|
لعنة الشرق الأوسط
فلورنس غزلان
الحوار المتمدن-العدد: 1627 - 2006 / 7 / 30 - 11:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تحاور نفسك كمن فقد عقله، تسألها أمام كل مشهد من مشاهد الإبادة، ومع كل خبر يقع عليك كالصاعقة.. لمــــــاذا؟ ..لماذا نحـــن؟ ولمـــــاذا هنـــــا؟ مر ما ينيف عن قرن من الزمان فوق هذه المنطقة الملعونة...والمواطن يعيش الضياع ،الفقر والتخلف ، يحلم بالأمن والسلام، ينتظر ويمني النفس بغد أفضل ...إن لم يكن له ، فربما يسعفه الحظ لبناء ُلبنات أولى لحياة كريمة تطال أولاده وأحفاده .. لكنا نرى التاريخ يُبنى وترتفع فيه صروح العمران في أماكن مختلفة من أصقاع الأرض ..كانت تعيش مرارة الحروب وويلات القمع والحرمان أكثر منا... تتخلص دول شرق آسيا ...صغيرها وكبيرها من الاستعمار والحروب مع أكبر الدول وأعنف المعارك شراسة...فيتنام تفرض إرادة الحرية على فرنسا ثم أمريكا...وقبلها تنحسر أكبر إمبراطورية في التاريخ الحديث وتنهار أمام تصميم رجل مسالم كغاندي( أبو الهند ) يعتمد الكلمة ومقاومة العنف باللاعنف والسلام ، فيفرض على أعتى الإمبراطوريات أن تتراجع وتتقهقر، يبني دولته العلمانية صاحبة المليار إنسان اليوم ، ورغم ما تعانيه من فقر وفروق اجتماعية ، لكنها استطاعت خلال أقل من نصف قرن أن تصبح قوة اقتصادية ذات نمو مذهل وتطور متسارع، يشكل خطرا إلى جانب جارته الصين الكبرى على مجمل الاقتصاد الغربي، وتتقبل وتنصاع راضية لانفصال الباكستان عنها...دون عناء أو تشدد ، وأعتقد أنها مثلت منتهى العقلانية والوعي والتبصر ــ يبدو لنا الفارق واضحا جليا بين تطور الباكستان والهند، ومن الخاسر فيهما، ولماذا ؟ـــ فالحكم الهندي العلماني كان السبب الأول بتطورالهند ..نتيجة لتعدد الاثنيات والطوائف وللتركيبة الاجتماعية الهندية المعقدة ... كما هي حالنا مع الأسف...فهل نعتبر؟؟ومن بعد ...ومن بعد ... أمريكا اللاتينية تتخلص من حروبها مع العسكر والاستعمار والتطرف في أكثر من بقعة من بقاعها..وتبدأ ببناء ديمقراطيات وحياة أمل واستقرار وحرية... ناهيكم عن جنوب إفريقيا أعظم بؤرة للعنصرية استطاعت بفضل مناضليها وعلى رأسهم الأكبر مانديلا... إسقاط حصون القمع والعبودية والأبارتايد وانتصار إرادة الحرية والديمقراطية ..وفوز التعايش السلمي والتآخي بين الأسود والأبيض بعد فصول من الاضطهاد والرعب .. ..حتى بلد الجونيسيد الكبرى في التاريخ الحديث ( رواندا الإفريقية ) تخرج من محنتها ومذابحها وتتعظ فتكبر على جراحها وتنهض نساءها قبل رجالها لمعركة البناء ، تتحدى الصراعات الإثنية وتستطيع افتتاح المدارس والمساكن والمأوى لكل الأيتام والثكالى وتهيئهم للحياة، وتبدأ الاعمار على قدم وساق... نحن في شرق المتوسط ..في أرض سميت لبنان ..يخرج من محنته بعد عقد ونصف من حروب أهلية طاحنة ، تعلم من خلالها أن وحدة الوطن أرضا وشعبا وكيانا فوق الطائفية وفوق الخلافات والاختلاف.. ينهض من كبوته ليبني من جديد، لكن موقعه في منطقة كتبت عليها لعنة أكبر من لعنة الرب على بني إسرائيل وتيههم في سيناء، لأن بني إسرائيل سامحتهم آلهة السياسة الكونية، وغفرت لهم صلب المسيح، كما أرادت أن تغسل جرائمها وحروبها العنصرية معهم عبر التاريخ، فمنحتهم وطننا في ارض الميعاد التوراتية، لتكون جارة للبنان الصغير، ودولة تفرض بقوة السلاح الحديث والفتاك، تناصب هذا البلد العداء والأطماع، فيغدو وجودها إلى جانب سيولة الذهب الأسود في المنطقة، السبب الرئيس في قدره المخيف ....