|
الطريق الثالث ….. فرصة نادرة يجب أن لا تهدر
سيف صادق
الحوار المتمدن-العدد: 33 - 2002 / 1 / 12 - 09:30
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
توقف الاجتماع الاعتيادي الأخير للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ( 18/12/2001) عند أوضاع المعارضة العراقية محللا واقعها الراهن وطارحا أسئلة عديدة حول ذلك، في ضوء التطورات الأخيرة وتصاعد التهديدات الأمريكية بضربة عسكرية للعراق. ولاشك أن التهديدات الأمريكية وتضارب تصريحات كبار الإدارة الأمريكية قد أطلق سيلا من " السيناريوهات " المرعبة، وبدأ المشهد السياسي العراقي المعارض في حالة غليان، مقرونة ديناميكية غير معهودة، ولكنها مفهومة طبعا. وقد ساهمت " سيناريوهات الرعب " هذه في إضفاء المزيد من الاستقطابات السريعة لتقاسم مغانم كعكة لم يتم طبخها بعد، أو بدأ الصراع حول جلد الدب قبل أن يتم اصطياده !
والمتابع للشأن المعارض، ومع شديد الاحترام لكل وجهة نظر مغايرة، سيصاب بخيبة أمل مريرة حين يرى ساسة ومعارضون يدافعون عن " جدية " الولايات المتحدة في تهديداتها لتوجيه ضربة ستكون " قاصمة " هذه المرة، وليس على غرار سابقاتها. فيما يقابلهم على الخندق الآخر من " حرب الاستحكامات والمتاريس " ساسة آخرون يمارسون نهجا مغايرا إذ يربطون، مباشرة أو بالواسطة، بين الوطن والنظام الراهن، وتقديمهما وكأنهما كل لا ينفصل، انطلاقا من مقاربة خاطئة لترتيب التناقضات. خلاصة القول أن الطرفين، وان اختلفت المنطلقات، يحصرون المتابع السياسي، ناهيك عن المواطن العراقي البسيط، في إحدى زاويتين قاتلتين: أما الاصطفاف مع النظام الديكتاتوري، الذي خرب البلاد واستنزف شعبنا في حروب داخلية وخارجية، أو مع الولايات المتحدة ومخططاتها لتدمير بلادنا بحجة إزاحة الديكتاتور ونظامه وهي التي أنتجته وطورته في فترات محددة، وأصبحت " تباهي به الأمم " ! وبهذه المقاربة القاصرة يبدو المشهد السياسي موسوما بلونين فقط، وليس كموزائيك متعد الألوان والخيارات والأفاق.
ولاشك أن كلا زاويتي النظر للأزمة الراهنة وحلولها وتداعياتها خاطئتان بل وقاتلتان في الوقت ذاته. ومن هنا ضرورة خوض نضال فكري وسياسي من اجل مواجهة هذه الأطروحات، وان يقترن ذلك بمساعي حثيثة ينبغي أن تتكلل ببلورة مشروع آخر لا يراهن على الهجوم الأمريكي من جهة، ولا يصطف مع النظام الراهن بحجة الدفاع عن الوطن وهو الذي فرط بسيادته ودمره في معاركه الدونكيشوتية العديدة.
ولكن ثمة سؤال يطرح نفسه بشدة : هل هناك إمكانية لذلك ؟ نجيب بنعم. إن الإمكانية متوفرة لبلورة الطريق الثالث لحل الأزمة البنيوية المتفاقمة، وتخليص شعبنا من النظام الديكتاتوري الراهن، وقطع الطريق على المراهنين على الخيار الأمريكي لإزاحة النظام، إذا انطلقنا من خيار الرهان على شعبنا وقواه الحية، وفهم العوامل الخارجية فهما سليما، وتوظيفها توظيفا صحيحا ومن دون أية شروط تكون عبئا على تطلعات شعبنا في خياره الوطني والديمقراطي والمناهض للديكتاتورية والعدوان الخارجي.
وحين نقول أن الإمكانية متوفرة لتبلور الطريق الثالث، الذي لن يكون سوى الطريق الوطني والديمقراطي في أن، فلا يعني ذلك تنمية الأوهام بنزعة انتظارية لتبلور قوى هذا الطريق، بل ينبغي البدء والمباشرة العملية اتخاذ خطوات مباشرة وملموسة :
· خلق ديناميكية جديدة داخل قوى المعارضة، تسمح هذه الديناميكية بتحريك أطراف عديدة تعاني من حالة الانتظار السلبي لما ستسفر عنه تطورات الأحداث ومجريات الصراع.
· خوض نضال فكري وسياسي لتوضيح مخاطر الرهان على المشاريع والطبخات الخارجية، انطلاقا من قناعة قديمة بالتعويل على العامل الخارجي، والذي عمقها الانبهار بالسيناريو الأفغاني، الذي ينتمي إلى تربة أخرى وموازين قوى محلية وإقليمية ودولية أخرى ليست بالضرورة متطابقة مع الواقع السياسي والاستراتيجي لبلادنا. ومن جهة أخرى ينبغي بذل جهود مضاعفة لفضح مناورات النظام الديكتاتوري وألاعيبه لخلط الأوراق، وفضح زيف دعاواه بالربط بينه وبين الوطن. صحيح أن المعارضة وبواقعها الراهن لا تمتلك القدرة على كبح جماح الإدارة الأمريكية إذا قررت مباشرة حملتها العسكرية على بلادنا، ولكن لا ينبغي استخلاص استنتاج خاطئ من هذه الحقيقة، ودفع الأمر الى حد انه يتوجب عليها أن تلعب دور تحالف الشمال الأفغاني ، متحولة الى طليعة للحملة الأمريكية. إن كل ذلك يستحث المساهمة الفعلية في إزالة الغموض الذي يطبع الساحة السياسية الراهنة، من خلال الإقدام على مبادرات جريئة تستحث تحرك قوى المعارضة الوطنية، في اتجاه توحيد جهدها ونشاطها وخطابها الإعلامي، للتعامل بفاعلية ومرونة فائقة مع المستجدات والتطورات المرتقبة.
