|
الانتهازية الطائفيّة والحمائليّة في الميزان! الياس خليل نصرالله
الياس خليل نصرالله
الحوار المتمدن-العدد: 6826 - 2021 / 2 / 27 - 20:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من كتابي "نحو مجتمع عقلانيّ" هذا العام، ونحن على أبواب انتخابات محلية وربما برلمانية، نشهد استمرار تفاقم ظواهر سلبية، مثل العنف بأشكاله، التوتر والتراشق الطائفي، والانقسامات الحزبية، مما يؤدي لانعدام القواسم الوطنية المشتركة، الأمر الذي يخفي في طيّاته مخاطرًا وجوديةً ملموسةً تتهدّد مستقبل مجتمعنا.
إنّ أخطر ورشة عمل في مجتمعنا، هي تسييس الدين الذي تدعمه أنظمة رجعية ظلامية، متواطئة مع دول إمبريالية يجمع بينها نهب وتبذير موارد وثروات بلادها. هل سينجح المتلاعبون بالعواطف، تجّار المبادئ والعقائد، المتسربلون بقشور التدين، بالتفوق على العقلانية والمصلحة العامة والتمسّك بمقولة "الدين لله والوطن للجميع".
من المؤكّد أنّهم سيُهزَمون لأنّنا قد اكتشفنا بأنّ رياءهم وإفكهم هو تحريف الدين واستغلال مفردات الطائفية والحمائلية والمذهبية البغيضة والممجوجة، لتحقيق مكاسب آنية ضيقة. وأصدق مثال لهذه الممارسة انتخابات سلطاتنا المحلية والتي يتنافس فيها قوائم حمائلية وطائفية، وحتى الأحزاب القطرية تتحول فيها إلى قوائم حمائلية.
إنّ غالبيتنا لا تخجل بأن تُمارس لعبة هذه الانتخابات من منطلقات طائفية وعائلية. ومن المؤكّد أنّ كل من يصل إلى تمثيل في السلطة المحلية، خاصة الرئيس، بقوائم طائفية وحمائلية، سيقوم بتقسيم وتوزيع غير سليم للميزانيات والتوظيفات، أي سيكون طابع إدارته انعدام النزاهة، العدالة، الشفافية، الأمانة والنجاعة، لأنّ كل إدارة سلطة محلية محكوم مصيرها بمنطلقات ودعم فئوي (حمائلي - طائفي) ستصبح، إن شئنا أم أبينا، مزرعة موظفين عائلية وطائفية. والمحزن تحوّل الطبقة المتعلّمة عند انخراطها في خضم هذه السلطات، إلى قوة داعمة بكل ثمن لقوقعة التحزّب الطائفي والحمائلي، وبعضها يصبح أداة لتمرير وشرعنة مخطّطات الحكومة ضدّ بلدته. وعليه لا يمكن ربط فشل هذه السلطات فقط بسياسة التمييز الصارخ منذ قيام الدولة، إنّما بعوامل ذاتية أيضًا، وفي مقدمتها طابع انتخاباتها. تدلّ الابحاث والدراسات أنّ النظام الطائفي والحمائلي وغيرهما من أنماط التشرذم، هي منظومة سياسية اجتماعية متخلّفة، مهترئة لأنّها تحوّل بل تحتوي أفرادها كجزء من الطائفة أو الحمولة، لتنوب عنهم وتمثّلهم في المواقف السياسية. وسينجم عن ذلك تحكّم الانقسامات الطائفية والحمائلية، ليصبح الولاء لها على حساب الولاء لكل المجتمع ومصلحته العامة. والأخطر أن تصبح طائفة أو حمولة الأغلبية تحتكر السلطة فقط لخدمة مصلحتها. ويحمل ذلك في طياته عدم الاستعداد لاحتواء وقبول التعدّدية، ويُهمّش بل يمنع إمكانيات التداول السلمي لحلّ المشاكل. لذا وَيْل لمن يعشق الماضي ويتعامى أو يتجاهل إسقاطاته ودروسه وعِبر تجاربه. إنّ الماضي والحاضر قد أثبتا بشكل قاطع أنّ إثارة النعرات الطائفية والحمائلية والقبلية تمزّقنا إربًا إربًا. وتزجّنا وتورطنا في دياجير التخلّف والانحطاط في كافة المجالات. لأنّها تُكلّف مجتمعنا وخاصة طبقاته المسحوقة ثمنا يفوق كل تصوّر مما سيؤدي لإعاقة هيكلته السليمة ومواكبته ركب التطوّر والحضارة والتحديث، واستبدال العقل بالنقل. لقد أثبتت التجارب أنّ المجتمع الذي لا يسوده الاتفاق الواسع حول المواضيع المركزية والجوهرية سيكون من السهل زجّه في خضم العنف والحرب الأهلية والتي ستأكل الاخضر واليابس وتسهّل تنفيذ مؤامرات المتربصين به، وعندها لا يبقى لنا سوى تأنيب الضمير، البكاء على الاطلال، فماذا سيجدي الندم؟ وسنردّد بحسرة "يا ليتنا كنّا قادرين معرفة نتائج نزواتنا وتهورنا قبل حصولها، بتفكير من عمره خمس سنوات!". إنّ الاتفاق الواسع، وحده لا يكفي لديمومة استقرار المجتمع. إنّنا بحاجة ماسة ومُلِحّة لتطبيق مبادئ وقيم إنسانية أساسية مثل الاعتراف بضرورة وأهمية شرعية اختلافنا في الآراء، المصالح، المواقف، التصورات، التوجهات، الدين، الفكر والرغبات. كلّ مجتمع يدوس القيم والمبادئ الديمقراطية الجوهرية (حقوق الإنسان، التعددية، العدالة، وإلى ما إلى ذلك)ـ ويتنكّر لها، سينزلق حتمًا إلى العنف بأشكاله، ضد الأخر المُخْتلف عنه، فردًا أو جماعةً. لذا يتوجّب علينا التربية لتذويت القيم والمبادئ لتصبح أسلوب حياة نعيشه ونمارسه يوميًا. علينا اعتماد العقل والنقد الهادف لكل مركّبات مجتمعنا. وأصدق تعبير لأهمية وظيفة النقد، مقولة الفيلسوف (كانط): "النقد هو أهمّ أداة بناء عرفها الإنسان. لأنّه لا تقُدّم وارتقاء بدون معرفة النواقص والعيوب، لمعالجتها والتخلّي عنها، إذ لا توجد أداة يستطيع الإنسان فيها ممارسة وتحقيق ذلك إِلَّا بالنقد". مثلاً، من الضروري نقد ظاهرة تولّي عديمي الكفاءة والخبرة والأهلية إدارة المرافق الحيوية، وكل ظاهرة سلبية، شريطة أن ينطلق ذلك من مبدأ "الإنسان المُناسب في المكان المناسب" أي التحصيل والأهلية والكفاءة هي المعيار والقاعدة لذلك، وليس المحاصصة وتوزيع الكعكة من منطلقات طائفية أو لأيّة اعتبارات غريبة عجيبة. إنّ دعاة التقسيم الطائفي، العائلي والحمائلي، هم أنصار تمجيد عقلية التخلّف، وليس في وسعهم الالتزام والدفاع بصدق وأمانة وشفافية وإخلاص عن قضايا المجتمع. وسنجدهم يتنكّرون لفكرة "الاختلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية"، إنّما هي خير علاج وقائي لأخطائنا القصدية وغير القصدية. إنّ مصلحة ومستقبل مجتمعنا بكل شرائحه وأطيافه تُطالب السماسرة المروّجين والمنتفعين من الطائفية، أن الأديان لها ربّ يحميها ولا تحتاج إلى حمايتكم. إنّ محرّكات طائفيتكم هي تسييس الدين، أو تـدْيين السياسة، وهي مبطّنة بأفكار وممارسات تعِّج بالكراهية، مثل الانقسام والإقصاء، وتُفرز عُصارة نتِنة، وهي نشر التصدع والفتنة، والتي ستُهدِّد وتفتّت، وتمزّق وحدتنا وتهدد وجودنا. إنّ هدف طروحاتكم وفكركم ومواقفكم تلويث وتشويه ومسخ الروح والعقل السليم. هل تظنّون أن عقولنا قد ترهلت ووهنت لزجّها في مهلكة دياجير التناحر والشّجار والاحتراب الطائفي، متوهّمين بأنّ ذلك سيخفي أطماعكم، وهي جرف المكاسب الشخصية، ولو بعد خراب بصرى. إنّ الأفكار التي تتجشّأونها والشعارات المهترئة التي تلوحون بها، ليست سوى أقنعة لانبطاحكم تحت أقدام المصلحة الذاتية، الطافحة بالأنانية. كفاكم المراوغة والتسترّ والتملُّق بأنّكم حُماة الطائفة والدين ومصلحة الحمولة والقبيلة. ألا تدركون أنّ أقنعتكم قد سقطت بفعل التغيّرات الإيجابية والبناءة الحاصلة في مجتمعنا؟ وتذكّروا أنّ أنانيتكم وضيق أُفقكم لن يوفّرا لكم الفرصة لتزييف الوعي والتاريخ، والقيم الإنسانية السامية، وأنّ البقاء والنجاح والنصر، فقط، لكل من يساهم فكرًا وعملاً وقولاً في تعزيز وتمتين أواصر ووشائج وحدتنا، لأنّ فيها قوّتنا، سعادتنا، تطورنا ورقيّنا. كما أنّها أنجع علاج وقائي لدرء أحابيل ومؤامرات المتربصين بِنَا والساعين بكل ثمن لتخليد سيطرتهم علينا. وأخيرًا أذكّركم بمقولة "تنبهوا واستفيقوا أيّها العرب!". لأنّ فيها التحفيّز والدعم والقوة الدافعة لبزوغ فجر جديد، متألّق بالإبداع والإنجازات، ليتسنى لنا أن نصبح منارة وقدوة للعالم.
#الياس_خليل_نصرالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التعريف بمصطلح زندقة
-
صوت الفقراء والمعذّبين في الارض - أبو ذَر الغفاري!
-
ابن طفيل، رسالة العقل والمعرفة العلمية!
-
الدين والحداثة وبناء المجتمع الإنساني، في فكر سلامة موسى!
-
قراءة في الفكر المُنفتِح على الآخَر، عند المفكّر المتصوّف،
-
جدلية العنف والغيبيات ان انتشار التخلف والتنافس الامبريالي ي
...
-
ظاهرة زواج الاقارب، جذورها وعوامل تقلصها
-
خطبة قس بن ساعدة الايادي
-
جذور الفردانية في الولايات المتحدة ودورها في تحديد سياستها ا
...
-
الدين والحداثة وبناء المجتمع الإنساني في فكر سلامة موسى!
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|