الفوضى الخلاقة : لماذا نجحت في اليابان و فشلت في العراق ..؟ ( 1 )

آدم الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 6840 - 2021 / 3 / 14 - 21:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

الفوضى الخلاقة , رغم انها نظرية ظهرت على انقاض الحرب العالمية الثانية الا أن استخدامها قد شاع في كتابات و تعليقات الكثير من المعنيين بالشأن السياسي لدول الشرق الأوسط للتعبير عن الخطط ذات الصلة بالاستراتيجية الأمريكية لهذه المنطقة الحساسة من العالم خصوصا بعد احداث 11 ايلول التي هزت كيان الولايات المتحدة الأمريكية من اقصاها الى اقصاها و مهدت تلك الأحداث لبدأ مرحلة جديدة من سلوك الولايات المتحدة الأمريكية تجاه بلدان هذه المنطقة التي كان فيها ما كان يطلق عليه المسؤولون الأمريكان محور الشر .

كانت افغانستان في عين تلك العاصفة التي اعقبت زلزال 11 ايلول و تبعها العراق ليكون حقل تجارب لنظرية الفوضى الخلاقة التي اراد الساسة الأمريكان من اليمين في الحزب الجمهوري احيائها من جديد حيث وجدوا في الساحة العراقية مكان مناسب لأجراء تلك التجربة .

بعد و خلال الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 انشغل الكثير من المهتمين بالشأن العراقي بموضوع الفوضى التي حلت على العراق نتيجة هذا الاحتلال و ما تبعه من حل لمؤسسات الدولة العراقية و تعرضها للسلب و النهب و خصوصا المؤسسة العسكرية و عمودها الفقري الجيش العراقي , و في الحقيقة أن تلك الفوضى لم تكن نتيجة لذلك الاحتلال لكونه احتلال و انما نتيجة القرار الأمريكي المتعمد في خلق تلك الفوضى في العراق بعد الاحتلال .

كان الكثير من كتابات المحللين العرب للشأن السياسي يتحدثون بلغة المؤامرة حين يتناولون الفوضى التي عمت العراق بعد الاحتلال الأمريكي له و كأن الفوضى الخلاقة هي ركن من اركان تلك المؤامرة , فبعضهم وصفها بأنها مؤامرة تستهدف العروبة و أخرين اعتبروها مؤامرة ضد الإسلام و المسلمين .

لكن حقيقة الأمر كانت تختلف , اذ يمكن القول , باختصار شديد , ان الفوضى الخلاقة تتكون من مرحلتين :

المرحلة الأولى هي الفوضى التي ترافق تفكيك النظام القديم للدولة تفكيكا شاملا .

و المرحلة الثانية هي بناء هيكل جديد على انقاض الهيكل القديم للنظام المنحل لتكون تلك الفوضى خلاقة .

فمن خلال هدم اركان الدولة القديمة يمكن بناء هيكل جديد لدولة يختلف اختلافا نوعيا و جوهريا عن هيكل الدولة القديم و حسب نظرية الفوضى الخلاقة لا يمكن بناء دولة حديثة , وفق المقاييس الأمريكية , من خلال ترميم هيكل الدولة القديم أو من خلال اصلاحات عليه , فمهما كان نوع و حجم تلك الترميمات و الإصلاحات لن تكون كافية و لا تنتج دولة حديثة و السبيل الوحيد هو الهدم ثم بعدها يتم البناء و هذا هو اساس تلك النظرية التي تقول أن رحم هيكل لنظام استبدادي لا يمكن أن يلد نظاما جديدا لدولة ليبرالية حديثة , و كأن المطلوب استئصال كل الأركان القديمة للدولة من خلال هدم مؤسساتها و خصوصا مؤسساتها العسكرية و الأمنية و اسقاط دستورها مع الغاء جميع القوانين التي تتعارض مع متطلبات بناء الهيكل الجديد للدولة و سن قوانين جديدة تتوافق مع بنود دستور جديد لدولة حديثة .

لقد رسم المنظرون للاستراتيجية الأمريكية خطط لأحداث فوضى في العراق تبدأ من حل الجيش العراقي و الغاء العمل بدستور العراق الذي كان نافذا قبل الاحتلال الى تنصيب بريمر حاكما امريكيا للعراق الى اخره من الإجراءات التي انهت كيان الدولة العراقية , و كان من ابرز صانعي تلك الاستراتيجية و منظريها هما ريشارد دوني و مارتن اندك الذين كانا لهما تأثير واضح على الخطط الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي بوش الأبن .

طبق الأمريكان نظريتهم في الفوضى الخلاقة بعد الحرب العالمية الثانية في عدد من الدول التي احتلتها و هيمنت عليها و ابرز تلك التجارب هو تطبيق تلك النظرية لبناء دولة اليابان الحديثة على انقاض النظام الإمبراطوري الذي تم هدمه بعد استسلام اليابان للمحتل الأمريكي حيث قام هذا المحتل بإلغاء جميع صلاحيات امبراطور اليابان و جعله رمزا ليس لديه اي صلاحيات تشريعية أو تنفيذية و تم حل و هدم جميع اركان المؤسسة العسكرية و الأمنية اليابانية القديمة التي كان ولائها المطلق لإمبراطور اليابان و تم ايقاف العمل بالكثير من القوانين النافذة في الزمن الإمبراطوري و تم تحوير منشاة التصنيع العسكري لليابان و جعلها منشئات للتصنيع المدني و تم كتابة دستور جديد لليابان على يد خبراء امريكان متخصصين في الفقه الدستوري مع اشراك بعض الحقوقيين اليابانيين بصفة مستشارين فقط و لم يكن لهؤلاء المستشارين اي دور مهم في كتابة الدستور الجديد لليابان .

لقد نجحت تجربة الفوضى في اليابان و كانت خلاقة اما في العراق فقد فشلت و كانت فوضى غير خلاقة و لهذا الفرق اسباب موضوعية و اخرى اسباب ذاتية .

(( يتبع ))

#آدم_الحسن (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات