التربية والتعليم في البلدان العربية ... وتكريس مبدأ الخضوع المطلق .

طالب أحمد المعمري

الحوار المتمدن-العدد: 1624 - 2006 / 7 / 27 - 00:21
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    

تُحكم الأنظمة العربية قبضتها على كل مؤسسات المجتمع المدني محاولة بذلك التحكم في تلك المؤسسات واستغلالها في تمرير سياسة القهر التي تمارسها على شعوبها ؛ وذلك عن طريق اختيار القيادات الموالية لتلك الأنظمة والتي لا هم لها سوى تحصيل المنفعة الشخصية والترقي في المناصب والتزلف للرؤساء من أجل تحقيق غايتها النفعية ؛ فتستغل تلك الأنظمة ذلك الضعف في تلك الشخصيات الهزيلة النفعية فتمكنها من المناصب ذات التأثير البالغ في المجتمعات والأفراد لتكون تلك القيادات الذراع الأيمن الذي يحافظ على سياستها القمعية وأفكارها القهرية ، التي تسعى من خلالها لإخضاع المواطن والهيمنة عليه هيمنة تامة يفقد عندها المطالبة بحقوقه المشروعة ، مما يجعل الطريق أمام تلك الأنظمة سهلا ميسورا للاستيلاء على مقدرات شعوبها والتصرف في مصائرهم والعبث بحياتهم كما تشاء دون أن يحول بينها وبين ذلك حائل ؛ لأن جنودها المخلصين من أصحاب المنافع الشخصية سوف يحولون بينها وبين تلك الشعوب بشتى الطرق والوسائل القمعية المختلفة تملقا لتلك الأنظمة لتُبقي لها القليل مما تبتلعه من حق الشعوب المسحوقة ، فتسعد كالكلب الذي يسعد عندما يرمي له سيده عظما بعد أن يفرغ الحم منه.
ومن أهم مؤسسات المجتمع المدني والتي لها الدور الرائد في نشر الفهم الصحيح بين الشعوب والتي بسبب استقلاليتها ونضجها في إعداد مواطن يستطيع أن يقوم بجميع الأدوار القيادية في مجتمعه في العالم المتقدم ، والتي بسببها أصبح بين العالم العربي والعالم بونا شاسعا من التقدم والحضارة والرقي ؛ تلك المؤسسة هي المؤسسة التربوية التعليمية ، والتي اتُخذت في عالمنا العربي منبرا سياسيا لتوطين سياسة الخضوع للأنظمة العربية الحاكمة التي تقهر شعوبها من أجل ترسيخ مصالحها الشخصية ، إن مؤسساتنا التعليمية أصبحت مجرد وسائل إعلامية ينشر من خلال مناهجها التعليمية مبدأ الخضوع للحاكم الواحد الذي يصل إلى درجة الإله الذي يجب أن يقدس وينعت بصفات العظمة والكبرياء ويُهتف باسمه في كل المحافل واللقاءات .
إن أوضح دليل على سياسات الدول العربية التعليمية التي ليس لها هم إلا خدمة الأنظمة ومحاولة ترسيخ قوانينها القمعية وسياساتها القهرية منع المخلصين من الوصول إلى أي منصب قيادي يمكن أن يأثروا فيه على جمهور العامة من الشعب ، وإلصاق التهم المختلفة بأولئك المخلصين من تهم بالخيانة وإثارة الفوضى وقلب نظام الحكم والعمالة والإرهاب وغيرها من التهم التي تعد السلاح الأبرز لمحاربة المثقف العربي الذي يسعى لتحقيق قدر من العزة والكرامة لوطنه والذي يفضح أعمال الخونة من أصحاب المصالح النفعية الذين يدعون في ظاهر أمرهم الإخلاص للوطن وخدمته وفي دواخلهم ما هم إلا منافقون يسعون لمصالحهم الشخصية .
إن مؤسسات التربية والتعليم المسيسة في بلداننا العربية لن تحقق لبلداننا أي تقدم ما دامت سوى صور تتباهى بها تلك الأنظمة من أجل أن تغطي بها أفعالها القبيحة بشعوبها ، وما دامت لا تملك الحرية التامة في صنع مواطن يستطيع أن يمارس مختلف الواجبات تجاه وطنه لا تجاه أفراد يسطرون على ذلكم الوطن يدعون لأنفسهم تمام التقديس وقمة التعظيم ، وكأنهم ليسوا من جنس الشعب الذي يحكمونه .
إن المناهج الدراسية في الدول العربية ليست قادرة على إعداد جيل عربي يستطيع أن يخدم أمته ويشارك في بنائها بالشكل الصحيح ، لأن ذلك الجيل يُعد في مراحله الأولى على أن يكون إمعة يقلد ولا يبتكر تحشى في ذهنه كمية من المعلومات تزيد من خنوعه لمن يقف حجر عثرة في سبيل حصوله على حقه في بلده وممارسة ذلك الحق بحرية ودون أي ضوابط توضع عليه إلا إذا كان عمله حقا تخريبا لبلده أو اعتداء على حق الآخرين فيه أو تعاونا مع عدوه.
ومما يدعوا للأسف أن بعض الدول العربية تعتبر نقد منهاجها التعليمية الغثة رغم وضوح فشلها في إعداد مخرجات تعليمية قادرة على القيام بالأدوار المختلفة في تنمية وتطوير بلدانها والوصول بها إلى التطور والحضارة ومسايرة القطار العالمي المتسارع في شتى مجالات العلوم والمعرفة ، تعتبر ذلك تعديا على سياسة الدولة والخوض فيما لا يعني إلا المنظمة السياسية العليا وأن التدخل في نقد المناهج التعليمية أو سياسة المؤسسات التعليمية معارضة لنظام الحكم ولسياسة الدولة ومحاولة للتحريض على النظام ، إن أنظمة تعتقد في النقد الموضوعي الصادق الذي يحاول المساعدة في تطوير النظام التعليمي معارضة وفتنة لا بد وأن تكون في آخر السلم الحضاري ، وهكذا هي الدول العربية في طرف ذيل الحضارة والتقدم ، وستبقى كذلك مادامت تستغل مؤسساتها التعليمية من أجل خدمة مصالحها وتكريس سياساتها الحمقاء التي أدت بنا إلى كوارث في شتى مجالات الحياة .

#طالب_أحمد_المعمري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات