أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - إياد العبدالله - الشباب السوري: بين جهاد الإقصاء وجهاد الحضور















المزيد.....

الشباب السوري: بين جهاد الإقصاء وجهاد الحضور


إياد العبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 1624 - 2006 / 7 / 27 - 05:30
المحور: المجتمع المدني
    


" القديم يحتضر والجديد لم يولد بعد "
غرامشي

لا بد أن يلاحظ المتابع أو المدقق في تاريخ سوريا الحديث ، وخصوصاً ما بعد الاستقلال ، الحضور الكثيف للشباب كدعامة من دعامات السياسة والعمل السياسي ، إلا أن المدقق نفسه لا بد أن يلاحظ انزياحاً كاملاً ، أو شبه كامل لهذا الحضور منذ أكثر من عقدين، فما هي أصول هذا الانزياح ، أو هذه الشيخوخة السياسية في سوريا ؟

ما سوف يجتهد هذا المقال في تقديمه يدور حول أطروحة مفادها أن غياب الشباب عن المشهد السياسي ما هو إلا التعبير الأكثر وضوحا عن غياب المشهد السياسي ذاته. هذا الغياب الذي تم التأسيس له عبر حالة الطوارئ التي يرزح تحتها المجتمع منذ أكثر من أربعين عاماً. لقد جاءت حالة الطوارئ كنتيجة منطقية وتاريخية للشرعية الثورية التي استند إليها النظام السياسي السوري /البعثي عندما وصل إلى السلطة عام 1963 . وقد كانت من أوائل أعماله إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية مستنداً في هذا أولاً على " وطنية جهادية " اكتسبت طابعاً سلبياً من حيث أنه لا همّ لها إلا أن تتصدى " للغرب الإمبريالي " وحليفته إسرائيل ، والتعامل مع الداخل على أنه حشد يجب تعبئته لخوض المعركة المصيرية . وقد استند النظام في تدعيم خطابه " الوطني التحرري " على مفهوم غائي للتاريخ ، تمت مزاوجته بفاعليته السياسية ليستنتج بالتالي أن التاريخ قد اصطفاه كي يلتقط مهامه التي كانت مبعثرة هنا وهناك ، ويعيد تركيبها بما يجسد الغاية التي نذر التاريخ لها نفسه . سيؤسس هذا التصور لنوع من " الداروينية السياسية " إن جاز التعبير ، حيث البقاء للأقوى ، وحيث تغدو السياسة حرب الجميع على الجميع ، وهذا ما سيعطي للنظام السياسي السوري في علاقته مع المجتمع طابعاً جهادياً وخصوصاً عندما قام بإقصاء الآخرين ( أحزاباً ومؤسسات وأفراداً ) بحجة أنهم "يفتتون الصفوف" أو "يخدمون أعداء الوطن" . وهذا ما سيدفع جميع القوى السياسية للعمل تحت الأرض ، أي بشكل سري، بحيث تعتمد في أدائها السياسي على ما يتيحه لها هذا الشكل من هامش للحركة ( و هنا إحدى المفارقات الطريفة ، أنه حتى أحزاب ما يدعى " الجبهة الوطنية التقدمية " ، ما عدا حزب البعث , كانت تعمل بشكل سري . فميثاق الجبهة الذي أقرت فيه هذه الأحزاب بقيادة حزب البعث لها، منعها من العمل في أوساط الجيش و الطلبة، و