|
الخطوة الاولى
عبدالواحد حركات
الحوار المتمدن-العدد: 6860 - 2021 / 4 / 5 - 16:26
المحور:
الادارة و الاقتصاد
الخطوة الأولى عبدالواحد حركات
تغيير وجهة الطائرة ثلاث درجات ونصف الدرجة ستجعلها تهبط في مطار الأبرق بدلًا من مطار بنينا بعد ساعة من إقلاعها، فتغيير نسبته لا تتجاوز 1.7 درجة، سيحطم الآمال في مغازلة شاطئ جليانة ويستبدلها بواقع آخر بأعالي الجبل الأخضر، وهذا التغيير الصغير قد يغير مستقبل شخص أو مؤسسة، والسيناريو الأسوأ أن يقطع الموت الطريق ببقرة في قندوله، وينهي حياة الشخص والبقرة أيضًا!
لماذا علينا أن نتعايش مع المشاكل؟! الحلول مكومة في أرجاء المعمورة، وليس على الليبيين سوى التقليد مع المواءمة لخصوصيتهم، وكل ما حدث ويحدث في ليبيا قد حدث في دول عدة، وما تمر به ليبيا من أزمات وتقلبات ومقاومات ساذجة للتغيير، وما يعايشه أكثر الليبيين من شيزوفرينيا وإحباط وهموم ونوستالوجيات عاقرة عايشته شعوب قبلهم، وأفلتت منه، فالتغيير مهما كان هو الحقيقة الوحيدة الثابتة في الحياة، فكل شيء يتغير ويتبدل في الحياة إلا التغيير يظل هو التغيير!
أس المشاكل والمعضلات في ليبيا هي مقاومة التغيير، فقد أجبر الجميع على معايشة اللامنطق بعدما راجت واستشرت ومورست طرق لا عقلانية لمقاومة التغيير على مستوى الأفراد وكذلك المجموعات والجماعات، واتخذت قرارات سيئة ومحبطة ألحقت الضرر بالجميع دون استثناء، ولم تكن القرارات سياسية في جوهرها بل قرارات اجتماعية منكهة بداحسيات جاهلية وبراغماتية فاضحة، أدت بمجموعها إلى تشويه المؤسسات وتقليص سلطاتها وقيدت الإدارة وعطلتها بطريقة غير مباشرة، فعجزت الإدارات عن أداء مهامها عدا سداد المرتبات! "من يحترفون إثارة الفوضى في المجتمع هم بالتأكيد الذين لا يملكون حلًا لمشكلاته، لكن يبحثون عن الزعامة وسط الفوضى"، أخشى أن يكون دوستوفسكي يقصد وصف واقع ليبيا بهذه الكلمات، وإن كنت على يقين أنه قد رحل منذ مائة وأربعين سنة، ولا أظنه يعرف ليبيا أو سمع باسمها طوال حياته!
إن أعظم خلل اجتماعي يتمثل في ازدواجية ومزاجية ولاء الليبيين، والمبادئ التي تبنى عليها القناعات وبالتالي الأقوال والأفعال، فاستبدال الولاء لمؤسسات الدولة المقننة والمهيكلة بولاء لمنظمات اجتماعية موازية يعد نكوصًا إراديًّا وعودة طوعية إلى مرحلة ما قبل الدولة وما قبل المدنية، وهذا النكوص وإن كان في ظاهره يلبي احتياجات معينة إلا أنه يلغي امتيازات ويقيد استقلالية الأفراد ويخلق بيروقراطية فاسدة بأسلوب مريب لا مجال فيه للتقييم أو للمحاسبة أو للاعتراض أو للتغيير، فالزعامة الاجتماعية تورث وتعمم على الأسر وتخلق خللًا اجتماعيًّا بأسلوب قطرة الماء، فيرتفع أشخاص ويتصدرون المشهد ويحتكرون القرار والرأي والرؤى دون موجبات حقيقية سوى العادة والوجاهة والكثير من البروباجندا والأسطرة! المراد ترتيب دولة وليس اختيار لون جديد للبحر!
