|
مدخل لفهم اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة (الحلقة الأولى )
محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)
الحوار المتمدن-العدد: 6860 - 2021 / 4 / 5 - 12:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تجاهد مجموعات المصالح في الولايات المتحدة بشكل روتيني لتشكيل التصورات للمصلحة الوطنية وإقناع المشرعين والرؤساء بتبني سياساتهم المفضلة. ولتسهيل تحقيق هذه الغاية فقد أسست مجموعات المصالح شركات للعلاقات العامة مهمتها الأساسية التلويح والتحبيب والضغط والتوجيه المباشر وغير المباشر بهدف التأثير على صانع القرار وتوجيه قراره بما يخدم مجموعات المصالح المتنافسة لدرجة أنها استطاعت التأثير على قرار السلم والحرب في الولايات المتحدة . وعندما تكون مجموعة مصالح معينة قوية وقادرة وتمتلك ما تمتلك من وسائل الإعلام والتأثير بشكل بارع فإنها تؤثر على السياسة الخارجية للبلد وتوجهها حيث تريد حتى لو أثرت على سمعة ذلك البلد على المدى القريب أو المتوسط . لنأخذ على سبيل المثال لا الحصر محاولة بعض الشركات حماية سلعها من المنافسة فتعمل إلى منع الاستيراد بهدف حصر البيع بشركة واحدة أو مجموعة شركات وبالتالي يزداد سعر السلعة بسبب غياب التنافس وتستفيد مجموعات المصالح من قرار منع الاستيراد ، ومثاله ما حدث في الولايات المتحدة عندما تم تعطيل مشروع قانون مراقبة صناعة الأسلحة الفردية وبيعها والاتجار بها لصالح شركات الأسلحة وتجارها وبالتالي تعم الفائدة على مجموعات المصالح .
تسعى مجموعات المصالح إلى تعيين عملائها في مراكز اتخاذ القرار في العديد من المواقع الهامة والحساسة فمثلا ، تميل مجموعات المصالح في الولايات المتحدة إلى تعيين عضو سابق بها في معهد البترول الأمريكيAPI ، وهو المعهد المعني بالمعايير الأمريكية والدولية ثم ينتقل من معهد البترول الأمريكي ليصبح مسؤولا في البيت الأبيض لشؤون البيئة، ويقوم بدوره في التخفيف من حدة التقارير التي ترد حول الانبعاثات الغازية والاحتباس الحراري، ويمنع الولايات المتحدة من التوقيع على اتفاقية المناخ العالمية ثم يستقيل من منصبه في البيت الأبيض ليتولى دورا قياديا في شركة إيكسون موبيل ويعبر عن قلقه على توريدات النفط وصناعته والأخطار المحدقة به والتهديدات التي تشكلها بعض دول الشرق الأوسط على توريدات النفط العالمية وخاصة تلك المتعلقة بالولايات المتحدة .
إن تأثير اللوبي الإسرائيلي على السياسة الخارجية للولايات المتحدة يستحق نفس القدر من التمحيص والتدقيق تماما مثل مجموعات المصالح المنتشرة في مؤسسات الطاقة والأسلحة والبيئة والتنمية والطب وشركات الأدوية في دولة تعتمد على المحامين وشركات العلاقات العامة في تصريف أمورها الداخلية والخارجية . لا ينكر أن هناك مجموعات مصالح إسرائيلية وأفراد يعملون في الظل يشكلون اللوبي الإسرائيلي الذي يدفع سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط نحو حماية اسرائيل ماديا ومعنويا وعسكريا ولوجستيا ويعتمد في تصريف شؤونه على أسس تبتعد كل البعد عن أخلاق السياسة وأعرافها وتقاليدها .
ويوفر هذا اللوبي كل الجهود والحجج الاستراتيجية والأخلاقية التي يحتاجها لتأمين الدعم غير المشروط للحد الذي يضع السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل موضع تساؤل في الدوائر الدبلوماسية . يروج اللوبي الإسرائيلي لسياسات تخدم الأمريكيين والاسرائيليين على حد سواء لكنها في الخفاء تخدم المصالح الوطنية لإسرائيل قبل أي مصالح أخرى .
