أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - حماقة التاريخ الكبرى















المزيد.....

حماقة التاريخ الكبرى


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 478 - 2003 / 5 / 5 - 03:53
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


كما تشتاق خنفساء لزيارة ثقبها، وكما يشتاق جلاد متقاعد إلى قبوه القديم، وكما يشتاق مجرم إلى مكان جريمته، ونملة إلى جحرها، وطائر إلى عشه، وجثة إلى نبضها، وشفة يابسة إلى قبلة، ونهر إلى مجراه، وشحاذ إلى رصيف، وسكير إلى حانة، وكلكامش إلى الخلود، وزعيم حزب معارض من جماعة "دبابقراطية" إلى جماهير مصعوقة في فندق فلسطين، وكما يشتاق الطاغية إلى قصره القديم، وسنونوة مهاجرة إلى كنيسة جبلية منعزلة، أشتاق لزيارة وطني هذه الأيام.

فزيارة الوطن حق مثل الهواء، والحب، والصداقة، والموت، والاحتضار، والجنون، والطعام، والعشق، والانتحار، والكتابة، والجنس، والسكن، والعقيدة، والحلم، والسخف، والبلادة.

لكن الوطن الذي يستحق الزيارة هو الوطن الصديق، الوطن القانون، الوطن العادل، الوطن الحر، المسالم، الجميل، الكريم، العذب، الوطن الذي يكون فيه القاضي صديقك في المقهى والشارع والمنزل وقاضيك في المحكمة كأنكم غرباء.

والوطن الصديق هو الذي يكون فيه صالون الحلاقة هو صالون حلاقة فعلا لا وكر مخابرات.

والمقهى مقهى ولا توجد فيه غرفة تعذيب خلفية ملحقة.

والوطن هو رصيف تمشي عليه وأنت تغني بكل طمأنينة الأغنية التي تريد، وليس رصيفا عليه عشرات علامات المنع والزجر والخوف من ممنوع الوقوف إلى احذر توقف العجلات هنا إلى مكان خاص إلى منطقة محرمة.

والوطن هو حديقة  تستلقي فوقها مع صديق أو عائلة دون أن تخاف من سيارة تتوقف فجأة لتجد نفسك معلقا دون أن تدري على شجرة مجاورة كي ترى الغزالة.

والوطن هو ديوان شعر تحبه أو نجوم الظهيرة.
ورواية تكتبها دون رقيب.
وامرأة تعشقها حتى الموت دون وصاية من الحزب والعشيرة والعائلة والجيران والأصدقاء والأقارب وزملاء المهنة وزملاء المقهى، وأصدقاء المحلة، وشيخ الجامع، ومفتى الطرف، ومسؤول البلدة الحزبي، ونسوان الحارة، وآمر الثكنة، ومختار الحي.

والوطن وهو خروف عيد تشتريه متى تشاء كي تمارس طقسك الديني أو العائلي أو الاجتماعي، لا أن تتحول أنت إلى خروف بيد دولة قهرية تذبحك متى تشاء وبدون الحاجة إلى قواعد الذبح على الطريقة الإسلامية أو غيرها.

والوطن هو رئيس جمهورية تكتب له غاضبا أو تصافحه في الشارع دون أن تجد نفسك في قبو سري مظلم أو في حاوية زبل على أطراف البلدة أو مشحونا في قطار وقد كتب عليك ( كيس بطاطة تالف!).

 والوطن هو صديق تزوره منتصف الليل دون أن تسهر في سرداب تحت الأرض عاريا كقرد نزل توا من الشجرة.

 والوطن هو جريدة تشتريها من أي كشك أو رصيف متى تشاء دون أن تجد نفسك بعد الشراء معلقا في مروحة فندق أو في غرفة خلفية في المكتبة نفسها أو في جامع أو في مجمع للأوساخ.


والوطن هو فندق تنام فيه وتعترض على صاحبه، مثلا، على وساخة الوسادة دون أن تجد نفسك مرميا بعد منتصف الليل قرب حاوية  الفضلات كما جرى مع كاتب هذه السطور يوما.

والوطن هو شرطي تصافحه في محطة سيارات دون أن تهرب منه أو يتلصص عليك.

ورئيس تحرير صحيفة يغضب عليك أو تغضب عليه في الصحيفة نفسها في النهار، وتذهب معه في الليل إلى أقرب مشرب  أو جامع  أو ضريح أو كازينو كأصدقاء، بلا ردح، ونطح، وعلى حس الطبل خفن يارجليّ !.


