عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1626 - 2006 / 7 / 29 - 03:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أكبر متآمر على الإنسان العربي , هو الإنسان العربي, فالإنسان العربي إنسان مخووث , أي مشوش ومتناقض ولا يحب الحياة , لأنه وعبر تاريخه الطويل يعيش حياة سرمدية من الوهم , والتناقضات , وهو متآمر على ذاته ويترك لعقله بحكم الموروث الغيبي الذاهب عميقاً في الجهل من أن يتآمر عليه , بل هو يتلذذ بهذا التآمر , ويذهب بعيداً إلى أعماق الوهم , وبذا يكون الواهم والموهوم , ومن أكثر شعوب العالم مصادقة للخرافات, والجهل والغيبيات , ودائماً أتساءل هل هذا الإنسان العربي مسحور بأوهامه ؟ فهو مقتول لديه الحلم , ومُقَلَّد ومن أكثر الناس نفاقاً أمام الحاكم , وهو كذلك جبان متناقض , ويرجف ذلاً أمام المصالح , التي يريدها تأتي لعنده , وهو نَسَّاء , ينسى الذل الذي مرّ به بسرعة هائلة , قياساً بالزمن , ليس لديه خطة لما يريد , يتلقى العلم بغباء عجيب , لا تقولوا لي كان فلان أو فلان عالماً , هذا لأن المسألة هنا نسبية وطبعاً مع الأخذ بعين الأعتبار أن لكل قاعدة استثناءاً , وهو كذلك مداح ذمام , هجاء بكاء , آني اللحظة لا يرى أبعد من انفه , وهذا هو السبب أنك ترى الجميع متشابهين في كل شيء , يخاف المجتمع ولا يستطيع الاندماج بالحياة الاجتماعية, وخاصة عندما تكون هذه الحياة مختلفة , أو متناقضة مع شكل الحياة الذي اعتاد عليه , مع الشكل الذي يُجبر على العيش فيه , فالتجارة لديه شطارة , واليمين والحلف بالمقدسات حالة لابد منها للوصول إلى مبتغاه , واللذين لايتفق معهم ينعتهم بأبشع الصفات , تصوروا أنه مرة طلب مني أحد مدراء المراكز الثقافية أن يأخذ رأيي في كتاب له كما يدعي , وذهبت إليه وكان يسكن في قرية بعيدة عن المدينة , وبعد أيام أتصل بي وقال أن والده والذي كان قيماً على القرية سأله عني , ولما يبني علاقة معي, طالما لا يستفيد مني شيئاً ( طبعاً لأنني لست مسؤلاً أو تاجراً ) فأجابه الابن إننا نستفيد منه كذا وكذا , وهكذا أتفق الابن والأب على أن العلاقات مجرد مصالح انتهازية تربط الناس , فعندما يكون هذا هو مقياس العلاقات الاجتماعية - آنئذٍ – فإن كل شيء مباح للوصول إلى الغاية , فالعربي بطبعه يعادي القانون وبالتالي يعادي كل أشكال الدولة , والأكثر بؤساً أنه مسموح له , أو يسمح لنفسه أن ينتهك كل مقومات الدولة إذا امتلك السلطة , وهو يفهم الحياة صراع بين الأطراف المتنازعة على المصالح , حتى لو كانت هذه المصالح تافهة , وهو لا يؤمن بالنقد , ولا يتدارك أخطاءه , وهو فهيم في كل شيء , حتى الجاهل الأمي أو شبه الأمي , لا يتوانا أن يناقض ذوي الاختصاص في اختصاصهم , ثم هو يصادر عليك حريتك في أي شيء وفي كل شيء , ويتحول إلى جرذٍ مذعورٍ أمام الذي يمتلك السلطة , أو المال, ويظهر فلسفة خاصة في النفاق منقطع النظير , وهو من أكثر الناس إدعاءاً في كل شيء , لأنه لا يخجل من شيء , فإذا كان يجيد وصف الكلمات يتحول إلى شاعر ويفكر بطبع دواوينه التي يكتب في اليوم الواحد منها , ديواناً كاملاً , وكذلك في بقية أشكال الكتابة , فهو لا يكتب ليصبح كاتباً , بل يكتب ليصبح من