من أن يكون لها صحف علنية. مقابل بعض المكاسب المحدودة التي يتيحها نظام المحاصصة المعتمد في توزيع مرافق الدولة ) . و قد ارتهن الخطاب المعارض أيضاً ، جلّه، لايدولوجيا الكفاح الوطني المعادية للامبريالية والصهيونية،وبهذا كان ينافس النظام على المشروعية الثورية وعلى شرعية التمثيل في حركة التحرر الوطني . وعلى الرغم من قوة آليات الضبط التي استعان بها أو أبدعها النظام السوري ، لتثبيت دعائمه ، فإن المشهد السياسي كان حافلا بالحضور الشبابي، بل إن بعض القوى السياسية شكل الشباب، من كلا الجنسين، غالبيتها شبه المطلقة " حزب العمل الشيوعي، حركة الإخوان المسلمين "، وسيستمر هذا الحضور حتى أزمة الثمانينات من القرن المنصرم التي ستدفع النظام إلى إستراتيجية جديدة في التعامل مع المجتمع السوري تروم إعادة تشكيله من جديد. ستقود هذه الإستراتيجية الجديدة إلى تكنيس السياسة من الساحة السورية بحيث لا يبقى في الميدان غير السلطة ـ و من يدور في فلكها ـ التي قامت من أجل إحكام عملية إقصاء الجيل الشاب عن السياسة بتجنيده بمنظمات " رديفة " لحزب البعث ، تستوعب الأجيال الجديدة منذ الطفولة حتى تخرجهم من الجامعة ، لتتلقفهم منظمات واتحادات أخرى حسب المهنة ، أو ينضمون إلى سوق البطالة . هذا بالإضافة إلى تنسيب الطلاب من المرحلة الثانوية إلى حزب البعث بترغيبهم بما سينالونه من علامات إضافية تؤهلهم لدخول الفرع الجامعي الذي يرغبون به . كما تدنى مستوى العملية التربوية في قطاع التعليم بكافة مراحله لأسباب شتى ، تبدأ من الأجور المتدنية للمعلمين وأساتذة الجامعة ، إلى اعتماد مناهج تدريس لا تمت إلى العصر وقيمه بشيء ، بالإضافة إلى اعتماد آليات تربوية لا تسمح للطالب باكتساب المفاهيم كأدوات للتفكير ، ولا بإجراء محاكمات عقلية ولا تنمي عنده الحس الإبداعي ، كالتلقين مثلاً الذي لا يسمح للعقل الذي يتعامل مع المادة الدرسية أن ينتقل ببعض التعميمات والمفاهيم إلى مستويات أخرى ، فعندما يدرس مثلاً عن الديمقراطية ومعناها وتاريخها لا يستطيع أن ينتقل إلى مستوى آخر ، مستوى الملاحظة أو طرح سؤال : هل هذا الواقع ديمقراطي أم لا ؟ وهذا ما يسم العلاقة التي تربط هذا العقل مع هذه المادة بسمة الانتهازية ، فهو يحفظها عن ظهر قلب ليسكبها على ورقة الامتحان بهدف النجاح ، وهنا تنتهي علاقته معها ، بل إن الدراسة بحد ذاتها أخذ يتعامل معها الشاب تعاملاً وظيفياً ، بهدف إيجاد وظيفة أو عمل ما ، وهذا سر الإقبال على كليات معينة دون غيرها ، بل إنه حتى هذا التعامل الوظيفي أخذ يتراجع بعد ارتفاع مستوى البطالة بين هؤلاء الجامعيين ، لذلك فكثيراً ما تسمع اليوم بين الشباب تعبير" الدراسة ما بتطعمي خبز " لتبرير اعتكافهم عن الدراسة .

كما قام النظام السياسي السوري عبر أجهزة الدعاية التي لم يسلم منها حتى التعليم الذي استخدم لتكوين نوع من الثقافة الجماهيرية السلطوية، بإشاعة نمط دعاوي موجه إلى عواطف ولا وعي الشعب السوري لا إلى عقله ، معتمداً في هذا على آلية التكرار وعدم وجود البدائل أمام الشعب المعزول عن العالم ، لتمرير بعض المقولات التي تداعب وتدغدغ وجدان وعواطف بعض القطاعات الجماهيرية المثخنة الجراح ( كالكبرياء الوطني ، تحرير فلسطين --- ) وليدشن في عقول الشباب ووجدانهم حدثاً تاريخياً مؤسساً ، يكون هو المرجع التاريخي الحاسم في التشكل الحديث لهذا المجتمع ، وهذا الحدث لم يكن طبعاً النضال من أجل الاستقلال ، بل إنه سيكون عام 1963 الذي بدأ فيه هذا التشكل ليكتمل عام 1970 . وهذا ما شكل أحد أهم الأسباب في شطب ذاكرة الشباب السوري الحديثة مما جعله يبحث في إطار اغترابه وعملية استرجاعه لذاكرته، عن حدث مؤسس يستمد منه هويته الناقصة. وخصوصاَ أن الايديولوجيا التي حاول تعميمها النظام السوري لم تنجح في أن تكون أداة صهر واندماج عناصر المجتمع ، فآل المجتمع إلى التفكك والتذرر . وما حالة التجاور الموجودة الآن بين عناصر المجتمع السوري بباعث على الاطمئنان ، إنه الهدوء الذي يسبق العاصفة ، فهذا التجاور مرده أنه لا يزال هناك سلطة تمسك بزمام الأمور ، لا الشعور بوحدة الانتماء.هذه الحال ستعود بالشباب السوري في إطار بحثهم عن هويتهم إلى الماضي السحيق ، ماضٍ يتم خلقه وفق معطيات الحاضر ، يزودهم بتصورات مبسطة مزعومة عن أصولهم . وبهذا تنغلق قطاعات واسعة من الشباب على خيارات ( دينية، طائفية ، عشائرية ، عرقية -- ) تعكس حالة التذرر وتعيد إنتاجها بالاستناد إلى هذه الخيارات ، بحيث يتحدد بها الآخر ويتم اختراعه كنقيض مباشر . ولهذا فليس غريباً أن لا يعرف الشباب رموزهم الوطنية ليس " لأن الحاضر أقوى من إغراء الماضي " كما يذهب محمد سبيلا( مجلة الوحدة، العدد 39 )، وإنما بسبب فقدانهم لذاكرتهم الوطنية، وبالتالي لحس التاريخ. ألا يعكس هذا مأزق الوطنية السورية التي هي الآن على المحك ؟

إن ما سبق ، بالإضافة إلى الرهابات التي عاشها المجتمع السوري دفع الأسرة السورية إلى أشكال متطرفة من الانغلاق والمحافظة، و بالتالي إلى العزلة عن المجتمع . وإذا ما استخدمنا مصطلح ( صراع الأجيال ) الذي يشكل حالة طبيعية وصحية في المجتمعات المتقدمة ، إلا أنه هنا يعكس واقع الأزمة التي تعصف بالمجتمع . وذلك لأن هذا الصراع يعاش هنا على أنه حرب دائمة ومفتوحة بين كلا الجيلين، والمنتصر في هذا الصراع هم جيل الآباء بقيمه ومفاهيمه. الآباء بمتابعة ما بدأه النظام السياسي السوري بإقصاء أولادهم عن السياسة وتضييق الخناق على من يريد أن يدخل حقلها منهم ، وذلك لأنهم اقتنعوا أو أقنعوا أنفسهم بأن السياسة شأن مفارق لشؤونهم ، بل إنها داء خطير يودي بحامله إلى التهلكة . ويمنون أنفسهم بوهم يسمونه "الاستقرار " دون أن يعلموا أن الاستقرار في عالم يعيش جنون التغير ما هو إلا انتحار .

هنا تستكمل عملية إلحاق الشباب بالفراغ السياسي، إلا أن الشباب كالطبيعة يكره الفراغ ولا يعترف به، لهذا فإنه سيعلن " الجهاد " ضده، إلا أنه جهاد السلب لا جهاد البناء. إذ إن المآلات التي آل إليها المجتمع السوري تجعل منه تربة خصبة لنمو عقائد التطرف على اختلافها بل وتناقضها . هذه المآلات ستجعل الشاب يعيش التناقض حتى مع نفسه ، وهذا ما قد يكثفه أو يدلل عليه عنوان أحد المقالات المنشورة على موقع "عشرينات" الشبابي ، بعنوان " نشاهد نانسي ، وندعو للجهاد " .( صابر مشهور، 27/ 2/ 2004). إن التطرف الجهادي ـ المدموغ بدمغة قومية واشتراكية وتقدمية ـ الذي مارسه النظام السياسي على هؤلاء الشباب بغية إقصاءهم عن الشأن العام ، وبالتالي دفعهم إلى الفراغ، كان أحد أهم الأسباب في إشاعة جهادية نقيضة متطرفة عند الجيل الشاب . إذ إن إقصاءهم عن الشأن العام ( السياسة ) سيحول دون تحولهم إلى أعضاء في الدولة وما تتضمنه هذه العضوية ( المواطنة ) من فاعلية سياسية وحقوقية . لهذا فإن جهادهم الأول سيكون ضد الدولة التي هي ليست دولتهم. و نستطيع أن نتبين ذلك مثلاً من حالة العنف والتخريب الذي يطال ما يدعى بـ " المرافق العامة " التي تملكها هذه الدولة. نستطيع أيضاً أن نناقش الموضوع من خلال طرح هذا السؤال والتفكير فيه بجدية : لماذا كل هذه "الشجاعة" وهذا " التفاعل " الذي رأيناه من قبل قطاعات واسعة من الشباب أثناء العدوان الأمريكي على العراق إلى درجة أن الآلاف منهم ذهبوا إلى هناك وآلاف لم يتسن لهم ذلك ، علماً أن من ذهب يعرف أنه سيواجه صواريخ الكروز والتوماهوك بصدر عار في الوقت الذي نرى فيه هؤلاء الشباب عاجزين عن مواجهة المشاكل الحقيقية التي تشوب حياتهم في الداخل السوري ؟ شخصياً لا أعتقد أن مفردات من مثل " الشجاعة " و "الجبن " تصلحان للإجابة ، وإنما أعتقد بشكل أولي غير ناجز بعد أن الموضوع يجب أن يناقش من زاوية أخرى ، وهي : كيف يتعامل هؤلاء مع مفهوم الداخل ؟ وبالتالي كيف يعون مشاكلهم ؟ إنه سؤال عن مفهوم الانتماء والهوية عند الشباب السوري.

إذا كانت السياسة في أحد تعريفاتها هي الاهتمام بالشأن العام ، فإن إقصائها هو إلغاء للشأن العام ، وبالتالي تشجيع ثقافة وسلوكيات الكانتونات، التي هي ثقافة جهادية بامتياز . وهذا ما يفضي بنا إلى الإشارة أن هناك صراع آخر غير( الصراع بين الأجيال ) الذي تكلمنا عنه ، إنه صراع بين أبناء الجيل الشاب نفسه. إلا أنه إذا كان المنتصرون في الصراع الأول هم الآباء، فإنه في الصراع الثاني الجميع مهزومون.



#إياد_العبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوار/المظاهرة... وموضة الإساءة إلى السوريين
- حلفاء الفراغ...
- المجتمع السوري في وعي نخبه


المزيد.....




- نتنياهو وغالانت والضيف: ماذا نعرف عن الشخصيات الثلاثة المطلو ...
- زاخاروفا تعلق بسخرية على تهديد أمريكي للجنائية الدولية بشأن ...
- ما هو نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية؟
- كيف ستؤثر مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت على حرب غزة ول ...
- إسرائيل تقصر الاعتقال الإداري على الفلسطينيين دون المستوطنين ...
- بين فرح وصدمة.. شاهد ما قاله فلسطينيون وإسرائيليون عن مذكرات ...
- عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بحرب الإبادة في غزة ولبن ...
- 2024 يشهد أكبر خسارة في تاريخ الإغاثة الإنسانية: 281 قتيلا و ...
- خبراء: الجنائية الدولية لديها مذكرة اعتقال سرية لشخصيات إسرا ...
- القيادي في حماس خليل الحية: لماذا يجب علينا إعادة الأسرى في ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - إياد العبدالله - الشباب السوري: بين جهاد الإقصاء وجهاد الحضور