ليبيا واقعيًّا دولة سائلة وهشة، وتغيير هذا الواقع يحتاج إلى جهود وخطوات مدروسة ومقننة، فلا ينبغي الركض وراء أهداف قيمية لا يمكن ضمان تطبيقها، وتجاهل حقائق واقع يعاش يوميًّا بأسلوب دراماتيكي، نتيجة قصور معرفي وإصرار مريب على عيش الراهن بدقة وإعادة تدوير الخوف من كل آتٍ؛ لجني فوائد فردية وتحويل المواطنة إلى سلعة والمواطن إلى مستهلك للسياسات كرهًا أو طوعًا، وجعل مطاردة الطمأنينة شأنًا فرديًّا بدل أن تكون حالة جماعية، وتفتيت الغايات وتهشيم الهوية بأساليب براغماتية مثيرة للأسى. الحياة جدل محتدم بين الأمس والغد!
انصهار الليبيين في مطابقة اجتماعية وانحيازهم للأمس ضد الغد أغلق الأفق، فالغايات والأهداف أصبحت آنية، ولا مجال لتأجيلها أو تجزئتها أو تأخيرها، مما أوجب موت الاستراتيجيات وتجميدها وتقليصها إلى الحد الأدنى، ولم يعد تجاوز مأزق الإدارات والمؤسسات ممكنًا بالأساليب التقليدية بل ينبغي إعادة صياغة وتصميم أنظمة الإدارة والهياكل التنظيمية، وتجاوز نظم التسلسل الهرمي والطبقات الإدارية والتحول إلى أنظمة إدارية مدمجة وموجهة إلى العمليات والتحكم الذاتي، فلم تعد الافتراضات الضمنية المؤسسة للإدارة التقليدية موجودة، فالإدارات الوسطى والتشغيلية باتت قادرة على التحكم والمراقبة واتخاذ القرارات، وأصبحت مصادر المعلومات وعناصر التحكم مدمجة ومتوافرة، كما تتيح التكنولوجيا المعلوماتية العديد من الخيارات والحلول وتسهم في توجيه وتيسير اتخاذ القرارات. لا تنظر طويلًا في الهاوية كي لا تلتفت إليك!
الخطوة الأولى.. التي ينبغي أن تتخذ في هذه المرحلة الحرجة تتمثل في إعادة هيكلة السلطة القضائية، وتصميم أنظمة إدارية أفقية لكل الأجهزة الضبطية، وتفعيل المحاكم والنيابات وضبط آليات عمل المحاماة ومحرري العقود ومدارس التراخيص، وحل هيئات الرقابة ومكافحة الفساد وتأسيس إدارة قضائية تؤدي مهامهما مستقلة وتابعة للسلطة القضائية وليس لسلطة الحكومة، على أن تتم زيادة تأهيل وإعداد عناصر السلطات الضبطية ومنح صلاحيات إضافية إلى رؤسائها. بلا شك.. !. الحقائق التي نسكت عنها اليوم تصبح سامة.
#عبدالواحد_حركات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليبيا - إعادة الهيكلة الادارية
-
مفترق طرق
-
تشوهات الفكر
-
قناعات الشعبويين
-
خلل النخبة
-
فشل السياسة
-
في السياسة
-
ازمة ثقة
-
مفهوم الفكر الديني
-
تجديد مفهوم الهوية
-
ماء ونار - نص شعري
-
دراسة في تطوير اللغة العربية
-
الجيل الداعشلوجي الثالث .. والاخير
-
داعشلوجيا محاكم التفتيس الاسبانية
-
داعشلوجيو اليهود حاكموا المسيح .. باسم الشريعة وبمباركة روما
...
-
جذور الداعشلوجيا
-
فايروس الزير
-
هويات سقيفة - طورابورا -
المزيد.....
-
كم سعره اليوم؟.. أسعار عيارات الذهب اليوم في العراق الجمعة 2
...
-
بعد اجتماع البنك المركزي بتثبيت سعر الفائدة .. سعر الدولار ا
...
-
بسعر المصنعية .. سعر الذهب اليوم بتاريخ 22 من نوفمبر 2024 “ت
...
-
بعد اجتماع البنك المركزي بتثبيت سعر الفائدة .. سعر الدولار ا
...
-
بسعر المصنعية .. سعر الذهب اليوم بتاريخ 22 من نوفمبر 2024 “ت
...
-
سؤال يؤرق واشنطن.. صنع في المكسيك أم الصين؟
-
-كورونا وميسي-.. ليفاندوفسكي حرم من الكرة الذهبية في مناسبتي
...
-
السعودية: إنتاج المملكة من المياه يعادل إنتاج العالم من البت
...
-
وول ستريت جورنال: قوة الدولار تزيد الضغوط على الصين واقتصادا
...
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|