|
أمثلة من المنطق الأعرج في الخطاب الديني
كامل النجار
الحوار المتمدن-العدد: 1627 - 2006 / 7 / 30 - 12:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الخطاب الديني عامةً والإسلامي خاصة يقدم الغيبيات التي هي أصل الدين، على العقليات التي يصل إليها الإنسان بمحض تفكيره وبعيداً عن الأيدولوجية الدينية. وهم بذلك يقدمون النقل على العقل، ولكنهم يحاولون خداع الناس بأن يحاولوا الظهور بمظهر من يحترم العقل. وفي واقع الأمر فإنّ أحاديثهم وكتبهم تمتهن العقل ولا تعيره أي اهتمام. وكلمة العقل أصلاً كلمة غريبة على الخطاب الديني الإسلامي. فالقرآن رمز إلى مركز التفكير عند الإنسان ب "القلب" الذي يرتبط في مخيلة الشعراء بالعاطفة، فقال مثلاً (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) (آل عمران، 8). وقال كذلك (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) (آل عمران، 167). وقال (لهم قلوب لا يفقهون بها) (الأعراف، 179). واستعمل الفعل "يعقلون" تسع عشرة مرةً في اثنتي عشرة سورة. واستعمل "تعقلون" ثلاث مرات في سورتين، بينما استعمل كلمة "قلوبهم" حوالي أربع وخمسين مرةً. وإذا عرفنا أن القرآن به ما لا يقل عن 77639 كلمة، ندرك مدى الأهمية التي يوليها القرآن للفكر. وأغلب استعمال كلمة "تتفكرون" كان يخاطب بها العاطفة. فقال في سورة البقرة: (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نارٌ فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون (266). منتهى الاستدرار للعاطفة، عندما يموت الرجل الكهل ويترك لذريته الصغار جنةً فتحترق. وكتب الفقه وكذلك كتب السير الإسلامية تدوس على العقل بالأحذية عندما تروي لنا قصصاً عن النبي تعوزها أبسط مقومات المنطق، فمثلاً في كل كتب الفقه نجد أن الشهيد الذي يُقتل في المعركة ضد الكفار لا يُغسل ولا يُكفن إنما يُدفن بملابسه التي مات فيها. وهذا الحكم ناتج مما حدث للمسلمين في معركة أُحد يوم هزمهم الكفار وقتلوا منهم سبعين رجلاً فيهم حمزة عم النبي. ففي ذلك اليوم صلى النبي على القتلى ودفنوهم في ملابسهم، فأصبح ذلك حكم الشرع في الشهيد. ولكن الفقهاء الذين تقودهم الأيدولوجية الدينية لم يفطنوا إلى أن النبي فعل ذلك بحكم الظروف التي كان فيها. ففي جبل أحد لم يكن الماء متوفراً لغسل القتلى ولم يكن هناك سوبرماركت حتى يستطيع المسلمون الذهاب إليه لشراء كمية من القماش لتكفين الموتى. فالظروف العملية اضطرته لأن يدفنهم بملابسهم وبدون غُسل. ولكن الأيدولوجية تقول إنّ ما يفعله النبي يصبح قانوناً. وفي نفس الوقت نشط أهل السيرة ونقلوا لنا أن النبي أخبر أصحابه في واقعة بدر التي قٌتل فيها حنظلة بن أبي عامر: (" إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن " فأرسل النبي إلى امرأته فأخبرته أنه خرج وهو جُنب، فولده يقال لهم بنو غسيل الملائكة.) (المنتظم في التاريخ لابن الجوزي، ج3، ص 63). فيمكن أن نستنتج من هذا الحديث أحد ثلاثة استنتاجات: 1- أن الله يوحي للنبي ما يجب أن يفعل في كل مناسبة، وأنه أوحى إليه أن يدفن الشهداء دون أن يغسلهم 2- أن الله لم يوح للنبي بدفن الشهداء دون أن يغسلهم وأن النبي قد فعل ذلك من تلقاء نفسه ولأن الظروف العملية قد أجبرته على ذلك 3- أن الله يوحي للنبي بحكم ويوحي للملائكة بحكم آخر و قد اختار المنطق الأعرج في الخطاب الديني رفض الاستنتاجين الأخيرين والتمسك بالأول فقط، وحاول أن يدور حول التناقض في الموقفين. فإذا أمر الله النبي بدفن الشهداء دون غُسل، كيف يأمر الملائكة بغسل الشهيد حنظلة؟ وجواب الخطاب الديني أن حنظلة كان عريساً وجامع زوجته وخرج إلى المعركة وهو جُنب. ولذك غستله الملائكة حتى لا يدخل الجنة وهو جُنب. فيمكننا إذاً أن نقول أن جميع الشهداء الآخرين ماتوا ولم يكن بهم جنابة، لذلك لم تغسلهم الملائكة. وطبعاً هذا القول لا يقبله العقل. فقانون الاحتمالات يخبرنا أن عدداً معيناً من كل مائة رجل خرج إلى المعركة لا بد أن يكون على جنابة. فمنهم من يشعر أنه قد لا يرجع من تلك المعركة فيودع زوجته بجماعها قبل أن يخرج. وربما لم يجد ماءً كافياً في صحراء مكة ليغتسل قبل أن يخرج إلى المعركة. ومنهم من احتلم كما احتلم عمرو بن العاص وهو يقود جيوش المسلمين في الشام، وصلى بهم دون أن يغتسل. ولكن مثل هذا التضارب في القصص لا يهم رجالات الدين الذين يقدمون الدليل السمعي على العقلي إذا ثبت عندهم صدق الرواة. ومثل آخر تحدث عنه ابن عباس قال: (ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين واستُنبيء يوم الاثنين وتوفي يوم الاثنين وخرج مهاجرأ من مكة إلى المدينة يوم الاثنين وقدم المدينة يوم الاثَنين ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين.) (المنتظم في التاريخ، ج4، ص 19). ونستنتج من حدوث كل هذه الأشياء للنبي يوم الاثنين أن أفضل الأيام عند الله هو يوم الاثنين، لأن لا شيء يحدث دون إرادة الله، واختار الله يوم الاثنين لأكرم خلقه، فلا بد أن يكون يوم الاثنين هو أكرم وأحب الأيام لله. ولكن أهل الحديث يروون لنا حديثاً عن ابن عباس يقول (إنّ أفضل الأيام عند الله يوم الجمعة وأفضل الشهور شهر رمضان) وكذلك في حديث عن عائشة، قالت (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنهم – يعني أهل الكتاب- لا يحسدوننا على شيء كما يحسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها") (الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي).وحتى القرآن أفرد سورة كاملة نزلت بالمدينة وبها أحدَ عشرة آية، وسماها الجمعة. فإذاً أفضل الأيام عند الله هو يوم الجمعة، فلماذا يا تُرى جعل كل شيء يحدث للنبي يوم الاثنين؟ مرة أخرى يغيب هذا المنطق في الخطاب الديني ولا يلتفت إليه أحد. وطبعاً الخطاب الديني خلا من المنطق منذ أواخر الدولة الأموية حين ذبحوا الجعد بن درهم ورفاقه لقولهم بخلق القرآن. وعندما شعر رجالات الدين بأن الفلاسفة في الدولة العباسية قد بدأ يظهر لهم صيت عند المتعلمين، قبضوا بأيديهم وأرجلهم على ما غيضّه الله لهم من كتابات الصوفي الذي أُصيب بانفصام الشخصية في آخر أيامه، حجة الإسلام الغزالي. فبعد أن تاه فترةً في الفلسفة وعلم الكلام ثم انخرط في سلك الصوفية، ألف كتابه "تهافت الفلاسفة" الذي ملأه بمنطق غريب، ما كان له أن ينتشر ويقوى لولا الدفع الذي قدمّه له رجالات الدين والوزير السلجوقي "نظام الملك". فالغزالي توصل إلى اليقين بعد أن أصبح صوفياً واهتدى بنور بعثه الله إلى قلبه، (ولاحظ هنا أن الله بعث النور إلى قلبه وليس إلى عقله)، فقال إن البصر يكذبك (فحاسة البصر ، وهي تنظر إلى الظل فتراه واقفاً غير متحرك ... ثم بالتجربة والمشاهدة بعد ساعة ، تعرف أنه متحرك) والعقل يكذبك (فأنت ترى في المنام ما تظنه صحيحاً ، ثم بعد أن تستيقظ تعلم أن لا أصل لجميع متخيلاتك ومناماتك . وقد يكون الأمر كذلك في أحلام اليقظة، وقد تطرأ عليك حالة تكون نسبتها إلى يقظتك كنسبة يقظتك إلى منامك، وتكون يقظتك نوماً بالإضافة إليها. فلعل حياة الدنيا نوم بالإضافة إلى الآخرة. فإذا مات ظهرت له الأشياء على خلاف ما يشاهده الآن، ويقال له عند ذلك: "فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ" ) وهكذا وبهذا المنطق الغريب وصل الغزالي إلى اليقين وهاجم الفلاسفة والعقل. وقسّم الغزالي الفلاسفة إلى ثلاثة أقسام: الدهريون: وهم الذين انكروا وجود الله، فهم إذاً زنادقة. الطبيعيون: وهم الذين اعترفوا بوجود قوة خالقة عرفوها من انغماسهم في التشريح. الإلهيون: من أمثال أرسطوطالس. وقال عن أرسطوطاليس إنه رغم ما قدمه للفلسفة وترتيبها فهو قد تأثر برذائل الذين سبقوه، ولذلك وجب تكفيره. فميزان الغزالي في حكمه على الفلاسفة لم يكن الفلسفة نفسها، وإنما درجة إيمانهم. ولذلك قال إن الصوفية هم أحسن الناس أخلاقاً (و لو جُمِعَ عقل العقلاء وحكمة الحكماء ، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيروا شيئاً من سيرهم وأخلاقهم ، ويبدلوه بما هو خير منه ، لم يجدوا إليه سبيلاً).
فعندما تحدث الفلاسفة عن نهاية العالم وقالوا إنها غير ممكنة لأن العالم قديم قدم الله والله لا يتغير وكذلك العالم لا يتغير، وقالوا: (العالم لا تنعدم جواهره لأنه لا يُعقل سبب معدم له وما لم يكن منعدماً ثم انعدم فلا بد وأن يكون بسبب وذلك السبب لا يخلوا إما من أن يكون إرادة القديم (الله) وهو محال لأنه إذا لم يكن مريداً لعدمه ثم صار مريداً فقد تغير. ويجب أن يكون القديم(الله ) وإرادته على نعت واحد في جميع الأحوال. وانعدام العالم يؤدي إلى تغيره من العدم إلى الوجود ثم من الوجود إلى العدم ). رد الغزالي على هذا المنطق بقوله: (أن الإيجاد والإعدام بإرادة القادر؛ فإذا أراد الله أوجد، وإذا أراد أعدم. وإذا وجب أن يصدر عن الله فعل فالصادر هو تجدد العدم، والعدم واقع مضاف إلى القدرة ، فإذا وقع حادث بإرادة قديمة لم يفترق بين أن يكون الحادث عدماً أو وجوداً.) ومنطقياً، إذا تجدد العدم بعد الوجود فإن هذا تغييرٌ للواقع والفلاسفة قالوا إن الله لا يتغيير، بينما رد الغزالي بأن كل شيء بإرادة الله. فالغزالي لم يدحض قول الفلاسفة بالمنطق وإنما بالإيمان.
وكذلك عندما قال الفلاسفة بضرورة الاقتران بين السبب والمسبب، مثل النار وحرق القطن، مثلاً، لأن النار لا يمكنها الكف عما هو طبعها بعد ملاقتها لمحل قابل لها، رد عليهم الغزالي بقوله إن ضرورة الاقتران بين ما يُعتقد في العادة سبباً وما يُعتقد مسبباً ليس ضرورياً عندنا. وكل شيئين متغايرين، لا يتضمن إثبات أحدهما إثبات الآخر، ولا نفي أحدهما متضمن نفي الآخر. وليس من ضرورة وجود أحدهما وجود الآخر ولا من ضرورة عدمه عدم الآخر، مثل الري والشرب، والشبع والأكل، والاحتراق ولقاء النار، والموت وجز الرقبة. ويجوّز الغزالي وقوع الملاقاة بين القطن والنار دون الاحتراق، ويجوّز انقلاب القطن رماداًً دون ملاقاة النار. ويقول بجواز أن يُلقى النبي في النار فلا يحترق، وذلك إما بتغيير صفة النار فتقصر سخونتها على جسمها، أو بتغيير صفة النبي بإحداث صفة في بدنه تخرجه عن كونه لحماً وعظماً.
وطبعاً إذا تغيرت طبيعة النار أو طبيعة النبي خرجت المعادلة من كونها إلتقاء سخونة النار بجسم الإنسان المكون من لحم ودم إلى إلتقاء شيء يشبه النار بجسم الإنسان أو إلتقاء النار بشيء يشبه جسم الإنسان. وهذا يختلف عن الشرط الذي قال به الفلاسفة، وهو إذا التقى جسم إنسان بالنار، فلا بد أن يحترق. فمنطق الغزالي هنا أقل ما يوصف به أنه أعوج.
