داخل حسن جريو
أكاديمي
(Dakhil Hassan Jerew)
الحوار المتمدن-العدد: 6841 - 2021 / 3 / 15 - 08:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مرة أخرى يتداول رموز السلطة الحاكمة في العراق , وفي مقدمتهم هذه المرة رئيس مجلس الوزراء , موضوع المصالحة الوطنية , بهدف لملمة صفوف القوى السياسية المتصدية حاليا للمشهد السياسي, بما فيها من أسماهم بالقوى السياسية المعارضة , إن كانت هناك ثمة قوى سياسية حقيقية معارضة بين صفوفهم , ذلك أنهم جميعا هم أنفسهم, حكاما ومعارضين في آن واحد بحسب ما تمليه عليهم مصالحهم في كل كل موقف يتعرضون له . وعلى أية حال لم يحدد رئيس الوزراء القوى المعارضة المستهدفة بالمصالحة وما طبيعة معارضتها . فمن المعروف أن هناك قوى سياسية معارضة جملة وتفصيلا للعملية السياسية القائمة حاليا , منذ إنبثاقها من رحم عملية غزو العراق وإحتلاله عام 2003 ,وقد حمل بعضها السلاح بوجه السلطة الحاكمة لمقاومة الإحتلال وتحرير العراق , حيث قامت ببعض العمليات المسلحة المحدودة ضد السلطة الحاكمة ورموزها السياسية والتي لم يكتب لها النجاح, وبعضها قد تورطت بعمليات إرهابية بإنضمامها إلى الجماعات الأرهابية التكفيرية التي روعت العراقيين وسفكت دماء الكثيرين منهم دون ذنب , من منطلقات وهرطقات دينية وطائفية لا علاقة لها بتحرير العراق لا من قريب ولا من بعيد , ولا تمت بصلة للعراق والعراقيين الذين عاشوا سنين طويلة متحابين ومتعايشين مع بعضهم , يمارسون معتقداتهم ويؤدون طقوسهم الدينية بكل حرية وآمان .
كما أن هناك قوى سياسية رافضة للغزو وكل ما ترتب عليه , من منطلق أن ما بني على باطل فهو باطل , لم ترق مواقف هذه القوى لمن آلت إليهم مقاليد السلطة في أعقاب الغزو , حيث سعت بكل الوسائل لإبعادها وعدم منحها أية فرصة للقيام بأي نشاط سياسي. وليس واضحا من حديث رئيس الوزراء من المقصود بالأحزاب المعارضة على وجه الدقة, إذ أن جميع المشاركين في الحكم يتحدثون تارة بصفتهم حاكمين , وتارة بصفتهم معارضين يحملون الآخرين مسؤولية سوء إدارة البلاد, متجاهلين عن عمد مسؤوليتهم أنفسهم عن كل ما آلت إليه أحوال البلاد والعباد من فساد ونهب للمال العام وتردي الخدمات والأحوال المعيشية للعراقيين, وبعضهم من ركب موجة الإحتجاجات التي شهدتها العاصمة بغداد ومدن وسط وجنوب العراق. ولعل المفارقة هنا أن العراق الدولة النفطية الوحيدة في العالم التي عجزت وما زالت عاجزة عن دفع رواتب موظفيها لأشهر خلت وحتى يومنا هذا . يتجاهل هؤلاء ممن يحلو لهم تسمية أنفسهم معارضين أحيانا , أنهم جزء أساسي من منظومة الحكم القائم حاليا في العراق , حيث يشغل معظمهم مواقع قيادية في السلطة , منهم وزراء ونواب وقادة عسكريين وأمنيين وغيرهم , ومع ذلك ودون حياء تراهم يتراشقون تهم الفساد ونهب المال العام فيما بينهم عبر منابرهم الإعلامية حهارا نهارا.
فهل يا ترى المقصود بالمصالحة الوطنية هنا, ترميم النظام السياسي المتهالك أساسا والآيل للسقوط , ومحاولة يائسة من رموزه لإنقاذه من السقوط المدوي الذي بات وشيكا بحسب رأي الكثير من المراقبين, أومحاولة لإعادة صياغته وتدوير بعض وجوهه دون المساس بجوهره , وتحميل البعض الآخر الذين إستهلكتهم العملية السياسية الفاشلة , مسؤولية فشل النظام الذي تحدث عنه جهارا عبر وسائل الإعلام المختلفة ,الكثير من كبار قادة الأحزاب والكتل السياسية ممن تقلدوا مناصب وزارية رفيعة طوال المدة المنصرمة وحتى يومنا هذا , أو ربما إعادة حساب حصص بعض القوى السياسية بحسب مستجدات المشهد السياسي المتأزم الراهن, من منطلق إنقاذ ما يمكن إنقاذه .
تعني المصالحة بمفهومها اللغوي تسوية الخلافات بين أطراف متصارعة , بالتوصل عبر التفاوض إلى حلول تكون مرضية لجميع الأطراف المتصارعة . ولكي تحقق المصالحة الوطنية الأهداف المرجوة منها لابد من توافر عناصر نجاها والتي نوجز أبرزها بالآتي :
1. تحديد القضايا التي يدور الصراع حولها بوضوح, وتحديد الجهات المتصارعة المراد تسوية صراعاتها لخدمة الوطن والمواطن .
2. تحديد آليات التفاوض ومكانه وزمانه والجهة الراعية للتفاوض ومرجعيته الضامنة لتنفيذ ما يتم التوصل إليه عبر التفاوض .
3. خلق البيئة الآمنة التي تضمن سلامة التفاوض والمتفاوضين بصرف النظر عن نتائج التفاوض.
4. يفضل إشراك طرف ثالث محايد مقبول من جميع الأطراف المتصارعة لتسهيل عملية التفاوض .
5. توفر النوايا الحسنة والرغبة الحقيقية لدى جميع الأطراف المتصارعة لحل المشاكل العالقة فيما بينها , وفض النزاعات بالطرق السلمية بما يضمن حقوق جميع الأطراف وسيادة القانون.
6. دراسة أسباب فشل محاولات المصالحة الوطنية التي قامت بها الحكومات السابقة .
7. إعداد ورقة عمل تتضمن جدول عمل التفاوض في إطار جدول زمني محدد.
8. فتح باب التفاوض لجميع القوى السياسية الراغبة بطي صفحة الماضي بكل مآسيه , وفتح صفحة جديدة لبناء عراق حر ومزدهر.
وبالرجوع إلى الحالة العراقية موضوع مقالنا هذا , نقول أن من ينشد المصالحة الوطنية حقا التي يمكن أن تعيد للعراق سيادته في أرضه ووطنه , وللشعب العراقي كرامته وحقه بالعيش الكريم والآمن وممارسة حقوقه وحريته , وبناء دولته المستقلة بعيدا عن تدخلات القوى الخارجية الدولية منها والإقليمية على حد سواء , عليه أولا البدء فورا بإتخاذ إجراءات عاجلة وسريعة لبناء الثقة بين أبناء الوطن الواحد , ندرج هنا بعضا منها :
1. إنهاء كافة المظاهر المسلحة التي يعيشها العراق حاليا , وذلك بحصر السلاح بأيدي القوات المسلحة النظامية المتعارف عليها في جميع دول العالم , المتمثلة بالجيش المسؤول عادة عن حماية البلاد من أي عدوان خارجي قد تتعرض لها لا سامح الله , وأجهزة الأمن المتمثلة بالشرطة وقوات الأمن الداخلي المسؤولة عن حفظ أمن الناس وممتلكاتهم من المجرمين وكل من تسول له نفسه بتعكير صفو الأمن الداخلي .
2. إعادة هيبة الدولة بوصفها الجهة الوحيدة المسؤولة عن رعاية البلاد والعباد , بإنهاء مراكز تحكم بعض القوى من منطلق الدولة العميقة الآمر الناهي بكل ما يتعلق بقرارات الدولة من منظور خفي .
3. إصدار وثيقة سياسية تقر فيها جميع الأحزاب السياسية التي تولت حكم العراق بصورة أو بأخرى في الحقب السابقة قبل غزو العراق أوبعد غزوه وإحتلاله عام 2003 , الراغبة بالعمل السياسي الديمقراطي الآن بعيدا عن كل أشكال الإستبداد والهيمنة, أنها إرتكبت أخطاءا جسيمة وبعضها إرتكبت حماقات سياسية كبيرة , تسببت بمآسي وآلام لآلاف العراقيين , والتعهد بفتح صفحة جديدة من التسامح ونبذ كل أشكال الحقد والكراهية , وضمان لكل ذي حق حقه في إطار سيادة القانون .
