"الديون الكريهة" 385 مليار دولار، لنفكر معا بكيفية التخلص منها
4 أيار 2003
لقد سمعت عن ديون العراق في السابق ولكن لم أكن متأكدا من الرقم إلى أن نشرت صحيفة الزمان يوم 30 نيسان 2003 عن رويترز الخبر الآتي:
(((يسعى البعض في الحكومة الأمريكية إلى إحياء مبدأ مالي مثير للجدل لتحرير العراق من ديون هائلة تراكمت عليه في عهد صدام حسين. لكن تجارب التاريخ تقول إن هذا مستبعد. وفي الوقت الذي تحتل فيه قضية إعادة هيكلة أو إسقاط الديون مكانا مهما في الجهود الرامية إلى إعادة أعمار العراق فان بعض المحافظين في حكومة جورج بوش يروجون لإعلان المئات من المليارات من الدولارات التي استدانها نظام صدام (ديونا كريهة). ويقضي مفهوم (الديون الكريهة) الذي يسعون إلى إحيائه بأن الديون التي تقترضها حكومات قمعية (كريهة) لا ينبغي أن تتحمل تبعاتها الحكومات التالية. ولكن علي الرغم من ظهور هذا المبدأ منذ أكثر من مائة عام فلم يتم إقراره قط في القانون الدولي ومن المرجح أن تلقي الفكرة مقاومة شرسة في حال العراق. وقال مايكل كريمر أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد ان بمقدور العراقيين طلب الإعفاء في ضوء الحجم الهائل من الأموال التي اقترضها صدام. وأضاف (لدي العراقيين حجة قوية بأن يقولوا إن كثيرا من الأموال أنفقت علي ملء جيوب صدام وأعوانه وعلي أسلحة محظورة ولقمعهم ومن ثم ينبغي ألا يدفعوها). واقترح كريمر إنشاء هيئة دولية لإعلان أنظمة بعينها علي أنها (كريهة) كنوع من التحذير للدائنين المحتملين من أنهم قد لا يستردون أموالهم إذا حلت حكومة جديدة محل الحكومة القمعية.
ولا يعرف أحد علي وجه الدقة كم تبلغ ديون العراق الآن إلا أنها قد تصل في بعض التقديرات إلى 385 مليار دولار بعضها لحكومات والباقي لبنوك وشركات ومؤسسات أجنبية وتعويضات وعقود لم تنفذ.))) وهنا ينتهي الخبر.
أن الرقم 385 ألف مليون دولار كبير جدا بل ومرعب، تلك هي الديون التي خلفها النظام والتي سميت بالكريهة. ولكي نتصور كم هو كبير، فإن بناء عمارة من 30 طابقا لا يزيد على عشرة ملاين دولار، وبناء مصنعا يوفر ألف فرصة عمل بشكل مباشر وغير مباشر لا يزيد على مائة مليون دولار. إي نستطيع أن نبني 20 ألف عمارة بواقع مائة شقة للعمارة الواحدة، أي مليوني وحدة سكنية تكفي لإسكان عشرة ملايين عراقي. وكذلك نستطيع بناء2000 مصنع توفر ملوني فرصة عمل لتعيل عشرة ملايين عراقي،. هذا بالإضافة إلى الحركة الهائلة للاقتصاد الناتجة عن ذلك. تصور عزيزي القارئ، بهذا المبلغ نستطيع إسعاد عشرة ملاين عراقي بتوفير سكن فاخر لهم مع مورد مالي ثابت. لكن المشكلة الآن هي إنها ديون وعلى العراق أن يدفعها. لقد فكرت مليا في الأمر، فلم أجد وسيلة أفضل من إشراك الآخرين بالتفكير في هذا الموضوع. لنستفيد من الصحف العراقية وصفحات الأنترنت هذه الوسيلة الحضارية العظيمة التي يمكن لنا أن نصنع المستحيل منها ونفكر جميعا بصوت عالي لإيجاد وسائل وأفكار عملية بكيفية التخلص من هذه الديون الهائلة. إن عصف الأفكار من الجميع والنقاش الهادئ، بالتأكيد سيشكل قاموسا من الأفكار والممارسات والوسائل الحضارية بكيفية التخلص من هذا العبء الهائل الذي يجثم على صدورنا وقد يكون السبب في هزيمتنا وهزيمة أية حكومة عراقية جديدة مهما كانت رصينة ومتمكنة من الأداء.
بالحساب البسيط، لو أراد العراق الإقرار بهذا المبلغ، فإنه ستتم جدولته لكي يسدد على دفعات. والجدولة تعني إن هناك أرباحا على المبلغ سنوية بواقع لا يقل عن عشرة بالمائة بأحسن الأحوال، إي 38 إلى 40 مليار دولار سنويا بواقع أرباح غير مركب، وهذا ما لن تقبل به الجهات الدائنة. وعلى افتراض إنهم قبلوا بذلك، فلو عرفنا إن إيرادات النفط العراقي في حال بلوغه الإنتاج الأقصى، أو مستوى الإنتاج قبل حرب الخليج وهو 3.5 مليون برميل يوميا سيكون بحدود 30 مليار دولار سنويا، وهذا المبلغ سوف لن يغطي سوى ثلثي الأرباح فقط. وبذلك نسينا إعادة الأعمار والتنمية الوطنية لكل نواحي العمل وحاجات الإنسان العراقي المنهك أصلا مما فات من إهمال وإفقار بل وكل أشكال الحيف للإنسان.
هل سنبقى نندب حضنا العاثر ونتهاتر ونتشاتم على صفحات الإنترنت؟ هل نترك الموضوع للحكومة الانتقالية الهشة أصلا ونبقى نتفرج على مشهد الانهيار للعراق الجديد؟ هل سنشمت بالحكومة الجديدة لأنها انهارت وإنها غير كفئة لغاية بنفس يعقوب أو حتى إبليس؟ هل سنترك العراق للدائنين وهم كثر؟ أم سنؤجر العراق بما يسدد الديون ونجد لنا مهجرا آخر؟
أم هل سنترك الأمر للخيرين من الخبراء الأجانب ونبقى نتفرج بما يجودوه علينا من أفكار ونحن ننتقد؟ إن المسألة أكبر مما نتصور، فمستقبل العراق ومستقبل أجيالنا مرتبط بها وبمدى نجاحنا باحتوائها بل وحتى تحويلها من شكلها السلبي إلى أيجاب يساهم هو الآخر ببناء العراق. إن المسألة ممكنة مادمنا نحن نريد ذلك، وهذا التحدي يجب أن نقبله ونحن كفء له.
ما هي هذه الديون الكريهة؟
يكفي أن نعرف قبل كل شيء أن النظام المقبور لم يستدن هذه الأموال ليبني بها ولو حجرا واحدا على أرض العراق بل جاءتنا بالخراب.
1. تعويضات عن حروب صدام الغاشمة على دول الجوار
2. أثمان سلاح وعتاد وأسلحة دمار شامل
3. سرقات مباشرة وغير مباشرة لرجال النظام المقبور
4. رشاوى للكثير مقابل مواقف سياسية أو عمالة أو دعما معنويا للنظام المقبور
5. غرامات لعقود لم تنفذ
6. بناء قصور ووسائل ترفيه وأرصدة ثابتة في البنوك العالمية لقادة النظام المقبور
أدعو جميع مواقع الإنترنت و الجرائد العراقية إلى فتح محور ثابت ودعوة الجميع من اقتصاديين وحقوقيين وسياسيين ومفكرين وكل من يستطيع أن يساهم في هذا المجال ولو بفكرة واحدة بسيطة من سطرين في هذا المجال.
أدعو المعاهد والمؤسسات الفكرية والسياسية المهتمة بالشأن العراقي للمساهمة بهذا الموضوع لبلورة أفكار وأساليب تصب بهذا الجهد الوطني المشترك.
تشكيل لجنة من المتطوعين تضم مختلف الاختصاصات الوارد ذكرها وذلك لمتابعة الأفكار وإغنائها وبلورتها لكي تكون قابلة للتطبيق.
مساهمات من الجميع بعصف للأفكار مهما كان المتحدث يتصور إن أفكاره فنطازية أو غير قابلة للتطبيق، فإنها ستتهذب وتأخذ شكلا ممكن التطبيق على أيدي المختصين.
