صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1628 - 2006 / 7 / 31 - 11:31
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في الندوة الإقتصادية التي عقدت في عمان قبل اسبوعين إختلف السيد محمد الجبوري وزير التجارة مع الدكتور مهدي الحافظ وزير التخطيط السابق الذي نصح بأن "تكون الخصخصة في نطاق محدود.. وأن تتولى الدولة مشاركة القطاع الخاص في العمليات التجارية والاقتصادية", بينما أعتبر الجبوري الخصخصة " السبيل الوحيد لمحاربة الفساد الإداري." وقال أن " تولي الشركات الخاصة الحياة الإقتصادية في العراق.. وتقليل الإعتماد
على الدولة ،من شأنه أن ينهي عمليات الفساد الإداري."
ليس بقصد الإهانة, لكن منطق السيد وزير التجارة في دعوته الى التوجه الى الخصخصة في وقت الفساد الإداري كحل لهذا الفساد, ذكرني فوراً بالنكات الجميلة اللاذعة التي كان العرب والكرد يتبادلونها في العراق والتي يتهم كل الآخر بأن منطقه مقلوب على رأسه.
فالخصخصة عملية بيع ممتلكات للشعب الى بعض أغنيائه واصحاب السلطة فيه. وعندما نتحدث عن الفساد الإداري في بلد ما فأننا نقصد ضعف القانون امام هؤلاء الإغنياء واصحاب السلطة فيه وشيوع الرشوة وسرقة المال العام. ثم يأتي وزير التجارة ليقترح ان نسارع الى عقود بيع ممتلكات الناس لهؤلاء, في ظروف لاحول فيها للقانون ليحمي مصالح الناس من الغش والسرقة. هذا هو" السبيل الوحيد لمحاربة الفساد الإداري" حسب رأي السيد الوزير! صحيح اننا قد لانجد فساداً في مصنع بعد ان نبيعه لفاسد, لأنه صار ملكاً له. ووفق هذا المنطق فأن الوزير يرى ان "السبيل الوحيد للقضاء على اللصوصية هو بتسليم الخزينة للصوص"
وعلى اية حال فحتى هذه النكتة أسوأ حتى مما تبدو, حيث ان الفساد لن يقل بل سيزداد قوة وسلطة, وبدلا من اهدافه المالية القديمة, سيتحول الى اهداف مالية وسياسية اكبر, تماماً كما استلم الفساد اموال روسيا في لحظة ضعفها وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها ليصبح لاعباً اساسياً في خياراتها السياسية فيما بعد.
الناس يأملون من الحكومة التي انتخبوها منطقاً افضل في الدفاع عن مصالحهم. وهذا ما عبر عنه تماماً السيد حسن جمعه رئيس اتحاد نقابات النفط في العراق في لقاء اذاعي له حين قال : "لا نؤيد تجزئة القطاع النفطي ونفضل بقاءه في يد القطاع العام" ثم اضاف انه يرى أن الجهود الوطنية الذاتية قادرة على القيام بالصناعة النفطية بشكل يجنب العراق الخسائر المتوقعة من خلال التعاقد مع الشركات الأجنبية الكبرى.*
لإستثمار
يكتب السيد حمزة الجواهري : "من ثوابت التطوير المعروفة بالصناعة الاستخراجية هي أن كلفة التطوير لاستخراج برميل واحد هو خمسة آلاف دولار، وهذه الكلفة متضمنة كل شيء من مصاريف الاستكشاف والمنشآت والخطوط وتوابعها وأحواض التخزين في الموانئ والموانئ العميقة.... لكن لو سلمنا بالرقم العالمي المعروف وهو خمسة آلاف دولار لتطوير إنتاج برميل واحد، فإن الشركة سوف تسترجع كلف التطوير بحدود سبعين يوما فقط من بدء الإنتاج، على أساس سعر النفط عالميا لهذه الأيام.
