أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - إدريس سالم - كافكا في «أمريكا»: المستغِلّون والمستغَلّون في ميزان المجتمع الصناعيّ















المزيد.....

كافكا في «أمريكا»: المستغِلّون والمستغَلّون في ميزان المجتمع الصناعيّ


إدريس سالم
شاعر وكاتب


الحوار المتمدن-العدد: 6839 - 2021 / 3 / 13 - 08:34
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


يستحيل الدفاع عن النفس، إن لم تتوفّر النيّة الحسنة
فرانتس كافكا – المفقود أو أمريكا

يقول الأستاذ الجامعيّ والمختصّ في أدب كافكا «هارتموت بيندر» عن رواية «المفقود أو أمريكا»:
«يعكس موضوع أمريكا توق كافكا آنذاك التخلّص من ضغوط الظروف في براغ. فمثلاً مصاعبه من الجنس الآخر ظهرت تجسيماً في تجربة كابوسيّة عاشها في صباه وشكّلت نقطة نَهَلَ منها المفقود، ولذا كان لا بدّ دائماً من إعادة تنشيطها لدى كلّ محاولة للتغلّب على المخاوف الجنسيّة القائمة».

لقد نُشرت رواية «المفقود أو أمريكا» – الصادرة عام 2020م بطبعتها الجديدة عن دار «الرافدين» للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت، بالتعاون مع «منشورات تكوين» في الكويت، ودار «ممدوح عدوان» للنشر والتوزيع في دمشق، ترجمها الناقد السوريّ «نبيل الحفار»، والبالغ عدد صفحاتها (367) صفحة – بواسطة صديقه «ماكس برود»، الذي من الواضح – بحسب نُقّادٍ وقُرّاء – أنه بنشره تلك الرواية وغيرها من أعمال كافكا، إنما خان الأمانة التي عهد بها الراحل إليه، لكنه في المقابل نفسه أنقذ من نيران النسيان بعض أهم وأقوى الأعمال الأدبيّة التي صدرت عند بدايات القرن العشرين، والحكاية هي توصية كافكا صديقه، وربما غيره من معارفه أيضاً، بحرق كلّ كتاباته بعد موته، لكن صديقه المقرّب والحميميّ استولى بعد رحيله على أوراقه ومخطوطاته ووثائقه كافة، ليهرب بها إلى فلسطين حيث راح ينشرها، دون أن يعرف أحد ما إذا كان قد نشرها كما هي أو أنه تلاعب بها، ورواية «المفقود أو أميركا» هي واحدة من تلك الأعمال.

تسرد الرواية حكاية الفتى الألمانيّ الصغير الغريب «كارل روسْمَن»، ذي السادسة عشر من عمره، والذي اضّطر أن يهاجر إلى أمريكا, هرباً من فضيحة تسبّبت بها علاقة إغواء قامت بينه وبين الخادمة «يوهنّا برومّر»، لتكون الرواية عبارة عن رحلة تجوّل في عوالم أمريكا، حيث يتنقّل من مهنة شاقّة إلى مهنة أكثر شقاء من الأولى، ومن منطقة إلى أخرى، وبأحداث غريبة ومستهلكة، في عالم واسع يتعرّف على شخصيّات مختلفة ويتورّط في مشكلات كثيرة ومعقّدة، باحثاً عن الإنصاف والعدالة في مجتمع صناعيّ ضخم يتحكّم به العنف والتسلّط، لتكون البداية مع خاله «إدوارد جيكوب» الذي يدخل النصّ فجأة – وإشارات الاستفهام كثيرة – من على ظهر السفينة التي كانت قد أقلّت كارل، محاولاً الدفاع عن الوقّاد الذي كان يُعامل بقسوة من قبل رئيسه «شوبال»، ومن ثم يرافق من خلال قطار الشحن النيويوركيّ الشابين «ديلامارش» الفرنسيّ و«روبنسون» الإيرلنديّ نحو «رمسيس»، ليتركهما هناك ويعمل مدة شهرين في فندق «أوكسيدنتال» عامل مصعد بعد توصيّات من كبيرة الطبّاخين «غريته ميتْسلبَخ»، ليترك الفندق بسبب صديقه روبنسون، فيعمل خادماً لدى المغنّية السمينة «برونيلدا»، وفي النهاية يقدِم إلى عمل في مسرح «أوكلاهوما» ساعياً نحو تجربة جديدة، فقُبل هناك في مكتب ذوي المهارات الميكانيكيّة بعد أن غيّر اسمه إلى «نِغرو»؛ خوفاً من العنصريّة.

يتتبّع كافكا في روايته – التي عانت أحداثاً راكدة منفصلة في بعض الأماكن – مصير الإنسان الذي يرفض الاستسلام في دروب ومتاهات الحياة، مترنّحاً بين الأمل والوهم، بين العنصريّة المقيتة والمنفعيّة الممجوجة، هذه الرواية المثقلة بالتفاصيل والوصف وكأن الواقعيّة السحريّة خرجت من تحت عباءته وليس من عباءة ماكس بيكمان أو جورج غروسز أو خورخي لويس بورخيس أو غابرييل غارسيا ماركيز أو غيرهم من روّاد تلك المدرسة المخيفة، فيعبّر بطلها عن روح أمريكا الكئيبة التي لم يكن يتوقّعها، عندما وطأت قدماه أول مرّة في مدينة نيويورك.

مشاهد غريبة كانت تدخل نصّ الرواية وتتحكّم في تفاصيل معيّنة، كدخول شخصيّة لساحة النقاش والحوار والتفاعل مع الحدث وكأنها جزء منه، أو اشتعال الحوار بين شخصيّتين أو شخصيّات ودخول آخر بينهما أو بينهم ومحاولته لهندسة ثياب أحدهم مثلاً، مثلما حدث بين كارل وكبير النذل «إيسباري» عندما تدخّل البوّاب «فيودور» وشدّ جاكيت كارل في مشهد جعل من الواقعيّة السحريّة سحريّة شيّقة، فيقول كافكا هنا على لسان السارد:
«بقي كارل صامتاً. اقترب البوّاب وشدّ إلى الأسفل جاكيت كارل الذي بدت عليه بعض التجعدات، وذلك لا ريب ليلفت اهتمام كبير الندل إلى هذا الإهمال الصغير في طقم كارل».

في روايات كافكا نجده يسرد القصص الغريبة والأحداث الشيّقة من منظور ووجهة نظر ذاتيّة – فرديّة، لدرجة أنه تخطّى صيغة الأنا إلى عوالم الهو أيضاً، فما يسرده في هذه الرواية يراه كارل أو يشعر به، أيّ ما من شيء يُسرد بدونه أو في غيابه، فلا يكشف لنا كافكا سوى أفكار كارل وحده ولا أحد سواه، وهذه السرديّة كانت موجودة أيضاً في رواية المحاكمة على لسان جوزيف ك، وفي القلعة من خلال ذاك البطل المجهول بقصّته واسمه (ك)، فالعالم الداخليّ بكلّ تجاربه ومداركه ورغباته وأحلامه وأفكاره لم يكن همّاً كبيراً يسرّ كافكا أو يزعجه، بل إن سرد ما عاشه من خلال الناس هو ما كان يقلق حياته وهواجسه الروحيّة، حتى صار يرويهم في نفسه وبأسمائه المجهولة التي كلّ حروفها تقودها إلى اسمه، فصوّر عالماً مفقود المشاعر والأحاسيس، محطّم الحماسة الفكريّة، في ظل مجتمع صناعيّ حديث اقتصاديّاً وبسيكولوجيّاً، الذي يقضي على النزعة الإنسانيّة، فتمرّدَ على عالم التجارة والربح، واقفاً مسانداً العمال البسطاء وحقوقهم وإنسانيّتهم، محافظاً على ذاتيّة المجتمع، ملقياً برمزيّته الكابوسيّة على ولادة أوروبا صناعيّة إمبرياليّة تتخطّى صناعيّة أمريكا.