وقد أنكر الفلاسفة بعث الجسد الذي تحلل وأصبح تراباً وقالوا إن الله يرد الروح إلى أي جسد يخلقه جديداً لأن الروح هي أصل الحياة. وأنكروا اللذات الجسمانية في الجنة والنار. رد عليهم الغزالي بقوله: (النفس باقية بعد الموت ، وذلك دلّ عليه الشرع في قوله: "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " وردّ النفس ممكن إلى أي بدن كان ، سواء كان من مادة البدن الأول أو من مادة استؤنف خلقها. فالمهم هو النفس، لان البدن يتبدل من الصغر إلى الكبر، بالهزال والسمن وغير ذلك..... وأكثر هذه الأمور ليس على مخالفة الشرع . فإنا لا ننكر أن في الآخرة أنواعاً من اللذات أعظم من المحسوسات ، ولا ننكر بقاء النفس عند مفارقة البدن ، ولكنا عرفنا ذلك بالشرع ... وإنما أنكرنا عليهم من قبل دعواهم معرفة ذلك بمجرد العقل). فالغزالي هنا يعتبر أن معرفة الأشياء من الشرع أهم وأثبت من معرفتها بالعقل. وقد كفّر الغزالي الفلاسفة لقولهم بقدم العالم، وقولهم بوقوع العذاب على الأرواح دون الأبدان وكذلك قولهم إن الله يعلم الكليات دون الجزئيات. فمنطق الغزالي هو منطق رجال الدين الذين يردون كل شيء إلى مقدرة الله وهي الفيصل في كل الأمور. وليس هذا منطق أهل الفلسفة أو أهل الكلام. وقد خالف القاضي أبو بكر بن العربي الغزالي في كثير من تلك الأجوبة وكان يقول: (شيخنا أبو حامد دخل في بطون الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر. وحكى هو عن أبي حامد نفسه أنه كان يقول أنا مزجى البضاعة في الحديث) (درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية، ج1، ص 2).
ثم جاء ابن تيمية وختم على أفواه الفلاسفة بمنطق ديني بحت، من الصعب أن نسميه منطقاً. فقال: (قالت بعض الطوائف: نحن عرفنا الحق بعقولنا ثم اجتهدنا في حمل كلام الأنبياء على ما يوافق مدلول العقل وفائدة إنزال هذه المتشابهات المشكلات اجتهاد الناس في أن يعرفوا الحق بعقولهم ثم يجتهدوا في تأويل كلام الأنبياء. ولما كان بيان مراد الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الأبواب لا يتم إلا بدفع المعارض العقلي وامتناع تقديم ذلك على نصوص الأنبياء، بيّنا في هذا الكتاب فساد القانون الفاسد الذي صدوا به الناس عن سبيل الله وعن فهم مراد الرسول وتصديقه فيما أخبر، إذ كان أي دليل أقيم على بيان مراد الرسول لا ينفع إذا قُدّر أن المعارض العقلى القاطع ناقضه، بل يصير ذلك قدحا في الرسول وقدحا فيمن استدل بكلامه، وصار هذا بمنزلة المريض الذي به أخلاط فاسدة تمنع انتفاعه بالغذاء فإن الغذاء لا ينفعه مع وجود الأخلاط الفاسدة التي تفسد الغذاء، فكذلك القلب الذي اعتقد قيام الدليل العقلي القاطع على نفي الصفات (صفات الله) أو بعضها أو نفي عموم خلقه لكل شيء أو نفي أمره ونهيه أو امتناع المعاد أو غير ذلك، لا ينفعه الاستدلال عليه في ذلك بالكتاب والسنة إلا مع بيان فساد ذلك المعارض. وفساد ذلك المعارض قد يُعلم جملة وتفصيلا ، أما الجملة فإنه من آمن بالله ورسوله إيمانا تاما وعلم مراد الرسول قطعا، تيقن ثبوت ما أخبر به وعلم أن ما عارض ذلك من الحجج فهي حجج داحضة من جنس شبه السوفسطائية كما قال تعالى ، والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد ، سورة الشورى 16) (نفس المصدر، ص 7). فبالنسبة لابن تيمية يكون الإيمان بقول الأنبياء وتصديقهم أعلى مرتبة من الدليل العقلي على استحالة ما قالوا به. فلأن النبي قال إنه يعرف حجراً كان يسلم عليه قبل البعثة، لا بد أن يصدق الإنسان المؤمن هذا القول رغم استحالته عقلياً ورغم إن الله قال إنه لم يُعط محمد أي معجزات كبقية الأنبياء، لأن الناس السابقين لم يصدقوا بالآيات أي المعجزات "وما منعنا أن نُرسل الآيات إلا أن كذب بها الأولون" (الإسراء، 59). وفي منطق القرآن وابن تيمية، فإن من يحاجج أي يستعمل عقله لتفنيد ما قاله الرسول، فعليه غضب الله وله عذاب شديد في الآخرة. قارن هذا القول مع ما قاله الرازي في أول كتابه "نهاية العقول" حيث ذكر أن الإستدلال بالسمعيات في المسائل الأصولية لا يمكن بحال لأن الإستدلال بها موقوف على مقدمات ظنية وعلى دفع المعارض العقلي، وإن العلم بإنتفاء المعارض لا يمكن إذ يجوز أن يكون في نفس الأمر دليل عقلي يناقض ما دل عليه القرآن ولم يخطر ببال المستمع.
