نصر حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1628 - 2006 / 7 / 31 - 06:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من غرابة العدوان الإسرائيلي على لبنان أنه سائبا ً عسكريا ً وسياسيا ً وإنسانيا ً وزمنيا ً , والآلة الحربية الإسرائيلية الهمجية تفتك بلبنان وبالإنسان قتلا ً وتهجيرا ً وعذابا ً إنسانيا ً ليس لوصفه حدود , أهي حرب أم مذبحة للمدنيين أم محرقة أم فرن يتم حرق لبنان كله ببشره وحجره ودياناته وطوائفه وحضارته, على مسمع ومرأى العالم كله بكل تجمعاته وتكتلاته وأقطابه الكبار والصغارومنظماته الإقليمية والدولية التي انضمت هي الأخرى إلى قائمة الذين لاحول ولاقوة لهم على ما يجري من إبادة للمدنيين في لبنان .
من العبثية البحث عن الذريعة , ومن التواطؤ إلقاء اللوم على مظلوم , ومن الشراكة في الجريمة الصمت والتفرج على أشلاء الأطفال والنساء وعلى وطن يذبح في وضح النهار , ومن الإنحطاط الإنساني سكب البنزين على النار لتزداد إشتعالا ً وحرق أكثر عدد من البشر ,ومن صفات الجريمة أن يبحث البعض على دور يلعبونه على أنقاض البشر والحجرليطيلون به عمر فجورهم وبغائهم واستبدادهم وعمالتهم , ومن الجنون كل الجنون ترك الجريمة تستمروالحريق يزداد اشتعالا ً وتتسع مساحته ليحرق كل لبنان ...!.
ومن البداهة أن المقدمة التي مهدت لهذا الجنون هو الخلل في موازين القوى الذي أنتجه سلوك النظام العربي الرسمي والسوري منه على وجه التحديد ...والخلل هذا أفرز حالة ضعف ميدانية عبرت عنها نتائج كل الحروب العربية مع" إسرائيل " لما يقارب من نصف قرن , وحالة انهيار معنوية أنتجتها سلسلة طويلة من النكبات والهزائم وعلى كافة الجبهات .
ومن البداهة أن شعور المواطن العربي والسوري بشكل خاص قد شوهه النظام بشكل منهجي وأوصله إلى حالة اليأس وعدم الثقة بنظامه في أي مواجهة مع "إسرائيل " , وفي هذا المجال فإن شعب لبنان يعرف أكثر من غيره حقيقة النظام السوري ودوره على الساحة اللبنانبة الذي بقي فيها كالحاكم الأوحد بأمر لبنان لما يقرب من عشرين عاما ً,أجهض فيها لبنان التجربة الديموقراطية , لبنان القاعدة الأساسية للمقاومة الفعلية التي كانت تتحكم بموازين الحرب والرعب مع" إسرائيل " ,لبنان الإقتصاد المستقر والمتطور , لبنان البلد الجميل الآمن للقريب والغريب والعامل والسائح , لبنان الذي يمثل خلاصة الحضارة العربية وقيمها في التعايش والتسامح بين الجميع ,لبنان القوي كدولة وكشعب وكحاضنة لولادة القوى الوطنية التي تجاوزت كل الخطوط المسموحة والممنوعة من قبل النظام السوري و"إسرائيل" على حد سواء .
ومن المعروف أن سلوك النظام السوري في لبنان هو الذي أسس لكل هذا الجنون الذي نشاهده اليوم في لبنان , وحتى يكون الكلام واضحا ً وبعيدا ً عن العموميات ومساعدا ً على فهم حالة الجنون التي تتم فصولها على شعب ودولة ووطن , من أفرغ لبنان من كل عوامل قوته على مستوى الدولة والمجتمع .
وأول خطوة مجنونة كانت تصفية المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وتمهيد الطريق لدخول " شارون "إلى بيروت وكانت أفعاله المشينة بالتعاون مع جيش الإحتلال هي دمار وخراب وحروب أهلية استمرت عشرات السنين , وبعد القضاء على كل القوى الحية في لبنان بقي هناك كشرطي يعمل لصالح الإحتلال وهدفه منع لبنان من الوقوف مرة ً أخرى , وعاث فيه فسادا ً ونهبا ً وأحكم سيطرته البوليسية على كل لبنان وفتت وحدته الإجتماعية والسياسية وبنى فيه المنظات الأمنية ليكون حاجزا ً ومانعا ً لنبتة الديموقراطية من النمو من جديد .
ولازلنا لم نبتعد كثيرا ًعن العنوان الذي أفرزه السلوك المجنون للنظام السوري في لبنان , إذ مامعنى وماهي نتيجة الوصاية على شعب ودولة هي بكل المقاييس والسياسية منها بشكل خاص , حيث أن النظام الديموقراطي في لبنان هو أفضل من النظام السياسي الموجود في سورية القائم على عبادة الفرد والإستبداد وعدم احترام إرادة الناس ومقدساتهم ومصالحهم ؟!.
لبنان بمواصفات الدولة الديموقراطية المتطورة والمتعايشة والإستقرار والعمران والنهضة والإنفتاح على العالم , لبنان بهذا الشكل يسبب جنونا ً لكل الأطراف المحيطة به وعلى الإحتلال والنظام السوري الفردي المتخلف سياسيا ً وإجتماعيا ً وإقتصاديا ً ووطنيا ًوإنسانيا ً على وجه التحديد , والفاسد حيث أفقر الإنسان وأهانه وعطل تطوره واستعبده وأخرجه من الزمن ومن العصر وأوصله إلى حافة الجنون في داخل وخارج السجون .
وبالمحصلة كان دور النظام السوري على مستوى سورية ولبنان دور تدميري لبنية المجتمع والدولة , دور تجريدي من كل موازين قوة سياسية أو عسكرية أو إقتصادية , حيث أوقف كل عوامل النمو والتطور في كلا البلدين , لبنان بهذه المواصفات هو الدولة المطلوبة سوريا ً وإسرائيليا ً, أي لبنان المفكك الضعيف ,لبنان المجرد من ماضيه الحضاري والديموقراطي هو المطلوب على الدوام لأن المنطقة يجب أن تعيش أحادية النظم الديكتاتورية والقمع والفقر والعجز والتخلف والجنون , مع وجود " دولة محتلة تمثل الديموقراطية والقوة عسكريا ً وإقتصاديا ً وسياسيا ً " بما يراد لها أن تمثل الشمعة الوحيدة المضيئة في ظلام المنطقة وتخلفها ..!.
والمعيب أن النظام السوري أبعد الإنسان بكل السبل غير الإنسانية عن الفعل والحياة والعصر , وأطفأ الشموع الكثيرة في المنطقة العربية , بل أطفأ النور الحضاري العربي كله وعمم الظلام وأشاع التخلف وعمم الفقر وفرض على المجتمع كل عوامل الإحباط والضعف والإنهيار والتي كلها عوامل أظهرت الطرف الآخر في الصراع على الضفة الآخرى تماما ً من الحياة والعصر والأهم هو مساعدته على أن يكون المصارع القوي الأوحد في حلبة الصراع , أي امتلاك القوة الهائلة وموازين القوى الذي يفتقر إلى القدر الكبير من المسؤولية الأخلاقية ,وبدوره أفرز حالة جنون القوة أما م طرف ضعيف يحفزه على التمادي في استخدامها لأنه على يقين بأنه لارادع له ولامعاقب له وليس هناك من يستطيع أن يغير من موازين القوى المختلة بشكل كبير .
