|
إن شأنئك هو الأبتر
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6845 - 2021 / 3 / 19 - 22:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هذه الآية جزء من سورة الكوثر المكية النزول والحدث والدلالة على وجود وعد أضافي لما أعطى الله رسولة (إنا أعطيناك الكوثر) وما أمره من أداء (فصلي لربك وأنحر)، ما يهمنا في هذا البحث أولا معنى الأبتر في اللغة وكمصطلح ومتى تم تأسيس ذلك المعنى؟ والسؤال الأخر ما هو سر الترابط بين آيات السورة مجتمعة؟ المعروق في النصوص القرآنية وخاصة قصار السور أنها تتحدث في موضوع واحد وفق نسق له توجه محدد لا يخلط ولا يختلط فيه الحابل بالنابل، فقد بدأت السورة بخطاب موجه لشخص محدد بذاته وهو بالتأكيد شخص النبي محمد ص (إنا) المتكلم يقدم تعريفا بنفسه أولا، (أعطيناك) تفضلا منا ورحمة ما هو مناسب ولائق لمخلوق نفذ أمر الخالق على أكمل وجه، والعطية تتناسب مع المعطي عظمة وأهمية كما تتناسب مع المعطى له من حيث التناسب مع العمل. وردت كلمة أعطى في القرآن في أربعة عشر محلا منها تسعة تخص عطاء الله والباقي تتعلق بالناس بشكل رئيسي، أما كلمك أعطيناك تحديدا فهي للضمير الحاضر المباشر لم تأت إلا مرة واحدة في هذه السورة فقط، في بقية المواضع هناك وصف لهذا العطاء مثل (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) و (وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) و (كُلًّا نُمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ) و (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ) ، هذه تقريبا غالب صفات عطاء الرب، فهو لا يكون ناقصا ولا ممنوع على أحد ونهايته دوما الرضا والحمد، لكن لماذا خص النبي محمد بهذا الخطاب طالما أنه ضمن من يحصل على العطاء وربما هو من أفضلهم، من المعروف في فنون اللغة أن تكرار العام للخاص هو توكيد وتأكيد خاصة إذا كان وعدا أو أمرا بشيء كقوله تعالى (يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) مريم (12)، مع العرض أن كل الأنبياء والرسل مأمورين بأخذ الكتاب وبقوة. الجواب نبدأه من نهاية الآية السابقة وهو الخطاب الموجه ليحيى ع أن يأخذ بقوة ونتأمل الفرضيات التي ممكن أن تكون الداعي لهذا الخطاب، أولها تصور أن يحيى كان في شك أو تردد أو ضعف يعتريه أو حالة تدعو الله أن يأمره التمسك بالكتاب بقوة، من خلال تتبع بقية الآيات في قصة النبي زكريا في سورة مريم هناك دلالة قد تقودنا إلى جواب ما، هذه الدلالة لا تتعلق بيحيى بل بأبيه زكريا (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا) والثانية (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)، فالخطاب الموجه ليحيى تأكيدا وتوكيدا على تخصيص العام له وجوابا على توسل زكريا بربه (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) فالله هو من بيده الملك يؤتي من يشاء أنى يشاء، فلا عجب أن يؤتي يحيى الحكم صبيا، هذا إذا من خصيصة العام للخاص وقد بينها الله تعالى وأسبابها (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا). هذا وجه أخر قد يكون الجواب أيضا من نفس السورة عندما أمره أن يأخذ بالكتاب بقوة ولكن بحدود لا يسمح له بتجاوزها، فقد أضاف النص شرط أو خصيصة لهذا الحكم بقوة (أن لا يكون جبارا عصيا) هذا ما يمكن أن نفسر ورود النص بهذه الصيغة وإن خرجنا عن أصل الموضوع ونعود له الآن، عندما يرد النص إنا أعطيناك أما يراد منه فضلا فوق الفضل المتوجب كقول الله تعالى (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ)، فإعطاء الله للنبي بهذه السورة قد يكون من باب النافلة، أو قد يكون من باب الترخيص له كما في قوله تعالى (هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، فهذا العطاء الرباني لمجرد أنه كان نازلا فالنبي مفوض به بين الإمساك أو الإمنان به بغير حساب، هذا التفويض مشروط بقضيتين وهما الأمر بالصلاة والنحر، هنا نعود لنفس القضية من تخصيص العموم، فكون النبي مؤمن بالله فهو مأمور بالصلاة كبقية من خاطبهم الله بصفة الإيمان، السؤال الذي يثور هنا هو، هل كان القصد من الطلب عموم الصلاة التي ذكرت كثيرا؟ أما صلاة خاصة أما في شكلها أو مضمونها أو زمانها؟. قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد لنا أن نعرف معنى الكوثر الذي أستوجب من الله أن يخاطب النبي به تخصيصا وخروجا عن العموم أولا، وثانيا أن مقابل هذا العطاء فرض عليه أمرين تخصيصا وخروجا عن العموم، هنا يكون الكوثر أيضا بنفس السياق تخصيصا خارجا عن العموم، بمعنى أن هذا الكوثر له خصوصية وظرفية وذاتية مختلفة، أختلف الشراح والمفسرون في معناه أو دلالاته اللفظية أو القصدية، منهم من جعله نهر في الجنة وووو، وأخرون قصدوا به شخصا محددا وتحديد فاطمة الزهراء ع، وأخرون صيروه الخير الكثير والذكر الدائم ووو، وكل له دليله وحجته في قوله ورأيه، دون أن يرجعوا أصلا إلى الجذر اللغوي لكلمة وفهمها من الجذر وصعود، فالكوثر جذرها اللغوي (ك ث ر)، وأشتقاقاته كلها تدل على عدم المحدودية مثل (أكثرهم للحق كارهون) و (وكثيرا مما خلقنا) أو تعني النصف زائد الواحد أو الأغلبية كما نعرفها اليوم، والفعل من كوثر كَثَرَ: فعل)كثَرَ يَكثُر ، كَثْرًا ، فهو كاثِر ، والمفعول مَكْثور وأسم الفاعل كوثر) وأيضا كَثَرَ صَاحِبَهُ : غَلَبَهُ فِي الكَثْرَةِ، كاثَروهم فكثروهم: غالبوهم فغلبوهم، ومما ورد عن الرسول حديث (تكاثروا فإني مباه بكم الأمم). فالكوثر بهذه الدلالة تفيد معنى الزيادة والتعدد والغلبة وما إلى ذلك من معاني حسية ومادية، أي أن الله وعد رسوله بكل ذلك تكريما وعطاء غير مجذوذ ولا محظور وخوله في كل ذلك أيضا بين الإمنان والإمساك، هذا العطاء وإن كان تكريما بمحله متوافقا مع القاعدة النصية القرآنية التي تقول (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ)، هنا الشكر على النعمة هي جزاء الشاكر للمشكور ودليلها في (فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)، إذا نحن أمام معادلة العطاء والشكر بين الله ورسوله محلها الكوثر الذي أقترن بالصلاة والنحر لتؤكد أن ما أعطاه الله لمحمد ص هو الفوق من النصف أو الغالب الباقي والمتعدد بلا حدود ولا منع ولا تقييد. نعود لأصل مسألة البحث وهي كلمة الأبتر التي فسرها الأعتباطيون على أساس حالة أو حدث أو واقعة حدثت وحصروا كل معنى السورة فيها، فقد ورد عندهم أن مثلا (فقد قيل عنه بأنها نزلت في العاص بن وائل، وذلك أنه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج من المسجد وهو يدخل، فالتقيا عند باب بني سهم، وتحدثا وأناس من صناديد قريش في المسجد جُلوس، فلما دخل العاص قالوا له: من الذي كنت تحدث؟ قال: ذاك الأبتر، يعني النبيّ -صلوات الله وسلامه عليه-، وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان من خديجة، وكانوا يسمون من ليس له ابن: أبتر)، هذه الرواية هي الغالبة والتي بني عليها معظم التفسيرات والتخريجات القصدية، ولكن لو تأملنا مضمونها بعين العقل واليقين فإنها لا تصمد لا من الناحية التأريخية ولا من ناحية اللفظ، أولا عند وفاة عبد الله ابن النبي كان ما زال الرسول في عز شبابه ومن الممكن أن يكون له ولد أو أكثر من زوجته خديجة ع أو من غيرها، فالجزم بأنه أبتر لا عقب له لا تعقل ولا تقبل طالما أن الأمر لم يصل للمحال الواقعي، أما من ناحية الدلالة اللغوية فما عرفت العرب قبل هذا أن الرجل اللا ذرية له يسمى أبتر ولا يوجد شاهد أو دليل على ذلك، لا من