|
الكونُ الواسعُ والعقولُ الضيّقة 28
مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث
(Moayad Alabed)
الحوار المتمدن-العدد: 6863 - 2021 / 4 / 8 - 17:31
المحور:
الطب , والعلوم
The vast universe and narrow minds 28
عند الحديث عن الجّسيمات الإفتراضيّة، يُدخِلنا هذا الحديث إلى موضوع مهمّ بشكل كبير. لقد تطرقتُ إلى رأيي في الإفتراض والجّسيمات الإفتراضيّة، حيث لا يمكن إهمال هذا الإفتراض، بل ولا يمكن أن نُهمل هذه الجّسيمات التي أشير إليها في العديد من الدّراسات التجريبيّة والنظريّة. هذا الموضوع الذي يختلف فيه، وحَوْلَه عدد من المتخصّصين في مجال الفيزياء الجّسيميّة، أو فيزياء الطّاقة العالية. وكذلك مَنْ لهم خبرة في هذا المجال من المتخصّصين في فلسفة الفيزياء، ولهم قاعدة علميّة عالية في الفيزياء الجّسيميّة. وأنا مقتنع كما ذكرت بوجود الإفتراض في الذّهن، ويمكن أن نوسّع دائرة الدّراسة من خلال هذه القاعدة أو الإنطلاق منها إلى دراسة العديد من خواصّ الجّسيمات بالإستناد على القواعد الرّياضيّة، بل والبناء على الإفتراض حتى بدون الإعتماد على القواعد المذكورة، حيث يكفيني أن أذكرها لتكون إشاراتٍ للآخرين، للولوج إلى عالمها الواسع الذي سيوصلني بلا أدنى شكّ إن شاء الله إلى المعنى الواقعيّ والفلسفيّ، لا للزمن وحده، بل وسيوصلني إلى اللازمن كذلك. لقد أشرتُ إلى عمليّة إلقاء فوتون ما بين إلكترونين في الحلقة السّابقة، وكأنّ الفوتون أُلقيَ ما بين كَنَّتَيْنِ بوجود العمّة (!) فإنّ هذا يجعل الإلكترون الأوّل يبتعد عن الثّاني كما توضّح مخطّطات فاينمان. وقلنا أنّ الإلكترون الأوّل يُلقي فوتوناً إفتراضيّاً فيسبّب الإلكترون الثّاني وضع الإنحراف ما بينهما (من الناحية الكميّة)، إلى آخر الحديث الجّميل (!) وكما أشرنا في حلقة سابقة، ما لِوجود الإلكترون مع البوزترون من تأثير عامّ في ميكانيك الكمّ حيث خَلْق فوتونين لأشعة غاما بفعل تفاعل، نطلق عليه بتفاعل الفناء(!) أي أنّ أحدهما يفني الآخر (غريب هذا الكلام فلسفيّاً! ها؟) على كلّ حال يكون الناتج عبارة عن أشعة كهرومغناطيسيّة من الفوتونين المذكورين. هنا أشرنا إلى إلقاء الفوتون الإفتراضيّ بوجود الجّسيميّن المذكورَين (الإلكترون والبوزترون) فسيتم حساب التأثير المحتمل لكلّ فوتون إفتراضيّ من خلال تأثير الإلكترون نفسه، ومن خلال تأثير البوزترون نفسه. حيث كما أشرنا إلى أنّه من الممكن أن ينبعث هذا من الإلكترون ويُمتصّ من قبل البوزترون. وهنا تكمن الغرابة في هذا السّلوك في الحسابات الكميّة المتعارف عليها. لكن يجب أن نؤكّد هنا أنّ الحديث عن الإفتراض والإفتراضيّة سيجعل التّشويش يأخذ مأخذه عند البعض! (ليس عندي، والحمد لله) فمعنى أن يكون الإفتراض موجوداً، أي أنّ الواقع غير موجود. والصّحيح في ميكانيك الكمّ (الميكانيك الكموميّ) يمكن لنا أن نتعامل مع الواقع مرّة ومع الإفتراض مرة أخرى، وبنفس المعادلات وبنفس المنطق الرّياضيّ الفيزيائيّ. فلا تستغرب لأنّ ميكانيك الكمّ لا يتحدّث عن واقع مرئيّ أو واقع غير مرئيّ، بل كذلك يتحدّث عن تخمين على أساس أنّه واقع لا محالة. بل ويتحدّث عن إفتراض ويخرج بإشتقاقات معقّدة، ثم تظهر النّتيجة، أن لا واقع له! لقد تطرقت في كثير من أبحاثي ومقالاتي وفي أحاديث مع زملاء من أهل الإختصاص، وهم أقدر على التّفاعل في هذا المجال، إلى أنّ الفلسفة تلعب دوراً مهمّاً في أحد الأدلّة التي تَفرِشُ لي البساط في ميكانيك الكمّ، بل وتُدِلّني على المكان الذي فيه الضّوء أو نور ضوء ما، كي أسلك الطّريق إيّاه إلى النّتائج الجّميلة التي تُريح الباحث وتقدّم للبشريّة أطباق حلوى، ما أطيبها! كما ذكرتها آنفاً. وهنا تثار عن النيوترينوات مسائل مهمّة تصبّ في هذا المجال، أي المجال الذي لا يخلو من دراسة سلوكيّات إفتراضيّة لجسيمات إفتراضيّة أو واقعيّة، وتكون نتائجها طيّبة إلى حدّ كبير. فقد أثار العديد من الباحثين إلى أنّ (مهمّته هي تقديم لمحة عامّة عن الحجج المعطاة للتّفسير الواقعيّ والمضادّ للواقعيّة للجّسيمات الإفتراضيّة). حيث يقول أيضاً: (إنّ رأيي هو أنّه، لا توجد حجّة لتفسير واقعيّ، وإنّ حجّة واحدة فقط تلك التي تتعلّق بالموقع الفائق للجّسيمات الإفتراضيّة ـ هي حجّة كافية ضدّ الواقعيّة). وحين الحديث عن الإفتراض والواقعيّة ينبغي أن نوضّح الإفتراض من وجهة النّظر الأخرى (حيث وضّحت رأيي في الجّسيم الإفتراضيّ في حلقة سابقة ولا بأس للإسهاب، سأعود إليه هنا!). فالجّسيم الإفتراضيّ هو جسيم أوّليّ، حين الحديث عن نظريّة المجال الكموميّ. حيث يُتطرّق إليه وإلى تفاعلاته وجميع الجّسيمات التي تتصف بالمواصفات المتعدّدة، إلّا من كونها إفتراضيّة، ومنها الجّسيمات الحقيقيّة. والحديث عن الجّسيمات الإفتراضيّة لا يخلو ولا ينبغي أن يخلو من الحديث عن الجّانب الفلسفيّ في وصف الإفتراض ووصف الجّسيمات الإفتراضيّة. رغم تحفّظ بعض أهل الفلسفة وبعض أهل الفيزياء النظريّة في هذا المجال (أقول البعض!) وهنا يمكن أن نصف المشكلة التي يقع فيها من يؤمن بوجودها ومن لا يؤمن في مسألة علاقتها بالزمان والمكان. كيف يمكن لنا أن نصف الجّسيم الإفتراضيّ وهو لم يبلغ الزّمان إلّا من خلالنا وليس من خلال الواقع؟! على كلّ حال، فإنّ من يؤيّد وجودها يقول أنّ لها كافّة المواصفات في الزّمان والمكان مثل الجّسيمات الحقيقيّة، فهي مثل الأشياء العاديّة التي نتعامل معها، من خلال إمكانيّة وجودها في الزّمان القادم وليس بالضّرورة في الزّمان الحالي، وبما أنّ الزّمان في تقسيماته الثّلاثة لا ينفصل في أيّ حال من الأحوال إلّا للضّرورة البحثيّة (حيث كما قلنا أنّ بالإمكان أن يكون إتّجاه الزّمن منغلقاً حين طيّه، وحينها لا تباين واضح ما بين التّقسيمات الثّلاثة إلّا لتلك الضّرورة كما قلنا!). لكن يبقى التّساؤل عند الطّرف المنكِر لوجودها، أن لا دليل مرضٍ إلّا من خلال الإفتراض، وما ينتج عنه، قابل للحقيقة وقابل لعدمها (يقول أحدهم أنّ المؤمن بوجودها مبالغ في ذلك حتى من الناحية الفلسفيّة!) وأنا لا أوافق على ذلك، لأسباب ورد ذكر قسم منها، وسأسرد بعضاً آخر منها، وهو يقول (إنّما الجّسيمات الإفتراضيّة هي مجرّد أوصاف تصويريّة لطريقة