أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا















المزيد.....

إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6856 - 2021 / 4 / 1 - 00:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم يعرف الإنسان منذ القدم شرب الكافور كنوع من أنواع الترف أو المتعة الحسية، ولكن عرف شراب الكافور كعلاج طبي لبعض الأمراض ممزوجا مع بعض الشرابات الأخرى وبنسبة قليلة جدا، الأستخدام الرئيسي لشراب الكافور كان لأجل معالجة المشاكل الطبية في الجهاز التنفسي ولمدة قليلة جدا، لأن الكافور بكل أنواعه ومصادره غير مستساغ لا ذوقا ولا رائحة نفاذة، لكن أن يستخدم النص كلمة مزاج والتي تعني معاني كثيرة لا يجبرنا على أن نساير التفاسير القديمة التي تقول («إن الأبرار» جمع بر أو بار وهم المطيعون «يشربون من كأس» هو إناء شرب الخمر وهي فيه والمراد من خمر تسمية للحال باسم المحل ومن للتبعيض «كان مزاجها» ما يمزج به «كافورا» هذا في تفسير الجلالين، وهناك شيء مقارب منه (إن أهل الطاعة والإخلاص الذين يؤدون حق الله، يشربون يوم القيامة مِن كأس فيها خمر ممزوجة بأحسن أنواع الطيب، وهو ماء الكافور) وهذا من تفسير الميسر.
فما لا يصلح في الدنيا لا يصلح في الأخرة بأعتبار أن الله يضرب مثلا حسيا للبشر حين يصف له ما يصلح، وإلا لعرف الإنسان أن ماء الكافور مثلا هو ما يمكن أن يكون شرابا لذيذا ومحببا للنفس وهذا ما لا يمكن حتى الإقرار به عقلا، إذا مورد أستخدام مزاج الكافور ليس من جذر مزج اللغوي الذي يعني خلط أو أضيف له كي يكون الماء والكافور كلاهما مزيجا للشاربين، هناك أكثر من مصدر للمزاج وأكثر من جذر لغوي له، فهناك مثلا (مزاج : مصدر مازَجَ) و (المِزَاجُ :استعدادٌ جِسميٌّ عقليٌّ خاصٌّ كان القدماء يعتقدون أَنه ينشأُ عن أن يتغلَّب في الجسم أَحد العناصر الأربعة، وهي: الدم، والصَّفراء، والسَّوداءُ، والبلغم ومن ثمَّ كانوا يقولون بأَربعة أَمزجة، هي: الدَّمويّ، والصَّفراويّ، والسَّوداوِيّ، والبلغميّ) وهناك أيضا معنى أخر مختلف كليا وهو (مَزّاج: (اسم) رجل مَزَّاجٌ: مُخَلِّطٌ كذَّابٌ لا يثبُتُ على خُلُق، إِنما هو ذو أَخلاق متقلِّبَة).
ليست النهاية هنا بل يوجد أيضا في العربية معاني أخر قد يكون واحدا منها هو المقصود في معنى الآية وربما غير ذلك (مَزَّجَ السُّنْبُلُ: انتقل من خُضْرَةٍ إلى صُفْرة) و (مِزْجُ النَّحْلِ : شَهْدُهُ، عَسَلُهُ) و هناك معنى مقارب وهو (العَسَلُ؛ وفي التهذيب: الشَّهْدُ؛ قال أَبو ذؤيب: فجاءَ بِمِزْجٍ لم يَرَ الناس مِثلَهُ؛ هو الضَّحْكُ، إِلاَّ أَنه عَمَلُ النَّحْل؟) و (مَازَجَهُ عَنْ مَعْرِفَةٍ_ خَالَطَهُ، صَاحَبَهُ، صَادَقَهُ) فهذه المعاني المتعددة والتي قد يكون بينها شيء من الربط في أصل المعنى لكن ما يثير هنا ليس مفهوم ودلالة المزاج بل في وجود كلمة الكافور التي تثير الإشكال وخاصة إذا خلطت الخمرة به.
نعود لنفهم بناء الآية القصدي والمعنى المضمر فيها وعلينا أولا أن لا نجزم بأن الشراب الذي في الكأس هو الخمرة كما جاء بالتفاسير القديمة والحديثة، إنما النص يذكر الشراب وهنا هو مطلقا فقد يكون ماءا أو عسلا أو خمرا دون تحديد، فالمعني هو ما يمكن شربه بالكأس، النقطة الأخرى التي جاء بها النص أن المزاج تعود للكأس وليس للشراب الذي فيه (مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا) هنا الكأس صاحبة المزاج وليس الشراب تحديدا وإلا كان الأوجب في النص أن يكون (مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَ) للدلالة على المشروب فتصبح الآية بهذا الشكل (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَ كَافُورًا) بأعتبار أن الضمير المتصل (الهاء) تعود للمفعول به المستتر الذي تقديره ماء أو خمر أو عسل أو شراب (يشربون شرابا في كأس كان مزاجه كافورا).
وبما أن الصيغة تؤكد على نسبة المزاج للكأس فهي لا تخص المشروب وبذلك نستبعد كافة المعاني الي تشير إلى الخلط أو الإضافة أو الامتزاج مع ما يشربون، وعلينا العودة للبحث في معنى مزاج الكافور خاصة وأن الآية الثانية تشرح بوضوح ما يشربون منه وهو (عينا)، بمعنى أنهم يشربون من عينا بواسطة الكأس التي مزاجها كافورا، فلا خمر ولا أمتزاج بالواقع وإنما الإشارة المقصودة تحديدا لهذه الكأس، والمعروف أن المزاج هي حالة من حالات التغير التي تصيب موصوفا ما على أنه غير ثابت، فهناك إنسان مزاجي وهناك حالة مزاجية وهناك واقع بمزاج متقلب غير ثابت، والمعروف عن الكافور أنه رمز لهذا المزاج المتغير، فهو مادة طبيعية ذات صفة تسامي من الناحية الكيميائية، أي أنه يتحول من الحالة الصلبة للحالة الغازية دون أن يمر بالحالة السائلة، فالكافور ذو طبع مزاجي متغير ومنقلب، والإشارة إلى أن الكأس هذه الذي يشرب بها الأبرار هي الكأس التي تتحول من الحالة الصلبة (شكل الكأس) إلى الحالة الغزية وتتلاشى بعد الأستخدام، فهي تماما مثل الأدوات التي تستخدم اليوم ويطلق عليها ذات الأستعمال لمرة واحدة (single use)، وهذا الوصف يتماشى تماما مع بقية الأوصاف التي يطلقها النص الديني على مظاهر أخروية تؤكد مثلا أن طبائع الأشياء مختلفة عما هي عليه في الحياة الدنيا، فمثلا ليس هناك حاجة إلى أن يحتفظ ساكن الجنة بالكأس أو أين سيكون مصيرها في حالة تجمع أعداد كبيرة منها وكيف يتم التخلص منها، فكل شيء محكوم هناك بالإستثناء (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ) طه (118).
فالإشارة هنا حسية مادية لنوع الكأس التي يشرب بها الأبرار ولا علاقة للكافور بما يشرب فيها، وأن هذه الكأس لمجرد الأنتهاء منها تتسامى وتتبخر وتختفي ليمنح في كل مرة كأسا أخرى غير مستعملة ولا يمكن أن يحتفظ بها الأبرار، فليس هناك ملكية خاصة ولا هناك من رغبة أصلا في تملك شيء وكل شيء متاح ومهيأ دون طلب أو رغبة من أحد، بهذا الفهم يمكننا أن نقبل هذا المعنى وهذا التدبير لنص الآية دون أن يستنكر أحد أو يستغرب كيف يأمر الله الأبرار أو يخبرنا النص أن الشراب الطهور مخلوطا بالكافور وهو من المواد الضارة للجسم وللصحة بشكل عام خاصة وأن من المواد صعبة الذوبان في الماء (الكافور عبارة عن مادة صلبة توجد على هيئة صفائح بيضاء بلورية أو على هيئة كتل مربعة الشكل متلاصقة بيضاء وسهل التبخر أو التطاير حتى عند درجة حرارة الغرفة العادية، يذوب في الماء بصعوبة بنسبة ما بين جرام في 700 ملي ماء ويذوب في الكحول بنسبة 1 في 1 ملي من الكحول. ينصهر الكافور عند درجة حرارة ما بين 174- 181م).
هذا يفسر أيضا بنص أخر في نفس السورة وقد ذكر فيها الكأس (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً) للتدليل على فرق طريقة الإسقاء، ففي النص الأول جاءت كلمة (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) هنا الشراب من الكأس أو الأداة، وفي النص الثاني (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا) هنا يتكلم عن الماهية العينية المشروبة، وبالتأكيد هناك فرق بين أداة الأستعمال وكيفية الأستعمال بين (مِنْ) و (فِي)، وحتى كلمة مزاج هنا تختلف بالدلالة عن المعنى الأول الذي ذكرناه، أو قد تكون بذات النسق المعنوي السابق كون الزنجبيل أو شراب الزنجبيل له فوائد صحية، أو يشمل طبيعة ما في الزنجبيل كنبات من قدرة على منح الجسم نشاط وقدرة على الأنتباه ويمنع عنه البرودة الناتجة عن قلة الحركة.
إن تضمين التفسيرات القرآنية مما ليس في النص لا تقريرا ولا تلميحا هو جزء من الأعتباطية التي ألفناها في تقديم النص القرآني مشوه للناس، وإليكم مثلا في كيفية الأعتباط المذموم المبني على الرأي والوهم، فقد جاء في تفسير ابن كثير في قوله تعالى: (ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا، أي ويسقون - يعني الأبرار- أيضا في هذه الأكواب كأسا: أي خمرا كان مزاجها زنجبيلا، فتارة يمزج لهم الشراب بالكافور وهو بارد، وتارة بالزنجبيل، وهو حار ليعتدل الأمر، وللعلم خمر الجنة (لا تسكر ولا تضر)، بل شراب لذيذ لتجنبهما خمر الدنيا الملعونة التي تذهب بالعقل وصدق الله في قوله (لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون)، أي لا تذهب العقول ولا توجع البطن)، وهكذا صاغوا قصديات النص الديني وفقا لما هم فيه أو ما يرغبون فيه أو يتمنونه حتى لو كان ذلك مما ينافي أصل الفكرة ويعارضها.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلب الحقل
- أعترافي الأول والأخير
- حكاية صديقي النبيل
- فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ
- إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ
- إنقلاب
- كناب مرقوم
- بقايا رجل كان حبيبا
- لكم دينكم ولي دين
- قيامة الرماد
- أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ
- خبز أمي
- ليس بالخبز والعسل.. يحيا الإنسان
- إن شأنئك هو الأبتر
- قتل أصحاب الأخدود
- واقع جديد
- حوار مهزوم
- الرحيل
- الصمت الجليل
- حب في الربع الخالي


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا