|
من المتضرر والمنتفع من انخفاض قيمة الدينار العراقي ؟
محمد رضا عباس
الحوار المتمدن-العدد: 6826 - 2021 / 2 / 27 - 20:05
المحور:
الادارة و الاقتصاد
ييتم تغيير قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية من اجل تحقيق اهداف اقتصادية محددة. على سبيل المثال، في الدول الصناعية مثل بريطانيا، الولايات المتحدة الامريكية، الصين، وكوريا الجنوبية مؤخرا، يتم تخفيض عملاتها المحلية من اجل زيادة حجم الصادرات، تشجيع الاستثمارات الأجنبية، وتشجيع السياحة الداخلية. انخفاض قيمة الدولار الأمريكي، على سبيل المثال، يشجع السائح الأجنبي بزيارة الولايات المتحدة الامريكية لان عملته المحلية تجلب له دولارات إضافية عن كل وحدة نقدية، وبذلك تسمح له بالإقامة أطول في امريكا. الصادرات الامريكية هي الأخرى يصيبها الانتعاش من اخفاض قيمة الدولار، لان البضائع الامريكية ستكون أرخص على المشتري الأجنبي، وبذلك يتحسن ميزان المدفوعات الامريكي ويزيد من النمو الاقتصادي، على اعتبار ان قيمة الصادرات هي واحدة من مكونات الإنتاج المحلي او ما يسمى بأجمالي الإنتاج المحلي. يضاف الى ذلك فان تخفيض قيمة العملة المحلية بوجه العملات الأجنبية الرئيسية سوف تجعل البلد بيئة جاذبة للاستثمار. لان انخفاض قيمة العملة المحلية سوف تجعل من قيمة الأصول (الأبنية، الأراضي، المقالع) رخيصة ومربحة جدا للمستثمر الأجنبي. هل سيستفاد الاقتصاد العراقي من تخفيض قيمة الدينار بوجه الدولار الأمريكي؟ على اغلب الاحتمالات ستكون مضار هذا التحرك على الاقتصاد الوطني أكثر من منافعه في الأمد القصير وللأسباب التالية: 1. قطاع التصدير العراقي سوف لن ينتفع من هذا التخفيض في قيمة الدينار العراقي لإنه ببساطة لا يوجد قطاع تصديري في العراق. 95% من صادرات العراق هي صادرات نفط خام والتي تدفع قيمتها بالدولار وليس بالدينار العراقي. العراق لم يستطع إعادة الحياة الى قطاع الزراعة والصناعة وما زال يستورد ما يقارب 70% من احتياجاته من الخارج. 2. من النقطة أعلاه، فان المتضرر من عملية تخفيض قيمة الدينار هو المستهلك العراقي، لإنه عاجلا او اجلا سوف يرى ارتفاع في معظم أسعار البضائع والخدمات التي يحتاجها. 3. تخفيض الدينار سوف لن يشجعه السائح الأجنبي بزيارة العراق لإنه بكل بساطة لا يوجد هناك قطاع سياحي متطور في البلاد. السائح الأجنبي سوف لن يفكر بزيارة أي موقع سياحي يقع من شمال بغداد وحتى اخر نقطة في نينوى لان الوضع الأمني في هذه المنطقة الشاسعة ما زال مضطرب، ومن غير المعقول ان يجازف سائح أجنبي بحياته من اجل زيارة معلم معين في هذه المنطقة. السائح الأجنبي سوف لن يزور اهوار الجنوب العراقي لإنه بكل بساطة لا توجد بنى تحتية مخصصة لقطاع السياحة هناك. الزائر الأجنبي يريد ان يشاهد مواقع سياحية غير موجودة في بلده، لكن على شرط وجود خدمات في هذه المواقع مقبولة او مقاربة لما هو موجود منها في بلده. المنطقة الوحيدة في العراق التي ستستفاد من تخفيض قيمة الدينار العراقي هي منطقة إقليم كردستان إذا احسنت استخدام هذه الفرصة. 4. المستثمر الأجنبي سوف لن يدخل العراق، حتى وان قدمت الحكومة العراقية له أرقي أنواع المشجعات مالم يتم السيطرة على الوضع الأمني في العراق. السلاح في متناول الجميع وسوف لن يجازف مستثمر أجنبي بأمواله او بحياته. المسلحون ما زالوا يشكلون خطرا جسيما على إدارة البلاد، وسوف لن يخاطر مستثمر بأمواله او بحياته مالم يتم القضاء على هذه الظاهرة. 5. هناك من يقول ان تخفيض قيمة العملة العراقية سوف يشجع المنتج العراقي، وهذا صحيح نظريا، حيث ان التخفيض سوف يرفع من أسعار السلع الأجنبية قياسا بأسعار السلع محلية الإنتاج. ولكن المشكلة، كما أسلفنا أعلاه ان العراق يفتقر الى قطاع صناعي متين، وانه يستورد معظم حاجاته بضمنها المواد الأولية للإنتاج. المواد الداخلة في انتاج الأحذية في العراق ليست 100% عراقية الإنتاج، وانما على اقل 70% منها هي مستوردة، وكذلك صناعة الأثاث والملابس وصناعة المواد البلاستيكية. بكلام اخر , "صنع في العراق" سوف لن يكون له قوة تنافسية في السوق كما يعتقدها البعض . حاليا، المستفيد الأول من عملية تخفيض قيمة الدينار العراقي هي وزارة المالية، بعد ان ارتفع قيمة الدولار الأمريكي بما يقارب 250 دينار. ولو فرضنا ان معدل استخدام الدولار في التعاملات الخارجية هي 40 مليار دولار سنويا، فان الإيرادات الجديدة لخزينة الدولة من تخفيض قيمة الدينار ستكون ما يقارب 10 ترليون دينار وهو مبلغ يكفي دفع رواتب شهرين لموظفي دوائر الدولة العراقية، وهي كلفة سيتحملها المجتمع العراقي ولاسيما أصحاب الدخول الثابتة والطبقات الفقيرة على شكل ارتفاع عام بأسعار السلع والخدمات. في الأمد الطويل، قد يستفاد العراق من هذا الاجراء على شكل نمو زراعي وصناعي , على فرض ان كلا القطاعين سوف يستفادان من تراكم الخبرات , الإنتاج الواسع, وانخفاض كلفة الإنتاج , وهذا يحتاج إصرار حكومي على تطوير كلا القطاعين والى صبر المواطن العراقي , كما صبر من قبل المواطن الياباني و الألماني والكوري و التايلندي و الماليزي. مرة أخرى العملية تحتاج ساسة يضعون مصلحة البلد فوق مصالحهم الحزبية.
#محمد_رضا_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل سيجري تعديل على مؤشر المستوى المعاشي بعد جائحة كارونا
المزيد.....
-
المغرب والصين يسعيان لعلاقات اقتصادية وتجارية متطورة
-
سعر الذهب صباح اليوم السبت 23 نوفمبر 2024
-
أكبر محنة منذ 87 عاما.. -فولكس فاغن- تتمسك بخطط إغلاق مصانعه
...
-
صادرات روسيا إلى الاتحاد الأوروبي تجاوز 3 مليارات يورو لشهر
...
-
ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة
-
عمل لدى جورج سوروس.. ترامب يكشف عن مرشحه لمنصب وزير الخزانة
...
-
وكالة موديز ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع
...
-
موديز ترفع تصنيف السعودية وتحذر من -خطر-
-
ارتفاع جديد.. بتكوين تقترب من 100 ألف دولار
-
-سيتي بنك- يحصل على رخصة لتأسيس مكتب إقليمي له في السعودية
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|