كلّ الشخوص الروائيّة هنا هم متساوون من حيث أنهم ضحايا – سواء المظلومين أو الظالمين – ضحايا عالم الاستغلال والمنافسة والانعداميّة المجتمعيّة يديره نظام فاسد من العلاقات الإنسانيّة، لا يوجد حتى أدنى تلميح لأيّ شخصيّة جيّدة أو أيّها سيّئة، فكارل والوقّاد وشوبال وأمين الصندوق وروبنسون وديلامارش وأيضاً كبير البوّابين وكبيرة الطبّاخين وجيكوب وماك كلّهم ضحايا في نظر كافكا، أيّ المستغِلّون هم أنفسهم مستغَلّون، والنتيجة أن أيّاً من الصنفَين إن عمل بشكل مكثّف ومتّصل ودون انقطاع حتماً سيقضي هذا العمل مع مرور الزمن على كلّ ما هو إنسانيّ، وبالتالي يتحوّل هؤلاء البشر إلى بشر آليين، وهنا أسأل سؤالاً مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بأحداث الرواية المكتوبة قبل الحرب العالميّة الأولى: لماذا آثار كافكا الروائيّة أثّرت وما زالت تؤثّر كنقطة جوهريّة واسعة على كلّ العقائد في العالم وكدافع رئيسيّ للتعبير عن الذاتيّة؟ وهل القرن الراهن هو قرن كافكا انطلاقاً من عبثيّة الوجود وكابوسيّة الواقع؟

أراد كافكا أن يخبرنا في نهاية الرواية المكتملة بتلك الرمزيّة التي تركها مفتوحة على مسرح أوكلاهوما، ليخبر جمهوره وقرّائه «لينهي كلّ واحد منكم أحداث الرواية على طريقته على خشبة مسرح الحياة، فالحياة لعبة مسرحية لا تنتهي»، أما النهاية الحقيقيّة فقد ماتت مع موت كافكا ربما، أو ربما بحرقه للفصل الأخير بنفسه، أو لسبب آخر بقي مجهولاً حتى هذا اليوم.



#إدريس_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كافكا في «المحاكمة»: ها أنا أموت مثل كلب حقير
- كافكا في «القلعة»: تشييد الكوابيس والغرائب بلعنة الاغتراب
- كافكا في «التحوّل»: انسلاخ تراجيديّ للذات
- ثيمتا الشهامة وغسيل الأرواح في رواية «قيامة اليتامى»
- حاتم علي: إنساناً ومخرجاً ملتزماً
- حرب شهوة وشهوة حرب
- روح مطعّمة بالمطر
- رواية «رصاصة أخيرة»: العيش في قوقعة الاختزال أفقد جمالية الق ...
- الحزن... وباء عالمي
- أغنية «كوباني»: ألم كلّ الكوبانيين
- صراع «يلماز غوني» مع الذات والتاريخ... في «صالبا»
- قرآن الله
- مازن عرفة لموقع «سبا»: رواية «سرير على الجبهة» انكسارٌ للأزم ...
- مازن عرفة لموقع «سبا»: الحياة التي أعيشها هي رواية، والرواية ...
- الشخصية وبناؤها في رواية «هيمَن تكنّسين ظلالك»
- على الأمم المتّحدة ومحكمة الجنايات الدوليّة قراءة رواية «سري ...
- تقنية «الراوي» في رواية جان بابيير «هيمَن تكنّسين ظلالك»
- رواية «هيمَن تكنّسين ظلالك» توثيق الحرب بتقنيات روائية مبهرة
- ماذا قدّمت قناة «ARK TV» للقضية الكردية؟
- كاتب كوردي يتحدث عن اللجنة الدستورية وانقسام الكورد


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - إدريس سالم - كافكا في «أمريكا»: المستغِلّون والمستغَلّون في ميزان المجتمع الصناعيّ