الوطن هو ناقد أدبي يكتب عنك دون أن يعرفك، لا أن يكتب عنك بناء على توصية أو تزكية أو معرفة أو علاقة أو حساب مدفوع.

 والوطن هو حلم تحلمه لحسابك الخاص دون أن يشغلك أحد به.
والوطن هو سجن مكشوف تدخله حين حسب القانون، لا طامورة تحت فندق أو نصب كتب على بابها، إذا كان لها باب: مصنع خل.

وهو قصة حب مجنونة تعيشها  بعنف وتطرف كعصفور مخمور يسبح في الفضاء الأزرق حتى يسقط ميتا للمرة الأخيرة.

والوطن هو برلمان تصنعه وتعترض عليه دون أن تتحول إلى برميل قمامة في ولادتك الثانية بعد الطحن أو الثرم.

 والوطن هو حمام سباحة تسبح فيه منتشيا، وأنت في ثوب السباحة كمسيح العصر، دون أن تجد نفسك في فم تمساح أو فهد أو نمر ملك لابن مسؤول كبير أو صغير أو خادمه أو سمساره.

أو تجد نفسك بعدها تسبح في حوض خردل أو تيزاب وتتحول إلى ضباب أو غيب أو ذكرى أو وهم.

 والوطن هو كلمة (لا)  تقولها دون أن يتحول جلدك إلى حذاء في مصنع للأحذية .

وهو كلمة( نعم) تقولها وأنت مطمئن بأنك ستعود إلى دارك، لا أن تختفي في نفق أو قبو عشرات السنوات الضوئية.

والوطن هو حوار مع صديق أو حزب أو مسؤول أو وزير أو جريدة  في مقهى أو عمل أو شارع أو باص أو مؤسسة وتعود بعده إلى منزلك وأنت بكامل ملابسك الخارجية والداخلية.

والوطن هو طبيب تعترض على غلطته المميتة بحياتك أو حياة غيرك دون أن تجد نفسك بعد هذا الاعتراض في عيادة تجميل بعد أن تم تقليص أنفك، حاجبك، ذراعك،  وزنك إلى مستوى وزن زرزور أو فراشة أو رأس بصل كي لا تكون مشكلة في الزحام أو السكن أو الملابس.

والوطن هو سائق تاكسي تركب معه وأنت في تمام طمأنينتك دون أن تجد نفسك، بدافع الشك أو النصب أو الحقد، في ضيافة جهاز سري تخرج منه، إذا خرجت، وقد تعلمت أصوات كل الحيوانات الضارية والداجنة، وحتى سيارات الشحن والقطارات.

والوطن هو جواز سفر تحمله متى تريد.
وحذاء تشتريه متى شئت.
ولباس داخلي تلبسه متى تشاء وتخلعه متى تشاء دون أن يخلع لك في مديرية الأمن العامة لدواعي السرعة والتهذيب والأمن القومي.

والوطن هو زجاجة بيرة من نوع( لاكر) الذهبي تشربه من فوق، لا من تحت بسبب موقفك الآيديولوجي أو القومي أو الثقافي.

والوطن فراش وثير ونظيف تنام فيه متى تريد دون أن تجد شرطيا تحته يعاتبك على شخيرك بعد منتصف الليل.

والوطن هو فليم سهرة على الذوق، لا حفلة جلد على شكل خطاب رئاسي.
وهو لعبة بريئة تلعبها برغبتك.
وسيارة نجدة تطلبها متى تحتاج وتأتي لنجدتك لا لتحويلك في لحظات إلى معجون طماطم لأنك تجاوزت على نزهة مسؤول كبير مع كلبه، أو حتى تجاوزت على كلبه، أو حتى محاولة عض كلبه أو إخافته.

والوطن هو مرآة تجد وجهك فيها في غرفتك، لا أن تجد فيها عشرات الوجوه تحدق بك.

والوطن هو مفتاح باب تقفله متى تريد وتفتحه متى تريد لا أن يفتح في غيابك وفي حضورك وأنت تتفرج جالسا على الأرض ككلب كسرت ساقه الأمامية.

والوطن جار وليس مخبرا سريا.
وهاتف وليس عصابة إنصات.
وحبة أسبرين لا حبة ثاليوم.
والوطن عصير تشربه لا قطرة سم مدسوسة كي تموت على مراحل وببطء مثل بعير أجرب متروك في البرية.
وهو رسالة من صديق أو عزيز تصلك في الخارج وليس رسالة فيروسية.
 والوطن هو غابة تدخلها وتخرج منها وليس حقل تجارب لحشرات أو أرانب أو سجناء أو أسرى.