ويدهشنا منطق ابن تيمية عندما يقول: (يجب قبول النصوص الإلهية فإنها فرقان فرق الله بها بين الحق والباطل ولهذا كان سلف الأمة وأئمتها يجعلون كلام الله ورسوله هو الإمام والفرقان الذي يجب إتباعه فيثبتون ما أثبته الله ورسوله وينفون ما نفاه الله ورسوله، ويجعلون العبارات المحدثة المجملة المتشابهة ممنوعا من إطلاقها نفيا وإثباتا، لا يطلقون اللفظ ولا ينفونه إلا بعد الإستفسار والتفصيل، فإذا تبين المعنى أثبت حقه ونفى باطله بخلاف كلام الله ورسوله فإنه حق يجب قبوله وإن لم يفهم معناه وكلام غير المعصوم لا يجب قبوله حتى يفهم معناه). فابن تيمية هنا يُلغي العقل إلغاءً تاماً ونهائياً. فقول الله أو النبي يجب أن يُقبل ويُصدق حتى إن لم يُفهم معناه، وما أكثر عبارات القرآن التي لا يُفهم معناها.
ويقول ابن تيمية عن تعارض الدليل العقلي مع الدليل السمعي: (فإن الناس متفقون على أن كثيرا مما جاء به الرسول معلوم بالإضطرار من دينه كإيجاب العبادات وتحريم الفواحش والظلم وتوحيد الصانع وإثبات المعاد وغير ذلك ، وحينئذ فلو قال قائل إذا قام الدليل العقلي القطعي على مناقضة هذا فلا بد من تقديم أحدهما، فلو قدم هذا (الشخص) الدليل السمعي قُدح في أصله، وإن قدم (الدليل) العقلي لزم تكذيب الرسول فيما عُلم بالاضطرار أنه جاء به، وهذا هو الكفر الصريح. فلا بد لهم من جواب عن هذا ، والجواب عنه أنه يمتنع أن يقوم (دليل) عقلي قطعي يناقض هذا ، فتبين أن كل ما قام عليه دليل قطعي سمعي يمتنع أن يعارضه قطعي عقلي). فهاهو شيخ الإسلام يؤكد لنا، كما أكد قبله حجة الإسلام الغزالي، أن كل ما جاء به الرسول ونقله عنه أهل الحديث بعنعنتهم المعروفة، يمتنع أن يعارضه دليل عقلي. فأين إذاً جعجعة الفقهاء والمفتين بأن الإسلام يحترم العقل؟
#كامل_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سُحقاً للأديان
-
لا قيمة للإنسان عربياً كان أو مسلماً
-
الأزهر وأنصاف الحقائق
-
لقد أخطأ الشيخ نهرو طنطاوي
-
مزارع الخصيان والدجاج
-
وعاظ السلاطين يبيعون السراب في المونديال
-
إله نرجسي وتخبطٌ في قصة الخلق
-
الشيخ القرضاوي والتلاعب بالألفاظ
-
أيهما خلق الآخر: الإله أم الإنسان؟
-
القرآنيون ومحاولة تجميل صورة الإسلام
-
النقيضان لا يجتمعان: الدين والعقل
-
آلهة من صفيح
-
هل للجُبِ من قاع؟
-
تعارض الدين مع العلم والمنطق
-
قد أخطأ الشيخ العبيكان
-
مؤتمر مكة يُثبت أن الإسلام يدور حول الجنس
-
احتضار عيد العمال
-
الترابي ليس مرتداً
-
العرب…الإسلام…والإرهاب
المزيد.....
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|