أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عدنان إبراهيم - من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله |‏ 9















المزيد.....


من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله |‏ 9


عدنان إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 6819 - 2021 / 2 / 20 - 09:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أصول الوصول

ثالثا: التأدب للوارد
قف عند الوارد فيما غاب عنك، وتأدب للوارد في الشهادة، والوارد: ما ورد عن الله ‏تعالى ورسوله وأئمة الهدى.‏

الوقوف عند الوارد فيما غاب عنك
الغيب غيبان: غيب محجوب بالحظوظ والأهواء، وغيب رفع عن الإدراك بالعقول والأبصار، ‏عظمة وعلواً وقدراً. ‏
ومن الغيب المحجوب بالحظ والهوى (القدَر) – بفتح الدال – الذي هو سر من أسرار القدرة، ‏ومن أيام الله تعالى وآياته الجلية في مكوناته، ومنه الحقائق التى وعد بها المؤمنين والتى توعد بها ‏الكافرين.‏
أما الغيب الذي رفع عظمة ومجداً "فالقدْر" بسكون الدال.‏
لأن القدَر – بفتح الدال – غيب، ولكنه يُشهَد لمن جعل الله له نوراً. كما أن القدرة تُشهد ‏بمراتبها، فقد تشهد بالآيات في الكائنات، وقد تشهد بالأنوار في التجليات، وقد تشهد في ‏مقامات القرب. قال تعالى: (فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾--------)‏
وقد أشهد الله تعالى الأرواح جماله العلى بدءاً، ثم حجبهم عنه عظمة وعلوا وقدرا، لا ‏جفاءً وصدا. (1) فكان شهودهم إياه في مقام التجريد، داعيا إلى احتراق قلوبهم شوقا إلى الحميد ‏المجيد، وكان احتجابهم لطَوْله وعظمته ورفعته، موجبا لتحققهم بجمال العبيد، ليرفعهم إليه قدرا ‏فحجبهم عنه لعلوه، وفصلهم عنه ليرفعهم بحبه لهم وحبهم له، بما جملهم به من الصفات المحبوبة ‏له سبحانه، فهم العبيد المحبوبون للعلى العظيم الحميد المجيد، يحبهم وينظر إليهم، فهم أقرب إليه ‏منهم إلى أنفسهم، يحبونه سبحانه، ويشتاقون إليه، وهو معهم وعندهم حنانا وعطفا، وبعيد عنهم ‏عظمة وعلوا. ‏
هذه مراتب الغيب.. والقائم فيها محصن بالوارد لا يتعداه، لأن العلم بالله أحرق القلوب ‏بنار الخشية منه سبحانه.‏
قال سبحانه: ﴿--------أَومَن كَانَ مَيْتاً) بالتسليم للحق والخضوع لسلطان الشرع (فَأَحْيَيْنَاهُ) حياة ‏القبول (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا) وهو إلهام في مقام التمكين، وفقه في مقام التلوين وسماع بالتسليم من ‏المرشد أو العالم العامل (يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) محفوظا بعناية الله من الغفلة أو اليأس (كَمَن مَّثَلُهُ ‏فِي الظُّلُمَاتِ) جمع الظلمات لكثرة أنواعها من ظلمة الحس، وظلمة الجسم، وظلمة النفس ‏الأمارة بالسوء، وظلمة الحظ والهوى والشح وغيرها، التى اقتضتها الحقائق التى كُوِّنَ الإنسان ‏منها.‏
وقوله سبحانه وتعالى: (لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا) لأن الحقائق التى في الإنسان تستحق الدرك الأسفل ‏من النار بنفسها، إلا إذا سبقت الإنسان الحسنى من الله تعالى فإنه يهديه ويواليه ويخرجه من ‏الظلمات إلى النور.‏

