|
الموقف من الورقة البيضاء - رؤيا عمالية لسياسة التثبيت والتكييف الهيكلي للإقتصاد في العراق
فلاح علوان
الحوار المتمدن-العدد: 6859 - 2021 / 4 / 4 - 20:14
المحور:
الادارة و الاقتصاد
المقدمة صدر قبل بضعة أشهر نص ما عرف بـ "الورقة البيضاء"، وهي وصف شامل للسياسة الإقتصادية والمالية والنقدية، وقد تناولت مجمل البنيان الإقتصادي في البلاد، في شكل الإقتصاد المخطط الذي ساد لمرحلة، والوضع الراهن، مع وصفة لتعديل هيكلي شامل وجذري بإتجاه التحول الى القطاع الخاص وتغيير دور الدولة في الإقتصاد. وقد اعتُبِرت الورقة، ضمنا،ً تشريعاً يجري العمل بموجبه، وإصدار الأحكام والقوانين والتعليمات والتوجيهات المطابقة لماء جاء فيه. وحسب ما جرى تداوله، فإن أربعين خبيراً إقتصادياً قد شارك في صياغة الورقة، بحيث جاءت تعبيراً إقتصادياً مكثفاً عن السياسة العامة الإقتصادية، التي تعتزم الحكومة تبنيها، أو الأحرى تنفيذها، بعد أن عملت وفقها لسنوات كتوجيهات عمومية من المؤسسات المالية العالمية. إن توقيت إصدار مشروع الورقة البيضاء جاء في خضم جائحة كورونا، والإنكماش الإقتصادي المحلي والعالمي، وتراجع أسعار النفط، وتراجع أو الأحرى الإخماد الدموي، للإحتجاجات التي إمتدت لعدة أشهر بالضد من السياسات الحكومية، والبطالة والإفقار وتردي الخدمات والفساد. وكان صدور الورقة بإسم الأصلاحات، بل بإسم موجة التظاهرات ومطالبها. يستهل أصحاب المشروع، الذي يقدمونه عبر الورقة البيضاء طروحاتهم، بضرورة توفير إيرادات للدولة التي تعاني من نقص في الموارد المالية، وخلال فصول الورقة، يعرضون الطريقة التي سيجري عبرها تأمين هذه الإيرادات. والمقصود بالايرادات لم يكن لسد نقص هنا أوعجز في هذا الجانب أو ذاك، بل يتضح من خلال سياق النص، إن الغرض هو تأمين نوع من تراكم أولي رأسمالي، لتعزيز قدرات القطاع الخاص وتقويته مالياً، عبر تحويل المال العام الى ملكية للمستثمرين. والتراكم الأولي، عبر كل التاريخ وفي كل البلدان، جرى ويجري بطريق الاستيلاء وتحويل الملكيات والنهب والإستحواذ، واستخدام كل الوسائل القسرية والملتوية وبأساليب غير الأساليب الاقتصادية المعروفة في تأمين الربح والفوائض. ويتردد تعبير نقص السيولة ونقص الإيرادات الناجم عن تراجع أسعار النفط، باعتبارها الدافع الأساسي وراء الإصلاح المالي والإقتصادي. ويضيف أصحاب الورقة عاملاً آخر يعتبرونه من أسباب الأزمة، هو وجود القطاع العام كعائق أمام تطوير القطاع الخاص، ويؤكدون في أكثر من مناسبة على كون الحل هو في الاستثمار والخصخصة وتصفية القطاع العام. قبل طرح الورقة البيضاء بسنوات، جرى طرح موضوع الاصلاح الإقتصادي وإعادة هيكلة الإقتصاد، وهو يكاد يطابق ما جاء في الورقة البيضاء، ولكن ذريعة التوجه الى الخصخصة وبيع الشركات يومها، لم تكن نقص السيولة ونقص العائد المالي، بل على العكس، فقد كان مصطلح زيادة الريع وزيادة الفائض، هي الذريعة التي أطلقها أصحاب مشروع الإصلاح الذي جرى طرحه في أيام الذروة المالية، وكان الهدف واحد، وهو الإستيلاء على الفوائض وتحويلها الى تراكم رأسمالي. وينتهي كل مقطع بل كل تعبير رئيسي في فصول الورقة، بعبارة