أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - كلام لا يقي من البرد














المزيد.....

كلام لا يقي من البرد


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6841 - 2021 / 3 / 15 - 13:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين كنا في سجون نظام الأسد متروكين للنسيان أعواماً طويلة، كان يكفي أحدنا أن تصله في الزيارة تحية من صديق أو قريب أو جار، حتى ينشغل لأيام في الحرق على الخشب أو في حف بذور الزيتون أو نسج الخرز لإعداد هدية لهذا الشخص الذي ذكره، لكي يرد له تحيته. السجن المديد يولد في السجين شعوراً بأنه فائض عن الحاجة، وهذا النقص الكبير في الاعتبار يعطي قيمة كبيرة لأبسط إشارة اعتبار. الشعور العميق بالإهمال، يعطي قيمة كبيرة لأبسط اهتمام. والمختبر النموذجي لهذه التجارب هو الإنسان المحاصر، أكان يحاصره السجن أو الضعف أو الحاجة أو الغربة أو ..الخ.
يعيدني حال السوريين اللاجئين اليوم في لبنان (وغير لبنان) إلى ذاك الشعور الكاوي بانخفاض القيمة الذاتية للسجين المزمن والمهمل على خلفية الركود العام الذي كان سائداً في البلاد. المفارقة أن اللاجئين السوريين يعيشون الشعور ذاته اليوم ولكن على خلفية انفجار كبير في البلاد. القاسم المشترك بين ذاك الركود وهذا الانفجار هو طرد الناس إلى الهامش عبر تشتيتهم وشل فاعليتهم، وبعد ذلك، وجراء ذلك، تكريس التفارق بين الحق والقوة. في زمن الركود كان تهميش الناس يتم بتذريرهم وتخويفهم وقتل أي شعور تضامني فيما بينهم، ومع اندلاع الثورة السورية، حين فشلت السلطة السورية في احتواء الشعور التضامني بين أبناء الشعب، صار القتل المباشر أو غير المباشر (التجويع بالحصار أو بالسجن) وسيلة السلطة في طرد الناس إلى الهامش من جديد.
لا عجب في أن يشعر السوريون اللاجئون بامتنان عال لصحفي لبناني تضامن معهم بكلمة، أو ذكّر اللبنانيين بفضل سابق للسوريين أيام الحرب الأهلية اللبنانية أو الحروب الإسرائيلية المتلاحقة على لبنان. لا عجب أن يرفع اللاجئون السوريون كاتباً مثل الياس خوري إلى مصاف عليا لمجرد أنه هجا صناع القرار اللبنانيين ووصفهم بالحمقى والجبناء لأنهم فرضوا على السوري الحصول على فيزا كي يدخل إلى لبنان (وبالمناسبة هناك صحفيون لبنانيون آخرون يستحقون من السوريين كل الاحترام، كان قلمهم وقلبهم مع السوريين منذ بدايات النزوح). وطبيعي، بالمقابل، أن يشعر السوريون بغيظ مكتوم إزاء أي لبناني يتكلم ضدهم بعنصرية. غيظهم مكتوم لأنهم محاصرون بالحاجة. محاصرون من الخارج ويحاصرون أنفسهم من الداخل كي لا يخسروا كل شيء، بما في ذلك أرواحهم التي لجأوا إلى لبنان لصونها من الموت المعمم في بلادهم.
ولكن بعد كل شيء، يبقى اللاجئ لاجئاً ويشتد حصاره، ويزيد في حصاره أن بلاده (سوريا) تنأى عنه أكثر. في الغالب الأعم ينقسم الناس في كل قضية مأساوية كهذه، إلى ضحايا مباشرين وإلى متفرجين يقفون على ضفة المأساة. في الفرجة يتضاءل الفرق بين المتعاطف وغير المتعاطف. الطرفان تجمعهما الفرجة أكثر مما يفرقهما الموقف. ينشغل المتفرجون بصراعاتهم الكتابية، تتحول الضحايا عندهم إلى كائنات تُرى على الشاشات، كائنات نقرأ أو نسمع عنها ونتخيلها، وتتحول القضية الى موضوع مثير لإبراز المهارات بابتكار تعليقات ساخرة مثلاً، أو إلى مناسبة لتسجيل ورصد المواقف الكتابية عديمة القيمة، وما إلى ذلك. نمارس نحن المتفرجين كلَ شيء لا قيمة عملية له. ما قيمة الكتابة أمام مأساة من هذا النوع؟ المقالة لا تمنع العاصفة من أن تشلع وتد الخيمة، ولا الريح تنتظر اكتمال سحر المقالات حتى تمارس جنونها، ولا البرد يأبه لقوة تأثير صورة طفل مات بسبب البرد.
خط الفصل الوحيد في النهاية هو بين ضحايا مباشرين ولا ضحايا أو ضحايا مؤجلين. لا يغير كثيراً على وضوح هذا الفصل، اختلاف المشاعر بين من هم خارج المأساة المباشرة. كما لا يغير كثيراً على أساسية هذا الفصل، التباين بين من يكتب بلغة عنصرية وبين من ينشغل في الهجوم على مقال أو تصريح عنصري هنا أو هناك، يبقى هذا التباين الكتابي ثانوياً وربما تافهاً أمام فداحة واقع اللاجئين وفحشه. كل ما لا ينعكس عوناً مادياً مباشراً لهم يقع في خانة اللاجدوى. أقصد اللاجدوى المباشرة، فقد يكون، ولا بد أن يكون، للشغل الثقافي المضاد للعنصرية مفعوله المستقبلي. غير أننا أمام مأساة في طور الفعل المباشر، ولا شيء يحمل قيمة حيالها سوى الفعل المباشر.
يناير/كانون ثاني 2015



