نورس الخلايفي
كاتبة
(Nawres Khlaifi)
الحوار المتمدن-العدد: 6855 - 2021 / 3 / 31 - 02:04
المحور:
الفساد الإداري والمالي
يعتبر الفساد الافة الاقدر على زعزعة دولة باكملها خاصة و اذا كانت هشة الهياكل و القرارات . و قد كان الفساد في تونس قبل ثورة الرابع عشر من جانفي 2011 مقتصرا -ظاهريا- على حاكم الدولة و اتباعه و توجيه اصابع الاتهام و تحميل المسؤولية له و تسليط الضوء على جراىمه استناد على حدث الثروات المنهوبة و الاموال المختلسة من الشعب بمعية اتباعه و عائلته . و بذلك مثل الفساد انذاك نسقا متراميا على امتداد ثلاثة و عشرين سنة من الحكم المتواصل ...
مثلت ثورة الحرية و الكرامة بالنسبة الى الشعب التونسي , منطلقا لبداية الربيع التونسي الحقيقي و تفتح ازهار الشفافية و الحرية و الديمقراطية . فكان اثر الثورة على الشعب مريحا و ايجابيا من الجانب الباطني النفسي -و لو نسبيا رغم تواتر الحوادث و الاضطرابات في تلك الفترة- .
و قد كانت تونس قد علقت امالها و طموحها على شعبها الثائر بعد ثلاثة و عشرين سنة الصمت و المعاناة و الرقابة . و زعمت تونس حينها انها ستغتسل في نهر الغانج و تتخلص من ذنوب لصوصها فنهر الغانج هو منبع الجنة كما تقول الاسطورة .
ان ما كان خفيا من الفساد قبل الثورة التونسية قد اضحى ظاهرا و يوميا في عشرية ما بعد الثورة .. و كل ما كنا نخشاه قبل التمرد فاننا نعيشه الان و نكابد عناء السكوت و المسايرة فاعتقد اننا خسرنا النضال و خسرنا الحرب رغم انني لا اود لبلادي ان تخسر و لكن هذه الحقيقة التي تخدش الحياء .. و بذلك فان ما يلخص الوضع هو ان الفساد قد سلك طريقا ممنهجا من النسق الى العدوى و هذا بمثابة الطاعون . و لم يكن الفساد منبعثا من اصحاب البدل السوداء الانيقة فقط بل كان من فىة من الشعب التونسي في حد ذاته و هذا ما يجعل تونس تتخبط في وحل الكليبتوقراطية اي حكم اللصوص .
إن كل ما يحدث حتى الآن من حرق و نهب و سرقة و تدمير هو عار على الشعب التونسي . أو ألسنا نعيش العار و نمارسه منذ وجود تونس ؟! فالشعب التونسي البسه بدلة العار لانه اساسا قبل باللصوص ان تغتصب وطنه الابي ثم كان المواطن التونسي العدو الاخر لنفسه و لوطنه .
و الرابع عشر من الشهر الأول ، لمِ يجب علينا أن نسميه إحتفالا بعيد الثورة ؟ أيحق علينا أن نحتفل حقّا ؟ و بماذا؟ و عن أي عيد نتحدث ؟ الرابع عشر من جانفي هو حدث لا يتعدى مفهوم الذكرى ، و لعل ما يتوجب علينا فعله هو نسيان هذا الموعد مثلما نسي البعض السابع من نوفمبر و لونه الأرجواني، و حتى تاريخ الاستقلال ..هذا التاريخ الثوري لم يجلب لنا إلا شاب حرق جسده حتى تندلع ثورة الخبز و الماء فتمتلئ تونس المسكينه بالصعاليك و السارقين و المتمردين ..لكن لعل البعض يقتنع ان حدث الثورة جلب لنا باقة من "الحرية ، كرامة وطنية " أو قبسا من حرية التعبير ؟ و ماذا جنينا من حرية التعبير ؟ التطرف و الفساد-لقد جنينا على انفسنا و وقعنا ضحايا لسوء الاختيار . علينا أن نخجل من أنفسنا و من وطننا و لندرك واقعنا البائس المزين برائحة العجلات المحروقة و الغاز المسيل للدموع و المفرقعات ..
ان إحياء عيد الثورة في تونس هو وجهين لعملة واحدة - اي عملة الفساد . هذين الوجهين ينقسمان الى فئتين : الفئة الأولى بإمكاننا أن نعتبرهم صيصان الثورة و هم الذين يسرقون مواد غذائية كاحياء لتمرد الشعب على الدولة و يمكن إثبات براءتهم بناء على ما يعانونه من الجوع و الفقر ، أما الفئة الثانية فهي ديدان مندسة تحت الفئة الأولى أو بالأحرى هم دواعش الطرقات ، من ينهبون المحلات و المغازات و يحرقون السيارات و يكسرون ، تُمّيزهم عناصر تنعم بمسروقات رفيعة ( تلفاز ، ثلاجة ،مجفف شعر الخ الخ ) .. و هكذا يكون عيد الثورة مكللا بالفساد من
اعلى رجل في منصب الدولة الى قاصر مراهق يدعي النضال .
هذا العيد في ظاهره كأن الشعب ينتقم من الدولة فيحيي اعمال الإجرام و الجريمة و لكن باطنه ليس الا متنفس للاشخاص أصحاب العفو العشوائي أو المرضى أو المأجورين أو المتطرفين فكريا و سياسيا و اجتماعيا ، هؤلاء الدواعش يستغلون جلباب الثورة للقيام بأعمالهم القذرة المخطط إليها مع الركوب على الحدث ، هذه ثورة الإرهاب و الترهيب و ليست ثورة الثوار ... ما هكذا يكون الثوار ، نحن ندمر بلادنا و نقتلها ، ما هكذا نجازي تونس .. ا نجازيها بحكم اللصوص ..!!
خلاصة القول أن الفئة التي تطالب بحقها في إطار سلمي يتم إسدال الستار عليها من طرف مجموعات مجرمة مندسة و ذلك من خلال اعمال الشغب و الفساد كل هذا تحت إشراف أصحاب البدلة الأنيقة في مستوى اعلى و الذين هم في حد ذاتهم مجرمين و ذلك لغض النظر عن المشاكل الاساسية للشعب و ثورة الخبز الحقيقية و قيام سياسة الأرض المحروقة و نظام العصابات المبرمج ... هنيئا لنا بالثورة ... فان الفساد قد اغتصب الارض و جعل من اللصوص هم من يقررون مصير شعب و دولة ...
هذه هي تونس في صراع مع الكليبتوقراطية و الحزبوقراطية ... نظام استبدادي بحت .
#نورس_الخلايفي (هاشتاغ)
Nawres_Khlaifi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