والوطن ،كما يقول الشاعر اليوناني كافافي، هو كأس حليب الصباح، تشربه في هناءة.

وهو سيارة لن تتوقف، فجأة، قربك لتجبرك على الصعود إلى الهاوية أو المجهول أو وراء الشمس أو وراء الغياب.

الوطن هو أغنية ترددها علنا( رسالة من تحت الماء ) مثلا، لا صرخة ضائعة ترددها من تحت نفق سري أوقبو تعذيب.

وهو راديو تشتريه لا يشتريك  ويحسب أنفاسك وأحاديثك العائلية.
وساعة عادية لا وسيلة إنصات.
وهو حديقة حيوانات تدخلها وتخرج منها بسلام، لا أن تدخلها وتجد نفسك في قفص للقرود كما حصل مع صديق صحفي يوما لأنه سب قردا بطريقة قابلة للتأويل( هل نحتاج إلى قرد إضافي؟ نحن نكفي!).


الوطن هو سماء زرقاء تجلس تحتها وأنت في تمام نشوتك.
وهو غيمة بيضاء تناشدها المطر.
وهو مطر عذب تشرق بعده شمس رمانية متوهجة.

هذا هو الوطن.

لكني فوجئت هذه الأيام وأنا أستعد للذهاب إلى الوطن بالذهاب إلى نادي رياضي مجاور لتعلم المصارعة والملاكمة ورفع الأثقال والقتال الفردي.

وفوجئت بأني أتصل بصديقي  الكاتب فلاح المشعل كي يشتري لي مسدسا كاتما للصوت، وحين سألني: لماذا كاتم صوت؟ قلت: كي أنتحر علنا انتحارا استعراضيا.

وفوجئت بأني طلبت من إخوتي  الثلاثة أن يطلبوا من أولادهم وبناتهم البالغ عددهم أكثر من خمسين فردا أو يحتفظوا بقاذفة صواريخ في المنزل.

وطلبت من عمي المتزوج من أربع نساء أن يكون أولاده وبناته البالغ عددهم أكثر من سبعين فردا أن يشتروا بنادق من طراز بي،كي، سي، وذات الأربع فوهات في اقرب وقت.

والأمر نفسه من الأعمام والأخوال حتى تحولت الأسرة ومحيطها القريب إلى  فرقة موت أو منظمة سرية  تجهز نفسها لحرب عصابات قادمة بدون أدنى شك.

هل هذا هو الوطن الذي كنت أحلم في الذهاب إليه وتغييره؟.

سابقا كنت أتوقع أن أذهب إلى الوطن ومعي عدد من الطيور النادرة هنا، ومجموعة من الفراشات التي أعشقها، وعدد من الأصدقاء والصديقات الأقرب إلى حمام الأضرحة أو وداعة رخام مسجد صوفي قديم.

كنت أتوقع أن أعود مع أعداد كبيرة من رواياتي.
ومع أعداد من صور المنفى في الثلج والليل والخليج والمحطة والعاصفة. ونسيت حكمة علي بن أبي طالب عن أن المنفى هو وطن غير عادل.

واليوم أعد الحقيبة للعودة إلى وطن كما يعود مهرب مخدرات أو زعيم عصابة أو ملاكم شرير من طراز  مايك تايزن، لأعض هذه المرة لا أذن منافسي، بل سأعض أذن التاريخ على هذه الحماقة الكبرى !    



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دكتاتور نجوم الظهيرة
- أشباح الماضي
- حفلة التيس
- إبراهيم أحمد وعيون الضبع
- غارنر والختان
- رسالة مفتوحة إلى الدكتاتور لمناسبة عيد ميلاده
- كل شيء تحطم إلا اللغة
- سنواصل المنفى ونحرض الشجر
- سقوط الرهانات الكبرى
- الوجه الآخر للدكتاتور
- أبناء منتصف الليل
- سرقوا الوطن، سرقوا المنفى
- لا تزعجوا هذا الجندي النائم
- خاتمة محنة البطريق/ رسالة منتصف الليل
- وداعا أيتها البصرة الرهينة 21
- الأخطاء القاتلة 20
- الروائي المصري رؤوف مسعد/ السيرة الذاتية كفضيحة
- الشاعر الأسباني لوركا / نائم والعشب ينبت بين أصابعه
- نهاية التاريخ والقرد الأخير 19
- حروب الأعزل 18


المزيد.....




- تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ ...
- بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق ...
- مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو ...
- ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم ...
- إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات ...
- هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية ...
- مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض ...
- ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار ...
- العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - حماقة التاريخ الكبرى