|
الحياة السياسية بين الواقع والمطلوب
عمر شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 6859 - 2021 / 4 / 4 - 13:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما يتمكن المواطن من اختيار مجلس النواب باقتراع عام حر ومباشر وسري ومتساوي، دون تدخل السلطة والمال، والتزوير والتلاعب، يكون حقا قد نال حريته السياسية وهي الضمانة لنوال وتعزيز الحريات الأخرى. وتلك هي اللبنة الأولى للتطور الطبيعي للحياة السياسية لمواطنين أحرار تجمعهم الحرية والمساواة والأخوة الوطنية. فكم هي صغيرة تلك الانتماءات الفرعية كالعشائرية والجهوية والطائفية... أمام الوطن. فهل ذاك ما يحصل في البلاد؟ وأين نحن وماذا نريد؟ وهل بات الإصلاح ممكنا وفي أوانه أم أصبح متأخرا. فقد ازداد القمع والتعنت والغطرسة من قبل الحكم من جهة وتسريب المعلومات والفضائح التي تصل إلى الناشطين السياسيين. وتعمق السجال بين سدنة النظام ، من هم في الحكم وخارجه، إضافة لعدم استقرار الحكومات، مما يفصح عن أزمة داخل الأوساط الحاكمة. ونشهد من جهة أخرى تنامي الوعي السياسي لدى الحراك وانضمام جمهور وقيادات جديدة، وتطور الشعارات النضالية من المطلبية إلى السياسية العامة، كالحرية والكرامة والتغيير. لقد شهد القرن الأخير من تاريخ الأردن مراحل متقلبة من الحكم الفردي وطغيان الشمولية وتهميش للحريات الفردية والملاحقة الناعمة والخشنة للأحزاب. وساد مبدأ العبثية السياسية في إدارة الدولة، تمثل في الوتيرة السريعة في تغيير الحكومات، وحل مجالس النواب وتفكيك السلطة القضائية وبيع مؤسسات القطاع العام للمستثمر الأجنبي حصرا، وتفكيك المتبقي منها وفرض اتفاقيات الاقتراض الخارجي، واستيراد الغاز الإسرائيلي، وآخرها الاتفاقية العسكرية مع الولايات المتحدة، وإدارة الاقتصاد لمصلحة الأغنياء على حساب الفقراء، وضرب القطاعات المنتجة، وإحلال العمالة الوطنية والخلق المتعمد، نعم المتعمد، للبطالة بين الأردنيين. ويدعي المسؤولين أن نظام الانتخاب لدينا "القوائم المفتوحة " كالنظام الموجود في السويد وألمانيا. وأن سبب عدم وصول النخب السياسية ليس نظام الانتخاب بل اختيار المجتمع. وهذا محض افتراء. فالمواطن الألماني يدلي بصوتين؛ واحد لاختيار مرشحه المفضل وآخر لاختيار قائمة الحزب المفضل. وتجري عملية الفرز بصورة متوازية للصوتين ويتم احتساب الأصوات المحلية بالنسبة للأصوات الكلية لتحديد الفائز وفق مبدأ صوت متساوي للناخب المتساوي، وليس بموجب التفاوت النوعي الحاصل لدينا بنسبة 1:7 . ولا يحرم ذاك النظام المواطنين العاملين في الخارج من حق الاقتراع، ولا يعتبرهم عملاء للدول الأجنبية حتى يثبت العكس. إن ما يتفوه به أولئك المسؤولين من مقارنات يعتبر إهانة بحق ما توصلت إليه البشرية التقدمية من نظم انتخابية متقدمة كما في السويد وألمانيا والادعاء بأنها تحاكي الموجودة في دولة شمولية كالأردن، وافتراء بحق المجتمع الأردني. والمسألة الأهم هي؛ من يشرف على الانتخاب؟ فليس مهما كيف يصوت الناس، فذاك شأنهم، بل المهم من يعد الأصوات! فبموجب قانون الانتخاب المادة 29/أ تتشكل لجان الانتخاب من موظفي الحكومة والمؤسسات الرسمية والعامة. وهم أهلنا ونجلهم ونحترمهم. لكن دائرة المخابرات تتغول عليهم بقوة قانون الدائرة نفسها عدا عن الحكومة. وهنالك إجماع عالمي بضرورة التشكيل المدني من خارج الأجهزة الحكومية للجان الاقتراع، أي من موظفي القطاع الخاص والأهلي. وبحسب وضعنا؛ فمن الأفضل أن يكونوا من حملة الشهادات من العاطلين عن العمل، وذلك لضمان عدم تدخل