تطوير القطاع الخاص، مما يشير بوضوح الى سيطرة الهدف الأساس وهو الخصخصة، بصورة استحواذية على لغة الورقة. إن كل متن الورقة مصاغ بطريقة تنتهي بإعلان فشل القطاع العام، وضرورة التحول الى الإستثمار في القطاع الخاص، دون تقديم أي تبرير أو سند علمي لطرحهم، بإستثناء الإشارة الى مجموعة شركات عامة غير رابحة في العراق، وهي التي جرى تعطيلها بصورة مقصودة طيلة ما يقرب من العقدين من الزمن. ويتأرجح أصحاب الورقة بين الإدعاء الأول وهو الأزمة المالية في العراق، والتي تؤكد كل المؤشرات والوقائع الحالية على إنحسارها وإرتفاع التدفقات النقدية. وإدعاء كفاءة وقدرة القطاع الخاص على حل مسألة التراكم والتشغيل في العراق، دون إستخدام مؤشرات ومعايير إقتصادية لإثبات طرحهم، عدا عن تصريحات مسؤولي البنك الدولي وصندوق النقد العارية عن الصحة، والتي يجري تداولها على طول سرديات الورقة البيضاء. إذن النقطتين المحوريتين في النص هما، الأزمة المالية، وخصخصة القطاع العام والتحول الى الإستثمار والقطاع الخاص. ويكاد أن يكون كل ما في الورقة هو حشو وتوليف لغرض تمرير هذين المحورين بلغة اقتصادية. وكلا المسألتين تقعان في نطاق الإقتصاد السياسي، ولا يمكن الإجابة عليهما في إطار مفاهيم الإقتصاد الأكاديمي، أو الحديث عن الجدوى الإقتصادية لهذا المشروع أو ذاك. ويشكل العراق النموذج الأجلى في تأثير السياسة العالمية والإقليمية على توجيه الإقتصاد فيه. وسيكون محور "الموقف من الورقة البيضاء"، هو نقد تلك الخطوط الأساسية للورقة ، من منظور نقد النيوليبرالية إنطلاقاً من نقد الاقتصاد السياسي الرأسمالي، بإعتباره مصدر الأزمات، وبإعتبار الاستثمارات الرأسمالية هي أساس كل الأزمات والمصاعب التي تمر بها المجتمعات. وسيجري التصدي لتفاصيل وفقرات المشروع، وليس فقط نقد التوجه العام للورقة والبرهان على عدم علمية وموضوعية طروحات أصحابها. إن كل فصل من فصول الورقة يتناول ركناً من أركان الاقتصاد في العراق، يجري الإعداد للاستحواذ عليه وتحويل ملكيته.
تمهيد جاء في مقدمة الورقة البيضاء المقطع التالي: “إن هذه الورقة البيضاء تتضمن التقرير النهائي لخلية الطوارئ للإصلاح المالي، والتي تشكلت بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (12) المتخذ في جلسته بتاريخ 12 أيار 2020 بهدف إدارة الوضع المالي في ضوء الأزمة المالية الراهنة، ووضع الحلول اللازمة لتحقيق الإصلاح المالي وتحسين أداء المؤسسات المالية". وقد إضطلعت الخلية بوضع برنامج الإصلاح الإقتصادي الذي نص عليه قانون الإقتراض المحلي والخارجي رقم (5) لسنة 2020، بهدف إعادة هيكلة الإقتصاد العراقي لمواجهة التحديات المقبلة." إنتهى الإقتباس. في حين جاء في الصفحة 2: "إن تنفيذ الإصلاحات لم يعد من الممكن تأجيله أو ترحيله". هذا إقرار بأن الورقة تعبر عن مشروع سابق، جرى تأجيله أو تأخيره لسبب أو لآخر، وبالتالي فهي ليست وليدة الأزمة المالية الطارئة. وهذا تناقض مع المنطلق الأساس الذي ورد في الفقرة الأولى، والذي يدعي إن الورقة هي للاجابة على الأزمة المالية الحالية. أنْ تبدأ أخطر ورقة إقتصادية تمس حياة عشرات الملايين من الناس، بإدعاء عار عن المصداقية، فهذا يعني إن ما هو أمامنا ليس أقل من مصيبة. كيف؟ إن إعادة هيكلة الإقتصاد قد جرى إقرارها في أوج أيام الوفرة المالية، وطرحت الورقة الاقتصادية لمستشار رئيس الوزراء المالكي يومها*، وهي تتضمن نفس الاهداف الواردة في هذه الورقة، ولكن صاحب الورقة السابقة كان على العكس، يقول للتخلص من الريوع الفائضة التي تسبب تشوهاً في هيكل الأسعار. وقبل ورقة مستشار المالكي، كان الاتفاق على سياسة صندوق النقد والبنك الدولي أوائل العام 2004، أي في أيام رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، يتضمن نفس مضمون الورقتين تماماً. إذن، كان على أصحاب الورقة التحلي بالمصداقية والموضوعية أولاً؛ قبل أن يسعوا الى تعميم آرائهم، ووضعها في قالب إقتصادي، ولغة مصطنعة في أغلب مواضع النص. والحال فإننا سنتصدى للورقة أياً كانت لغتها وذرائعها وحججها. في الحقيقة لم يكن الدافع هو نقص السيولة، ولا وفرة الريوع، ولا وجود أزمة نقدية. الحقيقة هي إن ثمة مشروع لخصخصة وهيكلة القطاع العام، وهو جزء من سياسة عامة موضوعة ومصاغة، بل إن السياسة العامة والنظام السياسي في العراق قد جرت صياغتهما للتطابق مع هذا المضمون الإقتصادي. إن أزمة السيولة بدأت بالتراجع بينما نحن بصدد كتابة هذا الرد، وأرتفعت أسعار النفط الى أكثر من ضعف، غير أن إدعاءات أصحاب الورقة باقية كما هي. إن هذه السياسة جزء من سياسة عالمية إمبريالة، تقودها الاحتكارات الرأسمالية التي تسيطر على السوق العالمية، والتي تواجه أزمة إقتصادية لا نهاية لها. وهذه الأزمة تتراجع حيناً لتتصاعد وتتوسع بصورة أشد أحياناً اخرى. وقد كان إحتلال البلاد وتغيير قوانينه وسياساته الإقتصادية، هو جزء من سياسة عالمية فرضتها مجريات الأزمة، ومتطلبات إعادة إنتاج عملية التراكم البدائي، والتي يتطلبها بدوره مجرى عملية تحقيق الربح ودورة رأس المال. إن النظام الحالي سواء برلمانه أو حكومته هو منفّذ هذه السياسة. لقد سلكت الحكومات المتعاقبة في العراق منذ 2003، سلوكاً مخططاً مغرضاً منذ أيام علاوي، وكان إيصال المجتمع والوضع الاقتصادي والسياسي الى هذه المرحلة ولا زال، هو مهمتهم وسياستهم، ولهذا الغرض هم موجودون. وإذا كانوا واثقين من أنهم وضعوا المجتمع أمام "أمر واقع" لا يمكن الخلاص منه، وإن سياساتهم نجحت خلال 18 سنة من الخراب وسلب حقوق الجمهور، في سلب إرادة المجتمع وخاصة الطبقة العاملة والكادحين، وفرضوا عليها واقع حال، فهذا مخالف للحقيقة. إذ إن التصدي لهذه السياسة أصبحت مسألة حياتية للناس، حتى لمن هم خارج الإهتمام بالشؤون السياسية. لقد دخلت سياسة صندوق النقد والبنك الدولي الى مطبخ الفقراء وقوتهم والى جيوبهم. ولم تعد مواجهة هذه السياسة تقتصر على الأبحاث النظرية التخصصية. لقد أصبحت مسألة حياة أو موت. الى جانب الورقة البيضاء وبالتزامن معها، طرح مشروع "قانون الشراكة بين القطاع الخاص والعام". وهو يهدف الى جعل مجموع الصفقات والنهب والاستيلاء على الممتلكات العامة، قانوناً، وتصبح المافيا والعصابات التي كدست المليارات خلال سنوات، أصحاب أعمال ورأسماليين قانونيين، وتصبح أموال الرشاوى والصفقات الوهمية رؤوس أموال مصرفية، ويصبح المعارض للنهب متهماً ومطارداً. هكذا تجري الأمور بالفعل؛ وسنحاول البرهنة على هذا في ما سيأتي من عرض ونقد لمواد الورقة ولقانون الشراكة. ومثلما يشرع خبراء الحكومة بترجمة طروحاتهم وأبحاثهم الى لغة القرارات والسياسات الإقتصادية، فإن ممثلي الجماهير من ناشطين وإقتصاديين وسياسيين، سيصوغون أجوبتهم النظرية وسيترجمونها الى سياسات وممارسات حياتية يومية. وفي الوقت الذي تمتلك السلطة عديد الاقتصاديين الذي يضعون المصالح السياسية والاقتصادية للنظام، في قالب نظري، ويبررون كل سياسات الحكومة مهما بلغت بشاعتها، عبر التلاعب بالمنطق وإستخدام الجداول الاقتصادية والمنحنيات والرسوم التي يفهمها المتخصصون. فإن الطبقة العاملة اليوم تمتلك مفكريها وناشطيها، بدرجة ما، والذين يطرحون مسائل نظرية بصورة أوضح وأصدق مما يطرحه ممثلو النظام، ولكنهم بحاجة الى بلورة تصور نظري واضح وناضج، وتطوير الثقة بالنفس، وطرح بديلهم للمجتمع. *- جرى طرح مشروع الإصلاح الإقتصادي والتعديل الهيكلي في ما عرف بـ ورقة الإصلاح التي صدرت بإسم مستشار رئيس الوزراء الإقتصادي "عبد الحسين العنبكي" عام 2011.
#فلاح_علوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الملّا حَمَد والورقة البيضاء
-
خان النص والموقف من الدين
-
ملاحظات على ملاحظات السيد رائد فهمي
-
الموقف من الورقة البيضاء
-
رد الى السيد حسين علوان حسين
-
حول تطبيع الإمارات مع إسرائيل
-
بصدد الحوار الدائر حول الريع والقيمة -2-
-
بصدد الحوار الدائر حول الريع والقيمة
-
-4- مسارات الإنتفاضة الحالية
-
-3- مسارات الإنتفاضة الحالية
-
مسارات الإنتفاضة الحالية -2-
-
مسارات الانتفاضة الحالية
-
-2- بناء تكتيك وتيار داخل الحركة، أم رسم أهداف عامة ؟
-
من يوميات الانتفاضة. الجمعة الدامية 04-10-2019
-
بناء تكتيك وتيار داخل الحركة، أم رسم أهداف عامة ؟
-
ساحة التحرير الدامية اليوم .. إنها نذر الثورة في العراق
-
حول دور البروليتاريا المنحدرة من الريف في ثقافة المدن. -3- ا
...
-
حول دور البروليتاريا المنحدرة من الريف في ثقافة المدن. -2 -
...
-
حول دور البروليتاريا المنحدرة من الريف في ثقافة المدن. -1- ا
...
-
حول دور البروليتاريا المنحدرة من الريف في ثقافة المدن. -المق
...
المزيد.....
-
البنك الدولي: إسرائيل دمرت 93% من فروع البنوك في غزة
-
يقترب من الـ 51 .. سعر الدولار اليوم في البنك المركزي والبنو
...
-
كلنا هنلبس دهب براحتنا من تاني “تراجع سعر الذهب اليوم عيار
...
-
إحصاءات أوروبية: روسيا ثاني مورد غاز للاتحاد الأوروبي بعد ال
...
-
“27 لاعب في القائمة” تشكيلة العراق المتوقعة في كاس الخليج..
...
-
وفد إسباني يزور الجزائر لتعزيز العلاقات بعد رفع القيود على ا
...
-
الكشف عن أسباب تأخير إرسال الموازنات: أضرار اقتصادية هائلة!
...
-
شركات نفط الإقليم تعلن عن زيادة بالإنتاج هذا العام
-
بلومبيرغ: -هوندا- و-نيسان- تستعدان لمفاوضات اندماج
-
بريطانيا تفرض عقوبات على 20 ناقلة نفط من أسطول الظل الروسي
المزيد.....
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|