والنتيجة المنطقية لخيار النظام السوري الإستسلامي والإنهزامي القمعي والفردي إلى مستوى الوصاية على الشعب في كل من سورية ولبنان والموقع على اتفاقية سلام مع إسرائيل ولايستطيع تجاوزها ولايستطيع أن يعلن عنها بصراحة ولايجرؤ على إعلان مواقفه الحقيقية تجاه الإحتلال ويستمر في تضليل الشعب في سورية وفلسطين ولبنان على أنه يمثل تيار الصمود والتصدي والمقاومة هنا وهناك ...!.
ولو كان النظام صادقا ً في شعاراته لكان صادقا ً في أفعاله مع شعبه وشعب لبنان ولكان أكثر حرصا ً عليهم ولأسس عوامل الصمود وبناء القوة على كل الساحات القادرة على تحرير الجولان وردع العدوان ووقف كل الحروب المجنونة ضد لبنان وفلسطين , لكن الأمر على العكس تماما ً كان سلوكه وفعله على المستوى السوري واللبناني هو الإضعاف والإنهاك وتفريغ الشعب من أية إمكانية لردع العدوان , ولعل الدور الذي يقوم به في هذه الحرب المجنونة على لبنان يكشف بشكل كامل كل برنامجه على المستوى الوطني والقومي .
وفي رماد هذه الهمجية والجنون على قتل المدنيين في لبنان ماهو دور النظام ؟, وماهو المطلوب منه أن يفعله ؟وهل أن هذه الحرب ومثيلاتها هي طارئة أم أن النظام يعرف تماما ً أن هناك أرض محتلة وشعب تحت الإحتلال وإحتمالات الحرب قائمة على الدوام مادام أن هناك شعب بأكمله مصادرة أرضه وحقوقه وحريته , ماذا أخبأ لمثل هذه اللحظات وقد مضى على وجوده في السلطة أربعين عاما ً؟!.
توفرت له كل الفرص لبناء جيش للتحرير ولحفظ الكرامة الوطنية والقومية , وبقي في لبنان مايقرب من أربعين عاما ً وعاث فيه خرابا ً ودمارا ً ونهبا ً وسلبا ً وأضعفه سياسيا ً ووطنيا ً وإقتصاديا ً وأمنيا ً وأوصله إلى ماهو عليه من ضعف ليكون وصيا ً عليه في السلم والحرب وتركه وحيدا ً يدفع فاتورة الصمود والتصدي وهو يتفرج عليه يتناثر أشلاء ً ليل نهار , ماهي الأمور الذي تتمنعه من أن يفعل شيئا ً لتحرير أرضه؟ ومساعدة لبنان في الدفاع عن نفسه والسلاح السوري لطول زمن صمته أصبح أخرس وأطرش ينظرأن يجني ثمار الحرب المجنونة ويجيرها ويتاجر بها في أسواق المساومات .
بقي أن نقول : أن المجانين الذين سببوا هذه الحرب المجنونة هم كثر , لكن شعب لبنان له عقل ,وكل المؤشرات تشير أن النظام السوري سيكون أول المهزومين والخاسرين ,وأن لبنان سينتصر لأنه خرج عن دائرة وصايتة ,دائرة الهزيمة التي يصر النظام السوري أن يضعه ويأسره فيها , وأن ثمن الدماء الطاهرة التي سالت وتسيل وثمن التشرد والعذاب الإنساني ستكون الحرية والحياة والكرامة للبنان وشعبه ,ووبالا ً على المسببين وأن العلاقات الأخوية بين اللبنانيين والسوريين هي تكوينية وتاريخية مهما حاول النظام أن يدق مسامير الفرقة بينهم وأن مايقدمه الشعب السوري العظيم لأخوته اللبنانيين هو واجب وفرض وهو ليس من صنع النظام ولا من أخلاقه , ولكن يعبر عن حقيقة العلاقة بين الشعبين وهي مقلقة له إلى حد كبير , ومقلقة أكثر إذا لم يستطع أن يجيرها لحسابه المفلس والذي مؤشره الإنساني دائما ً على الصفر.
د.نصر حسن
30.تموز , 2006
#نصر_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