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سجين حاقد يقلع عين الرئيس
- التحالفات الديموقراطية السورية، سطور في رمال
- إلى روح علي البدري (ممدوح عبد العليم)
- كان يجب أن أُسجن قبل أبنائي
- قمران في ليل عنيد
- يا حيوان ليش ما قلت انك -مو منهم-؟
- سجين سياسي سابق
- بين القمع والسرية
- إشكالية الصراع من خارج الدولة
- تصويت مبكر على -الانتخابات- الرئاسية في سورية
- المقاومة مذهبية والمهمة وطنية؟
- حقيقة ينبغي على نظام الأسد إدراكها
- نظام حرب على المجتمع
- في النقد الفارغ من النقد
- نقد النخب السلمية في الثورة السورية
- البحث عن سبيل للتحرر من الاستبداد
- الهاوية
- مات بتوقف القلب
- تبدل حال جمهور النظام السوري
- الوجه والصورة


المزيد.....




- مصر.. اعترافات صادمة للطفل المتهم بتحريض قاتل -صغير شبرا-
- الجيش الروسي يحصل على دفعة جديدة من مدافع -مالفا- ذاتية الحر ...
- اليمن.. الإفراج مؤقتا عن عارضة أزياء ظهرت في صور بدون حجاب
- أسانج يصل إلى جزيرة سايبان لإتمام الصفقة مع السلطات الأمريكي ...
- إنجلترا تتصدر مجموعتها والدنمارك مع سلوفينيا إلى ثمن النهائي ...
- الدفاع الروسية: بيلاوسوف أبلغ أوستن خلال اتصال بمبادرة أمريك ...
- صفقة الإفراج عن أسانج.. ورقة بيد بايدن
- سيئول: كوريا الشمالية أطلقت صاروخا باليستيا تجاه البحر الشرق ...
- النيجر.. مقتل 20 عسكريا ومدنيا وإصابة 9 آخرين في هجوم إرهابي ...
- البنتاغون: الموقف بشأن عدم إرسال قوات إلى أوكرانيا لن يتغير ...


المزيد.....

- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - كلام لا يقي من البرد