الحكومة في نتائج الانتخاب. ولا يفوتنا الحديث عن المال السياسي والأسود في الانتخاب. لقد جرت حملة اعتقالات واسعة طالت جامعي الأتاوات قبيل الانتخابات. وهذه الفئة هي الأشد ذكاء ودهاء بين أصحاب السوابق فهم يعرفون السوق وآلياته والناس وحاجاتهم. وهم من تستخدمهم كافة الدول الفاسدة ومخابراتها في توزيع وتحريك المال الأسود. ولقد تباهى أحد مدراء المخابرات السابقين بإنجاح سبعون نائبا والحديث يدور الآن بين الناس عن مائة. لذا فيتعين البحث عن نظام انتخابي يحيد المال الأسود ويحجم دور المال السياسي ويؤدي إلى تنمية الأحزاب والحياة البرلمانية ويساوي بين أصوات المواطنين... فما هو؟ إنه نظام القائمة النسبية المغلقة فهو الأفضل للديمقراطيات الناشئة، حيث يمكن من تمثيل كافة مكونات المجتمع ويشجع على تكون الأحزاب وتآلفها باتجاه الأحزاب الكبيرة، ويؤدي إلى انحسار الأصوات الضائعة، ويشعر المواطن بدوره في عملية اتخاذ القرار، ويفسح المجال لتداول السلطة. ويصبح التزوير صعبا بين القوائم، ويغلق الباب أمام المال الأسود، فلا يمكن رشوة شعب بأكمله لضمان الأكثرية، وهو غير مجدي بين الأحزاب قياسا بالتنافس البرامجي. ويتيح هذا النظام مراقبة التمويل الخارجي ويمنعه، ويبسط عملية تصويت أبنائنا في الخارج، ويحيد أية تدخلات خارجية في شؤونهم. فاختيار حزب وبرنامج أسهل من اختيار الأشخاص. وإذ تلعب الأحزاب السياسية دور الوساطة بين الشعب والحكم، فهي المطبخ السياسي للحكومات وليس العكس. ويتعين على الأخيرة أن لا تتدخل في عملها ونشاطها كما يجري حاليا، فهي قائمة بموجب الدستور وبشروطه، والحكومات تأتي وتذهب، أما الأحزاب فباقية. يخاطبون الأحزاب بقولهم "عليكم الالتزام بالقوانين والنظام والتعليمات" وهذا تدخل سافر وإملاء على الأحزاب. مضافا إليه تدخل المخابرات الناعم والخشن في نشاطها، والقيام بحل بعض مشاكل الناس، أو دفعهم في السلم الوظيفي، شريطة الابتعاد عن العمل السياسي، واستخدام الدعم المالي للأحزاب لتمرير السياسات... كل ذلك أدى إلى تهميش الأحزاب وتقليص دورها، لصالح العبثية السياسية القائمة وترسيخ الشمولية. لقد تمخض علم الإدارة السياسية لدى المسؤولين والحكومات إلي الانصياع للرؤى والتوجيهات والأوامر والغضبة والفرحة والمكرمة... والخطوط الحمراء الملكية. ومن خلف الستار ومن أمامه الديوان الملكي ودائرة المخابرات العامة يديران كل صغيرة وكبيرة في البلاد. وتشرف الأخيرة على المخرجات المطلوبة للانتخابات النيابية والمحلية. فكيف يمكن إخراج البلاد من تلك المتاهة المعقدة؟ التعديلات المطلوبة يتعين إصدار قانون انتخاب جديد يقوم على أساس نظام القائمة النسبية المغلقة بنسبة 100% وذلك لتحقيق العدالة بين المواطنين المقيمين والمغتربين لمجلس نيابي من 104 نائبا وبنسبة حسم 4% بداية، ويمكن تعديلها بمقتضى الحال. وعند وفاة النائب أو عجزه أو فصله من الحزب يأتي مكانه المرشح التالي في القائمة. لا يجوز تعيين رؤساء لجان الفرز وأعضائها من موظفي الحكومة والمؤسسات الرسمية والعامة، وينبغي حظر تواجد أفراد الأجهزة الأمنية داخل مراكز الاقتراع إلا حين الطلب، والسماح للصحافة بتغطية الانتخاب وإجراء البحوث والتقارير الاستقصائية والاستطلاعية للاقتراع. ويتعين إحلال التوازن في تمثيل مصالح الأقاليم والمحافظات المختلفة والمناطق الأقل حظا، عن طريق التمثيل المتساوي لها بصرف النظر عن تعداد السكان عن طريق مجلس الأعيان بواقع 4 أعيان من كل محافظة بالتساوي مضافا إليهم 4 أعيان ممن عاد إلى الأردن من المغتربين، وذلك للمزيد من ربطهم بالوطن الأم. وتلك هي الطريقة المجربة والمتبعة في شتى الدول، بصرف النظر عن عدد السكان في الولاية أو الأقليم، والتي يتكون فيها مجلس الأمة من غرفتين، حيث تسمى الغرفة العليا بأسماء مختلفة. فالحل يتم على مستوى مجلس الشيوخ أو الاتحاد أو الأعيان وبذلك يصبح عدد الأعيان المطلوب 52 عينا يقابلهم 104 نائبا. قانون الأحزاب إلغاء المادة 16 وهي تقيد نشاط المواطنين وحقهم الدستوري لتأسيس الحزب إلى ما بعد الإعلان فهل نريد من المؤسسين مزاولة العمل السياسي السري؟ المادة 19 وهي عن عدم جواز مساءلة المواطن بسبب الانتماء الحزبي ويضاف إليها "أو محاولته تأسيس حزب". المادة 34 حول حل الأحزاب، يتعين تعديلها فلا يجوز حل حزب بجريرة أحد الأعضاء أو إحدى الهيئات، ويتعين الطلب من الحزب تصويب الوضع خلال شهر درءا للحل، وفي جميع الأحوال يكون قرار الحل قابلا للطعن أمام المحكمة الإدارية العليا. ومما سبق فيتعين تعديل قانون الهيئة المستقلة للانتخاب ليتناسب مع الوضع الجديد والأنظمة الصادرة، وكذلك قانون دائرة المخابرات العامة لكي تتفرغ للعمل الاستخباري وتنأى بنفسها بعيدا عن السياسة والإدارة الخفية للانتخابات وأجهزة الدولة، وبدون ذلك ستتعمق الأزمة الناجمة عن انسداد أفق الإصلاح السياسي. دائرة المخابرات ينبغي تعديل قانون المخابرات العامة رقم 24 لسنة 1964 وإلغاء مكتب التحقيقات السياسية للدائرة والاستعاضة عنه بالمكتب الداخلي، إذ يتعارض وجوده مع قانون الأحزاب والحريات العامة. فهي دائرة أمنية لجمع المعلومات وحماية الأردن من الإرهاب والتجسس ولا علاقة لها بالسياسة وعمل الأحزاب والنقابات والنوادي من قريب أو بعيد. ويتعين تعديل المادة 9 ب "تخاطب دائرة المخابرات وزارات الدولة ودوائرها المختلفة مباشرة" أي دون المرور بمكتب الوزير أو رئيس الوزراء لتصبح؛ ترسل الدائرة تقاريرها بشكل متزامن إلى رئيس الوزراء ولجنة الدفاع والأمن في مجلس النواب، ويتوجب على مجلس النواب تشكيل هكذا لجنة. وتعديل المادة العاشرة، التي تبيح إدماج مصروفات الدائرة في الموازنة العامة للدولة بطريقة مغلقة. وهذا الأمر يتعارض مع أي مدرسة محاسبية حصيفة في العالم وهو ليس مدعاة للسرية فمن الواجب أن يعلم النواب وديوان المحاسبة والمواطنون عن الموازنة بكل تفاصيلها كما يقضي الدستور. ومن الضروري إضافة مادة تلزم الدائرة باحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في عمل مكتبيها الداخلي والخارجي.
#عمر_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رؤية في الإصلاح السياسي،
-
لا بديل عن ائتلاف أحزاب المعارضة الأردنية
-
روسيا والابتزاز الأمريكي الإسرائيلي
-
الثورة الوطنية الديمقراطية
-
الثورة الديمقراطية العربية الكبرى
-
استخراج ملح الطعام وتخصيب اليورانيوم، قصة تحرر الشعوب
-
الانتخابات النيابية الأردنية: هل ستخرج البلاد من الأزمة؟
-
دعاة الإقليمية وأنصار المحاصصة، وجهان لعملة واحدة
-
هل تتعارض اتفاقية سيداو مع الإسلام؟
-
من فشل لآخر!
-
هل نواجه مؤامرة التوطين، بطعن الضحية؟
-
بؤس السياسة
-
تعطيل الإصلاح السياسي:- تحفيز للإقليمية
-
هل هو حقا -كل الأردن- ؟
-
القضية الفلسطينية: بين رفض قرار التقسيم والقبول بأقل من أوسل
...
-
خطاب أوباما: دعوة للتصالح على قاعدة المصالح الأمريكية – الإس
...
-
انتخابات نقابة الأطباء: من النقيب الشرعي؟
-
ماذا يجري في نقابة الأطباء الأردنية؟
-
المستأجر بين الإخلاء أو دفع الفدية!
-
سر الأغنياء والفقراء
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|