أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ















المزيد.....

وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6859 - 2021 / 4 / 4 - 02:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من الأفكار التي لبست لباس الثوابت في الفكر الإسلامي بعد عصر التدوين والكتابة شيوع أفكار توراتية وإنجيلية قديمة تسللت من خلال الوافدين للدين الإسلامي من أهل الكتاب، أو لتقليد المسلمين لما في الأديان الأخرى من تفصيلات تأريخية تتصل بشكل أو بأخر بالصراع السياسي والفكري الذي حدث بعد رحيل النبي محمد ص وبداية عصر الأحزاب، ومما ورد كمثال عن هذا التوجه إليكم رواية يظن غالب المسلمين إنها من أساسيات الدين ومن وعد الله وقدره الذي لا يبدل ولا يتغير، جاء في رواية عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ : وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)، هذه الرواية تبشر الناس بعودة السيد المسيح ع من مرفعه الذي رفع إليه، أو عته للحياة ليقيم دين الله من جديد، السؤال هذا الحال يتطابق مع حقائق القرآن القطعية في عدم عودة الموتى والمتوفين من الأنبياء والرسل والمصلحين إلا ما أستثني بمعجزة قصها الله للدلالة؟ ولم تتكرر ولن تحدث مرة أخرى لعدم وجود أسباب إثبات أو نفي لها.
لنعود لرواية القرأن فيما يخص سيدنا عيسى عليه السلام والثابت فيها أنه لم يقتل ولم يصلب (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا* بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)، هذا جزم قاطع لا فيه إمكانية التأويل ولا أحتمالية في التفسير فهو نص محكم، اليقين هنا ملحق بتبرير وشرح وإعلام بالنتيجة التي أخبرنا النص بها وهي الرفع، ربط الرفع هو شرح لمعنى الوفاة التي شاع الأستعمال الشعبي لها بمعنى الموت بدل المعنى الحقيقي لها وهو (الالتقاء بموعد أو وعد سابق) كقول القرآن هنا كمثال من عشرات النصوص التي تؤكد هذا المعنى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر 10، فيكون المعنى القصدي والحقيقي (إنما توفيتني) بمعنى أنه وافى قدره بشكل ما دون أن يخوض النص بتفاصيله كما خاص بتفاصيل النشأة والولادة (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
إذا من النص خاصة ومن عموم الآيات التي تناولت حياة النبي عيسى ونهايته بشكل عام نصل لحقيقة واحدة وهي، أن ما توفي به عيسى ع نهاية قصته ونهاية رسالته ولا مجال للعودة إلى ممارسة هذا الدور مرة أخرى بدليل نفي الخلد عنه وعن غيره ولو إلى أجل محدد (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ)، هذه إشارة لخلو عيسى خصوصا وعامة الرسل قبل محمد ص كحقيقة لا تقبل الجدال وهو أيضا ما قال به عن عيسى ع من قبل (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ)، في نفس الحوارية التي أخذنا منها الدليل يؤكد النص القرآني هذا المبدأ وهذه النتيجة دون لف أو دوران (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)، المشكلة التي فتحت الباب لهذا اللغط هو مفردة الموت بمعنى أن الموت حدث بعد الرفع أم أثناءه أو هو بذاته في إشارة لنص أخر (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ).
فعيسى هو نفس بشرية طبيعية موعودة بالحتم المطلق ولا أستثناء منه لا في هذا النص ولا في غيره من النصوص، والمطلق يسري على إطلاقه ما لم يخصص بمقيد يوضح الأستثناء وسببه، وهذا الأمر الذي توهم البعض فيه ونسبوه أستثاء بغير حجة هي القراءة الأعتباطية التي أوردها الفقهاء والمحدثين وأهل التفاسير للنص التالي (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)، فقد ظن هؤلاء أن عودة المسيح للحياة والتبشير بدينه هو حقيقة ثابتة يؤكدها النص كما يزعمون، والحقيقة هذه الشبهة مردودة عليهم من جهتين ثابتيتين، الأولى من النص الذي يسبق هذه الآية ويقدم لها وهي (بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمً)، فالدلالة لا تعود إلى عودة السيد المسيح حتى يؤمن به من أهل الكتاب قبل موته كما فهموا من النص، ولكن الدلالة تعود إلى تسليم هؤلاء بالرفع الذي أنكروه وقالوا (مَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ).
النقطة الثانية لا يمكن أن يعود السيد المسيح للتبشير بدينه مهما كانت التأويلات والتبريرات طالما أن الموضوع حسم لدين محمد ورسالته الخاتمة (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة 33، فأما أن يعود حسب المقتضى ليتبع دين محمد ص وبالتالي لا قيمة لدعوته السابقة والتبشير بها وإن كانت تجري بصحيحها في نفس المجرى، أو يأت بما هو خارجها وهذا محال بكون الإظهار الحتمي في النص أعلاه، وحتى الآية التي جعلناها عنوانا للمقالة لم تؤيد هذا الزعم فقد نفت عن عيسى أن يقول على الله ما لم يعلمه الله حينما كان بينهم (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ)، فهو غير مسئول عما أعتقد الناس في غيابه ونفي أن يكون قد أمر به في حياته وبالتالي فهو يتحدث عن زمان أخر زمان كان فيه غائبا متوفى إلى الله ووعده ولا يمكن أن يتكرر الأمر مرة أخرى لعدم وجود الدليل القاطع لحصوله أو حتى إمكانية أن يحصل تحت ظرف أو حال مختلف.
الخلاصة التي جاءت به الآيات أن عيسى غ قد خلى فعلا كما خلى الرسل والأنبياء قبله منتظرا أن يبعث حيا كما يبعث الخلق جميعا، ليشهد كما يشهد غيره من الأنبياء والرسل على أتباعه وأمته وزمانه ومكانه فقط (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) المائدة 109، فليس بوارد فعل الرب أن يخرق قوانينه ولا يحدث ما هو غير سنته التي لا تعدل ولا تبدل ولا تنتهك لأجل فرد أو مجموعة من الناس ليبرر ما هو في أمره، وقد وصف الله تعالى السيد المسيح ع بأنه عبد من عباد الله يصدق ويؤمن بتلك السنن دون زعم أخر (نْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ)، هذا النص يؤكد أيضا أن مهمة عيسى كانت حالية ومخصوصة بذات رسالته أنه مبعوث لبني إسرائيل تحديدا رسولا ومثلا وليس للناس عامة، وبذلك فالدليل المساق من أراء الفقهاء والمحدثين والمفسرين من المسلمين على عودته لا حجة فيه ولا دليل يمكن الركون إليه بأي شكل من الأشكال.
هذه الحقيقة تقودنا إلى سلسلة أخرى من البناء الفكري الدخيل على الإسلام والذي تبنته الكثير من الفرق والممل الإسلامية، فهو مثلا يدحض القائلين بالرجعة صورية كانت أم حقيقية، ويدحض أيضا روايات المصلح أخر الزمان وعلاقته بالمسيح والقدم للصلاة بالمؤمنين، وتدحض روايات أهل الكتاب بالعودة الثانية للمسيح أو ما يعرف (باروسيا) وهي فكرة العودة المتوقعة لـيسوع المسيح للأرض مرة أخرى، ويستند اعتقاد المجيء الثاني على نبوءات موجودة في الإنجيل الكنسي (canonical gospels) وفي معظم علم الأخرويات الإسلامية والمسيحية، ويؤمن المسيحيون عمومًا بأن هذا الحدث المتوقع إنه كان مُتنبئاً به في النبوءات المسيحية التوراتية، وجهات النظر حول طبيعة مجيء المسيح الثاني تختلف بين الطوائف المسيحية وفي بعض الأوقات بين الأفراد المسيحيين داخل هذه الطوائف.
إن هذا الطرح المتين الذي يجد دعامته وحججه وبراهينه من القرآن الكريم قد يثير الكثير من المسلمين خاصة وأهل الكتاب عامة لأنه يعتبر خروجا على ثوابت عندهم معتقدا بصوابيتها وصحية مصدرها، دون أن يلتفتوا لقاعدة أن أي فكرة تعارض النص الديني الثابت أو تناقض المؤديات القصدية لا يمكن الإيمان بها ولا حتى التسالم كأفتراض أولي بها، نعلم أيضا أن الكثير من الأفكار قد دست وأختلطت بالفكر الإسلامي دون مراعاة لهذه القاعدة، ولو تم غربلة هذا الفكر والتراث لوجدنا سقوط الكثير من المعتقدات والأفكار المزيفة والمؤولة خلاف حقيقتها المجردة التي جاء بها القرآن بأقل الأحوال عند المسلمين ومن يؤمن بأن القرآن لم يترك صغيرة ولا كبيره في ما يخص مفاهيم الدين وقضاياه دون أن يوضح حقيقتها بصورة جلية ومتقنة.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأخلاقيات الإيمانية في سورة الحجرات
- رسالة إلى شاعر
- ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ
- خائف أنا مني
- خرائط الغريب
- إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا ...
- كلب الحقل
- أعترافي الأول والأخير
- حكاية صديقي النبيل
- فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ
- إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ
- إنقلاب
- كناب مرقوم
- بقايا رجل كان حبيبا
- لكم دينكم ولي دين
- قيامة الرماد
- أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ
- خبز أمي
- ليس بالخبز والعسل.. يحيا الإنسان
- إن شأنئك هو الأبتر


المزيد.....




- بزشكيان: دعم إيران للشعب الفلسطيني المظلوم مستمد من تعاليمنا ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف إيلات وميناء حيف ...
- المقاومة الاسلامية بالعراق تستهدف إيلات المحتلة بالطيران الم ...
- اضطهاد وخوف من الانتقام.. عائلات كانت مرتبطة بتنظيم -الدولة ...
- في البحرين.. اكتشاف أحد أقدم -المباني المسيحية- في الخليج
- “ولادك هيتجننوا من الفرحة” ثبت الآن قنوات الأطفال 2024 (طيور ...
- إيهود باراك: على إسرائيل أن توقف الحديث عن ديمونا
- مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- ماما جابت بيبي..أضبط الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي على الأق ...
- تفاعل مع استقبال رئيس الإمارات لشيخ الأزهر (فيديو)


المزيد.....

- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