الوارد من أهل الصفا
الوارد نوعان: وارد من الله سبحانه عليك، ووارد منك بعناية الله تعالى له سبحانه، وقد ‏بينت لك الوارد من الله تعالى.‏
والوارد من أهل الصفا هو الوارد الذي يشرح الله صدورهم للقيام به، من التقرب بالنوافل ‏والمسارعة إلى الفرائض والمندوبات، وأحب ما يقوم به أهل المقامات إلى الله تعالى عمل الفرائض ‏في أو قاتها.‏
والفرائض إما أعمال قلبية، كعقود التوحيد، ومراقبة الله تعالى في السر والعلن، وتصريف النوايا ‏والقصود، والإخلاص في العمل، والصدق في المعاملة، والخشوع والخوف والخشية والرهبة، ‏وحسن الظن بالله تعالى، وسوء الظن بالنفس، وأعمال الجسم كالصلاة والصيام والزكاة والحج، ‏والأخلاق الجميلة كالبر والصة، وحسن المعاشرة والمعاملة، والوفاء بالوعود.‏
وكل ما أو جبه الشرع الشريف أو اقتضاه الوقت أو الحال والشأن صار واجبا، ‏كمجاهدة الأعداء، ومجاهدة النفس، قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث القدسى: "من آذى لى وليا ‏آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدى بشىء أحب إلى من أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدى ‏يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ‏ولسانه الذي يتكلم به، ويده التى يبطش به.." إلى آخر الحديث.‏

رابعاً: الصحبة في الله
الصحبة لغة: الملازمة، فمن لازم شيئا فهو مصاحبه، والصحبة تتحقق ولو بالرؤية، أو ‏المجالسة بشروطها عند الأصوليين.‏
والصحبة عند الصوفية: هى طلب الرفيق المعين على الطريق، المؤنس في الغربة المعين في الكربة. ‏ومن لا صاحب له فهو تائه في أو دية الغواية، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنفرد شيطانا.‏

الصحبة بالأدب:‏
السالك يلتمس صاحبا له ليتأدب بآدابه، إنما دوام الصحبة بالأدب، قال رسول الله ‏‏صلى الله عليه وآله وسلم: " أدبنى ربى فأحسن تأديبى ".‏
الأدب عند الصوفية التشبه بالكمال الروحانى، بفادح مجاهدة النفس حتى تخرج النفس ‏من عوائدها الحيوانية، ورذائلها الإبليسية، فتكون أشبه بعالم الملكوت بعد تجردها.‏
ومعلوم أن السعادة في الدنيا والآخرة للإنسان متوقفه على الأدب الذي به يجمل حاله ‏وآماله مع الحق والخلق.‏
والأدب عند الناس هو تكلف النفس الأخذ بالمروءة فيما بينهم، ليكون ذو المروءة سيدا مطاعا ‏في قومه.‏
أما الأدب في الدين فهو كمال التمسك بالسنة تمسكا يجعل الإنسان يراعى أنفاسه.‏
والأدب عند أهل المحبة حضور القلب مع الحبوب، والمسارعة إلى مراد المحبوب.‏
وتلك المراتب متصلة ببعضها، فمن لا مروءة له لا يعمل بالسنة، ومن لم يحافظ على السنة لا ‏يتجمل بالمحبة فلا يراقبها.‏
والمتأدب عظم مقصده، ومقصد الرجال فضل الله ورضوانه الأكبر، وطالب رضوان الله الأكبر ‏يكاد قلبه يذوب إذا وقع في هفوة، لأنه مشاهد لمولاه جل جلاله، أو موقن أن الله يراه لأنه موقن أن الله ‏معه، ومن يرى الله معه كيف يخالف أمره ؟.‏

آداب الرجال
آداب الرجال في الخلوة والمجتمع، وفي الأكل والشرب والنوم، وفي الحل والسفر، ومع ‏الوالدين والأهل والوالد، وفي المعاملة جميعها، ورعاية أن الله مطلع على الإنسان، وحاضر معه ‏حيث كان، فيجتهد مريد الحق سبحانه أن يعمل مع كل إنسان ما يرضى به المطلع عليه الحاضر ‏معه، فيخاف الله في خلقه ولا يخاف الخلق في الله، وهو أكمل الأدب.‏

آداب الجلوس مع الإخوان
السالك في طريق آل العزائم، أحرص الناس على أنفاسه أن تنفق إلا في تحصيل الخير ‏لنفسه، مسارعا لنيل قصده، لا يلتفت إلى غيره في سلوكه وسيره.‏
فإذا جلس مع إخوانه جلس محصلاً لا موصلاً، ومكتسباً لا منفقاً، وطالباً لا مطلوباً، ‏ومجاهداً لأعدائه فيه لا مغروراً مخدوعاً، ومريضاً يستشفى لا طبيباً يعالج. (1)‏
فإذا صال عليه الحق بصولة البيان، وقهره الحال، وجب عليه أن يفقد وجوده بوجود ‏شهوده (2) حتى إذا ارتفعت صولة الحق، ورجع إلى الحق، حفظ مكانته، ولزم الأدب مع الله ‏بلزوم شريعته (3) ولاحظ حضرة الإطلاق، وخاف على نفسه خوفا ممزوجا بالرجاء.‏
فإذا شهد وجوده وظهرت له خصوصيته، وجب عليه أن يلزم الأعتاب، ويتجمل ‏بالآداب، فإن مراد السالك القبول، والغيبة عن الخلق بالحضور مع الله تعالى.‏
فمن غيَّبه علمه وحاله وبيانه عن الحضور مع الحق، فعاند أو جادل، أو اصطفى لنفسه إخوانا، ‏أو ظن أنه كمل فقام ليكمل غيره، خلع حلل السلوك، وحرم السير إلى ملك الملوك، وهذا هو ‏المرض الإبليسى.‏
ومن لم يتدارك نفسه في هذا التيه، بتعاطى الأدوية المرة من يد المرشد أو النصوح المخلص من ‏إخوانه، رد عن الجناب إلى الأعتاب، أو إلى رعى الدواب، نسأل الله السلامة.‏

أداب السالك مع نفسه
والسالك في طريق آل العزائم أشد الناس عناية بنفسه، وأسرعهم طلبا للشفاء، قال ‏‏صلى الله عليه وآله وسلم: "من تطبب فَقَتَلَ فهو ضامن" (4) ‏
وسالك ينسى خير نفسه ويصرف أنفاسه في مخاصمة أخيه، جُرِّدَ من معاليه، ورجع إلى الحظ ‏والهوى. فابدأ بنفسك أيها السالك وأدم رعايتها فإنها أعدى عدوك، قال الله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا ‏سَوَّاهَا *فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) أسأل الله ‏سبحانه أن يزكى نفوسنا.‏

دستور الأدب العام لآل العزائم
السالك في طريق آل العزائم، آخذ بالعزيمة ما استطاع، فإن الرخصة عند مقتضاها تكون ‏عزيمة (5) كالتيمم لصلاة، وقصر الصلاة للمسافر، وكعمل ما تبيحه الضرورات شرعا. ‏
والسالك في طريق آل العزائم يجب أن يخرج من عوائده ومألوفاته التى لا تدعو إليها ‏الضرورة الإنسانية: من الأعمال التى ينوى بها رفع قدره بين الناس، بنظره إليهم نظرا يحجبه عن ‏الحق، وبالتزين بالرياش والزخارف، والحرص على شهى الطعام والشراب إلا ما دعت إليه ‏الضرورة لحفظ الصحة أو إعادة العافية، وترك أهل الغفلة ممن شربوا خمرة الدنيا والحظ والهوى ‏فأسكرتهم، وبترك الجدل ومماراة الناس، وموالاة غير الأتقياء، ولكن يدارى الناس ما استطاع.‏
والسالك في طريق آل العزائم يجب أن يكون أحرص الناس على صحته الروحانية، ‏فيبخل بنفس واحد يصرفه في غفلة أو أمل الدنيا، أو حظ نفسانى، فيعمل في الدنيا لتكون ‏وسيلة للآخرة، ويجالس الناس لينتفع منهم، أو ينفعهم نفعا يدوم أثره يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا ‏من أتى الله بقلب سليم. ‏
والسالك في طريق آل العزائم أحرص الناس محافظة على القيام بما فرض الله تعالى، لأنه ‏يفوز في صلاته وصيامه وزكاته وحجة بأعظم قصوده، من مواجهة محبوبة سبحانه، والأنس على ‏بساط كرامته، لأن السالك في طريقنا إذا جمله الله تعالى بأعلى الأحوال وأسماها، وأطلق لسانه ‏بالحكمة وفصل الخطاب، ومنحه التصريف المطلق، لا يخرج عن أدب العبودية لأنه يعتقد أن ‏سجدة واحدة من صلاته يحضر فيها قلبه مع ربه قربا وشهودا خير من خير المقامات، فكيف ‏يرضى بحال يحجبه عن مقام يحبه الله تعالى ؟ خصوصا وأن تلك الأحوال إنما هى نتائج ‏الإخلاص في الأعمال. ‏
وعمل يخالف شريعة الله يسلب الاستقامة والتوفيق - أعاذنى الله وإخوانى – فكيف بمن ‏خالف أمر الله فيما فرضه ؟ والله إنما يعطى ما عنده لمن أطاعه سبحانه.‏
وحال تنتجه المعاصى استدراج للهلاك – حفظنا الله وإخواننا – قال تعالى: (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)‏
والسالك في طريق آل العزائم، يحصل العلوم النافعة للعمل بها، قال رسول الله صلى ‏الله عليه وآله وسلم: (فضل العلم أحب إلي من فضل العمل).‏

علامة العارفين من آل العزائم
‏1 – صغر نفسه في نظره وإن عظمها الله بين الخلق، لأنه بالمعرفة عرف نفسه بدءا ‏ونهاية، فلا يجهل أنه من طين أو ماء مهين، ولا يشك في أن مرجعه إلى الله تعالى، وأنه يجهل ما ‏شبق له في القدر، فهو يخاف من تقدير السوء أولاً، وخاتمة السوء آخرا، أعاذنى الله وإخوانى. ‏
‏2 – أن يستر شهود وجوده بوجود شهوده، والمشهود إما آيات الله أو نوره سبحانه في ‏السموات والأرض، أو جماله الجلى في نفسه، أو مكانه السالك التى بها هو عبد الله تعالى. ‏
‏3 – أن ينظر إلى الناس بعين الرحمة وإلى نفسه بعين الخشية، فيرى الناس جميعا خيرا منه ‏‏– وإن كانوا عصاة – لأنه لا يدرى بما يختم لهم. ‏
‏4 – احتقاره لأعماله – وإن عظمت – لأن مراد آل العزائم القبول لا الإقبال والقبول ‏مجهول، وكم من مقبل رد قبل الوصول، ومن مُجِدٍّ حُرِمَ القبول، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ‏والله ذو الفضل العظيم. ‏

أخلاق آل العزائم
السالك في طريق آل العزائم في جهاد أكبر مع حقائقه التى ركب منها، فيجاهد قواه ‏الجمادية ليكون نشيطا متحركا للخير، وقواه النباتية ليكون متألما من المعاصى، مفكرا فيما يحصل ‏به الخير الباقى، ومجاهدا لقواه الحيوانية ليكون آلفا مألوفا مسارعا إلى منفعة الغير ببذل ما لديه ‏للمستحقين، ومجاهدا قواه الإبليسية أكبر المجاهدة، حتى يتطهر من دنس الكبرياء، ونجاسات ‏العلوبالباطل، وقاذورات العناد، وأوساخ الجدل، وقبيح التفرقة، ورذائل الظهور، وخبائث الرياسة، ‏وظلمات الشكوك والريب، وضلالات عدواة الإخوان، والسعى في مضرتهم، قال رسول الله ‏‏صلى الله عليه وآله وسلم: ""ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقاً، الموطأون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، ألا أخبركم بأبغضكم إلي وأبعدكم مني مجالس يوم القيامة؟ الثرثارون المتفيهقون، ألا أخبركم بشر من ذلك ؟ من ضرب عبده ومنع رفده وأكل وحده" الحديث.‏
وقال: صلى الله عليه وآله وسلم: (المرء مع من أحب) ودلائل الحب الأخلاق، فمن أحب الله تخلق ‏بأخلاقه، ومن أحب حقيقة من الحقائق تخلق بأخلاقها.‏
‏ وشر الأخلاق الأخلاق الإبليسية من الكبر، وحب الرياسة، والحسد، وإيثار النفس على الغير، ‏والاستئثار بالنافع لضرر الخلق، ومن تخلق بخلق من الأخلاق الإبليسية وأُمِرَ بمجاهدة نفسه ‏فغضب، فليس من فقراء آل العزائم وإن مُنِحَ أعلى الأحوال، فإنه لا يلبث إلا ويرتد على الحق، ‏أعاذنى الله وإخوانى من التشبه بإبليس.‏