أدباء السوق , أي ينضم إلى المنظمات الأدبية التي تجلب له المال والجاه , ولا مانع أن يصبح مخبراً بامتياز لأنه أصبح يجيد كتابة التقارير , وإذا كان القطيع الذي يحيط به من المتظاهرين بالإيمان , فسوف تراه وبعد أيام قليلة يترك لحيته ويرتدي عمامة , ويصبح شيخاً ويكون أكثر نفاقاً أمام شيخه الأكبر , لأنه يريد أن يصل إلى المراتب الدينية العليا , أو لمحاولة الزواج من ابنة أحد المشايخ الأجلاء , ويبدأ بالدخول إلى عالم النفاق متظاهراً بالدين , مردداً كالببغاء ما يقوله له الأسياد , اللذين هم بالأصل لا يعرفون من الدين , إلا اللذي يؤمن لهم مصالحهم ومصالح الفئة التي ينتمون إليها , أو الطائفة التي وجدوا أنفسهم منها وفيها , وهم مجبرون على التعصب والإيمان بقيمها , وبذلك يكون هذا الكائن مسيّر بالانتماء إلى طائفة ما , وتتحول هذه الطائفة إلى شيء مقدس , لا يجوز المساس بها , بل على هذا المنتمي بالصدفة , أو بحكم الولادة , أو المصلحة مجبر على الدفاع عن هذه الطائفة , أو هذا المذهب , حتى لو كان الموت حصيلة ذلك كما يحدث الآن عند أغلب الطوائف الدينية , وخاصة المتطرفة ( الشيعة مثلاً ) ( الوهابيون نموذجاً ) وهؤلاء كلهم وجه واحد لعملة واحدة , صنعتها الصدف والظروف الذاتية والموضوعية , لبلد ٍ ما , وبحكم التناقض والتناحر الديني ( الذي جوهره اقتصاد سياسي ) أصبح هؤلاء , النموذج الأكثر بؤساً , لحالة التسطح والجهل المدعم بالحالة القطيعية للكائن , وهؤلاء لا يستطيعون الفكاك من كلا ّبة العماء الذي يعيشون فقط , بل أيضاً يتحولون إلى مرضى مسعورين من الآخر المختلف , لأن الإيمان هنا ليس له عيون , ويظل القتل سيد المعرفة المطلق لديهم , ويتحولون إلى ضحايا أوهامهم المطلقة , التي تحولت إلى حالات مرضية لا يمكن منها فكاكاً , فالكل المتناقض معهم هو : خائن ومخَّون , فكل العالم الآخر يصبح عدواً وعلى هؤلاء أن ينتصروا لأنفسهم من العدو الخارجي الموهوم , الذي يستمر العداء معه بشكل دائم وذلك وفق مفهوم مجاهدة الكفار , أعداء الله والدين , وتستمر الحالة بشكل دائم , وهؤلاء لا يرون , إلا طواحين الوهم , التي تحتم عليهم معاداتها والخلاص منها بشكل دائم , وهنا يقعون فريسة أصحاب النوايا السيئة , من الساسة والمتآمرين عليهم , وتصبح الشعارات الكاذبة البراقة مثل الكرامة , والوطنية , والدين , والعروبة هي المرفوعة دائماً , والتي يجب أن تؤجّج من أجل استمرار الإمساك بالحالة القطيعية لهؤلاء الضحايا السذج , فهنا لاتطرح المشاريع التنموية , ولا المشاريع الاقتصادية التي تُؤَّمن لهم حياة كريمة , أو التي تذهب بهم إلى عالم المدنية , بل يصبح العلم كفراً , والعلماء مأجورين متآمرين , والكتاب خونة ومرتزقة , والعلمانية إلحاداً , والديمقراطية , جلبها اليهود والنصارى , وتضيق الحياة , يضيق الكون , ليصبح أكثر صغراً وحقداً , من عقول أسيادهم اللذين يعلمونهم الجهل , ويزينون لهم الشر والكراهية أمامهم ليتحول إلى قانون مقدس , هو الأكثر بهاء لأنه ضد أعداء الله , ويوصل إلى الجنة , وتلغى الحياة , يلغى العيش الكريم , وتصبح الدنيا شر يجب الخلاص منه , للوصول إلى جنائن الله العدن , متناسين أن الله ليس محتاج