الروح فيها، كل ذلك كان بعيدا عن التسمية والشكل والحجم والمكان الذي تعيش فيه، ما يجمعها أنها ذوات أرواح تعيش وتموت متعلقة بهذه الروح لا تخلد ولا تدوم إلا لأجل محدد (ويسألونك عن الروح) الجواب (أنها من أمر ربي)، هنا يمكننا الربط بين الماء والروح من خلال كونهما سبب ونتيجة أو متلازمتان حتميتان للدب ومن ثم بعث الحياة في الكائن الحي، السؤال الجديد هل هذا الحتم هو سر النص (وجعلنا من الماء كل شيء حي)؟ بمعنى أن الحياة لا تولد خارج الماء بشكل قطعي؟ أو أن الماء هو الأساس الذي يحتضن الحياة ويوفر لها أسباب العمل والفعل؟، وإن كان التساؤلان يدوران في نطاق جدلية الماء والحياة بالخلق والجعل.
يسأل سائل هل الملائكة والجان من الدواب بأعتبارهما كائنان من الكائنات الحية ويتحركان بما فيهم من روح وفعل ذاتي؟ وإذا كان الجواب بالنفي فالقاعدة التي تقول وجعلنا من الماء كل شيء حي لا تنطبق هنا وبالتالي لا يمكن أن نعتمدها قاعدة خاصة وأنها لم تستثن ولم تقيد بتنصيصها وعموميتها المطلقة، الجواب ولو أننا لم نعرف الجن ككيان وجودي إلا من خلال النص وكذلك الملائكة فما نعرفه عنهما متحدد بالوصف النصي فقط (وخلقنا الجان من مارج من نار)، أما الملائكة فلا خبر عنهم ولا وصف غير المعروف نقلا أنهما كائنات من نور فقط، هذه الإشكالية حقيقية وقد ناقشتها بالتفصيل في كتابي (سر الخلق والخليقة _ الماء وأشياء أخر) الصادر عام 2012، وما زلت على قناعاتي ذاتها من أن أداة التبعيض والفرز والمصدرية (من) إذا دخلت في يباق بناء جملة فلا تعني إلا أن (المبعض) هذا يمكن أن يكون كاملا هو المصدر أو بعض أجزاءه، فالنار روحها الأوكسجين الذي لا نار من دونه، والنور هو نتاج حركة فوتونات الذرة الهيدروجينية، وكلاهما الأوكسجين والهيدروجين من الماء أو هما الماء لوحدهما، وهنا يتم فهم كونهما (من الماء) على أن عنصر الهيدروجين أول مركب كوني منه بدأت قضية خلق المادة والوجود جميعا، حتى تم تولد عنصر الأوكسجين في مراحل لاحقة ليوجد الماء وعندها وجدت الحياة الأولى، فلولا وجود عنصري الأوكسجين والهيدروجين وأتحادهما معا ليكونا الماء لم تظهر الحياة التي نعرفها مطلقا.
من هذا التدبير والفهم المعمق يمكننا أن نجيب وبيقين أن كل كائن حي يتحرك وكل متحرك فيه روح، وكل روح لا بد لها من مستلزم لتعمل، هذا المستلزم وكقانون عام ومطلق هو الماء مجردا كله أو من بعضه، وأن الوجود بدأ مع وجود أول ذرة هيدروجين مزدوجة من ذرتي هليوم تحت عوامل وقوانين الفيزياء، ليكون أول زوج وجودي بعد الفرد الوجودي (الهليوم)، إذا فلا حياة من دون إزدواج شيئي بين عنصرين متماثلين بالماهية، وبعد الهيدروجين تطور تكوين الوجود عبر سلسلة من المزدوجات التي ولدت فرديات ومزدوجات أخرى حتى تم إيجاد الأوكسجين كعنصر جديد في الوجود الأول، ليتولد منهما الماء الأول الذي منه بدأت الحياة بمعناها القادر على أن يكون مستوعبا للروح التي هي من خارج عنصر الوجود ليكون الازدواج الثاني بين الوجود وخارجه لتتكون أولى أشكال الحياة التي ستتطور بعدة أشكال وأتجاهات ونتائج وصور، هذه النتائج هي كل دابة خلقها الله من الماء كقانون لا يمكن بأي شكل من الأشكال نقضه أو تفنيده أو إثبات ما هو عكسه.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قلبي يشتكي الفراغ
- أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا
- أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ح1
- أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ح2
- هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ
- القربان
- وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا
- وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ
- سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا
- ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى
- هويتي
- وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ح2
- وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ
- إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ
- وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ
- الأخلاقيات الإيمانية في سورة الحجرات
- رسالة إلى شاعر
- ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ
- خائف أنا مني
- خرائط الغريب


المزيد.....




- إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع ...
- بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران ...
- 40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
- 40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
- تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
- حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق ...
- أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة ...
- لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م ...
- فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ۖ