على هذا الأساس نقول لا يوجد مبرر لتخصيص للصناعة النفطية من خلال بيع أسهم شركة النفط الوطنية العراقية للاكتتاب"
ويرى السيد حسن جمعه عواد الاسدي، رئيس نقابات النفط في الجنوب: "ان على الدوله ان تاخذ بنظر الاعتبار ان الجميع قادرون على تطوير البلاد دون دخول رأس المال الاجنبي الذي يخسر العراق الكثير من الاموال والقدره البشريه. الذي يريد ان يستثمر بالتاكيد لايحتاج الى العماله وقد يسرح الكثير منهم، الاستثمار في القطاع النفطي سابقه خطيره جداً، من الممكن الاستثمار في مرافق غير الصناعه الاستخراجيه بل في التحويليه او استثمار الغاز المصاحب الذي يحرق منذ مئات السنين. لم نسمع من أي المسؤولين في الدوله العراقيه منذ مجلس الحكم الى وقتنا هذا ان هنالك استثمار للغاز" **
وفي هذا الصدد يقول السيد طارق شفيق (الحياة(10/06/06/ : " ان الحاجة لرأس المال الكبير للاستثمار من اجل تطوير النفط والغاز مستقبلاً ينبغي ألا يؤخذ كعذر لتبني الشركات النفطية العالمية كبديل للوطنية." ويرى بدلا من ذلك اللجؤ الى القروض فيقول: "ان رأسمال المقترض قدره 5000 دولار لبناء معدل برميل واحد في اليوم يمكن ان يدفع في اقل من 100 يوم من الانتاج بسعر سوق اليوم. وان قرضاً قصير الاجل في ظل ظروف كهذه يسهل الحصول عليه."
قانون النفط وعقود الشركات الكبرى
هذه القروض يمكن ان تخلص العراق من فخ عقود تستغل حالة الإرهاب والفساد غير الطبيعية في العراق لتغبن حقه بشكل غير قابل للتعديل مستقبلاً. لذلك تستعجل الشركات الكبرى, ومن خلال علاقاتها التي تصل الى قمة قيادة اكبر الدول في العالم, الى توقيع الإتفاقات مع الحكومة العراقية وهي في وضع تفاوضي صعب, بل وتتدخل في كتابة قانون النفط نفسه.
في هذا يكتب كريك موتيت: " يبدو أن الأمور تتحرك بسرعة الآن. أثناء زيارة الرئيس جورج بوش الأخيرة إلى بغداد، كان النفط إحدى القضايا الرئيسة التي ناقشها. وفي الأسبوع الماضي، طالب وزير الطاقة في إدارة بوش، سام بودمان، بوضع قانون عراقي للنفط يوضح قوانين الاستثمار الخاص."
ويضيف : " في الوقت الراهن، تقوم السفارة الأمريكية وغيرها من عناصر الإدارة الأمريكية بتكثيف جهودها الرامية إلى التأثير على صياغة قانون النفط- في الوقت الذي لا زالت فيه 130.000 من القوات الأمريكية متمركزة في العراق. وهذا استخدام غير منطقي، وربما غير قانوني، للجبروت العسكري."
وينبه كريك موتيت الى ان " تاريخ العالم المنتج للنفط مليء بقصص المشاكل الاجتماعية والإخفاقات السياسية- حيث تجني الشركات الأجنبية أرباحا طائلة، وتزداد نخبة صغيرة في البلاد ثراء وقوة، بينما تبقى غالبية الشعب في حالة من الفقر." لذا فيجب الحذر وعدم الإستعجال فـ "لا زالت حكومة العراق جديدة وضعيفة، ولا زالت البلاد غارقة في حالة مريعة من العنف، وهي لا زالت تحت الاحتلال العسكري. وفي مثل هذه الظروف، يستحيل على الحكومة التوصل إلى صفقة في صالح الشعب العراقي. ومع ذلك، إن تم إبرام العقود، فسيضطر العراق للالتزام بها لعشرات من سنين المستقبل. ***
يضغط صندوق النقد الدولي على العراق لسن قانون للنفط قبل نهاية السنة الحالية من اجل توقيع عقود مع "شركات النفط الكبيرة". هذه العقود على ما يبدو ستكون من نوع " اتفاقية مشاركة الإنتاج " سيئة الصيت لأنها " موضوع جدل كبير بسبب الايراد الضئيل الذي تقدّمه للدولة" رغم انها " تعطي مظهراً لسيادة الدولة على الموارد الطبيعية" حسب رأي موتيت الذي يلاحظ " أن نفس الأفراد الذين شجعوا على توقيع اتفاقيات مشاركة الإنتاج في روسيا ودول أخرى في روسيا سابقاً مثل كازخستان وازربيجان، هم أنفسهم يدافعون عن استخدامها في العراق.". وقد تم بالفعل التوقيع على أربع عقود منها بين حكومة كردستان الإقليمية وشركات نرويجية وتركية وكندية. ولأن اتفاقيات مشاركة الإنتاج تدوم عادة لثلاثين أو أربعين سنة، فأنها ترهن مستقبل البلاد بأيد اجنبية وتضحي بسيادته على موارده نهائياً. ****
وهذا هو نفس رأي السيد حمزة الشمخي حين يقول:" من نافل القول هنا أن نشير إلى أن عقود المشاركة بالإنتاج التي وقعتها حكومة كوردستان على أساس المشاركة بالإنتاج، تعتبر هدرا للثروات الوطنية واستباحة لحقوق العراقيين أينما كانوا، والمثير للغضب حقا هو وأنها مازالت نافذة والشركات مستمرة في جهود تطوير الحقول المكتشفة وفق تلك الاتفاقيات بالرغم من أننا والكثير من أبناء الشعب وحتى مؤسسات عالمية متخصصة قد تحدثت عن مدى الإجحاف بمثل هذه العقود. أضف إلى ذلك أن حكومة كوردستان لم تنشر تفاصيل تلك العقود مع شركة "دي أن أو" الدنماركية أو غيرها وتجاهلت كل الدعوات الصادقة لوقف العمل بها ومراجعتها قبل فوات الآوان."
ويحسب السيد الشمخي حساباته ليتوصل الى ان الشركات" سوف تسترجع في السنة الأولى(من الإنتاج) ضعف ما أنفقته على عمليات التطوير، وسوف تبقى الشركات تجني ما مقدراه خمسة مليارات سنويا لمدة أربعين عاما متواصلة"
كذلك يتساءل طارق شفيق في (الحياة) قائلاً "العراق اليوم، على اساس عالمي, يملك اعلى نسبة من المخزونات المؤكدة او مخزونات موارد النفط الكلية. افلا يستطيع العراق اذاً ان يحجم عن عقد إتفاقات انتاج مشترك (PSA) لبضع سنوات او في الاقل حتى يعم الامن وينحسر ضغط القوى الكبرى؟"
لكن السيد شمخي فرج، رئيس قسم الاقتصاد و التسويق لدى وزارة الخارجية العراقية يرى ان ليس هناك وقت للحذر والتروي. فهو يرى ان تشريع قانون نفطي أمر مقنع ولكن: " اذا اتبعنا هذه السياقات كما هي سنفقد الكثير من الفرص، فاسعار النفط الان في ارتفاع وهناك رغبة كبيرة من كثير من الشركات الكبرى للاستثمار في زيادة الانتاج، خصوصا ان العراق هو البلد الوحيد الذي يمتلك حقول نفط مكتشفة وغير مستغلة"
وهذا كلام لايصمد للمناقشة: فأسعار النفط ليست مهددة بالهبوط, بل يتوقع استمرارها في الإرتفاع, وإن هبطت فلفترة وجيزة وبشكل بسيط, لذا فأننا لن "نفقد الكثير من الفرص". وكذلك فلا يتوقع ان تتضاءل رغبة الشركات الكبرى للإستثمار في العراق مستقبلا. والأفضليات العراقية التي ذكرها السيد شمخي فرج هي التي تدفعنا للتفاؤل وتدعونا للمطالبة بعقود لصالح العراق بشكل خاص, وليس استعجال قبول ما تفرضه الشركات.
