|
إسرائيل تنتخب الاحتلال والتطرف والعنصرية
نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)
الحوار المتمدن-العدد: 6847 - 2021 / 3 / 21 - 13:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثمة عدد من الخصائص المميزة لهذه الجولة من الانتخابات الإسرائيلية، وهي الرابعة من نوعها خلال عامين. أهم هذه الخصائص الغياب الكامل لما كان يعرف خلال العقود السابقة بمعسكر السلام الإسرائيلي. على الرغم من الطابع الفضفاض والواسع لهذا المصطلح، والذي كان يشمل قوى ومراكز جادّة وأخرى غير جادّة ولا صادقة في دعوتها للسلام. وبعد غيابها عن الشارع والاحتجاجات الميدانية المتواصلة على استمرار الاحتلال، تراجع تمثيل هذه القوى المحسوبة على اليسار الصهيوني، ووصل إلى حافة الاندثار والغياب عن الخريطة السياسية. وتظهر مختلف الاستطلاعات أن هذه القوى، وخاصة حزب العمل وميريتس، تصارع قريبا من نسبة الحسم، وقد تختفي نهائيا من المشهد السياسي الإسرائيلي. وفي غياب قوى السلام واليسار، او تقلصها إلى مجرد قوى هامشية عديمة التاثير، خلت الساحة الإسرائيلية لقوى اليمين بتلاوينها المختلفة: فثمة اليمين الشعبوي الذي يمثله بنيامين نتنياهو وحزبه الليكود، إلى جانب اليمين الأيديولوجي الفاشي وما يسمى بحزب أمل جديد بقيادة جدعون ساعر، واليمين الاستيطاني المتطرف بقيادة نفتالي بينيت، ثم اليمين الأكثر تطرفا إلى درجة التماهي مع عصابات الإجرام كما هو حال حزب الصهيونية الدينية الذي يقوده بتسليئيل سموتريتش، ويضم تلامذة الحاخام مائير كاهانا والمجرم غولدشتاين مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي ، وهذا الفريق بالذات دون غيره هو الذي اختارة نتنياهو لتوقيع اتفاقية فائض الأصوات معه. كما توجد أحزاب يمينية وعنصرية شكلا ومضمونا، في مواقفها العملية وبرامجها وتكوينها، لكن الأقدار وضعتها في مواجهة شخصية مع نتنياهو، فتهيأ للمتابعين عن بعد أنها أحزاب وسط أو حتى يسار، وأبرزها حزب يوجد مستقبل برئاسة يائير لابيد، الذي يتخذ موقفا عنصريا من فلسطينيي الداخل، ويتبنى خطة الضم ويرفض التفاوض مع الفلسطينيين، لكنه في نفس الوقت يظهر مواقف حادة ضد الأحزاب الدينية وهيمنتها ما جعله يبدو وكأنه علماني يساري، تماما مثل حزب يسرائيل بيتينو برئاسة أفيغدور ليبرمان، الذي يجاهر بكل صفاقة ببرنامج ترحيل جماعي (ترانسفير) لفلسطينيي الداخل مثل مواطني المثلث، فيقترح ضمهم، دون أراضيهم، لمعازل السلطة الفلسطينية مقابل ضم المستوطنات مع الأراضي المحيطة بها لإسرائيل، ومع هذه الفئة المحسوبة عنوة على الوسط واليسار يمكن إضافة بقايا حزب أزرق أبيض برئاسة الجنرال بيني غانتس، الذي صار مضرب الأمثال في التنكر لناخبيه والنكث لوعوده لهم، لكنه هو الآخر ينازع قرب نسبة الحسم، ومن الواضح أنه في طريقه للاختفاء. وإلى جانب هذه القوى اليمينية الفاقعة، يقف اليمين الديني المتزمت ويمثله حزبا شاس ويهدوت هتوراة، وهما حزبان قطاعيان طائفيان، لهما جمهورهما الثابت، وعادة ما يكونان محسوبين على الحكومة، وهما الآن في جيب بنيامين نتنياهو ورصيد ثابت ومضمون لمساعيه في الاحتفاظ برئاسة الحكومة والتملص من المحاكمة، وربما الإفلات من الإدانة والسجن . ميزة هذه الانتخابات أيضا أنها تتركز حول شخص واحد هو بنيامين نتنياهو، فبقاؤه أو الإطاحة به هو عنوان التنافس الضاري بين الأحزاب والمعسكرات والذي لم يحسم خلال الجولات الثلاث السابقة. وإذا كان صحيحا وجود أبعاد وعوامل شخصية في هذا الصراع نتيجة فردية نتنياهو واتهامه بالفساد، وقيامه بتصفية خصومه وتهميشهم، إلا أن هذا الخلاف يعكس خلافا جوهريا أكثر أهمية حول طبيعة الحكم في إسرائيل، ومحاولات نتنياهو بناء نموذج للسلطة الفردية المطلقة، على غرار كل الأنظمة الفاشية في العالم، بديلا لدولة المؤسسات والقانون وفصل السلطات، واستقلال السلطة القضائية واحترام الحريات العامة وخاصة حرية التعبير، والطابع المهني غير الحزبي لجهات إنفاذ القانون، ويرى خصوم نتنياهو أنه من خلال مساسه بهذه الثوابت يقوم بتقويض أركان قوة دولة إسرائيل، بينما يدعي نتنياهو أنه وبفضل جهوده الشخصية