|
جائحة كورونا والعلاقات الدولية
بدر أبو نجم
صحفي وكاتب فلسطيني
(Bader Abu Nijem)
الحوار المتمدن-العدد: 6842 - 2021 / 3 / 16 - 15:25
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
دخلت جائحة كورونا عامها الثاني، دون أن نجد بين أوراق الخريف المتناثرة ما يمكن أن نزرعه ليأتي أكله، حتى ينتهي هذا الكابوس الذي اجتاح العالم، وشل حركتها بشكلٍ كامل في بداية ظهور فيروس لا يُرى بالعين المجردة، أطلق عليه كوفيد-19، يهاجم الجهاز التنفسي للإنسان. في أواخر العام 2019، ظهر فيروس كورونا في أحد أسواق مدينة ووهان الصينية، بحسب معظم المصادر المتوفرة، وانتشر فيها كالنار في الهشيم، وبدأت مستشفيات المدينة تستقبل الحالات المرضية بالأعراض ذاتها، ليدق الأطباء هناك ناقوس الخطر بظهور وباء عالمي. في بداية ظهور المرض، تكتمت السلطات الصينية عن فحوى هذا الوباء، والتزمت الصمت، ولم تعر دول العالم اهتماماً كبيراً بهذا الفيروس. لكن وبعد ظهور حالات مرضية في دول مختلفة، أصبحت الحاجة ملحة لأخذ الأمور على محمل الجد. بدأ فيروس كورونا ينتشر رويداً رويداً في دول العالم، حتى أعلنت منظمة الصحة العالمية في الرابع من مارس عام 2020، أن المرضى في العالم وصلوا إلى أكثر من 92 ألف حالة. مع تكتم الصين، وتأخر منظمة الصحة العالمية بالإدلاء بطبيعة هذه الجائحة، أدى إلى تفاقم سرعة انتشار الوباء، بين الدول والأفراد. بحلول مارس (آذار) عام 2020، بدأت معظم دول العالم بإجراءات الإغلاق الداخلي والخارجي، لتبدأ معركة شرسة مع هذا المرض من جهة، ومع توفير المستلزمات الطبية، من جهة أخرى. لم يفرق الوباء بين دولة ضعيفة أو قوية، فتكبد العالم خسائر اقتصادية ومالية فادحة، نتيجة هذه الجائحة التي أثرت على الاستيراد والتصدير، وفرص العمل، وساهمت في انتشار الفقر والبطالة. خلفت جائحة كورونا كوارث اقتصادية هائلة، وتوقعت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، أن تصل خسائر الاقتصاد العالمي جراء جائحة كورونا بداية العام 2021، إلى 28 تريليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة. كان وباء كورونا اختبارا كبيرا لمدى نجاعة النظم الصحية للدول، لكن حصلت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد، فمن سوء حظ الدول المتقدمة أن الفيروس بدأ بالانتشار فيها، وأصبحت أرقام الوفيات تتصدر المؤشرات، وهنا طفت على السطح مفاهيم أصبح العالم يحاول تفسيرها.. أين كانت تُوظف موارد وخزائن تلك الدول العملاقة؟؟ كشف المستور: حصد فيروس كورونا ملايين الأرواح في العالم، وامتلأت المستشفيات بالمرضى، ولم تتوفر الأسرة لهم ى في غرف المشافي، ونفدت أجهزة التنفس، وحتى على مستوى توفير الكمامة التي تقي نوعا ما من انتشار الوباء، أصبحت تُخاض من أجلها حربٌ ضروسٌ في البحار للحصول عليها، وظهرت المساومات التجارية لشراء المستلزمات الطبية البسيطة، التي لم تستطع الدول المتقدمة توفيرها لمواطنيها، ووضحت الصورة أكثر فأكثر، لتُبين ضعف وهشاشة هذه الأنظمة التي شُبهت ك "بيت العنكبوت". عندما نتفحص مبادئ ومهام الاتحاد الأوروبي، فإن المواطن الذي يعيش في قطر عربي مثلاً، سوف يحسد هذا الأوروبي الذي منحه إتحاده حرية التنقل بين كافة أقطاره. ليس ذلك فحسب، بل إن دول الإتحاد تعتبر كتلة واحدة في وجه التحديات الخارجية، فهي دولة واحدة من المنظور العام. إلى أن تسلل هذا الفيروس، وحطم كل تلك المبادئ التي أُنشئ من أجلها الاتحاد. انكفأت دول الاتحاد على نفسها، وتُركت إيطاليا وإسبانيا وحدهما تحاربان فتك الوباء بمواطنيها، وأصبح الاهتمام بالذات سيد الموقف. القوة العظمى في مهب الريح: قبل ظهور الجائحة، رأينا ترامب كم كان يعيث في الأرض فسادا، تمثل ذلك بإصدار القرارات الفردية، التي اتخذها، ضارباً بعرض الحائط كل الأخلاقيات الدولية، لكن سرعان ما غزت الجائحة بلاده، وظهر حينها ضعف وهشاشة النظام الصحي فيها، وتبين تخبطه لعجزه عن إدارة الأزمة، بسبب عدم توفر الإمكانيات الطبية الكافية. ومن أجل أن يواري سوءته حاول شراء الأطباء الألمان بمليارات الدولارات، من أجل إنتاج مصل يُسجل باسم بلاده، ليُقنع العالم أن المتحدة ما زالت على رأس الهرم. سياسة القوة الناعمة: استغلت بعض الدول سياسة "القوة الناعمة"، في خضم غرق العالم بالوباء، وفشله في إدارة الأزمة، وأصبحت الفرصة سانحة لذلك بالنسبة لروسيا والصين، بعد نجاح الأخيرة في السيطرة على الوباء بشكل شبه تام، حيث بدأت بإرسال المساعدات والطواقم والخبرات الطبية إلى بعض الدول، لتقوية علاقاتها الدولية. بدأت الأصوات تعلو، بأن الصين سوف تحل محل الولايات المتحدة، وأبدى الكثير من المحللين، والسياسيين، والمفكرين، بأن هذا لن يحصل حتى لو أثبتت الصين نجاعة نظامها الصحي، وحنكتها في إدارة الأزمة في بلادها، وإرسال المساعدات لغيرها. في هذا السياق يقول أستاذ السياسات الدولية بجامعة توفتس، دانيال دريزنر، في مقال بحثي بمجلة "المنظمة الدولية"، إنه بدراسة كيفية تأثير الوباء في توزيع القوة عالمياً في الأشهر الستة الأولى من الجائحة، اتضح أن "ليست لها آثار جذرية تحويلية في السياسة العالمية". ففي ظل غياب تغيّر عميق في أفكار الهيمنة بين الدول وثبات ميزان القوى على صعيد العالم، من غير المرجح أن يكون عام 2020 نقطة تحوّل. ويستطرد أن "المنعطفات الحرجة في النظام الدولي تحصل عندما يؤدي حدث ما إلى تحوّل جذري في المتغيرات الرئيسة أو يفرض تسريعاً للاتجاهات القائمة". ولأن كورونا تقتل الكبار في السن في أكثر الحالات المرضية حسب التقارير الطبية، فيوضح دريزنر أن كورونا "لم يغيّر بشكل أساسي توزيع السلطة والمصالح، فالأوبئة التي يحتمل أن تكون لها آثار مغيّرة للمجتمع هي تلك التي تقتل السكان في سن العمل أو تتسبب في عجزهم، بينما هذا الفيروس التاجي الجديد لم يفعل ذلك". ظهور ترياق على عجل: بعد خوض صراعٍ مع الوقت، نجحت بعض الدول من إنتاج ترياقٍ، قد يفي بالمطلوب، ولو أن البعض ذهب بالتشكيك بمدى نجاعته، لكن في نهاية المطاف، تكافأت فرص الاختراعات العلمية للمصل، ولم تظهر دولة قوية على رأس الهرم، واستطاعت روسيا، والصين، وألمانيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، في وقت قياسي، من إنتاج عدة لقاحات، وبهذه المتغيرات تكون الأقاويل التي تعالت لتضع الصين على رأس الهرم، بدلا من الولايات المتحدة، قد تلاشت. المطلوب أخيراً هو أن نتعلم من هذه الأزمة، من خلال تطوير قدراتنا الطبية والعلمية، وإيجاد نظام صحي متين، يكون قادر على مواجهة المخاطر استباقاً، بدلاً من تطوير الأسلحة الفتاكة التي تفتك بالناس، وتدمر الحضارات.
#بدر_أبو_نجم (هاشتاغ)
Bader_Abu_Nijem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفارقة.. بين جرائم الشرف، وجرائم الاحتلال
-
هل الانتخابات القادمة تصالح على المصالح؟
-
تفاصيلٌ صغيرة
-
نجح مؤتمر الفصائل.. لكن هل يؤسس لمرحلة جديدة؟
-
خمسون عامًا على إحراق المسجد الأقصى.. ولا زال يُحرق بِطرقٍ ش
...
-
لن يعودَ قبل الموت
-
نكباتٌ متتالية في المؤسسات الإعلامية
-
وما شرف الرجل سوى الكلمة
-
لا شيء مشترك بين آية ومحمد الدرة سوى الخوف
-
حقيقة حفلة مزار النبي موسى.. المتهم بريئ حتى تثبت إدانته
-
ماذا نفهم من كتاب أوباما -أرض الميعاد-
-
عامٌ مسروق
-
هل سيطوي لقاح كورونا الصفحة القاتمة من تاريخ البشرية؟
-
ميس أبو غوش.. خمسة عشر شهراً من العزلة
-
كشف المستور: في تعطل المصالحة والعودة للتنسيق الأمني
-
اسير فلسطيني وعروسه يتحديان المستحيل
-
الرهان على بايدن أم على قوانا الذاتية؟؟
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|