تقريب رياضيّة، ورغم أنّ هذا الوصف مفيد لكنّه ليس ضروريّاً لفهم تفاعلات تلك الجّسيمات، وأنّ نظريّة المجال الكموميّ ليست هي المناسبة لشرح ما يحدث بالفعل في مركز الجّسيم الفرديّ#). لا أستطيع أن أتفاعل مع هذا الطّرح من وجهة نظر علميّة وفلسفيّة بكلّ صراحة! حيث تكون النّظرة إلى نظريّة المجال الكموميّ من وجهة نظر الباحث أعلاه متأخّرة، لا مجال للتّفاعل معها، لأنّ هذه النظريّة قد أسهب فيها الباحثون، وقد قسّموا تفصيلاتها إلى جانب واقعيّ وجانب رياضيّ كما هي الرّياضيّات المتقدّمة التي تسرد وتسهب في حلولها إلى أن يتطابق مضمونها وحلولها مع واقع مفترض بالضّرورة وليس ذلك الذي يسمّى بالجانب الإفتراضيّ المبني على تلك التصوّرات غير الفعّالة والتي لا يمكن أن نصل بها أو من خلالها إلى حلول سريعة، لكن حتى هذه التصوّرات التي ينبغي أن لا ننكر تأثيرها في الواقع العلميّ أبداً، فهي مصدر إلهام لنا جميعا ومصدر إلهام مهمّ جدّاً في الوصول إلى حقائق كانت في مخيّلتنا، إلّا أنّها أصبحت واقعاً بعد حين! ولا أتفاعل مع هذا الطّرح المذكور فلسفيّاً لأنّ التّصور كما قلت هو واقع في مكان ما، في زمان ما، ولا يمكن أن يدخل في حيّز التّفكير إلّا أنّ له واقعاً وإن بَعُد أو قَرُب مكاناً أو زماناً! تتضمّن نظريّة المجال الكموميّ الجّسيمات الإفتراضيّة وبمُدخَلات رائعة، حتّى وإن كانت في الجّانب الحدسيّ (هل خاب بيتر هيغز في حَدَسِه وظَنِّهِ يوم خمّن وجود الجّسيم هيغز في وضعه ومواصفاته؟ أبداً فقد كان الواقع بعد إكتشافه مطابقاً بشكل كبير لحدس هيغز!وقد أثرنا الموضوع في إحدى الحلقات، حيث قام بيتر هيغز بتخمين واضح عنده عام 1964 على وجود هذا الجّسيم الذي يكون هو المسؤول عن إكتساب المادّة لكتلتها، وكان ما أراد في عام 2012 حيث تمّ رصده ورصد الإشارات التي تركها بصورة عمليّة في مصادِم الهادرونات الكبير في سيرن)، فكانت المُخْرَجات أروع! وبين التخمين والواقع زمن لم يتجاوز نصف قرن من الزّمان! فكيف إذا فسحنا المجال للباحث أن يتصوّر، وبعد ذلك يتحقّق من خلال هذا التّصور ومن خلال تصورات أخرى متراكمة قادمة، أن يتحقّق بعد قَرن أو قَرنين أو أكثر؟! أشير هنا إلى أن ليس كلّ حدس يمكن أن يكون واقعاً في زمننا، ولكن ينبغي أن نشير إليه ونضع له العلاقات المناسبة والرّياضيّات المتقدّمة التي تتناسب وهذا التصوّر أو الحدس، وبدليل علميّ كي نقترب به من الحقيقة وليكون واقعاً بالفعل، ولو بعد حين. إنّ العديد من الباحثين أشاروا إلى أنّ الجّسيمات الإفتراضيّة موجودة فقط كصور لتفاعلات الجّسيمات، لكنّها لا توجد بعد ذلك في واقع الزّمكان، كما أشار كلّ من روبرت وينغارد وتيان يو كاو ومانفريد ستوكلر وغيرهم. لكن أقول حتى هذه الصّور فهي صور تقترب من الحقيقة، مثلها مثل غيرها من التّصوّرات السّابقة. ولا يخفى تخوّف بعضهم من الشّطح والدّخول في دهاليز التّصوّرات العميقة التي تبتعد عن الحقيقة والواقع المشارإليه ولكنّني لا أشكّ أبداً بأنّ هذه التّصوّرات ستكون واقعاً لا محالة. ربّما يُسأل السّؤال التقليديّ في أبحاثنا هذه: وأين الزّمن من هذه الطّروحات المتعدّدة في مجال الجّسيمات الإفتراضيّة، من وجودٍ أو عدمٍ؟! والجّواب سهلٌ، أسهل من حديث لسياسيّ عربيّ يلعب على الحَبْلَين في عقول النّاس البسطاء الجّائعين والمُعدَمِين، وهو يلهو متباهياً بسهولة القول! الزّمن يا صديقي! موجود في كلّ زاوية، إن كان مع، أو في، أو بلا هذه التّصوّرات. حيث الزّمن لا علاقة له بالإرتباط بل له علاقة بذاته وهو السيد الحرّ المستقلّ (ليس كما يردّد الآخرون حول سيادة الأوطان، بينما المحتلّ القاتل،والمستعمر، يلعب في تلك البلدان ويرقص رقص الچوبي!)، وهو الذي يلعب الدّور الأساس في الكثير من الأحداث، إن أشارت إليه الأحداث أو لم تُشِر! إنّ نظريّة المجال الكموميّ نشطة في أحيان كثيرة وكبيرة وهي هنا متقدّمة في وضع التّصوّرات، وتقريبها إلى الواقع! فرياضيّاتها متقدمة. وقد لاحظنا وسنلاحظ، ما الدّور الذي تقوم به في المجال الذي أشار إليه فاينمان في مخطّطاته مثلاً، حيث الظّهور والإختفاء للجّسيمات (أو تلك التي تمّ تصوّرها وبانت بين الحين والآخر إلى أن وضعَها في مخطّطاته). وقد أثبتت التّصوّرات مدى أهمّيتها في مخطّطات فاينمان حيث وضعت لكلّ رَسْمٍ من الرّسوم معادلة مقابلة. وقد وضعت المعادلات بالإستناد إلى تلك التصوّرات التي أشرنا إليها، فهي التي أُدخِلت إلى المخطّطات بشكل ليس بالقسري، بل حتّمت الضّرورة. لذلك ظهرت الكثير من النّتائج التي تحقّقت، والتي تضمّنت هذه التصوّرات. حيث أحدثت هذه المخطّطات نقلة مهمّة في عالم الجّسيمات الدّقيقة. بل أصبحت معياراً للكثير من التّفاعلات الحقيقيّة والمتصوَّرة. فقد قدّمت لنا نظاماً منسجماً لفَرْز الإحتمالات اللانهائيّة لتفاعل الجّسيمات (رغم أنّ كلمة اللانهائيّة فيها مبالغة إلى حدّ ما، من الناحية الواقعيّة ولكن لا ننسى ما لأهميّة التّصور الذي سيوصلنا كذلك إلى واقع أجمل!). فالمسارات التي تسلكها الجّسيمات أصبحت مسارات تضمّنت فيما تضمّنت مسارات إفتراضيّة لجسيمات إفتراضيّة وحقيقيّة وبالتّالي ساعدت الباحثين على إكتشاف تفاعلات جديدة وضعت تصوراً في المخطّطات المذكورة. بل تضمّنت المخطّطات هذه، مسارات وصفت بأنّها غير ممكنة، لكنّها رياضيّاً ممكنة لحساب، وبحساب إحتماليّة أي نظام كميّ، حينما يتطوّر بين حالتين رغم الإستحالة في بعض الحالات، لكنّها تبقى تصوّرات، يمكن لها أن تتحقّق في المستقبل (أنا أؤمن بتحقيقها كما قلت لك). من خلال دراسة مخطّطات متعدّدة يمثّل كلّ مخطّط منها عائلة من التّفاعلات، والتي تتضمّن معادلات خاصّة بها. فتفاعلات مجال الإلكترون مع المجال الكهرومغناطيسيّ، حيث يمكن وصف الإلكترون بالنّسبة للزّمن في تلك المخطّطات على أنّه خطّ من خطوط المسارات الذي يتّجه مع الزّمن بينما يتّجه ضديده وهو البوزترون كَسَهْمٍ، عكس إتّجاه الزّمن. أمّا الفوتونات التي تظهر من خلال أحد الإلكترونين المتفاعلين فلا علاقة له بإتّجاه الزّمن، فيظهر بشكل متموّج (على شكل موجة تشير إليه) ما بين الإلكترون والبوزترون. لقد ألقي الفوتون في جزء من الزّمكان، ذلك الفوتون الذي يرسمه فاينمان