أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - المصريون في وداع قداسة البابا شنودة














المزيد.....

المصريون في وداع قداسة البابا شنودة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6847 - 2021 / 3 / 21 - 11:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


Facebook: @NaootOfficial

في مثل يوم أمس 17 مارس عام 2012، رحل قداسةُ البابا شنودة الثالث وبكته مصرُ وسار في جنازته حشودٌ هائلة من المسلمين والمسيحيين؛ لأنه نشر قيمة (السلام والسماحة) التي لا نرجو سواها لبناء مجتمعنا الجديد. حين حاصر المقرَّ البابوي متطرفون من السلفيين والإخوان، قُبيل رحيله، حاملين يافطات رخيصة تحمل كلاما بذيئًا عنه وعن الأشقاء المسيحيين، ماذا فعل البابا؟ في الأربعاء التالي كانت عِظته بعنوان (اغفروا). وكانت آخر عظات قداسة البابا شنودة، رحمه الله، وقد رأى غضبَ أبنائه المسيحيين قد بدأ يتصاعد بما يُنذرُ بأزمة طائفية وشيكة، فسعى إلى امتصاص ذلك الغضب وتحويله إلى طاقة محبة وغفران وسموّ عن الصغائر. وكانت إحدى أجمل عظات الرجل إذْ تؤكد وطنيته وحبّه لمصر وحرصه على استقرارها، حتى آخر لحظات حياته وشيخوخته التي لم يقدّرها أعداءُ الحياة خصوم الوطن. كان "الحُبُّ" نهجَه، فاستوجب أن يدخلَ التاريخَ من أوسع أبوابه ليتربّع على عرش الخلود. يوم جنازته كنتُ أحد الشهود على رقيّ هذا الشعب الطيب وتماسكه في المحن. بعد خروجنا من الكاتدرائية وراء نعش البابا شنودة، شاهدتُ بعيني سيداتٍ مصريات يقفن بحجابهن في شُرفاتهن على طول شارع رمسيس في محيط الكاتدرائية. كُنَّ يُدلين سلالَهن بزجاجات مياه باردة ليشربَ المُشيّعون الذين انتثروا بمئات الآلاف في وداع البابا. تصعدُ سلالٌ بزجاجات فارغة، لتهبط بغيرها ممتلئة بالماء والحُبّ. وتستمر رحلةُ صعود السلال وهبوطها ستَّ ساعات متواصلة. كأن أولئك المسلمات الطيبات قد سمعن السيدَ المسيح يقول: "كأسُ ماءٍ بارد، لا يضيعُ أجرُه." أولئك هم المصريون الذي لم يتلوّثوا بالسموم الوافدة إلينا من قفر الصحارى. أولئك الذين حموا أرواحَهم من دَنس البغضاء.
كان البابا شنودة واسعَ الصدر يترفَّع عن الصغائر والدنايا. فلم يغضب يومًا مما يُقال في حقّه من سخافات يُطلقها تافهون فارغو العقل. وكان يمنعُ شعبَه من الغضب حتى في اللحظات الصعبة حين كان ينفجرُ الأمرُ في إحراق كنيسة أو قتل مسيحيين، كان يدعو للغفران مُردّدًا قولته الشهيرة: "كلّه للخير، مسيرها تنتهي، ربنا موجود." ثم يُصليّ للمجرمين في حقّه، داعيًا الله ألا يُقيمَ عليهم خطاياهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون.
في إحدى عِظاته عام 1980، قال البابا شنودة لأقباط مصر: (مثلما أنا مستعدٌّ لأن أبذل حياتي من أجل أيّ واحد منكم، فإنني مستعد لبذل حياتي من أجل أي مسلم فى هذا البلد. إن الحبَّ الذى فينا لا يعرفُ تعصّبًا ولا تفريقًا. فنحن أخوةٌ فى هذا الوطن. ونحن جميعًا مستعدون لبذل أنفسنا من أجل كلّ ذرة تراب فى مصر. نحن لا نعرف سوى الحب.)