تلاحقه لعنة النفط العربي...تلاحقه لعنة إسرائيل أو فلسطين ، التي ضاع أهلها وكيانها، تجاوره دول تستضعفه ، فتساوي حساباتها على أرضه، وتقايض الكبار باسمه، تبني أعشاشها في حدائقه .. بلد يروم السلام والوئام، لكن الآخرين يقاسمونه الهواء والماء، بل يرون فيه كبش الفداء...إذن نحن في منطقة تعتبر بؤرة لصراعات عمرها أكثر من قرن...لا علاقة لمواطنيها في أقدار تتجاوزهم، لكن علاقتهم في إدراك أوضاعهم الجديدة وفهم المراحل التي مروا بها ، واستيعاب التجربة والخروج بدروس وثقافة يمكن لها أن تبني مستقبلا أفضل لأبنائهم ولمنطقتهم ، كي يتخلصوا من اللعنات المتلاحقة، والكبوات المتعددة....كي يستيقظوا من كوابيس الذات والماضي الذي يجترونه ويتباكون عليه ..بل يعيدون إنتاجه بقليل من التلميع وكثير من البهرجة وأكثر من كثير من التزمير والتهليل مشوبة بتبجيل الزعماء وتقديس النصوص ....مع نسيان الأهم فيها ...نسيان الإنسان أولا وتوريث ثقافة الحقد والببغاوية ، دون العقلانية والوعي ...ثقافة تدميرية للذات والمحيط...بعيدة كل البعد عن ثقافة البناء بكل أنواعه...بناء الإنسان بناء الاقتصاد ...بناء السياسة ...بناء الأمن والأمان...بناء الحياة والمستقبل ...وبالتالي بناء الأوطان ككل...هذه بعض الدروس التي يجب أن نستوعبها .. نعم نحن في منطقة اللعنة الكبرى ..التي حلت علينا لينقلب التيه ..من ورثته أحفاد سارة ( اليهود)، ...إلى أحفاد هاجر( العرب )....لكن السؤال الأكثر إلحاحاً على الذات : ...هل السبب في موقعنا وثروتنا ؟ هل هو في ضعفنا وعجزنا وتخاذل حكامنا؟ هل هو في تآمر الآخر علينا وأطماعه فينا؟ ..أم أنه في هذه مجتمعة؟ وكي نخرج ولللأبد من حصارنا ..وكي نتخلص من موروث الدمار والتدمير ومن تاريخ الهزائم...وكي نبني أوطاناً حرة وآمنة ..وكي نعيش بسلام ...كيف يجب أن نجد طريقنا بعد ضلال طويل ومرير ؟ ، ونحن نعاني من ضبابية في الرؤيا، نعاني من خلط في الأوراق ...نعاني من خلط في المفاهيم والقيم...نعاني من تشعب في الأهواء السياسية والمصالح الآنية، أو أطماع السلطات المحلية وفوقها سلطات دولية ..تستقطب هذه المحلية لتصبح خاتمها الأمين وصائن مصالحها...كيف نخرج من تيهنا الذي طال؟ ...كيف نستعيد شيئا من كرامة ..وقليلا من سلام وكثيرا من حرية؟ ..إن ما يجري هو أشبه بضربة شمس ضربتك فجعلتك مقعدا وغائبا عن الوعي...تتقيأ روحك ..وتود من الأعماق أن تتقيأ وجودك كله... تريد أن تتقمص روحك ..ذاتا أخرى وأن تخرج من جلدك ...لترفض واقعا أكبر من مقدرتك على الهروب منه ...ليس انطلاقا من عامل الخوف والانهزامية ..بل العجز الجماعي لا الفردي....العجز الجماعي ..الذي يصيب منطقتنا الشرق أوسطية...بجذام سياسي ..لا علاج له سوى بيسوع جديد...ومخلص قدري ...لمن يعتقد ويؤمن بالمعجزات بعد!!!. لن يكون هذا المسيح بالتأكيد أمريكياً، كما لن يكون بكل يقين عربياً ، ولن يأتي على الإطلاق من بطن العدو الإسرائيلي... إذن ماذا ننتظر؟ وإلى متى؟ وكيف؟ ...هل تجدي مقاومة أفراد وقذائف لتصنع نصرا...مع كل هذه الحرائق وهذا الدمار ؟ والدول العربية بكل كياناتها الهلامية..تحبو زاحفة ..مصابة بكساح مزمن..وبفتوق تاريخية، وأمراض مستعصية...على كل الأصعدة...فهل يمكنها أن تجني من زراعتها الريح ...سوى العواصف التي لا تبقي ولا تذر على شعوبها وأوطانها؟ ..إني أرى المستقبل أسودا قاتما ..كالحاً ...ينذر بأخطر العواقب على المنطقة بأكملها...العراق ...عمه ويعمه خراب ...سيودي به إلى هاوية التفتيت الطائفي المقيت...