لهم ولأوهامهم , بل بَعَث النبيين والمرسلين , ليخلصهم من هكذا أوهام , وأرسل بينهم ( مودة ورحمة ) وليس حقداً وكرهاً ودماراً وموتاً , ( إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق ) – ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ويصبح العداء الأكثر – حدية – بينهم وبين الدين الذي يعتقدون أنهم به يؤمنون , ويصبح الله وسيلة للوصول إلى الإيمان بالمقدس الآخر , المتجسد بالكائن الحي , أو الحي الميت , أو الميت المُحْيَى , وهكذا تستمر الأسطورة وتستمر تعاليمها بأشكال مختلفة , عند جميع الأقوام مدعي الإيمان , ويبتعد الإله الواحد , وتعاليمه , ويلغى العقل والمنطق , ويظل الوهم سيداً مطلقاً لجميع هذه القناعات التي تتظاهر بالدين , وهي منحرفة عنه , أما الشعوب التي تحكمها الدساتير والنظم والقوانين , والتي شرعت المدنية قانوناً لشعوبها , ويظل الحل الوحيد هو الحرية , والمنطق الأوحد هو منطق العلم , والنموذج الأكثر صحة هو الديمقراطية , فالثالوث المقدس الذي خبرته الحياة , ألا وهو الحرية , والعلمانية , والديمقراطية , هو السبيل الوحيد لجميع شعوب الأرض , ومن أجل ضمان عيشها الكريم وبسط السلام والمحبة بين الناس أجمعين , وهو سبيل الخلاص من أشكال الحكم المجرب سابقاً , وكذلك الضمانة الأكيدة التي تكفل بدساتيرها حرية المعتقد الديني , وكذلك الخلاص الفردي والجمعي , لأن المؤسسات هي التي تكفل حياة وكرامة الناس , والقانون السائر أبداً نحو المدنية والديمقراطية , هو الذي يؤمن للمواطن كرامته , والاحترام المتبادل بينه وبين الآخر المختلف , وهو ضمانة لتعامل الشعوب فيما بينها , وإزالة الأحقاد والكراهية , وتأليه الأفراد , وكذلك لإزالة الكره الذي تخلفه المفاهيم المتحاربة , والعقائد التي تُـكاره العلمانية , والديمقراطية , وبالتالي تكون ليس فقط معادية للغير المختلف بل متناقضة مع جوهر الحياة , الذي أساسه العيش المشترك والسلام للناس أجمعين , فلا مناص من الإيمان بالارتكازات, الثلاثة – الحرية , الديمقراطية , العلمانية , أما فالخيار لكل فئة من أن تقدم أي ضلع من هذه الأضلاع على الآخر , وحسب الظرف الموضوعي والذاتي لكل بلد , ولكن تظل العلاقة بين هذه المكونات الثلاثة متلازمة بشكل قانوني , لأنهن زبدة خلاصة العقل البشري , لأشكال الحكم وأنماطه , وضمانة أكيدة للعيش الكريم واحترام العقائد , والأديان , بين جميع البشر , ولكن المأساة تكمن هو أن الشعوب العربية بدأت الآن تخرج من كهوف التاريخ , لتبهرها الحضارة , وما وصلت إليه الشعوب المتقدمة من تطور , لذا أصُيبت بالإحباط , وستحاول وعن طريق العقل الخرافي , أن تحارب هذا ( الطوطم ) الذي لم تستطع الاقتناع به , وفق حالة الصدمة بالحضارة , والخوف من كل ما هو موجود من قيم الحضارة , وقيم العلم والحياة المدنية , لذا فالارتداد إلى الماضي البعيد الذي يؤمن الحالة القطيعية المنقطعة عن كل ما هو موجود عند أغلب الفئات الدينية أمر واجب وهو من جملة الأعراف التي تجعلهم أكثر ارتداداً وتناقضا مع الواقع الحضاري المعاش , ومن هنا تكمن أزمة الإسلام السياسي في العالم العربي ,
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