كذلك نلاحظ التعميات والتناقضات المقلقة التي جاءت في حديث السيد فرج حين يقول: "لا خلاف على ضرورة وجود تشريع وصيغة تعاقدية وموافقات اصولية ، لكن اتباع هذه السياقات لربما سيفقدنا فرصة ثمينة."
وحين سئل عن رأيه في معارضة السيد إبراهيم بحر العلوم لعقود شراكة الانتاج قال: " تحدثت مع عدد من الشركات في امريكا وسواها ، وجميع الشركات تفضل عقود المشاركة في الانتاج وهذا اصبح معمولا به في كثير من بلدان العالم"
ليس غريبا تفضيل الشركات لتلك العقود, اما انها اصبحت شائعة فهذا كلام غير دقيق وغير صحيح كما رأينا أعلاه. يعود السيد فرج ليهئنا لقبول تلك العقود التي تطبخ على ما يبدو, فيعطي اسباباً غير محددة ولا مفهومة " لكننا ننظر الى زيادة تنافسية الاستثمار في العراق ، لذا يجب ان تكون هناك مرونة واضحة وتنافسية في الصيغ التي نقترحها على الشركات."
وعن تدخل الشركات وصندوق النقد في كتابة قانون النفط العراقي يجيب: "الاستعانة بالاخرين امر وارد ونحن الان نتناقش معهم حول الصيغة التعاقدية والامور الاخرى التي يستند اليها تطوير الحقول النفطية والضرائب وسواها ، هناك تعاون مشترك"
من الواضح ان الوضع السليم هنا ليس "الإستعانة" والـ "تعاون المشترك" بل صراع تفاوضي يسعى كل طرف للحصول على افضل الصيغ بالنسبة له, لأن الجانبين طرفين في مفاوضات متناقضة المصالح. لا شك ان جانب الشركات مدرك لذلك, على عكس ما يبدو عليه السيد فرج, والذي يختتم إجابته بشكل غريب قائلاً: "ولكن بالنتيجة هل تكلف جهة محددة بكتابة قانون النفط ؟ اعتقد انه يجب ان يكون لوزارة النفط دور اساسي في تشريع هذا القانون و اذا قامت جهة خارجية بكتابة هذا القانون فقد لا يتفق ذلك مع المفهوم العام وكيفية العمل."
والسليم هو ان تكتب الوزارة (بالتعاون مع البرلمان) قانون النفط لوحدها وحسب ما تراه مصلحة العراقيين بشكل واقعي وبدون تدخل من أية جهة اجنبية. بدلاً من ذلك يطرح الأمر كأن الوزارة هي التي "لن تترك الجهة الخارجية تكتب القانون لوحدها, بل تشاركها و"بدور اساسي".
الجواب الأكثر غرابة كان عن السؤال عن "الشركات العالمية التي التقاها السيد وزير النفط في هذا السياق (....) و هل تمت أي مفاوضات حقيقية." والجواب عليه هو: "لا توجد اجابة على هذا السؤال". أفلا يحق للشعب معرفة حتى مع اية شركات تتفاوض حكومته؟ وعلى اية صيغ؟ وهل يطلع اعضاء البرلمان على مجريات تلك المفاوضات السرية؟ *****
مصادر
* http://www.niqash.org/content.php?contentTypeID=171&id=1243
** http://www.niqash.org/content.php?contentTypeID=171&id=1329
*** http://www.niqash.org/content.php?contentTypeID=171&id=1314
**** http://www.niqash.org/content.php?contentTypeID=171&id=1259
***** http://www.niqash.org/content.php?contentTypeID=171&id=1266
#صائب_خليل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