حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 6843 - 2021 / 3 / 17 - 11:12
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
مؤخراً شاهدت، عبر «واتس أب»، فيديو قصيراً صوّره اثنان، شاب وفتاة، كانا يسيران في يوم غائم، وسط خراب البيوت والمنشآت والمرافق، في مخيم اليرموك، ليس بعيداً عن العاصمة السورية، دمشق. لا بشر بقوا هناك، ولا حياة. ليس سوى ركام المباني، والوحشة الحاضرة في المكان الذي كان يعج بالحياة.
ولأن الشاب والفتاة اللذين صورا الفيلم، بكاميرا هاتف نقال فيما يبدو، عاشا في المخيم، بل على الأرجح أنهما ولدا فيه وكبرا، فإنهما، وبكلماتهما التي كنا نسمعها، وهما يجوبان طرقات المخيم، يشيران إلى أسماء الشوارع التي يعبرانها، والمحال التي يمران أمامها، والمدارس التي درسا فيها، أو درس فيها أحدهما، الواقعة في شارع المدارس بالمخيم.
«هاي بيوتنا.. هون ربينا»، كانت الفتاة تقول، ولكن ما نراه مجرد ركام. بقايا مبانٍ هدّتها القنابل والصواريخ، والله وحده يعلم أعداد من ماتوا بسببها، أو تحت ركام بيوتهم التي هدّت بفعلها. ومثل هذين الشابين هناك اليوم ملايين العرب من مختلف البلدان، من فلسطين وسوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا، ممن يمكن أن يقولوا الشيء نفسه لو مرّوا بشوارع مدنهم التي مزقتها حروب الداخل والخارج، ويرون كيف أصبحت مرابع طفولتهم، وفتوّتهم، لا بل حيواتهم كاملة، مجرد ركام.
محنة مخيم اليرموك بالذات مزدوجة. إنها مأساة بعنوانين، أو عنوان لمأساتين: المحنة الفلسطينية؛ لكونه حوى في جنباته، وعلى مدار عقود اللاجئين الفلسطينيين الذين أتى الجزء الأكبر منهم إليه بعد نكبة عام 1948، بل إنهم من عمّروه، والمحنة السورية لأن ما حلّ به من دمار على النحو الموجع الذي صوّره الفيديو، هو حصة أهله مما أحاق بسوريا كلها من خراب خلال عقدٍ من الدم والموت، من دون أن تلوح في الأفق بعد هذه السنوات العشر بسوادها الذي غطى سماوات سوريا الصافية، بادرة أمل بقرب نهاية المأساة.
ووفق دراسة قامت بها شركة أبحاث بتكليف من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن ثمانية من كل عشرة شباب في سوريا عانى من فترات وصول محدود للغاية إلى الضروريات الأساسية أو انعدامها، واضطر ثلثاهم إلى مغادرة ديارهم، وأكثر من نصفهم، لقطع دراستهم، وبين الشباب واحد من كل سبعة تعرض للإصابة بجروح.
ومن بين أولئك الذين ما زالوا يعيشون في سوريا، واجه النصف تقريباً وفاة أحد أفراد الأسرة، أو الأصدقاء المقربين. وأُجبر ثلاثة من كل خمسة شبان سوريين على مغادرة ديارهم، وأدى ذلك إلى قطع الروابط الأسرية، فيما تحولت مدن وبلدات عريقة إلى مدن أموات.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