|
صلاح الدين عصرنا
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1628 - 2006 / 7 / 31 - 06:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نقلتْ وكالة الأنباء الفرنسية ( يوم 26 / 7 / 2006 ) ، عن مراسلها بدمشق ، ما قال أنها إنطباعات الناس في المدينة ، عما يحصل في لبنان ؛ وتحت هذا العنوان ، اللافت للنظر : " نصر الله ، صلاح الدين العصر الحديث " . في توقفنا هنا عند الخبر الموسوم ، لا نستطيع غض النظر عن ذلك التساؤل المشروع ، في مدى الحرية المتاحة لمراسل بلدٍ غربيّ ـ كفرنسة ـ المُصنف من لدن نظام دمشق في " لائحة " الدول المقاوِمة للمقاوَمة ؟ ناهيك عن المدى ، المفترض ، المتاح لأولئك الناس في التعبير عن آرائهم بـ " حرية " ؟ ؛ هذه الكلمة المُغيّبة ، كعزيز مفقودٍ ، منذ ما ينوف الأربعين عاماً من حكم العسكريتاريا الريفية ـ الطائفية ؛ حكم الرعب والإرهاب والتنكيل والإذلال ، الذي أفشى في الخلق صفة َ الإستكانة والإستسلام والقدرية . فألا نغضّ الطرفَ ، أيضاً ، عن رجال الأمن المتعقبين ، كظلّ أسودٍ ، أثرَ كلّ مراسل أو صحافيّ ، أجنبيّ ، تبقى الحقيقة ، المرّة في بوحَها ؛ وهيَ أنّ كلّ مواطن سوريّ ، خارجَ الحلقة المرتبطة بالسلطة ، أضحى مراقِباً أميناً لنفسه ، " الأمارة بالسوء " ؛ وبالتالي فهوَ على معرفةٍ تامة ، بما يتوجّب عليه قوله ، سواءً بسواء أكانَ ذلك قدام الغريب أم القريب .
عودة إلى تقرير المراسل الفرنسيّ ، لنعلمَ منه أنه إستوفى ذلك الإنطباع ، عن زعيم حزب الله ، خلال زيارة لمقام محرر القدس ، الواقع بقلب دمشق ؛ المقام الذي كثرَ الإقبال عليه من المواطنين ، مؤخراً ، بحسب التقرير نفسه . و صِفة التأخير تلك ، عائدة ٌ بطبيعة الحال للموصوف ، العتيد ، الذي أشعل الحرب اللبنانية ، الأخيرة ، فإستحقّ والحالة تلك ألقابَ البطولة ، التاريخية ، المتوجة " بطولته " . وبما أننا في المسار التاريخيّ ذاته ، فلربما يجوز لنا مسرىً آخر ، أقدم قليلاً ، من حق القاريء علينا أن نستعيده ونذكره به : وهوَ أنّ كلّ طاغيةٍ ، ثوريّ ، في تاريخ العروبة الحديث / الرافض للحداثة ، ما كانَ سوى " صلاح الدين عصره " ؛ إعتباراً من أول الإنقلابيين السوريين ، الزعيم حسني الزعيم ، إلى ثالثهم ، العقيد أديب الشيشكلي ، إلى آخرهم ، الفريق حافظ الأسد ؛ مروراً بفرعون مصر الجديدة ، عبد الناصر ، وزميله العراقيّ صدام حسين ؛ وإنتهاءً ، ربما ، بسماحة السيّد نصر الله ، قائد المقاومة اللبنانية : تشكيلة ٌ من الزعماء ، المفسدين في أرض بلادهم وأراضي غيرهم ، أيضاً ؛ خلطة ٌ كارثية ، عجيبة ، من الإستبداد والفساد والجهالة والظلامية والعقد النفسية ، المزمنة : أمّا القدسُ ؛ " عروسُ عروبتهم " ـ على حدّ سكين الكلمة ، القاطعة ، للشاعر مظفر النواب ـ فما فتئتْ تلك المغتصَبَة ، التي يلوّح بمنديل إنتهاكها كلّ متفرعن من هؤلاء ، قادم للتوّ إلى سدة الكرسيّ ، الأزليّ ، وبالتالي إلى الميكروفون البهلوانيّ ؛ الإذاعيّ أو التلفزيونيّ .