حقق لإسرائيل انتصارات سياسية ودبلوماسية لا نظير لها. ميزة إضافية هي أن هذه الانتخابات تقريبا من دون برامج، وتكاد تقتصر على الشعارات العريضة الأقرب للدعاية واساليب الترويج التجاري، من حيث تركيزها على الشخوص، والإثارة، ومخاطبة المشاعر والغرائز. ويمكن أن يعزى ذلك إلى ملل الجمهور من تكرار الانتخابات، لكن السبب الأهم في ذلك يعود من دون شك لغياب الفوارق الجوهرية بين هذه الأحزاب التي ينطلق معظمها من التسليم بقانون القومية العنصري، ويؤيد مخطط الضم، ويرفض الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويرفض "تقسيم القدس" كما ينكر على الشعب الفلسطيني كونه شعبا، ويتنكر لحقه في تقرير المصير. إذن إسرائيل، مجتمعا ومؤسسات، تجنح أكثر فاكثر نحو اليمين والتطرف، وسوف يختار ناخبوها أحزابا تجسد رؤاها الاحتلالية والتوسعية والعنصرية، وهذا ليس نتاج التحولات خلال السنوات الأخيرة فقط، بل حصيلة تطورات تراكمية عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، ونتاج التحولات في العلاقات الدولية خلال عهد هيمنة القطب الأميركي الواحد، حيث نجحت إسرائيل حتى الآن في الإفلات من العقاب على جرائمها، وحيث تسود علاقات المصالح والمنافع المتبادلة على حساب القيم والأخلاق والمبادىء والقانون الدولي. وما يشجع إسرائيل بالطبع على الغلوّ والتطرف والتمادي، هو أن الاحتلال لا يكلفها شيئا، فالمجتمع الدولي بين صامت ومتواطىء، وأقصى ما يفعله هذا المجتمع هو الشجب اللفظي الذي قد يتزامن مع بناء أوثق العلاقات السرية والعلنية مع إسرائيل، بل إن كثيرا من العرب والمسلمين يخطبون ودّ دولة الاحتلال حتى وهي في ذروة تطرفها وعنصريتهاوعنجهيتها. أما بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين، فقد بددنا وقتا طويلا، وأنفقت معظم جهودنا وطاقاتنا على إدارة الانقسام ومخاصمة بعضنا البعض، وهمّشنا كثيرا من عناصر القوة التي كان يمكن لنا أن نراكمها ونعززها لنجعل الاحتلال خيارا شاقّا وباهظ التكاليف أخلاقيا وسياسيا ودبلوماسيا وأمنيا واقتصاديا، حتى يصبح خيارا مؤلما ومن الأفضل التخلي عنه لكل إسرائيلي.
#نهاد_ابو_غوش (هاشتاغ)
Nihad_Abughosh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول يسارية اليسار الصهيوني: ميريتس نموذجا
-
أحزاب وفصائل أم عشائر وقبائل
-
الانتخابات الفلسطينية والبحث عن طريق ثالث
-
أم الفحم وانتخابات الكنيست
-
جناب الشاويش
-
تحولات الموقف الإسرائيلي من سوريا: من العمل لتقسيم البلد إلى
...
-
اليسار ضرورة وطنية واجتماعية
-
عن الانتخابات الفلسطينية: النزاهة أولا
-
اليمين الشعبوي يؤازر بعضه بعضا: العلاقات الهندية الإسرائيلية
...
-
هل يسعى بايدن لترويض نتنياهو؟
-
إسرائيل والعملاق الصيني: علاقات متنامية محفوفة بالحساسيات وا
...
-
العالم وفلسطين ما بعد الكورونا
-
خلفيات معارضة اسرائيل للاتفاق النووي وتهويل الخطر الإيراني
-
حراك المحامين وإحياء المجتمع المدني
-
النضال الكلامي والاستعراضي
-
العلاقات االروسية الاسرائيلية: الخلافات لا تفسد للمصالح قضية
-
مشاركة القدس والمقدسيين عنوان لنزاهة الانتخابات
-
لا بديل عن الانتخابات لتجديد الشرعية
-
العلاقات التركية الاسرائيلية: مصالح عميقة وتوتر فوق السطح
-
كيف نهزم أنفسنا؟
المزيد.....
-
اتصال جديد بين وزير دفاع أمريكا ونظيره الإسرائيلي لبحث -فرص
...
-
وزير الخارجية العماني يدعو القوى الغربية لإجبار إسرائيل على
...
-
يوميات الأراضي الفلسطينية تحت النيران الإسرائيلية/ 1.11.2024
...
-
المركز الإفريقي لمكافحة الأوبئة يحذر: -جدري القردة- خرج عن ا
...
-
جنرال أمريكي: الدول الغربية لا تملك خطة بديلة لأوكرانيا بعد
...
-
الهجمات الإسرائيلية على لبنان وجهود التسوية / 1.11.2024
-
أوستن وغالانت يبحثان فرص الحل الدبلوماسي ووقف الحرب في غزة و
...
-
زلزال بقوة 5 درجات يضرب جزر الكوريل الجنوبية
-
حسين فهمي يتعرض لانتقادات لاذعة بسبب صورة وحفل عشاء مع وفد ص
...
-
ارتفاع إصابات جدري القردة في أفريقيا بنسبة 500% وتحذيرات من
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|