أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - بيتٌ لا يعرفُ الحَزَن!














المزيد.....

بيتٌ لا يعرفُ الحَزَن!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6836 - 2021 / 3 / 10 - 11:26
المحور: حقوق الانسان
    


Facebook: @NaootOfficial

هذا شهرُ مارس، أجملُ الشهور وأشرقُها. شهرُ الطبيعة والحُسن والشدو. فيه تُشرقُ الزهور وتصدحُ الطيور وتحنو الشمسُ فتمنحنا النورَ والدفء وبهجات الطبيعة بعد قسوة الشتاء وعتمته. لكنه يحملُ مع ذلك بعض الغيوم. في بداياته يفكِّرُ الأولادُ والبناتُ فيما سيجلبون لأمهاتهم في عيد الأم من هدايا ويحبكون الخطط والمفاجآت ليرسموا فوق شفتيها الفرح. أما الذين رحلت أمهاتُهم عنهم وتركتهم عرايا عن الحب، فنصيبُهم الوجعُ واجترار الذكريات. وأنا أحدُ هؤلاء. لهذا أواسي نفسي ورفاقي الفاقدين أمهاتهم بهذه الحكاية.
يحكي الفولكلور الصينيّ عن امرأة تعيش هانئةً مع وحيدِها الذي هو قُرّةُ عين لها ولوحدتِها التي حلّت ببيتها بعدما فقدت الرجلَ والأهلَ والسند. وفي يومٍ حزين، جاء الموتُ واختطفَ ابنَها دون مقدّمات. رفضتِ الأمُّ تصديقَ الفاجعة، ولم تُسلِّم بأن الموتَ فعلٌ جازمٌ غيرُ قابل للاستئناف أو النقض. ذهبت إلى حكيم البلدة وبكت بين يديه لكي يدلَّها على وصفة سحرية تُعيد ابنَها إلي الحياة. وتعهدت بأن تصنعها مهما بلغت صعوبتُها.
أشفق الحكيمُ على المرأة الثكلى، فأخذ شهيقًا عميقًا، ثم شرد بذهنه قائلا: "حسنًا يا ابنتي. أحضري لي حبّةَ خردل واحدة. بشرط أن تأتي بها من بيتٍ لم يعرف الحَزَنَ مطلقًا.” انتعش قلبُ المرأة برذاذ الأمل والرجاء الوشيك في استعادة نجلها الراحل. فبدأت من فورها تجولُ على بيوت القرية بيتًا في إثر بيت، وتطرقُ بابًا من بعد باب، سائلةً عن طريدتها التي طلبها الحكيم الطيب: "حبّة خردل واحدة، من بيت لم يعرف الحزن.”
طرقت أحدَ الأبواب. ففتحت لها امرأةٌ شابّة، سألتها السيدةُ: "هل عرف هذا البيتُ حزنا من قبل؟" ابتسمت الشابّةُ في مرارة، وأجابت: “وهل عرف بيتي إلا الحزن؟!" ثم راحت تحكي للمرأة الثكلى أن زوجها مات منذ عام، تاركًا لها أربعة من الصغار. لا تعرف كيف تُطعمهم إلا ببيع أثاث الدار الذي لم يتبقَ منه إلا القليل.
فاضَ الدمعُ من عيني الثكلى، وراحت تواسي صاحبتَها الأرمل أمّ اليتامى. ومع نهاية الزيارة؛ صارتا صديقتين، ولم تفترقا إلا وقد تواعدتا على تكرار اللقاء. قالت الشابةُ لرفيقتها الحزينة،: “سأنتظركِ. فقد مرّ زمنٌ لم أفتح فيه بابَ بيتي لزائر ولا قلبي لإنسان أبثّه شكواي.” قُبيل الغروب، طرقتِ المرأة الثكلى بابًا جديدًا، ففتحت لها سيدةٌ على وجهها سيماءُ التعب. سألتها إن كان هذا البيتُ لم يعرف الحَزَن. ملأها الإحباطُ حين علمت من سيدة الدار أن زوجها طريحُ الفراش وليس في البيت مالٌ لعلاجه أو طعامٌ لصغارها. ذهبت الثكلى إلي السوق واشترت بكل ما معها من مال دواءً للمريض وطعامًا وبقولا للصغار، ثم عادت إلى دار رفيقتها، وساعدتها في طهو وجبة ساخنة لإطعام الصغار. ثم ودّعتها على وعدٍ بزيارتها في مساء اليوم التالي. حينما أشرق الصبحُ، جالت المرأةُ بين أرجاء البلدة، لم تترك بابًا إلا وطرقته، ولا بيتًا من بيوت الجوار إلا ودخلته لتسأل أهلَه إن كان بيتُهم لم يعرف الحزن، طمعًا في طرح السؤال الآخر الذي لم يأت أبدًا: "حبة خردل واحدة"، فقط إن كانت الدارُ نقيّة من الحَزَن، بريئة من الفجيعة والدموع. من باب إلى باب أخبرتها الدورُ والأبوابُ أن رجاءها صعبٌ عسير عصيٌّ يسكنُ جوفَ المستحيل.
خرجت من كل بيتٍ صفرَ اليدين مما جاءت من أجله، وملأت جَرّة ذاكرتها بقصص كثيرة وحواديتَ ملؤها الحزن والشقاء والموت والقنوط، لكنها حصدت مع القنوط عددًا هائلا من الأصدقاء الذين جعلت من مساعدتهم وحلّ مشاكلهم وتخفيف أحزانهم مشروعَ حياتها القادم.
ومرّت الأيامُ والسيدة لا توقفُ عطاءها لحزانى الجوار، حتى صارت صديقةً لكل بيت من بيوت البلدة. ويومًا بعد يوم، بدأت تنسى طريدتها التي ستُرجع لها ابنَها الراحل. نسيت حبّةَ الخردل من بيت لا يعرف الحزن، لأنها أدركت أن حزنًا يسكن كل قلب. وحين ذابت في أحزان الناس بدأ حزنُها الشخصي يخفتُ مع الوقت، وأدركت حكمة الحكيم، وعبقرية وصفته السحرية. “الخروج من الـ (أنا)، نحو الـ (هو) والـ (نحن) والآخر. تلك هي حبّةُ الخردل التي تجعل أحزاننا تذوب مع أحزان الآخرين.
أتذكرُ تلك القصة كلّما طرقتُ بابًا أعرفُ أن وراءه أمًّا ثكلى فقدت شهيدًا في حربنا الصعبة مع الإرهاب. وأتذكّرها كلما اشتقتُ لأمي التي تركتني ومضت إلى حيثُ تذهبُ الأمهاتُ ولا يعدن. اللهم نقّ واقعنا من أعداء الحياة خصوم الفرح وكلاء الموت على الأرض، وامنحنَا السلام. “الدينُ لله والوطنُ لمَن يصير حبّة خردل لحزانى الوطن.”
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانفجارُ السكّاني … والضفدعُ المغلي
- في انتظار … كوكو!
- القليلُ كثيرٌ … في الطعام والعيال والفرح!
- ثروت عكاشة … أسطورةٌ مصريةٌ خالدة
- هل نستحقُّ كورونا وما يليها؟
- البرنيطة … أمّ شريطة صفراء!
- إلهام شاهين … فارسةُ دراما الرسالات
- الإنسانيةُ بوابةُ النهوض والحضارة
- صخرةُ محمود أمين العالم
- ماذا علّمتني سيدةُ: الباقياتُ الصالحات؟
- بيكار … مايسترو صناعة النور
- ضحكات المصريين ... في زمن الكورونا
- قلقاسُ الغطاس … في بيت ميرنا ذكري
- هديةٌ السيدةِ التي لم أرها!
- بوابـةُ العَدَم
- -الكريسماس- على الطريقة الإنسانية
- وحيد حامد … رجلٌ لهذا الزمان
- الوعي بالحياة … الوعي بالموت
- لا يرون … لكن اللهَ يرى!
- ميري كريسماس … يا مصر


المزيد.....




- نتنياهو يعقد اجتماعا طارئا ويؤكد: مذكرات الاعتقال من الجنائي ...
- أمريكا تعلق على إصدار-الجنائية الدولية- مذكرتي اعتقال بحق وز ...
- الخارجية الإماراتية: الشراكة مع روسيا وأوكرانيا ساهمت في نجا ...
- طواقم الدفاع المدني تنتشل 7 شهداء في محيط مخازن الأونروا برف ...
- الأمم المتحدة: 10 أطفال يفقدون ساقاً أو ساقين في غزة يومياً ...
- تحذير من تداعيات -حرب صامتة- بالضفة وحصيلة جديدة للاعتقالات ...
- الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق شويغو ورئيس أركانه
- الأونروا: نصف مليون شخص بغزة يواجهون معاناة شديدة لانعدام ال ...
- مبادرة لمراقبة الجوع: خطر المجاعة لا يزال قائما بشدة في أنحا ...
- الخارجية الأمريكية: نجري مراجعاتنا الخاصة بشأن جرائم حرب محت ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - بيتٌ لا يعرفُ الحَزَن!