يستوقفنا في تقرير مراسل ( ا ف ب ) ذاكَ ، إلماحته الذكية ، عن مغزى " التأييد الشعبي الكاسح " ، الذي يحظى به محررنا الجديد ، السيّد نصر الله ، الزعيم الشيعيّ اللبنانيّ ، بين الجماهير السورية ؛ وهيَ الجماعير المنتمي أغلبها للطائفة السنيّة ، المغلوبة على أمرها في دولة " الطائفة المختارة ! ". فالمعروف ، على سبيل المثال والمقارنة أيضاً ، أنّ صدام حسين في زمن سطوته وإغارته على جارته الشيعية ، إيران ، كانَ قد حظيَ بهذا اللقب المهيب ، " صلاح الدين الجديد " ، من ماكينة إعلامه . فيما دعته هذه الجارة ، بحق ، بنعتٍ أكثرَ ملاءمة له ؛ " يزيد العصر " ، نسبةً لشبيهه في العسف والجبروت ، يزيد بن معاوية الأمويّ . وبلغ الإستخفاف وقتئذٍ بعقول السذج من جماهيرنا العربية ، أنّ يظهرَ الديكتاتور العراقيّ في لقطة تلفزيونية ، إستعراضية ، ملوحاً بما زعمَ أنه سيفُ صلاح الدين الأيوبيّ : بينما الوثائق التاريخية ، الأصلية ، تنبينا بأنّ صلاح الدين ، حينما حضره الأجلُ ، كان قد أوصى بضمّ سيفه لكفنه : " كي يشهدَ أمام الله عليّ " ؛ كما جاء في سيرته ، المدونة من لدن كاتبه إبن شداد . إلا أنه لا يمكن الغضّ عن حقيقة اخرى ، وهيَ أنّ الطاغية العراقيّ ، البائد ، كان قد سوّق ذاته إعلامياً كقرين ـ كذا ـ لمحرر القدس ، إنطلاقاً من تشابهات مفترضة في سيرتيْهما : المولد في المدينة ذاتها ؛ تكريت ، وبفرق ثمانمائة عام بينهما ، علاوة على الإنتماء للمذهب نفسه ؛ السنيّ ، وتعصبهما له . بيْدَ أنّ الأصل الكرديّ ، الثابت تاريخياً ، لصلاح الدين ، كانَ إشكالاً بيناً في تلك المسألة ؛ خاصة ً ما عُرفَ عن الشبيه التكريتيّ ، البعثيّ ، من تعصّب آخر لديه ، عروبيّ ، وحقدٍ أسودٍ على ملة الكرد ، " في الشمال الحبيب " ؛ حدّ قذف مدنهم وقراهم وجبالهم بالأسلحة الكيماوية ، التي إستنكفَ عن إيصالها للعدو الصهيونيّ عبْرَ صواريخه ، المجيدة ، أثناء حرب تحرير الكويت .
كانَ لا بدّ أن يطمئنَ خاطرُ صدام حسين ، بشأن ذلك الإشكال ، القوميّ ، بما وُضِع في خدمته من وثائق تاريخية ، مزورة ، تعيد أصلَ صلاح الدين للعرب العاربة ؛ كما عبّر عنه " المؤتمر الدولي " ، الكسيح ، في تكريت ، بمناسبة مرور ثمانمائة عام على وفاة الرجل ، والذي رعاهُ الرفيق عزة الدوري . الطريف والمؤساوي ، في آن معاً ، أنه وبالمناسبة نفسها ( عام 1993 ) ، سيُعقد في بيروت ، أيضاً ، مؤتمراً مشابهاً ؛ وإن كان لأهداف اخرى ، لا علاقة لها بتطويب " حامي البوابة الشرقية " . إذ إنبرى مزبداً مرعداً حزبُ الله ، بالذات ، متوعداً ومهدداً أولئك الباحثين اللبنانيين ، وزملائهم من الدول العربية ، القائمين على إحياء ذكرى صلاح الدين : هكذا " إحتفى " بالمناسبة الحزبُ الذي يقوده السيد نصر الله ؛ صلاح الدين العصر ! وبلغ من الحقد الطائفي والعنصري على ذكرى محرر القدس ، الكرديّ ، أنّ يقوم حسن الأمين ، أبرز منظري ذلك الحزب ، بوضع كتاب تاريخيّ ، بهذا العنوان " صلاح الدين بين الفاطميين والعباسيين والصليبيين " ( طبعة دار الجديد ـ بيروت 1994 ) ؛ هذا الكتابُ المتخم بالإفتراءات والمغالطات والخرافات ، بهدف النيل من شخصية صلاح الدين . وبما أنّ الكاتب اللبنانيّ هذا ، كان آنئذٍ في حِمى الوصيّ البعثيّ ، السوريّ ، فقد بلغت به القحة أن يُثبت في ملحق كتابه نماذج من رسائله الإرهابية ، التي كان قد سبق له وبعثها للمؤتمرين ، المجتمعين في العاصمة اللبنانية لإحياء ذكرى محرر القدس . إنّ هذا الأخير ، بطبيعة الحال ، ليسَ قديساً أو مُطهّراً ؛ بل هوَ إنسانٌ قبل كل شيء ، بجليل أعماله وقبيحها على السواء . غير أنه تبقى الحقيقة وحدها ، ساطعة ، وعلى الرغم ممن يتعامون عنها ؛ وهيَ أن زعيم حزب الله ، لأبعد الناس تشبهاً بصلاح الدين ، أعمالاً وأخلاقاً وأفكاراً . هذا ، دون أن ننسى ، أيضاً ، إهانته لملة محرر القدس بالذات ؛ بنعته الكرد بـ " صهاينة شمال العراق " . إلى قيام نصرُ الله هذا بنصرة الطغاة ، من شاكلة بعثيي العراق وسورية وملالي إيران .
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصف إعلامي ، عشوائي
-
محمد أوزون ؛ كاتبٌ كرديّ على أبواب العالم
-
من البونابرت العربيّ إلى الطاغوت الطائفيّ
-
الزرقاوي ، وسوداويّة الإسلام السياسي
-
الوجهُ الجميل لنظام ٍ قبيح
-
المثقفُ مستبداً
-
الدين والفن
-
بين إيكو وبركات 3 / 3
-
فلتسلُ أبداً أوغاريت
-
بين إيكو وبركات 2 / 3
-
بين إيكو وبركات 1 / 3
-
منتخبات شعرية
-
الماضي والحاضر
-
الوحدة والتعدد في اللوحة الدمشقية
-
مأثورات دمشقية في مآثر كردية
-
سرّ كافافيس 2 / 2
-
سرّ كافافيس 1 / 2
-
الدين والوطن ، في ورقة إخوانيّة
-
طغم وعمائم
-
علوَنة سوريّة : آثارُ 8 آذار
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|