|
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6860 - 2021 / 4 / 5 - 00:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الساعة من المصطلحات الشائعة في القرآن الكريم وقد وردت في مواضع عدة منها ما يشير إلى المتوقع من الحدث أو الوعد الزماني المؤجل والحتمي، لكن علم الساعة وهنا المقصود ليس علما منفردا له خصائص كبقية العلوم التي نعرفها أو التي صنفها الإنسان كذلك، لكن ما يعني به تحديدا معرفة أوان الساعة أما بأشراطها وعلاماتها التي أجهد الكثيرون أنفسهم في البحث عنها ودراستها وكأنها هي أم العلوم الجامعة، أو شرح توقيتها دون أن يحدد زمان معلوم لها وهذا نهج ونسقية الأفكار المعلقة على إرادة الله في أن يقول للشيء كن فيكون، فالساعة تبقى وفق النصوص جزء من عالم الغيب المؤجل الذي علمه بيد الله فقط وعليه وله وحده حق بيانها وتبيانها بالواقع أو من خلال القدرة والإرادة المشائية له (قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ) ٣٠ سبإ. فالساعة بحسب النصوص التي وردت لا تعني بالضرورة ما نفهمه من كونها ستون ثانية أو واحد من أربع وعشرون جزء من اليوم، ولكنها بالتأكيد جزء من مفهوم أشمل وهو اليوم، سواء أكان اليوم معرفا كيوم القيامة أو يوم الدين أو غير محدد يوم يبعثون كأنه ساعة (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) ٣٥ الأحقاف، فالمصداق القصدي هنا للساعة هو الموعد الذي لا بد منه طال الزمن أم قصر (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا) ٣١ الأنعام، الزمن كمحدد أو موصوف لا يهم طالما أنه حتم ولكن المهم في الأمر والذي ورد في كل الآيات التي تتحدث عن الساعة تلك هو ما كسبنا وما هي توقعاتنا عما كسبنا (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ) ١٥ طه، فلا بد من التأكيد مرارا وتكرارا على قضية الساعة والأستعداد لها خاصة لمن يؤمن أن الدنيا أو الحياة الدنيا ليست محل لهو وترف وضياع وقت بقدر ما هي مسئولية وواجب عضوي وجودي مكلف الإنسان أن يحيياها بكل قوة، وهنا القوة بمعنى الإيجابية المرضية للبشر أولا وللرب ثانيا. الملفت في العنوان الذي أخترناه للبحث هو الجزم التام بأن الإنسان مهما عمل أو أراد أو أجتهد لا يمكنه الوصول للمعرفة التي تؤهله لأن يعلم موعد الساعة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي) ١٨٧ الأعراف، وعليه فما عرف عند البعض من المهتمين بـ (علم الأخرويات الإسلامية) من أهتمام وتسطير نظريات وأفكار تتعلق بأشراط الساعة وتوقيتاتها وما يرتبط معها بأحداث أو وقائه، هي بالمجمل من العبث الذي لا ينفع ولا يؤدي لنتيجة، لأن النص صريح وثابت ولا أستثناء فيه أن الموعد يكون بغتة دون سوابق ولا إشارات أو علامات (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا) ٣١ الأنعام، فما يأت بغتة بالأساس هو خارج المحتمل لكن بدون حدود أي هو من لا تتوقع قدومه بعلم أو علامة حتى أنهم لا يشعرون بها حسب النص (أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) ١٠٧ يوسف. كل الأحاديث والروايات التأريخية التي تتحدث عن الساعة تصفها بالموقوتة ولها علامات وأخبار من المكن جدا أن يستدل عليها، ومن هذه الروايات من يزعم الرواة إنها قيلت أو رويت عن لسان الرسول محمد، هنا يواجه العاقل أمرين لا يمكن الجمع أو التوفيق بينهما أو تصديق القرآن وتكذيب محمد ص أو بالعكس، فلننظر لهذه الرواية من عشرات مماثلة أخرى (وروى أحمد والشيخان والترمذي عن أنس قال: لأحدثنكم حديثاً لا يحدثكم أحد بعدي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل ويظهر الزنا وتكثر النساء، ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد» (رواه البخاري برقم79 واللفظ له ومسلم برقم 4825 وأحمد برقم 12735 والترمذي برقم 2131)، مرد الأعتراض على هذا الحديث وإن كان بناءه الفكري ضعيف ومتهالك ولا يكاد يصمد أمام المعطيات الحالية والمستقبلية، لكنه يحسم أمر الوقت الذي أعطاه حدود بينة، تحدث أولا تحدث لكنها تخالف قول النص (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) ٧٧ النحل. أزاء فشل نتائج من كان يؤمن بعلامات الساعة وأشراطها وعدم قيامها حسبما كانوا يؤمنون لجئوا إلى حيلة أخرى أكثر سذاجة وأغرب من أصل قضيتهم، وعادوا وقسموا هذه العلامات إلى صغرى وكبرى لمدارة وتبرير بطلان ما أوردوه فقد ورد عنهم (وبه يتبين أنه ثمة تسع علامات للساعة الصغرى لم تظهر بعدُ، ويتبين أن ما يتكرر من كلام كثير من الناس أن علامات الساعة الصغرى قد ظهرت كلها ولم يبق إلا " المهدي "، أما العلامات الكبرى عندهم فهي (فهي التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة بن أسيد وهي عشر علامات: الدجال، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاث خسوفات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، والدخان، وطلوع الشمس من مغربها، والدابة، والنار التي تسوق الناس إلى محشرهم، وهذه العلامات يكون خروجها متتابعا، فإذا ظهرت أولى هذه العلامات فإن الأخرى على إثرها). وإمعانا في العناد الذي لا ينجح في