4. إحالة جميع ملفات المتضررين من أعمال العنف والتعسف الذي لحق بهم إلى القضاء العادل والنزيه , لمحاسبة المسؤولين عن جميع الجرائم التي أرتكبت بحق ضحاياهم , بعيدا عن التسيس .
5. لا يجوز محاسبة الناس عن معتقداتهم الدينية أوالطائفية أوالسياسية , ذلك أن الديمقراطية لا تقاضي الناس بسبب معتقداتهم , بل تحاسبهم على أفعالهم التي قد تلحق الأذى بالآخرين وتعكر صفو الأمن والآمان والسلم الإجتماعي . لذا يجب الكف عن ملاحقة الناس وقطع أرزاقهم وتشريد البعض منهم من وطنه, لا لسبب سوى لإختلاف توجهاته السياسية التي لا تروق لبعض من آلت إليه السلطة.
6. التداول السلمي للسلطة عبر إنتخابات شفافة حرة نزيهة.
7.التعهد بإعادة النظر بالدستور الذي تم إعداده وإقراره في ظروف إستثنائية شاذة.
وبذلك تكون قد تهيئت بيئة مناسبة للتفاوض بهدف تحقيق مصالحة وطنية حقيقية , وليست شعارات للكسب الشعبي في الإنتخابات المبكرة التي يجري الحديث عنها الآن, والتي تكررت كثيرا منذ العام 2003 , إذ عقد أكثر من ثلاثين مؤتمرا للمصالحة , بعضها برعاية جامعة الدول العربية في القاهرة , وبعضها برعاية منظمة المؤتمر الإسلامي في مكة المكرمة , او بوساطات دولية , صرفت من أجلها أموال طائلة ولكنها فشلت جميعها . كما شكلت الحكومة عام 2006 وزارة خاصة بالمصالحة الوطنية واستمرت حتى العام 2010, وبعدها تحولت إلى هيئة حكومية للمصالحة الوطنية ، تفاوضت مع بعض الفصائل المسلحة ومعارضين عراقيين في الخارج, في أعقاب تحرير محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار من قبضة عصابات التكفير الأرهابية , دون التوصل إلى نتائج حاسمة .
كما طرحت بعض الأحزاب الشيعية عام 2016، ورقة مصالحة وطنية برعاية الأمم المتحدة عبر مبعوثها في بغداد , وبمشاركة بعض دول جوار العراق .تضمنت أربعة بنود أساسية :
1.الالتزام بالوثيقة التاريخية يكون شاملا وليس تنازلا أُحادي الجانب.
2. إقرار مبدأ “لا غالب ولا مغلوب”.
3. تصفير الأزمات بين القوى السياسية العراقية.
رفض استخدام العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف السياسية..4
كما تضمنت أيضا مبادئ أخرى أهمها الالتزام بوحدة العراق والنظام الديمقراطي، ورفض التقسيم بأي شكل من الأشكال، والالتزام بالدستور كمرجعية للقوى المشاركة وغير المشاركة في العملية السياسية، وترسيخ دولة المؤسسات، والحفاظ على الديمقراطية والنظام المدني، واعتماد اقتصاد حر متعدد، والالتزام بالتوزيع العادل للثروات بحسب النسب السكانية للمحافظات، والامتناع عن التكفير وتخوين الآخر وعدم السماح بوجود ميليشيا خارج الدولة، والتزام جميع الأطراف بمحاربة أي مجموعة مسلحة غير قانونية.
لم تلق هذه الورقة إهتماما من قبل الأحزاب الأخرى المشاركة في السلطة , إذ أنها ولدت ورقة ميتة حيث إستمر الحال كما هو عليه من فساد وسلب ونهب للمال العام دون حسيب أو رقيب . فهل يا ترى سيترجم إعلان رئيس الوزراء الحالي عن نية الحكومة تقديم مشروع للمصالحة الوطنية , إلى مشروع وطني حقيقي شامل جامع لجميع العراقيين بمختلف أعراقهم ومعتقداتهم, لإنهاء معاناتهم ولم شملهم ليعيشوا أعزة كرام في وطنهم , أم سيكون ذلك بالون إنتخابي فارغ . أن غدا لناظره قريب.
#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)
Dakhil_Hassan_Jerew#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