الماء اساس الحياه (1-2)

عدلي عبد القوي العبسي

الحوار المتمدن-العدد: 6848 - 2021 / 3 / 22 - 16:52
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    

اليوم يحتفل العالم اجمع بمناسبه يوم المياه العالمي 22 مارس
وتاتي هذه المناسبه في لحظه تاريخيه عصيبه تتمثل في احتدام النزاع السياسي الحقوقي على مياه النيل واقتسامه تسبب به انشاء سد النهضه بين اثيوبيا من جهه وهي دوله المنبع ( النيل الأبيض والسودان ومصر دولتا الممر والمصب
هذه اللحظه التاريخيه تكاد تتاكد فيها مقوله ان الحروب القادمه في المنطقه هي حروب المياه
وقد كان هذا ما يردده خبراء الجيوسياسه و التنميه والنزاعات السياسيه في الشرق الاوسط طوال عقود من الزمن
ولكن اليس من المستحسن ان نخفف من هذا القول فبدلامن استخدام كلمه حروب نستخدم مفرده نزاع
ولنقل ان النزاعات الجيوسياسيه القادمه سيلعب فيها الماء كمورد طبيعي استراتيجي دورا أساس في النزاعات المستقبليه القادمه خاصه في ظل شحه هذا المورد جراء تغير المناخ حيث انخفض الهطول المطري السنوي بنسبه
في منطقه جغرافيه يغلب عليها اصلا سمات الاراضي الجافه وشبه الجافه 25%
الماء هو المورد الطبيعي الذي يكاد يتفوق على النفط والذهب في أهميته الفعليه ( بالمناسبه شعار احتفاليه هذا العام هو تثمين المياه وقد طلبت الأمم المتحده من كل مواطن على هذا الكوكب ان يشارك في مناقشه عالميه حول اهميه المياه وقيمته الحقيقيه وتجربته الحياتيه مع استحدام المياه وستعرض خلاصه هذه المناقشه في وثيقه عالميه
كما اعتادت المنظمه الامميه ان تصدر تقرير الموارد المائيه في هذا اليوم من كل عام

ولكن لماذا هذا المورد الطبيعي وما هي أهميته المتعاظمه حتى نصل الى درجه بلوغ مرتبه النزاع الدولي حول هذا المورد الحيوي الهام والاقتراب من شبح الحرب هنا في منطقه الشرق الأوسط في العام 2021 ( حاله مصر واثيوبيا )
الى جانب حالات نزاع هادئ بين تركيا وجيرانها العرب وايران وجارتها العراق بسبب مشاريع المياه أعالي الأنهار وهوما يجر الى خلافات حقوقيه واختلاف في ادراك مفهوم العداله ( عداله الانتفاع ) في ابعاده الواقعيه وتفاصيله المتشعبه
الى جانب هذه النزاعات المائيه الكبرى التي يتم استثمارها من قبل الامبرياليين والصهاينه في تاجيج الصراع لأغراض تدميريه تحقق التفوق الصهيوني والهيمنه الامبرياليه

هناك العشرات الالاف من النزاعات المجتمعيه المحليه في بلدان المنطقه الفقيره بالمياه اقصد النزاعات الفرديه و العائليه والقرويه والقبليه التي تحدث بسبب الماء وبسبب بناء منشآت مائيه صغيره او الشروع في الانشاء
ان ما يعزز من تكاثر وباء النزاع المائيه في هذه البلدان هو الواقع الصادم المتمثل في شحه المياه والتداعيات الكارثيه لتغير المناخ في مناطق هي في الأصل ( قاحله وشبه قاحله ) والكثير منها مناطق هشه الى جانب مفاعيل سوء الاستخدام وتدني الوعي والالتزام وانتشار الفساد وضعف هيبه القانون
وقبل الحديث عن الاهميه الاجتمااقتصاديه للمورد سنقدم موجزا تاريخيا عن مكانه الماء في التراث الثقافي الشعبي العالمي

في البدء كان الماء


اول من استنتج هذه المقوله المدهشه
هو الانسان البابلي (العراقي القديم ) ابان مبتدأ الحضاره البشريه
ففي اينوما ايليش وهي اشهر اسطوره الخلق البابليه ورد اول بيت شعري في التاريخ نصه كما يلي :
( عندما في الاعالي لم تكن هناك سماء وفي الاسفل لم تكن هناك ارض
كان هناك ماء )
انظروا الى مدى الحكمه و النبوغ والتصوير المدهش في هذا البيت خاصه عندما يكاد يقترب من الحقيقه الانطولوجيه عن بدايه الكون والخلق