‏ فقراء آل العزائم:‏
هم أشبه الناس بالسلف الصالح، وأساس أخلاقهم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (المسلمون متكافئون ‏يسعى بذمتهم أدناهم على أعلاهم، وهم يد على من سواهم). فمن رأى نفسه أولى من أخيه ‏بفضيلة أو بمنحة أو بخصوصية وجب عليه التوبة، وسد منفذ الغرور، والاعتذار لإخوانه قولا ‏وعملا، بأن يرى نفسه أنه ليس أهلا لمكانته، فينزل إلى خدمة الزاوية، أو يترك التكلم عليهم ‏والتقدم والقيام بما خصص له من افتتاح الذكر أو المذاكرة أو المبايعة، حتى يقيمه إخوانه برضاء ‏منهم وصفاء.‏
والسالك في دعوة آل العزائم، إذا بلغه شر عن أخيه زجر المبلغ، وبين له أن هذا من ‏عمل الشيطان المفرق، لأن أخى ليس معصوما، ولم أصحبه على أنه ملك أو نبى وإنى أعتقد أنه ‏خير منى. قال. صلى الله عليه وآله وسلم: "دعونى أخرج لأصحابى سليم الصدر" ومعنى ذلك: لا تيلغونى عن ‏أصحابى شرا، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "المجالس بالأمانات" والسالك إذا سمع شرا في الغائب اجتهد في ‏محو الجفا وتجديد الصفا بين الأخوان، وفي الحكمة: (من نقل لك نقل عنك، وما أوقع في ‏المكروه إلا من نقل).‏
والسالكون في طريق آل العزائم كلهم أطباء رحماء، يعالجون الأمراض الأخلاقية بالحكمة ‏والموعظة الحسنة، فمن نفر أخا من أخ فليس من طريقنا، والأخ النافر من أخيه مريض، لأن ‏السكر في فم المريض مر، والمر حلو، فكذلك الأخ النافر يكون خير الأخوان أمامه شرهم، ‏وشرهم ممن ينقلون له خيرهم.‏
والسالك مفارق للفطر المهملة، والعوائد المهلكة، والأخلاق القاطعة. ‏
والسالك في طريق آل العزائم، بين حضور مع الله بالمراقبة، أو تحصيل علم ممن هو أعلم ‏منه، أو عمل صالح يتقرب به إلى الله تعالى، أو عمل لتحصيل قوته الضرورى وقوت من أوجب ‏الله عليه نفقتهم، أو راحة لنفسه من أكل أو شرب أو نوم، وكل عمل غير هذه الأعمال فهو ‏وبال على السالك.‏
السالك في طريق آل العزائم، يحب الله ورسوله، ويحب من أحبهم الله، ومن أحبوا الله ‏ورسوله، ويكره أعداء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ومن والاهم وسارع فيهم، ويمقت أهل المعاصى، ‏ويجتهد في رجوعهم إلى الحق بالتى هى أحسن، قال رسول الله ﴿--------صلى الله عليه وآله وسلم﴾--------: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن لا يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار".‏
والسالكون في طريق آل العزائم تحابوا في الله، وتزارورا في الله، وتجالسوا في الله، وتباذلوا في ‏الله، وهم المبشرون بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "المتحابون في الله" إلى أن قال: عَعلى منابر من نور قدام عرش الرحمن يغبطهم الملائكة والأنبياء لقربهم من الله تعالى".‏
والسالكون في طريق آل العزائم هم المعنيون بقوله صلى الله عليه وآله وسلم مخبرا عن الأمة بقوله: "أو لها ‏خير وآخرها خير وبينهما كدر" وهم الذين اشتاق إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الموطأ في ‏قوله: "واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد". وهذه المقامات العلية يجب أن تعطى لمن أحيا ‏الله بهم مناهج السلف الصالح، من التابعين، وجدد بهم أخلاق الصديقين، وأقام بهم حجج الله، ‏وبين بهم ما اختلف فيه الناس من الحق. (6)‏
‏ ‏ والسالكون في طريق آل العزائم هم أنجم الهدى المحافظون على سنة رسول الله، الممنوحون ‏محبة الله، المجملون بأحوال الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهم أولياء الله الذين تولاهم الله ‏في هذا الزمان، فألهمهم الحكمة وفصل الخطاب، وأقامهم أبدالا للصديقين من أحبابه.‏

آل العزائم وما أدرك ما آل العزائم ؟:‏
أضرب لك مثلا لهم، قيل: إنه كان حكيم في الزمان الماضى، أطلعه الله على خواص ‏الأشياء جميعها، فركب دواء من عقاقير كثيرة يشفى به كل الأمراض، وجعل له الحكيم مقداراً ‏محصوصاً، وزماناً منصوصاً، ونشره بين الناس رحمة بهم ورأفة عليهم لأن الحكيم رءوف رحيم، ‏وحافظ أصحابه على وصاياه فانتفع العالم أجمع بهذا الدواء، وشفاهم الله تعالى من كل الأمراض، ‏وحافظ أصحاب أصحابه على وصايا الحكيم وتقديره.‏
ثم خلف من بعدهم خلف، فتحت عليهم أبواب الدنيا فتنافسوها كما تنافساها من قبلهم، ‏فأطاعوا الشح واتبعوا الهوى، وأعجب كل واحد منهم برأيه، فزادوا على تركيب الحكيم الأول ‏أجزاء أخرى بتأويلهم، فجددت الأمراض حتى تناسوا الدواء الذي ركبه الحكيم الأول، فتفرقوا ‏واشتغل كل فريق بالآخر، فمكنوا أعداء الحكيم وخصماء دوائه منهم بسوء عملهم، حتى ظن ‏أهل الجهالة بالدواء سوءا.‏
ولكن الله سبحانه الذي علم الحكيم الأول صنع الدواء، ألهم عبدا من عبيده المخلصين ‏له أسرار هذا الدواء، ومقاديره التى تستعمل، فقام فأعاده إلى أصله وجرده مما زاده عليه ‏الجاهلون، فظهر نوره وعم الآفاق، وعاد كما بدأه الحكيم الأول. ‏
والحكيم الأول: هو رسول الله وورثته من بعده صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، كما قال ‏عليه الصلاة والسلام: "خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم" الحديث. وقد قدر الله تعالى أن يحفظ ‏دينه، ويقيم في كل قرن من يجدد للمسلمين أمر دينهم، ونحن الآن في أشد الحاجة إلى أن يمنح ‏الله المسلمين من يجدد لهم أمر دينهم ويعيد لهم صحتهم الروحانية.


"دستور آداب السلوك إلى ملك الملوك"
الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم

‏____________‏__________________________
‏(1) يحدث هذا عند تجسد الروح في الجسد، فتنشغل بمتطلباته وتنسى أصلها السماوي وجوهرها العلوي السامي، فلا تشهد الله فيها ولا تراه بأسمائه وصفاته إلا حينما تتخلص من قيود الحس وكثافة الجسد والإنشغال بالمادة والشهوات من مال وطعام وجنس وسلطة وامتلاك الخ.
(1)‏ محصلاً لا موصلاً ومكتسباً لا منفقاً: محصلاً مكتسباً للمعلومات ولو كان على علم بها، لا يظهر بمظهر المنفق الموصل الأعلم ‏من غيره. وطالباً لا مطلوباً: راغب في إخوانه آنس بهم، لا متعزز عليهم، ومجاهداً لأعدائه فيه: لأن أمراض ابليس والنفس تظهر ‏بالإختلاط بالناس، من الكبر والحقد والحسد والغضب والغيرة الخ، فيجاهد نفسه ويعمل ويتكلم بما هو ضد تلك الأمراض حتى ‏تختفي ولا تعود إليه مرة أخرى. والمعنى المراد هو التواضع والرفق وخفض الجناح ولين الجانب.‏
‏(2)‏ بمعنى أن يرى مشهد التوحيد وأن الله هو الظاهر وهو العليم المتكلم، وأن العبد مجرد واسطة لظهور الصفات.‏
‏(3)‏ لأن مشهد التوحيد لا يلغي مرتبة العبدية، ولا يسقط التكليف عن العبد، فالحقيقة لا تلغي الشريعة.‏
‏(4)‏ المراد من ظن أنه كمل فقام ليكمل غيره، كما يفعل بعض مدعي التصوف. والتربية في طريق التصوف لا تكون اعتباطاً ولكن ‏لابد من إذن شيخ مأذون بدوره من شيخ آخر مأذون وهكذا في إسناد متسلسل إلى رسول الله ص.‏
‏(5)‏ شرح الإمام هذه النقطة في موضع آخر فقال أن الأخذ بالرخصة هو السنة، لأن النفس تحب أن تظهر بالكبر وعدم قبول ‏الرخص، وفي الأخذ بالرخصة مخالفة للنفس ورعوناتها.‏
‏(6)‏ والمراد بهم الأئمة الورثة المجددون.‏



#عدنان_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله |‏ 8
- من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله |‏ 7
- من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله |‏ 6
- من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله تعالى | الجزء‏ ...
- من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله تعالى | الجزء‏ ...
- من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله تعالى | الجزء‏ ...
- من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله تعالى | الجزء ا ...
- من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله تعالى | الجزء ا ...
- دين الإنسان ودين السلطان


المزيد.....




- بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة وحشية
- رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا يعلق على فتوى تعدد الزوجات ...
- مـامـا جابت بيبي.. حـدث تردد قناة طيور الجنة 2025 نايل وعرب ...
- بابا الفاتيكان يصر على إدانة الهجوم الاسرائيلي الوحشي على غز ...
- وفد -إسرائيلي- يصل القاهرة تزامناً مع وجود قادة حماس والجها ...
- وزيرة داخلية ألمانيا: منفذ هجوم ماغديبورغ له مواقف معادية لل ...
- استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان ...
- حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان ...
- المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
- حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عدنان إبراهيم - من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله |‏ 9