بالشّكل المتموّج المشار إليه في مخطّطاته المتعدّدة. رغم أنّ عدداً من هذه الجّسيمات التي تظهر في المخطّطات لا تُظهِر سلوكاً واضحاً كي يتمّ حساب ما يستجدّ من سلوك أو من قِيَم تظهر وتستحقّ الحساب. هذا ما يشير إليه عدد من الباحثين. وأستغربُ! لِمَ يثيروا مثل هذه الإثارات التي لم يُشِر إلى أيّ إحتمال لحسابها رغم وجود التّصور الذي بات مهمّاً جدّاً في تلك المخطّطات (مخطّطات فاينمان). علماً أنّ وجود الجّسيمات الأوّليّة الواقعيّة تحتّم الحساب لقوى تنشأ، وزخوم ونشاطات متعدّدة للمجالات الكهربائيّة والمغناطيسيّة التي تتفاعل من خلال وجود القوّة، فتظهر هذه التّفاعلات على شكل قمّة أو نقطة، حيث تمثّل الجّسيمات المختلفة التي تظهر على شكل المسارات التي نشير إليها بين الحين والآخر. إنّ القمّة التي تظهر في الرّسوم والتي تشير إلى التّفاعلات، لا تمثّل بالضّرورة تفاعلاً واحداً أو أكثر. لكن ربّما تشير إلى عدّة تفاعلات. وفي إستمرار التّفاعلات تُلاحَظ الرّسوم ما بين الإلكترونات والفوتونات الظّاهرة في كلّ مخطّط، يصعد وينزل الشّكل المتموّج الذي يمثّله الفوتون. أي مرّة يظهر من الأعلى ومرّة يظهر من الأسفل وهكذا. ولو طبّقنا هنا قوانين حفظ الزّخم سنلاحظ كيف يمكن أن يتحوّل الزّخم (يمكن أن نتحدّث عن الطّاقة الحركيّة هنا بدل الزّخم حيث أنّ السّرعة هي العامل المؤثّر كما هو معروف!) إلى الإلكترون بعد تخلّي الفوتون عن طاقته لينتج لنا زوج الإلكترون ـ البوزترون. وهناك العديد من العمليّات التي تتشابك صورها في مخطّطات فاينمان ولكنّها بشكل منّظم جميل (يمكن أن تطّلع على المخطّطات من العنوان التّالي): What is the most complex Feynman Diagram? - Quora تعتبر عمليّة إنتاج زوج الإلكترون ـ البوزترون واحداً من ثلاثة تفاعلات تحدث حينما تخترق أشعة غاما المادّة، فيحدث التأثير الكهروضوئيّ Photoelectric effect (photon absorption) ، أو إستطارة كومبتن Compton scattering (photon scattering), أو هذا التفاعل الذي يطلق عليه بإنتاج زوج Pair production وفي التّفاعل الأخير تكون طاقة الفوتون مساوية إلى مجموع كتلتي الإلكترون والبوزترون كي يتحقّق قانون حفظ الطّاقة هنا. وإذا تحقّقت العمليّة المعاكسة نطلق عليها بفناء زوج الإلكترون ـ البوزترون كي يتكون فوتونان يمثلان مجموع كتلتي الإلكترون والبوزترون السكونيّتين (هذا النّوع من الكتلة، يعني، كأنّ الجّسيم في حالة السّكون بلا أيّ تفاعل أو بلا أيّ حركة، فيحتفظ بكتلته كما هي، وهي كتلة يمكن القول عنها أنّها لأغراض الحساب فقط بإعتبار أنّ الكتلة الحقيقيّة وسط هذا الكون بلا أيّ مطلقيّة لها حيث الحركة دائمة للأجسام، إن كانت الحركة خارجيّة أو موضعيّة، فالكتلة تفقد منها ولو الشيء القليل، وفي حساباتنا للجّسيمات الدّقيقة نستخدم هذه الكتلة للدّلالة على كتلة مطلقة معياريّة! لا أكثر،وينبغي الإشارة إلى أنّ الحديث عن فناء الأجسام غير مقنع كما أشرت في الكثير من الحلقات إلى أن لا فناء للمواد بل تحوّل من شكل إلى آخر حتّى هنا حينما نستخدم هذا التعبير فهو بالمطلق