يتجلى النبوغ هنا في تصور ان الماء هو مبتدأ مسار الخلق والنمو اومبتدأ التطور كما نقول بلغتنا العلميه الحديثه اي تطور بنيه الماده
ولا غرابه لان البدايه كانت مع (فقاعه الهيدروجين ) والهيدروجين هو اهم مكونات الماء
وبصوره ما او باخرى نحن ( ربما ) نقترب علميا من حقيقه كهذه
وهو نفس المعتقد الذي اشار اليه الفيلسوف اليوناني الشهير ( تاليس ) حين قال ان اصل الكون ماء
وفي القرآن الكريم اشاره مدهشه الى هذه المقوله وقد جاء فيه ( واستوى عرشه على الماء )
وقوله تعالى ( وجعلنا من الماء كل شئ حي ) وعدد كبير من الايات الكريمه التي تشير الى اهميه الماء
ومركزيته في الحياه والى كونه اعظم النعم على الاطلاق .
ثم جاء العبقري الفنان والعالم ليوناردو دافنشي في القرن السادس عشر صاحب الرسومات والتصميمات المدهشه عن اهم اختراعات عصرنا
ليكتب مقولته الشهيره ( الماء اساس الحياه ) التي اصبحت في التداول مبدأ توجيهيا عالميا لكل انصار البيئه والمدافعين عن الحفاظ على المياه باعتباره المورد الطبيعي الاهم .
عندما ترد في اذهاننا كلمه ( الحياه ) فاننا من المنظور العلمي نذهب بتفكيرنا رأسا
الى المواد الاساسيه الهامه فالبعض ستقفز الى ذهنه مباشره ماده الكربون العضوي او الاوكسجين او الماء
لكن الجميع يدركون ان الماء هو مفتاح سر الحياه وبدون الماء لاتوجد حياه

و علماء الفلك حين يستكشفون او يبحثون في المنظومات النجميه القريبه والبعيده في مجرتنا او المجرات الاخرى بعددها الهائل وبعدها المهول
عن كوكب يشبه كوكبنا اول ما يخطر على بالهم
هي المسأله التاليه : هل يوجد فيه ماء ؟!
يطرحون هذا السؤال قبل سؤالهم التالي عن وجود الكربون العضوي واشكال الحياه الاولى
هذه اشاره بسيطه منهم الى ان سر الحياه واساسها هو الماء

نقول الماء اساس الحياه لان تفاعل هذا المورد مع الموارد الطبيعيه تفاعلا ديناميكيا مترابطا تأثرا وتأثيرا = ( ديالكتيكيا ) هو ما يرسم لوحه الحياه الجميله و يجعل كوكبنا جميلا ورائعا وصالحا للحياه من خلال التوازن البيئي ومافيه من انسجام وتناغم
ولان هذا المركب الكيميائي السحري هو اكسير الحياه
فهو الوسط المذيب لكل المواد وبه تحدث جميع التفاعلات البيوكيميائيه الضروريه
وهو يشكل في تكوين جسم الانسان الثلثين تقريبا
كما اننا نعلم ان اولى الحضارات البشريه في بلاد الرافدين وفي الصين والهند ومصر وسوريا الكبرى
قامت هذه الحضاره على وجود الماء حيث المستقرات البشريه الاولى المتحضره التي نشأت على ضفاف الانهار و الاراضي الخصبه
وانالانسان تفاعل هناك مع عطاء النهر والمطر والتربه الخصبه عبر (البراكسيس ) اي العمل لتزدهر عده انشطه انتاجيه وثقافيه وفنيه
وتتأسس اولى المدن ويتطور الاجتماع وتنشأ المؤسسات والتشريعات ويبزغ فجر العلم والتكنولوجيا تحت حوافز الحاجه وضرورات الانتاج
وفي القلب من كل هذه اللوحه المرسومه والمعادله الحضاريه كان هناك العنصر المركزي وهو الماء

للماء اهميه اقتصاديه اجتماعيه كبرى فهو عامل مهم من عوامل الامن القومي الذي يستحيل من دون تحقيق الامن المائي وبالتالي الامن الغذائي
والماء هو المحدد الأول للتنميه وهو مفتاح الاستقرار الاجتماعي وسلامه البيئه
وهو اهم مدخلات الإنتاج الصناعي ومصدر هام لانتاج الطاقه بالنسبه لبعض البلدان المهمه في المنطقه مصر على سبيل المثال
انظر مثلا السد العالي ونهر النيل وما يمثلان في حياه الشعب المصري من اهميه مركزيه

مثال اخر الوضع المائي المتردي في اليمن يشير بشكل واضح الى اعاقه التنميه والاستقرار وتهديد الامن الاجتماعي والصحه البشريه والمساس حتى بمستقبل الأجيال القادمه
يتبع

#عدلي_عبد_القوي_العبسي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات