أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ















المزيد.....

هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6865 - 2021 / 4 / 10 - 19:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من سورة الجاثية أخترنا عنوان بحثتنا ومقالة التدبر التي نريدها مفتاحا لتجديد الفهم وإعادة القراءة من جديد وفق معطيات وأدوات العقل الراهن ولسبب بسيط جدا أن العقل صورة زمانه ولا يمكننا أن نجبره ليعيش عصر أخر مضى وأنقضى، فالعقل كائن حي يعيش كبقية الكائنات رهين ظروفه الزمكانية والحالية ويمكنه أن يتجدد لأنه يولد كل يوم وليس كائنا هرما يعيش الخلود الأول، فكلما تجددت ظروف الإنسان وتغيرت المعايير والقياسات يشرع بذاته للتكيف معها وربما يتقدم عليها، لكنه بالتأكيد لا يقبل أن يعود القهقري مجبرا ليعيش عصر غريب عنه وعن قيمه وقوانينها، ومن هذه الإشكالية برزت إشكالية الإنسان مع القراءات العقلية التراثية بين متمسك بها على علاتها وبين رافض لها بالمجمل دون أن يمنح العقل فرصة أن يستكشف الطريق ويختار، هذا الطريق هو طريق البصائر الرؤيوية التي تراعي حق العقل وتحفظ للفكر ديمومة البقاء ما دام قادرا على الإجابة ولا يعجزه أن يعطي ما مطلوب منه من جديد.
فالبصائر ومفردها بصيرة تعبير معنوي عن النظرية الفكرية أولا وعن كيفية هضمها وتسخيرها من جهة ثانية حتى تكون فاعلة ومنتجة للهدف ومحققة للغاية منها، فلكل إنسان بصيرة خاصة به تتعلق شكلا ومضموننا وعملا بما في عقل الإنسان من قوة وقدرة ونشاط، هذا الأمر لا يقتصر فقط على الإنسان فالله كونه العقل الأكبر يطرح بصائره ويرسم للناس أحسن ما فيها وأفضل ما يراد لهم منها، لذا أشار في كثير من النصوص إلى الخارطة العقلية الفكرية التي أوصلها للناس عبر رسله ورسالاته بعنوان بصائر (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، فالله حين ينظر ويرسم حدود ما في البصائر لا يلزمها عنوة على الإنسان ولكنها تبقى معلقة على القبول بها أولا، والقبول البشري أيضا معلق على اليقين والتيقن، واليقين وظيفة العقل وأدواته وقراره ونشاطه، فلا قيمة للقبول بلا يقين ولا قيمة ليقين بلا دليل ولا قيمة للدليل أن يكون مجرد تقليد وأتباع تسليمي خالي من حجة وبرهان، لذا يؤكد الله على قيمة العقل واليقين في نهاية النص بقوله (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).
من القول السابق نكاد نجزم بأن لكل إنسان بصيرة تخصه وتعكس لنا مقدار ما يتعقل من وجوده، فلا يوجد إنسان بلا بصيرة إلا مستلب العقل والفاقد القدرة عليها لسبب أو على (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا) 104 الأنعام، فالإبصار العقلي إذا مستلزم وجودي مرافق لوجود الإنسان عاقلا على أي درجة وبأي صيغة مسئول عنه ومسئول به وهذا هو واحد من قوانين البصائر الإلهية التي نتكلم عنها، لذا فما ورد في سورة الجاثية وبالوصف الآتي يبين لنا نتيجة الإبصار الفردي وتكوينه للإبصار الجمعي الذي يدخل تحت عنوان إبصار الأمة (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً) والجثو هو الجلوس ما بين القعود والتهيؤ للنهوض، بمعنى أن كل أمة جاثية هي في موضع الأستعداد للسؤال والجواب والحساب (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا)، ولماذا هذه الدعوة وأسبابها يأت الجواب واضحا وصريحا وبينا( الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، إذا العمل كما نؤمن ليس وليد فراغ ولا هو إلجاء بدون إرادة فهذا محل تقديره بشكل أخر ولكن الجزاء المقصود على العمل حينما يكون خيارا عن عقل وإرادة وتعبير عن بصيرة.
ولكن السؤال هنا عن معنى الإشارة في العنوان (هذا بصائر) كأول تساؤل؟ ثم لماذا جعل أسم الإشارة الفري لما هو جمع حسب منطق اللغة؟ فكان من الواجب أن يقول هذا بصر أو هذه بصيرة، أما أن يقول هذا وبقصد الواحد ليجعله عنوان لمجموع بصائر فهو محفوف دوما بالسؤال والأستغراب، الجواب عن هذا هو إشارة لما ورد في السورة بصيغة (هذا) (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، فالإشارة دوما للكتاب المخبر عنه والمخاطب لنا عن طريقه، صفاته ووصفه ومضامينه مشروحة في بقية النصوص (يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) و (هَذَا هُدًى) والكثير من الأوصاف التي وردت في أي الكتاب، لكن ما النتيجة من كل ذلك غير القليل الأقل من الأستجابة للبصائر بعين العقل واليقين والبقية مصداق القول (ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ)، فهذا الكتاب إذا واحدا من كتب عدة كلها تشكل منطوق كلمة البصائر أو أن هذا الكتاب هو مجموعة بصائر وكلا التفسيرين صحيح، هذا إقرار للإنسان أن الله قدم الكثير من النظريات والكثير من الأوامر وما زالت بصيرة البشر لم تتطور مع كل هذا الكم وهذا التوالي والتتالي في إنزال البصائر (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) 108 يوسف.