غير صحيح ولكن لغرض الإستخدام العامّ أو التعبيريّ لا أكثر، والمعنى هو أن لن يكون وجود لأيّ إلكترون أو بوزترون حينما يتفاعلان مع بعضهما. وفي اللغة الانكليزيّة كذلك هناك حيرة في إستخدام هذه الكلمة Annihilation وفيها حديث شائك حول المعنى اللغويّ الدّقيق، لا مجال لذكره الآن! حتّى بالمعنى الفيزيائيّ ووفق قوانين الحفظ (للطّاقة والزّخم) فلا فناء وفق تلك القوانين. وسنعود لتفاصيل أخرى حول هذا الموضوع إن شاء الله. قاعدة الإحتمال لا يمكن للفيزيائيّ أن يبتعد كثيراً في تصوّراته دون الإعتماد على قاعدة الإحتمال، وهي هنا لعبت دوراً مهمّاً للغاية، حينما إستند في طريقة التّعامل مع ظروف النّيوترينو في نشوئه أو في خَلْقه. ففي كلّ تفاعل من التّفاعلات التي تحدث مُنتِجةً النّيوترينو، وفي تلك المخطّطات، هناك شيء رائع ألا وهو هذه الإحتمالات الواضحة والتي إستنتجها هذا العالم الرّائع من خلال تدوير الرّسوم حسب تفاعل دخول أو إدخال الفوتون كما ذكرنا ليكوّن أشكالاً متعدّدة من التّخطيطات لتمثّل مسارات الحركة للجّسيمات والفوتونات المتفاعلة. والمخطّط المذكور يظهر بشكل جميل إحتماليّات الجّسيم الذي ينتقل بين نقطتين. في الرّجوع إلى صديقنا المبجّل النّيوترينو سنستأنس كثيراً! صدّقني! فالحديث عنه مسلّ جدّاً وهو في عالمنا أو في عالمه على حدّ سواء. ففي ذاته تكمن أشياء كثيرة تثير فينا شجوناً وشجوناً. فكما قلنا أنّ هذا الجّسيم يصدر من نتاج ميونيّ أو إلكترونيّ أو غير ذلك فكلّهم أو كلّ أنواعه بنفس الإحترام والتّبجيل! ففي نظريّات المجال الكميّ وبإستخدام طريقة التّقريب لنظريّة من النظريّات المهمّة في هذا المجال وهي نظريّة الإضطراب، وبشكلٍ متكرّر يكون هذا العمل ذا نجاحات رائعة لمعرفة وتقدير البيانات التي نحصل عليها تجريبيّاً. ففي مخطّطات فاينمان المتعدّدة تظهر قيم تجريبيّة ونظريّة للعزم المغناطيسيّ للميون الذي يشذّ وفق هذه المخطّطات. التي تُظهر لنا تأثيرات التفاعلات الكهرومغناطيسيّة بين الإلكترونات والفوتونات بشكل جميل. وهي المخطّطات التي أصبحت مقبولة إلى درجة كبيرة في نظريّة الديناميكا الكهروكميّة لتصوّر وحساب تلك التأثيرات. وتصوّر كذلك الكثير من تفاعلات الجّسيمات الأساسيّة. فمن سلوك هذه الجّسيمات تلك الإستطارات المحسوبة والمراقَبة بشكل كبير. فاينمان لم يكن رجلاً عاديّاً في وَضْعِ تلك المخطّطات الرّائعة التي تدرس سلوك هذه الجّسيمات (للعلم كان فاينمان غريباً في بعض هواياته! فقد كان يجمع الأقفال ويتبحّر بها ويدسّ أنفه فيها وكيفيّة التّعامل معها، وأعتقد أنّ إلتقاط الأقفال لعبة أو هواية من الهوايات التي يمكن إعتبارها عاملاً من العوامل التي جعلته يفتح الكثير من أقفال الجّسيمات الإفتراضيّة!)، عندما تغرق هذه الجّسيمات بتصادمات متعدّدة وهي بطاقاتها العالية. فلدراسة أبسط تصادم يحدث ما بين إلكترونين ستشهد العديد من الصّور التي يكون فيها التّفاعل متعدّد الأشكال، حيث تمّ حساب مثل هذه التّصادمات في السّابق عن طريق إستخدام المجال الكهربائيّ وقوانين حفظ الطّاقة والزّخم وغيرها من العلاقات في هذا المجال. بينما بإستخدام الحسابات الكميّة فيجب حساب النّشاط الفوتونيّ وإستطارة الجّسيمات المذكورة. فلو إقترب الإلكترونان من بعضهما تحدث الإستطارة المتوقّعة لهما فيصدر أحدهما فوتوناً (كما ذكرنا في الحلقة السّابقة) يضرب الإلكترون الآخر فيحدث إرتداد للإلكترونين من هذه العمليّة مع حركة الفوتون الصّادر. فلدراسة هذه العمليّة يمكن أن نرسم مخطّط فاينمان الذي يظهر لنا الإلكترونين والفوتون. لكنّ الشّيء الجّميل في هذا المخطّط أنّه يُظهر لنا إحتمالات إصدار الإلكترون الآخر فوتوناً كذلك فتكون الإحتمالات في أشكال التّفاعلات والإستطارات أكثر تعقيداَ. ناهيك عن إصدار ثانٍ لنفس الإلكترونات فوتونات ثنائيّة أخرى، أي أنّ الإلكترون الواحد يكون متعدّد الفوتونات في الإصدار. ليقوم الإلكترون بتعدّد الإمتصاص لأكثر من فوتون. وهناك عمليّة أخرى من هذه العمليّات المعقّدة، وهي أن ينتقل الفوتون من إلكترون إلى آخر، قد يحدث ذلك، فيتحّول مؤقتاً إلى زوج إلكترون /بوزترون قبل أن يتحوّل إلى فوتون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ #Haunted by the Spectre of Virtual Particles: A Philosophical Reconsideration. Journal for General Philosophy of Science, 39(1):35-51. September 2008
#مؤيد_الحسيني_العابد (هاشتاغ)
Moayad_Alabed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكونُ الواسعُ والعقولُ الضيّقة 27
-
الكونُ الواسعُ والعقولُ الضيّقة 26
-
الكونُ الواسعُ والعقولُ الضيّقة 25
-
الكونُ الواسعُ والعقولُ الضيّقة 24
-
الكونُ الواسعُ والعقولُ الضيّقة 23
-
الكون الواسع والعقول الضيّقة 22
-
الكون الواسع والعقول الضيّقة 21
-
الكون الواسع والعقول الضيّقة 20
-
الكون الواسع والعقول الضيّقة 19
-
الكون الواسع والعقول الضيّقة 18
-
الكون الواسع والعقول الضيّقة 17
-
الكون الواسع والعقول الضيّقة 16
-
الكون الواسع والعقول الضيّقة 15
-
الكون الواسع والعقول الضيّقة 14
-
الكون الواسع والعقول الضيّقة 13
-
الكون الواسع والعقول الضيّقة 12
-
الكون الواسع والعقول الضيّقة 11
-
الكون الواسع والعقول الضيّقة 10
-
الكون الواسع والعقول الضيّقة 9
-
الكون الواسع والعقول الضيّقة 8
المزيد.....
-
الصحة العالمية: الضوضاء تهديد خفي لصحة الإنسان
-
يعزز المناعة ويضبط سكر الدم.. فوائد تناول أوراق هذه الفاكهة
...
-
لو مريض ضغط.. نصائح فعالة عشان مايعلاش
-
لو عندك إمساك.. هذا الطعام اللذيذ يخلصك من المشكلة
-
روشتة صحية من 7 خطوات للوقاية من النوبة القلبية
-
الصحة العالمية تؤكد أن جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ ص
...
-
باكستان تعلق خدمات الإنترنت والهواتف المحمولة في بعض مناطق ا
...
-
حصاد الطب 2024.. جراحة جديدة لمرضى ألزهايمر تظهر -نتائج واعد
...
-
النبّاشة: كيف تحول التلوث البيئي إلى وسيلة للكسبوسبب للموت ف
...
-
تزايد ملحوظ في إصابات السرطان في كردستان والحكومة تبعث رسالة
...
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|