· تصليب الوضع في كردستان من خلال إبلاء أهمية استثنائية لقضية المصالحة بين الحزبين الرئيسيين حدك وأوك، والإهتمام الجاد بقضية دمقرطة الحياة السياسية هنا، وتفعيل دور القوى الديمقراطية والأحزاب المتواجدة على الساحة، والاقتراب من هموم الجماهير الكادحة، والرهان على قدراتها الخلاقة في تطوير التجربة وتخليصها من عيوبها وثغراتها. إن الدمقرطة الحقيقية والمتواصلة للحياة السياسية في كردستان، وربط تطور هذه العملية بخيار العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد، سيساهم في تقليص التأثيرات الخارجية على الشأن الكردستاني، ويعيد للقضية القومية الكردية حيويتها وجدلية ارتباطها الوثيق بالعملية الديمقراطية في العراق.
ولاشك أن تبلور الطريق الثالث، وحشد القوى لتحويلة من فرضية نظرية الى واقع ملموس، مرتبط شديد الارتباط ببلورة شعارات ملموسة وبسيطة وقادرة على جذب القوى التي تحوله الى فعل نضالي حقيقي قادر على تحقيق النصر.
وضمن المسعى من اجل تجاوز الثنائية القاتلة التي أشرنا إليها في مكان آخر، فقد بلور الاجتماع الأخير للجنة المركزية مفهوم " الموقف الوطني والمسؤول " طارحا بذلك أربعة مرتكزات يقوم عليها هذا المفهوم، والتي يمكن أن تكون بمثابة الأسس التي يقوم عليها الطريق الثالث وهي :
· رفض الضربة العسكرية وعواقبها المأساوية،
· التعويل على شعبنا ووحدة قواه،
· عدم الانخراط في الجهد الأمريكي،
· الاستعداد للتطورات كطرف مستقل مناهض للنظام ورافض للخيار العسكري، يطرح مشروعا وطنيا ديمقراطيا لإنقاذ الشعب وتخليص الوطن من الحصار والديكتاتورية ومخاطر الهجمات الخارجية.
أن لوحة بالغة التعقيد تنتصب في هذه اللحظات أمام كل الوطنيين والديمقراطيين والمناهضين للديكتاتورية والمشاريع الأجنبية، وثمة صعوبات وعقبات تتواصل معترضة الطريق أمام وحدة هذه القوى، حيث تتداخل وتتشابك المصالح الإقليمية والدولية، وتتزايد مناورات الإدارة الأمريكية والغموض المتعمد الذي تحيط به خططها ومشاريعها الراهنة والمقبلة تجاه العراق، هذا إضافة الى السياسات الحمقاء للنظام الديكتاتوري الذي يتلاعب بمصائر بلادنا وشعبنا في آن.
ولكن رغم تعقد اللوحة وضبابيتها وتشابك معادلتها، فإن المطلوب من كل الوطنيين والديمقراطيين وكل المناهضين للديكتاتورية والعدوان، بذل أقصى الجهود والطاقات، من اجل بلورة القوى المشكلة للطريق الثالث، الطريق الذي يراهن على قدرات شعبنا الخلاقة، وبالاستفادة من الدعم الخارجي النزيه وغير المشروط، في تخليص الوطن من الحصار والديكتاتورية ومخاطر الهجمات الخارجية.
إن فرصة تاريخية حقيقة تنتصب اليوم، فلا ينبغي التفريط بها.
#سيف_صادق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مناورة في موعدها المناسب… أم بعد فوات الأوان ؟
-
حين يدافع الصحفي عن الجلاد ويصمت صمت القبور تجاه الضحية !
-
ينبغي الرهان على شعبنا العظيم وليس على العدوان أوالديكتاتوري
...
-
هل للشعب الكردي مصلحة في - الحوار غير المقطوع ولكن غير النشي
...
المزيد.....
-
قمة كوب29: الدول الغنية ستساهم ب 250 مليار دولار لمساعدة الد
...
-
حدود العراق الغربية.. تحركات لرفع جاهزية القطعات العسكرية
-
وقف الحرب في لبنان.. فرص الاتفاق قبل دخول ترامب البيت الأبيض
...
-
أرامكو ديجيتال السعودية تبحث استثمار مليار دولار في مافينير
...
-
ترامب يرشح أليكس وونغ لمنصب نائب مستشار الأمن القومي
-
بالفيديو.. منصات عبرية تنشر لقطات لاشتباكات طاحنة بين الجيش
...
-
Rolls-Royce تخطط لتطوير مفاعلات نووية فضائية صغيرة الحجم
-
-القاتل الصامت-.. عوامل الخطر وكيفية الوقاية
-
-المغذيات الهوائية-.. مصادر غذائية من نوع آخر!
-
إعلام ألماني يكشف عن خرق أمني خطير استهدف حاملة طائرات بريطا
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|