تدعم الولايات المتحدة وجود إسرائيل ، وتدافع عنه في الأمم المتحدة ، وتسعى دائما إلى تحسين صورة إسرائيل في المحافل الدولية رغم كل الإساءات التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان والجولان وفلسطين وغزة تصل حد الإبادة الجماعية . وغم ذلك ، دعمت الولايات المتحدة إسرائيل ومنعت التوافق الدولي لإدانتها في أكثر من مناسبة . إن حجم الدعم الأمريكي إسرائيل وطبيعتها غير المشروطة إلى حد كبير يصل حد الرفاهية بحيث تمر إسرائيل من العقاب مرور السهم من النار . كل ذلك يدفع الدوائر السياسية المختصة للتساؤل عن ماهية العلاقة التي تربط بينهما في السر والعلن .
السؤال الهام هو : ما هي مكونات اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة وكيف يعمل داخل الإدارة الأمريكية ؟
للإجابة على هذا السؤال يجب أن نفهم أولا كيف تعمل الفرق وكيف تتوزع المهام وكيف تتقاطع النتائج والانجازات لتحقيق هدف واحد هو السيطرة على مركز اتخاذ القرار . تقوم مجموعات المصالح الإسرائيلية بتوزيع المهام على مجموعات صغيرة ومهمات محددة بعينها بحيث تغطي كل مفاصل اتخاذ القرار وتزرع أجيالا من الأفراد مهمتهم تحقيق ما يطلب منهم في الزمان والمكان المحددين وفق الاجندة التي ترسمها تل أبيب . يتكون اللوبي الإسرائيلي من مجموعات المصالح المنتشرة في وزارة الخارجية وفروعها والدفاع وفروعها وأجهزة المخابرات الأمريكية وفروعها ووزارة التجارة وفروعها والمؤسسات المالية وفروعها والبحث العلمي والتطوير العسكري والجامعات وتؤسس سلسلة غير محدودة من شركات العلاقات العامة التي تخدم المصالح وعددا لا يستهان به من الشركات الاستشارية في مختلف المجالات صغيرها وكبيرها . تعريف اللوبي
نستخدم في هذا المقال " اللوبي الإسرائيلي " كمصطلح مختصر مناسب للتحالف الفضفاض بين الأفراد والمنظمات التي تعمل بنشاط لتشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة على نحو مؤيد لإسرائيل . واللوبي ليس حركة منظمة موحدة مع قيادة مركزية معروفة ، ولكنه مجموعة من الأفراد والمجموعات المنفصلة عن بعضها والتي تشكل تحالفا واسعا يختلف أحيانا حول قضايا سياسية محددة ويتفق في الجوهر على القضية الأساسية التي يعمل من أجلها . وهو ليس عصابة أو مجموعة متآمرة تعمل في الخفاء لكنه مجموعة من المنظمات والمجموعات والأفراد التي تعمل في الهواء الطلق بحرية مطلقة تماما كما تعمل مجموعات المصالح في قطاعات مختلفة أخرى .
إن استخدام مصطلح "اللوبي الإسرائيلي" بحد ذاته مضلل إلى حد ما ، فالمدقق يجد صعوبة في فهم هذا التحالف الفضفاض إذ لا ينخرط الأعضاء في أنشطة الضغط الرسمية الظاهرة لكنهم ، بدلا من ذلك ، يحركون الأجزاء الفاعلة المختلفة للتأثير على اتخاذ القرار المناسب الذي يخدم مصالحهم ويؤثر على سياسة الولايات المتحدة بحيث يظهر أن القرار اتخذ بشكل طبيعي تلقائي بريء. يعمل اللوبي الإسرائيلي بدقة عالية وحرفية منقطعة النظير في ممارسة تأثيره الفعال في القضايا والمسائل التي تخص اسرائيل .
وقد أطلق مصطلح "اللوبي الإسرائيلي" اسم "الجماعة الموالية لإسرائيل" أو حتى "المساندون لإسرائيل" حيث يجري ممارسة الضغط البسيط على الحكومة الأمريكية.