فقد غدت بغداد ..بغدادين....( كرخ سني ...ورصافة شيعية )، ناهيك عن باقي المدن...والذبائح البشرية ...تراق دماءها كما تراق مياه الأنهار ... وصارت أخبارها مجرد سطور في الصحف العربية والعالمية...لأن الدم العراقي مباح من أهله وزهيد الثمن في سوقه...فلماذا لا يكون كذلك لدى الآخر؟ يخرج علينا مفتي السعودية ، بإفتاء غريب من نوعه ...لا أدري على أي مصدر ديني اعتمد حين أطلق فتواه التمييزي الطائفي؟ ، ثم نراهم يجمعون التبرعات للمنكوبين من لبنان...فكيف سيقبل الشيعي اللبناني هذا الكرم بعد تكفيره؟ ...هل المقصود هو الدخول في معمعة الطائفية؟ وعودة لبنان إلى ما قبل 1975؟ والدم الفلسطيني ...لا يختلف بكثير أو قليل عن الدم اللبناني..ما لون الدم المسيحي، وماذا يميزه عن الشيعي أو السني بعد الانفجار؟؟ .وتستمر اللعنة ...تلاحقنا ..طالما يقبع بيننا أمثال هؤلاء. فهل من عقلاء في عالم الجنون والإفتاء التدجيلي هذا؟.، والذي يذكرني بافتاءات الخميني قبل أعوام!! ومن بعده الزرقاوي وابن لادن ...لماذا نرضى لأنفسنا ذل إفتاءاتهم ، واللعب بمصيرنا من قبل جهلة؟؟ ..يعتقدون أنهم ورثة محمد على الأرض ، وأصحاب الحق المشروع في التكفير والايمان !! هل سيخرج جني ما من قمقم المجهول ...لينهينا ...أو لينهي الوجع؟ ففي كلا الحالتين راحة ما... وخلاص من حالة انعدام الوزن واستمرار اليتم الوطني والتيه السياسي ، لانعدام مقدرة اللاعبين في مسرح المنطقة الملعونة.
#فلورنس_غزلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عدنا والعود أحمدُ ...من روما بخفي حنين!
-
من هنا إلى روما ... ويستمر الطوفان
-
ناموا ياقرود السيرك العربي
-
ماهي نتائج الحرب في لبنان؟، وماهي معالم المنطقة مستقبلاً؟
-
رسالة ... إلى ميشيل كيلو في معتقله
-
إيران الرابح الأول، ولبنان الخاسر الأكبر
-
إلى أي مدى كان وعد حزب الله صادقاً؟ وما هو ثمنه؟
-
بين الشهيد الجولاني - هايل أبو زيد -، والجندي الإسرائيلي الم
...
-
تنصيب ( علي الديك) على رأس المشروع السوري الكبير بخطته غير ا
...
-
لماذا تغيرت القيم في سورية؟ ولماذا اهتز الانتماء الوطني؟
-
خاسرون ومهزومون...حتى بالرياضة!
-
مطر الصيف فيلم الأسبوع الفلسطيني بجدارة...المخرج إسرائيلي و
...
-
أحلام صفقة سورية أمريكية ملحقة بالإيرانية
-
الوقت غير مناسب
-
فلورنس غزلان مع الفضائية الكردية روج تي في
-
ألم تنته مدة صلاحية الاستبداد في سورية بعد؟
-
كان ...هنا
-
متى نخرج من قمقم عبودية النصوص والخطوط الحمر؟
-
تعرفوا على رئيس سورية المستقبل!! هكذا يقدم - الغادري - نفسه
...
-
إضاءة على الخطوط المنحنية والمتعرجة، ذات المغزى في صحيفة -ا
...
المزيد.....
-
صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
...
-
الدفاع الروسية تعلن إسقاط 8 صواريخ باليستية أطلقتها القوات ا
...
-
-غنّوا-، ذا روك يقول لمشاهدي فيلمه الجديد
-
بوليفيا: انهيار أرضي يدمّر 40 منزلاً في لاباز بعد أشهر من ال
...
-
في استذكار الراحل العزيز خيون التميمي (أبو أحمد)
-
5 صعوبات أمام ترامب في طريقه لعقد صفقات حول البؤر الساخنة
-
قتيل وجريحان بهجوم مسيّرتين إسرائيليتين على صور في جنوب لبنا
...
-
خبير أوكراني: زيلينسكي وحلفاؤه -نجحوا- في جعل أوكرانيا ورقة
...
-
اختبار قاذف شبكة مضادة للدرونات في منطقة العملية العسكرية ال
...
-
اكتشاف إشارة غريبة حدثت قبل دقائق من أحد أقوى الانفجارات الب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|