المؤتمرات والندوات أمر لا غنى عنه لحث الجميع على وضع المسألة من أولويات الحكومة والمواطن العراقي.
تأخذ لها حيزا في برامج الأحزاب الوطنية، فرغم إني وجدت هذا الموضوع في أغلب برامج الأحزاب الوطنية والتي لديها برنامج، إلا أني لم أجد ولا حزبا يعطي الموضوع حقه أو حتى يضعه من الأولويات.
من المهم جدا بناء قاموس من الأفكار المهذبة والوسائل الممكنة لبلورة ثوابت وطنية في كيفية التعامل مع هذا الموضوع. إذ مهما بلغ الخبير منا وفي أي مجال من مجالات العمل سيحتاج لما هو ليس من ضمن مجال التخصص الذي يعمل به، هذا بالإضافة إلى أنه ليس ملما بكل ما هو يقع ضمن تخصصه. فهذا القاموس سيجعل من العمل سهلا جدا وذلك لوضع البرامج للتنفيذ وكذا الاختيار الأنسب للذين سيقومون بأداء البرامج.
أفكار أولية يمكن تطويرها:
1. أن ما تقدم من تصنيف لأنواع الديون ما هو إلا محاولة أولى للتصنيف، إذ يمكن إعادته بشكل عملي أكثر، هذا من جانب ومن جانب آخر، نلاحظ إن التعويضات عن حروب النظام المقبور تأخذ حيزا مهما منها، ومعظم هذه الديون لدول الجوار التي قد تكون أكثر سهولة من غيرها وذلك بالتعامل معها بجهود دبلوماسية أو مساومات شريفة أو مقايضة. لنترك شكل الجهود الآن إذ ستتكشف آليات كثيرة للتعامل معها من خلال هذا السياق والمستقبل.
2. ربط الديون بإعادة الأعمار ومن سيأخذ نصيبا منه: لا شك إن من يطفئ هذه الديون سيكون له نصيبا من جهود أعاده الأعمار والتي ستكون مجزية جدا وستعوض تلك الجهات عن كل خسائرها، وهكذا نكون قد ربطنا بشكل إيجابي بين الديون وإعادة الأعمار والبناء. أما الجهات التي ترفض هذا النوع من المقايضة ستحرم من أي منفعة لها في العراق، هذا بالإضافة إلى إن المحاكم التي سيطول النضر فيها، ربما لعشرات السنين، هي التي ستكون الفيصل بين المتقاضين بالحق.
3. التعامل التجاري والاقتصادي المستقبلي يمكن ربطه بهذا الجهد: لن يتعامل العراق تجاريا واقتصاديا وحتى سياسيا مع من لم يطفئ هذه الديون. من أهم الضوابط المستقبلية للاقتصاد العراقي الحر هو الأخذ بهذا المعيار. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، إن الاقتصاد الأمريكي اقتصاد حر ولكن فيه من الضوابط الكثير، ففيه العقوبات الاقتصادية وفيه الشراكة الثابتة والآنية إلى آخره من الضوابط.
4. التنمية المشتركة مع دول الجوار مشروطة بإطفاء الديون: أي من دول الجوار لا يتمنى أن تكون له شراكه اقتصادية مع العراق؟ ففيه كل الخيرات التي منحها الله للإنسان، فيه النفط والغاز والمياه والأراضي الزراعية ومعظم أنواع المواد الخام من معادن، هذا بالإضافة إلى الإمكانيات البشرية الهائلة. فعلى سبيل المثال، أقامه مشروع لنقل وتصنيع الغاز مشترك مع تركيا سيجعل من الأتراك يفكرون ألف مرة قبل التمسك بديون العراق. كم من هذه المشاريع المشتركة وفي مختلف المجالات مع دول الجوار والتي ستساهم مساهمة فعالة بإنعاش اقتصادياتهم؟
5. إعادة النظر بكل التعويضات الشخصية للأفراد والشركات وتشكيل هيئات للطعن بصحتها ولمراجعتها والمقاضاة عليها حسب القوانين المرعية سواء كانت محلية أو أجنبية بعد تحديد المرجعية القانونية لذلك. أن معظم هذه التعويضات غير موثقة ولا أساس لها من الصحة على الإطلاق. إذ أن هؤلاء وضعوا جزافا وبشكل مبالغ به جدا الخسائر التي تحملوها كنتيجة لغزو الكويت الشقيق. إنها جميعا غير موثقة بشكل كافي ولا قانوني.
6. ربط الاستثمار في العراق بالديون من حيث الأولوية والتسهيلات المقدمة من قبل العراق للمستثمر وكذلك ربطها بالمقايضة على إيرادات الاستثمار أو المواد الأولية المقدمة للمستثمر من قبل العراق: إن الاستثمار في مجال الصناعة البتروكيماوية فقط قد يصل في مراحله الأولى إلى ثلاثمائة مليار دولار، تدر من الأرباح سنويا على الشركات العالمية والعراق معا ما يزيد على الستين مليار دولار سنويا. هذه هي الاستثمارات الأولية، فماذا عن مكملاتها والتوسع بها وتطوير حقولا غازية ونفطية لهذه الصناعات فقط. إن هذه الصناعة الواعدة جدا ستكون الدافع الأقوى لكل دول العالم المتحضر للمساهمة بها وأخذ نصيب منها. إنها هي التي ستجعل من العراق البلد الأغنى في العالم لو ارتبطت بقانون جيد للاستثمار يشجع المستثمر الأجنبي وكذلك ترتبط بقانون صارم لحماية البيئة. بالطبع لن يكفي ذلك ولكن يجب أن ترتبط بهذه الديون الكريهة وشرط إطفائها. إن هذا الموضوع الحيوي قد نخصص له حيزا أكبر يستحقه في المستقبل وذلك لأهميته الكبرى.
7. الديون الكريهة وبحسب قوانين الأمم المتحدة هي مسؤولية الدائن وليس المدين، وهذا بحسب كريمر الوارد ذكره ضمن خبر رويتر على صفحات الزمان: هكذا يقول كريمر، وهو محق جدا بهذه الفكرة الذكية. إن من يتعامل مع نظام دكتاتوري دموي يقتل شعبه ويحارب كل من هب ودب من دول الجوار وغيرها، يجب أن يتحمل مسؤولية هذا التعامل القذر والكريه. يجب علينا نحن العراقيين أن نتمسك بهذا القانون الدولي وأن ندفع الجميع من أجل تفعيله لنسجل به سابقة دولية حقوقية تجعل من يحاول التعامل مع هذا النوع من الأنظمة يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على ذلك. إننا بهذا سنساهم بشكل فعال بجهد إنساني من أجل محاصرة الأنظمة الدكتاتورية الدموية وحتى إسقاطها على أيدي شعوبها.
8. إن أي دين على العراق هو موضوع للمقاضاة وليس التسليم به وحسب: على الأقل سنضمن بهذا الأجراء أن ليس لهذه الديون من أرباح إلا إذا انتهت أعمال المحاكم وصدر الحكم فيها ليس لصالح العراق. لذا يقتضي أن تشكل لجنة أو هيئة قضائية وطنية من ذوو الكفاءة في القانون الدولي وقوانين الشركات لمتابعة وتولي هذا الموضوع الشائك والمد من أجله إلى ما نستطيع.
9. دعوة جميع التجمعات الدولية من الاتحاد الأوربي والآسيوي ودول الكمونويلث والجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي وكل باقي الاتحادات العالمية للتضامن مع العراق وتخصيص اجتماعات ومؤتمرات للتضامن مع العراق بذلك. فهناك بالفعل قد نوقشت هذه المسألة في بعض هذه التجمعات كالاتحاد الأوربي وطرحتها الولايات المتحدة على الكثير من شركائها السياسيين والاقتصاديين وهناك بعض ردود الفعل الإيجابية من بعض الدول كروسيا على لسان بوتن وهم من الدائنين الكبار للعراق.
10. العمل مع العالم أجمع على إعادة ما سرقه زبانية النظام المقبور، وكذا مصادرة جميع ما نهبه النظام والمتعاونين معه من أموال وعقارات ومصانع إلى آخره من أموال الدولة وتسخيرها من أجل إطفاء هذه الديون.
* مهندس مقيم بدولة الإمارات.