الشعر العربي ولا من القصص ولا حتى في الكلام المعتاد، إنما الأبتر ورد بمعنى (من لا ذنب له من الحيوانات وخاصة من الحيات القصير الذنب الخبيث) وكذلك (من انفرد عن أصحابه واعتزل). أو (الحقير الذَّلِيل) كما وردت أيضا (صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من بتِرَ: مقطوع اليد أو الرِّجل). هذا مما ورد في معاجم اللغة. فالموضوع الذي أشار له من أورد الرواية إن صحت تدور في هذه المعاني ولا علاقة لها بالولد أو أنقطاع الذرية كما أوردوها ورسخوها بقصد أو بدون قصد، والدليل في الجواب الذي ورد تكميلا وشرحا لها (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَر) والمقصود في الرواية هو (العاص بن وائل) والمعروف عنه لو صحت التسمية بهذه العلة أنه ليس أبتر كما وصفه له وله ذرية وعقي من بعده وهو أبو عمرو بن العاص المعروف لنا، فالدليل ليس ناهضا ولا يمكن الوثوق به مع تأكيد النص القرآني على أنه هو الأبتر إلا أخذنا معنى الخبث أو الإنعزال أو قلة الخير المرجو منه فقد (كان من الذين يغمزون الناس، ويستحقرون الفقراء، ويستخفون بهم، وعلى رأس الذين يؤذون النبي) وقد نزل فيهم حكم الله في سورة الأحزاب ما نصه (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا) 57. الخلاصة التي نريد الوصول لها من هذا البحث أن السورة المكية التي درسناها ها هنا تؤد قضيتين أساسيتين هما، الأولى أن الله تعالى كرم رسوله بعطاء الأبدية والخير والكثرة المادية والمعنوية وهو يعلم تماما أن من كرمه من خير الشاكرين دعما وتشجيعا وتسديدا لمهمة الرسول وهو في أوج صراعه مع أعداء الله ورسوله والمؤمنون (كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)، والنقطة الأخرى هي أن القوة والكثرة والمنزلة الأجتماعية لأي فرد خارج الإيمان بالله لا يمكنها أن تكون سببا للعزة والفوز حتى بالحياة الدنيا فكيف بمن يسعى للأخرة وهو مؤمن (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) القصص 83، فالسورة بمعطياتها القصدية والتربوية الإيمانية لا علاقة لها بكل الشروحات والتفسيرات الأعتباطية التي وردت لنا تأريخيا، والظن الغالب عندي أنها من باب الذم بصيغة المدح وللباطل فرسان روجوها وعمومها حتى صارت من المسلمات التي لا تقبل الجدال، والله من وراء القصد.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قتل أصحاب الأخدود
-
واقع جديد
-
حوار مهزوم
-
الرحيل
-
الصمت الجليل
-
حب في الربع الخالي
-
أرقد بهدوء .... أيها الزمن
-
رواية (ماركس العراقي) ح 28 والأخيرة
-
تساؤلات كافر جديد
-
فلسفة عشق
-
حجارة الطريق
-
نحن لعبة
-
غرور إنسان
-
ال هنا والطين
-
كلمات تشعر بالوحشة
-
شهرزاد وشهريار في الليلة قبل الألف
-
تعالي إلى جنتي
-
ربما أنا مت....
-
رواية (ماركس العراقي) ح 27
-
رسالة إلى قداسة البابا المحترم..
المزيد.....
-
حماس:ندعو الدول العربية والاسلامية لردع الاحتلال والتضامن لم
...
-
الأردن يدين اقتحام وزير إسرائيلي المسجد الأقصى
-
بعد سقوط نظام الأسد... ما مصير الطائفة العلوية في -سوريا الج
...
-
اجدد تردد لقناة طيور الجنة الجديد 2025 على نايل وعرب سات حدث
...
-
بقائي:الهجمات الاسرائيلية المتكررة على اليمن هي لتدمير الدول
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024.. القناة الأولى لأناشيد وبر
...
-
الترفيه والتعلم في قناة واحده.. تردد قناة طيور الجنة 2024 لم
...
-
الجهاد الاسلامي والشعبية: ندين المجزرة الدموية بحق صحفيين في
...
-
الجهاد الاسلامي: ندين بأشد العبارات المجزرة البشعة بحق الاعل
...
-
إدانات لدخول وزير الأمن القومي الإسرائيلي لحرم المسجد الأقصى
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|