ولا أنسى اليومَ التالي لرحيله؛ جاءتني السيدةُ التي تُعينني على شؤون بيتي متشحةً بالسواد. وحكت لي أنها في طريقها إلى بيتي كانت تجلس في باص مدينة الرحاب جوار زميلتها المسيحية التي تعمل في الحضانة. بادرتها زميلتُها: (خير يا أم محمد، لابسة أسود ليه بعد الشر؟) فردّت أم محمد بحزن: (البقية في حياتك في البابا، كلنا زعلنا عليه. كان راجل طيب وكل كلامه خير.) فاجهشت "أم كيرلس" بالدمع، ثم اقتسمت مع "أم محمد" ثمرةَ يوسفي، من فطورها. فغدا نصفُ الثمرة في يد تحمل الصليب، والنصفُ الآخرُ في يد ترفعُ إصبعَها للشهادة. هذا هو شعبنُا المصريُّ الذي عرفتَه ولا أعرف سواه. هو الشعب الذي احتشد في جناز البابا شنودة المهيب، الذي لم نرَ مثله منذ جناز الزعيم جمال عبد الناصر. الجناز الذي امتدّ من الكاتدرائية وحتى وادي النطرون، حيث يرتاحُ جسدُه المتعَب بهموم الوطن.
يُحسب لقداسة البابا شنودة عمله على بناء كنائسَ قبطيةٍ (مصرية) في جميع دول العالم؛ حتى لا تذوبَ هُوية الأقباط في الهُويات الغربية. فكان بهذا يمدُّ خيوطَ المواطَنة بين أبنائه وبين وطنهم مصر، فكأنما لم يبرحوها مهما استطالت خيوطُ الغُربة، وتشتتت في أرجاء الأرض.
أناشدُ الرئيس الوطني/ عبد الفتاح السيسي، أن يجعل في مصر شارعًا باسم قداسة البابا شنودة، مثلما جعلتْ أمريكا أحد شوارع ولاية نيوچرسي على اسم ذلك الرجل المصري العالمي: Pope Shenouda ||| street. ذلك الشارعُ الذي زُرتُه والتقطتُ فيه صورًا تذكارية؛ وأنا أقفُ بفخر تحت لافتة تحملُ اسمَ رجلٍ نبيل من بلادي.
رحم الله هذا الرجل الوطني الجميل وبارك في خطا قداسة البابا تواضروس الثاني الذي بالفعل يستكمل مسيرة المحبة والسلام لشعبنا العظيم. وطوبى لصنّاع السلام، لأنهم يرثون الأرض. “الدينُ لله والوطنُ لمَن يجمع شتاتِ الوطن.”
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقتل سيدة السلام … والتطهُّر الأرسطي
- براءةُ أطفالنا … في رقبة من؟
- بيتٌ لا يعرفُ الحَزَن!
- الانفجارُ السكّاني … والضفدعُ المغلي
- في انتظار … كوكو!
- القليلُ كثيرٌ … في الطعام والعيال والفرح!
- ثروت عكاشة … أسطورةٌ مصريةٌ خالدة
- هل نستحقُّ كورونا وما يليها؟
- البرنيطة … أمّ شريطة صفراء!
- إلهام شاهين … فارسةُ دراما الرسالات
- الإنسانيةُ بوابةُ النهوض والحضارة
- صخرةُ محمود أمين العالم
- ماذا علّمتني سيدةُ: الباقياتُ الصالحات؟
- بيكار … مايسترو صناعة النور
- ضحكات المصريين ... في زمن الكورونا
- قلقاسُ الغطاس … في بيت ميرنا ذكري
- هديةٌ السيدةِ التي لم أرها!
- بوابـةُ العَدَم
- -الكريسماس- على الطريقة الإنسانية
- وحيد حامد … رجلٌ لهذا الزمان


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - المصريون في وداع قداسة البابا شنودة