نستشف من حديث البصائر قاعدة أساسية وهي أن تلك النظريات أو الأفكار أو المرادات التي وضعها الله للإنسان من خلال إنزالها وتدوينها بالكتب هي للناس تحديدا، بمعنى أوضح أن الدين من الله ونهايته وغايته ومراده الإنسان بشرط التيقن منها، وهذا يقودنا لسؤال أهم وضروري يتعلق في عقل الإنسان وطريقة تولد اليقين لديه، وهو لو أن الإنسان بما يملك من عقل وأدوات ونظام لم يستطيع أن يجد الدليل والحجة مع بلغ غاية المجهود هل عليه حساب لو لم يؤمن بهذا الحديث؟ الجواب بالتأكيد نعم قياسا إلى من لا يملك القدرة على التيقن، ولكن الحقيقة العملية والنتيجة التي وصلها عقل الإنسان أنه من البديهي لديه أن يجد الحجة والدليل طالما أن الدين ومنها البصائر لا تخالف طبيعة الوجود المتعقل لا من حيث الماهيات ولا من حيث الأسس (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) ١٣ آل عمران، فأصحاب البصيرة والعقل السوي لا يمكنهم نكران الهدى والرحمة التي في بصائر الله لشيء بسيط جدا أنها قادرة على أن تكون مع تشدد العقل جزء مهم من نظامه وهذا ما عنته الآية السابقة والآتية (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) 46 الحج.
علينا أن نفرق بين البصائر حينما تكون جمع بصيرة فردية بمعنى أنها أدوات الأستدلال والتعقل ونظام تلقي المعارف والعلوم، وبين البصائر حينما تكون مصطلحا يراد منه كما قلنا مجمل النظر الرؤيوي ومجموعة الأفكار والمرادات المطلوب التبصر بها، كون الأولى أدوات الثانية والثانية لا تكتمل بدورها الفعلي إلا عندما تصادف الأولى ويعملا معا، وحتى البصائر ليست كل ما يريده الله منا لا على المستوى العقلي ولا حتى على المستوى الطبيعي لمن لا يملك درجة واعية من البصر والبصيرة، فالبصائر بمجملها تعود لما يتحقق منها كنتائج، فكل إشارة في النص تشير للمحصلة الطبيعية من تفاعل البصائر مع البصيرة هي إشارة للنتيجة بأدق معنى (تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) 8 ق، و (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) 2 الحشر، وحتى عندما يلعب الشيطان لعبته فيزل قدم بعض المؤمنين ويشوش عليهم وينجح في أستذلالهم تلعب البصيرة دور المنبه وجرس الإنذار من الخطر (إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ )، فالبصائر هي النتائج الأفضل أفتراضيا التي يستطيع الإنسان أن يستوعبها من الكتاب أو من كلام الله ليحقق بها النتيجة الأفضل والأحسن.
وحتى النص القرآني لا يذكر أن البصائر هي كامل الكتاب ولم يؤكد أنها كامل الإرادة بقدر ما عددها من نعم الله وأن فيها الرحمة والهدى، أي ما ينفع الناس ويزيد من قدرتهم على التمتع بإيمانهم ويزيد عوامل محاربة الشيطان بدواخلهم العقلية والنفسية (هَٰذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الأعراف 203، وأيضا (مَا أَنْزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ) ١٠٢ الإسراء، وبالنص تحديدا نستدل إلى البصائر من جملة ما أراد الله أن يكون من خلق فهي خلق معنوي خلق إرادة وليس خلقا ماديا (مَا أَنْزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ) ١٠٢ الإسراء، فهي تكون على وجوه شكلية متعددة وبنماذج مختلفة كلها تعمل على أن يكون الإنسان في حالة وعي لها وأستجابة لما فيها من دلالات الإبصار (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا) ٥٩ الإسراء، وأيضا (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) ١٣ النمل، (فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً) ١٢ الإسراء، من كل ما تقدم فالمبصرات التي جعلها الله للناس آيات هي جزء من أيات الله الواردة في الكتاب وجمعها على صعيد واحد سمي (بصائر) لتكون الحجة على الإنسان والدليل إلى الكمال البشري النسبي بما فيها من منافع ونتائج ودلالات على أن الله لا يريد ظلما للعباد دون أن يقدم لهم ويبين السبل والطريق.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القربان
- وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا
- وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ
- سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا
- ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى
- هويتي
- وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ح2
- وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ
- إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ
- وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ
- الأخلاقيات الإيمانية في سورة الحجرات
- رسالة إلى شاعر
- ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ
- خائف أنا مني
- خرائط الغريب
- إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا ...
- كلب الحقل
- أعترافي الأول والأخير
- حكاية صديقي النبيل
- فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تضرب هدفاً حيوياً للاحتلال في إ ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف موقع حيوي في إيل ...
- إلى جانب الكنائس..مساجد ومقاهٍ وغيرها تفتح أبوابها لطلاب الث ...
- بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س ...
- أمين سر الفاتيكان: لبنان يجب أن يبقى نموذج تعايش ووحدة في ظل ...
- الكنائس المصرية تفتح أبوابها للطلاب بسبب انقطاع الكهرباء
- صورة جديدة لسيف الإسلام معمر القذافي تثير ضجة في ليبيا
- إسرائيل: المحكمة العليا تلزم الحكومة بتجنيد طلبة المدارس الي ...
- في -ضربة- لنتنياهو وائتلافه.. المحكمة العليا الإسرائيلية تأم ...
- ما هو تردد قناة طيور الجنة على النايل سات ؟ والعرب سات وأهم ...


المزيد.....

- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