يقوم اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة بتأسيس مجموعات علاقات عامة صغيرة تعمل بوحي منه مثل " ردهة النفط " و"ردهة التأمين " و"ردهة المزرعة" و" ردهه العلاقات " و"ردهة السلام" و "ردهة المرأة" وغيرها من الهيئات الصغيرة التي تفعل فعلها في الوقت المناسب حيث يوظفها اللوبي الإسرائيلي في خدمة غاياته ومصالحه. وكما هو الحال مع مجموعات المصالح الخاصة الأخرى ، فإن حدود اللوبي الإسرائيلي لا يمكن تحديدها بدقة ، وسيكون هناك دائمًا بعض الأفراد على الحدود أو المنظمات التي يصعب تصنيف وضعها أو رصد نشاطاتها. لكن من السهل تحديد المجموعات التي هي بوضوح جزء من اللوبي - مثل المنظمة الصهيونية في أمريكا (ZOA) - وكذلك أفرادها الرئيسيين مثل مالكولم هوينلين ، نائب الرئيس التنفيذي لمؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى. وهناك مجموعات مصالح من غير الواضح تحديد علاقاتها مع اللوبي الإسرائيلي . مع ذلك، هناك دائما بعض الجماعات والأفراد الذين يكون موقفهم أكثر غموضا مثل بعض الحركات الاجتماعية والسياسية الموالية لإسرائيل . باختصار إن حدود اللوبي الإسرائيلي غامضة إلى حد ما ولا يمكن الإحاطة به .
اللوبي الإسرائيلي ليس مركزي العمل ولا يعتمد الهرمية وليس منظمة ذات عضوية محددة ، ولا توجد بطاقات عضوية أو طلبات انتساب له أو شعائر وطقوس للبدء به ، لكنه مجموعة من الأفراد والمجموعات التي تهدف إلى تشجيع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية والجمهور الأمريكي لتقديم المساعدات المادية لإسرائيل ودعم سياساتها عن طريق أفراد مؤثرين داخل الحكومة الأمريكية وجسمها القانوني والسياسي يعمل في الظل ويلتزمون بأمن إسرائيل ودعمها ماديا ومعنويا والوقوف إلى جانبها في كل مجال، ينشط أحيانا ويهمد أحيانا أخرى ويعايرن ضابط الضغط على الجمهور الأمريكي عن طريق منظمات مثل أيباك (AIPAC) ومعهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى (WINEP) ورابطة منظمات التشهير (ADL)والمسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل (CUFI) بينما يكتب الأفراد المقالات والأبحاث الداعمة لإسرائيل في صحفهم المحلية أو إرسال شيكات إلى سياسيين مؤيدين لإسرائيل ويجب أن يُنظر إلى مجموعات العمل على أنها جزء من شبكة أوسع من أنصار اللوبي الإسرائيلي. هذا التعريف لا يعني أن كل أمريكي لديه مواقف موالية لإسرائيل أو عضو في اللوبي الإسرائيلي . هناك مواطنون أمريكيون لا يؤيدون السياسات الحكومية ولا يناصرون القضايا الإسرائيلية ولا يهتمون لها .
وهناك من يعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تمنح إسرائيل دبلوماسية هامة وجوهرية ، إضافة إلى الدعم الاقتصادي والعسكري حتى عندما تتخذ إسرائيل سياسات تخالف الولايات المتحدة أو تخرج عليها . وعندما يحدث ذلك ، تتحرك الردهات المتصلة باللوبي الإسرائيلي لتصحيح مسار العلاقات في أسرع وقت بحيث تضمن صمت الإدارة الأمريكية أو تجاهلها للتصرفات الإسرائيلية .
يتبع....
#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)
Mohammad_Abdul-karem_Yousef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكمة فلاسفة اليونان الخالدة
-
سميت نفسينا الحزن
-
الذهب الأزرق: الأصول السائلة من وإلى الأرض
-
خوف لا استطيع تغييره
-
درس من شاطئ البحر
-
حبيب أم فريسة مستساغة
-
سؤال فلسفي
-
علم نفس وسائل التواصل الاجتماعي
-
مبادئ وعقائد الرؤساء الأمريكيين
-
كيف غيرت وسائل التواصل الاجتماعي حياتنا؟
-
لسعة النحلة
-
جوع
-
لا مبالاة
-
ما الحياة إلا حديقة
-
جرعات يومية من السموم الرقمية
-
التنقيب عن المعلومات
-
وعود
-
الحديقة
-
حرب اسمها القلق
-
شبح اسمه القنوط
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|