إقناع عقولهم هم في صحة هذه الجهالات الفكرية عادوا للتقسيم من جديد فقالوا (قال الشيخ عمر سليمان الأشقر: والعلامات الصغرى يمكن تقسيمها إلى قسمين: قسم وقع، وقسم لم يقع بعدُ، والذي وقع قد يكون مضى وانقضى، وقد يكون ظهوره ليس مرة واحدة، بل يبدو شيئاً فشيئاً، وقد يتكرر وقوعه وحصوله، وقد يقع منه في المستقبل أكثر مما وقع في الماضي. ولذلك سنعقد لعلامات الساعة أربعة فصول: الأول: العلامات الصغرى التي وقعت وانقضت. الثاني: العلامات الصغرى التي وقعت، ولا تزال مستمرة، وقد يتكرر وقوعها. الثالث: العلامات الصغرى التي لم تقع بعد. الرابع: العلامات الكبرى) كل هذا الغث واللا معقول واللا منطقي في موقع واحد من ألاف المواقع التي سخرت جهودها وكتابها من أجل إثبات منكر وإنكار ثابت وسمي أيضا بطريق الإسلام. لو تفرغ هؤلاء الذين يفتنهم ويثير عقولهم السرديات التأريخية وخاصة تلك التي تأتي بأخبار غيبية وخارج حدود ما هو في النص من حسم وجزم، ليتدارسوا أسباب تخلفهم وعدم قدرتهم على صنع ساعتهم هم ويومهم هم وعصرهم هم لكن أجدى وأنفع بدل إيراد الكذب على الله ورسوله وعلى أنفسهم، ولكن بالعودة إلى دراسة هذه الظاهرة من الناحية النفسية نجدها تعود لسببين، الأول تبرير الشعور بالفشل الناتج من ما يضخها الفقهاء والروات وأصحاب العقائد من أفكار وأخبار، تجعل الإنسان المؤمن يكره الدنيا وما فيها وكأنه أحيط به لا يعلم أهو ناج أم سينجو أم سيكون من الهالكين، فيلجأ إلى إقناع نفسه بهذه الروايات حتى يصبح تفكيره مشدودا إلى الخوف من الساعة أو من وقوع أشراطها المرعبة، فينشغل بخوفه ومحاولة ربط وجوده بأشياء طبيعية تحدث في كل المجتمعات دون أن تنتج وقتا للساعة، والهدف المضمر أن يتفرغ حكامه لما هو كان هدفا في أصل القضية التي يشيعون روايتها لينعموا بالدنيا من غير رقيب ولا معارضة. السبب الثاني وراء التمسك بمثل هذه الهرطقات اللا منتجة واللا يمكن أن تنتج إلا المزيد من السلبية السلوكية التي تقيد العقل الديني في أدنى حدود التفكير، هو عامل الخشية من مواجهتها كونها وكما يقال مروية عن رسول الله، والراد على رسول الله كالراد على الله، هذا العامل النفسي مع عامل الخوف الأول شجع الكثيرون بالأخذ بروايات الساعة ونشرها دون التحقق حتى من إمكانية مطابقتها مع النص، وسأضرب مثلا كيف يؤولون ويخدعون السذج من الناس بما يتفيقهون به (روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: "عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَأَخَذَهَا فَطَلَبَهُ الرَّاعِي فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ، قَالَ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ تَنْزِعُ مِنِّي رِزْقًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ يَا عَجَبِي ذِئْبٌ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِي كَلَامَ الْإِنْسِ فَقَالَ الذِّئْبُ أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَثْرِبَ يُخْبِرُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ قَالَ فَأَقْبَلَ الرَّاعِي يَسُوقُ غَنَمَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُودِيَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ لِلرَّاعِي: أَخْبِرْهُمْ، فَأَخْبَرَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ وَشِرَاكُ نَعْلِهِ وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ» (رواه أحمد [18/ 315] وصححه محققو المسند)، ومع حياة النبي محمد ص حدثت هذه الرواية ونحن الواثقون تماما بضلالتها ولكنها حسب ما يزعم واحدة من أشراط الساعة وقد مضى خمسة عشر قرنا وما زال حديث الساعة لا ينقطع. نحن في هذا البحث لا ننكر وقوع الساحة والحساب ويومه وأحداث العالم الأخروي بأي شكل كانت وبأي وقت تحدث، هذا من علم غيب الرب فمن يؤمن به أو ينكره لا بد أن بضع أمامه تقديراته اليقينية التي يستند إليها، ولكن أن نبتدع ونضع جداول زمنية وخرائط أحداث ونؤقت لهذا أو ذاك بذات الوقت الذي تؤمن به أن النص المكتوب بالقرآن في حالة الخلاف هو المفدم بالتصديق وعلينا فهمه على أوسع ما يمكن، فيما عدا ذاك تبقى هذه الروايات جزء من العقل الطفولي الديني الذي لا ينضج ولا يتعقل كما يفعل أهل العقل والحكمة والمنطق.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ
-
الأخلاقيات الإيمانية في سورة الحجرات
-
رسالة إلى شاعر
-
ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ
-
خائف أنا مني
-
خرائط الغريب
-
إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا
...
-
كلب الحقل
-
أعترافي الأول والأخير
-
حكاية صديقي النبيل
-
فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ
-
إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ
-
إنقلاب
-
كناب مرقوم
-
بقايا رجل كان حبيبا
-
لكم دينكم ولي دين
-
قيامة الرماد
-
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ
-
خبز أمي
-
ليس بالخبز والعسل.. يحيا الإنسان
المزيد.....
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|