بنى الزعيم الأمين عبد الكريم قاسم العراق بوقت قياسي، وحقق للشعب العراقي مكاسب لا تحصى، ومن جملة إنجازاته الخالدة مدينة الثورة، بنى ذلك بإخلاصه، بزهده، بسمو أخلاقه، ودفع حياته، ودمه ثمناً لإخلاصه للشعب، لوطنيته، وبعد استشهاده الرفيع، سرق المجرمون كل مكتسباته التي حققها للفقراء، وألحقوها بشخصياتهم المهزوزة التافهة، فأصبح الميناء العميق، ميناء البكر، وأصبحت مدينة الثورة مدينة صدام، وأصبح حي السكر في الموصل، حي القائد، و، و، و، لم يجيدوا شيئاً غير السرقة، لكن البسطاء، الطيبين من أبناء الشعب ظلوا يسمون المنجزات بأسمائها، لم تستطع معداتهم هضم الاسم، المسروق، الحرام، كنت أسمعهم يقولون مدينة الثورة، متجاهلين ترداد الاسم المسروق، مدينة صدام.
ثم جاءت قوات التحالف، فكنست صدام ونظامه إلى مزبلة التاريخ، وبالرغم من كل المآسي فرحت، وظننت أن الأحداث الجديدة ستعيد الحق لصاحب الحق، ستعيد المال الحرام لصاحبه، لكني فوجئت بأننا نحن لا قوات الغزو، نرتكب نفس خطأ البعث السابق، ورئيسه اللعين، فوجئت بأننا نسير في نفس الطريق الأعوج، نركز نفس الظلم، نستبدل ظلماً بظلم، فوجئت ببعضنا يسمي مدينة الثورة بمدينة الصدر.
لم يبنِ الصدر مدينة الفقراء تلك، ولم يولد فيها، ولم يمت فيها، ولا أعتقد أنه كان سيقبل لو أخذ رأيه! فمن يثور ضد الظلم لا يظلم أعزّ شهيد، وأعظم عراقي مشى على سطح الأرض، وأخلص رجل لشعب العراق منذ بدء الخليقة وإلى حد الآن، فلماذا سميت مدينة الثورة بمدينة الصدر؟ لماذا لم يترك الاسم الذي سماها به الشهيد عبد الكريم قاسم؟ أو لماذا لم تسمَّ باسمه؟ وما علاقة الصدر بها؟
لقد آن لنا أن ترجع الحقوق لأصحابها، لا لأشخاص لا علاقة لهم بها، فإن فعلنا ذلك فذلك ظلم آخر، سرقة أخرى، يعني أننا نبشر لعهد آخر سيذهب إلى مزبلة التاريخ، فمتى يثوب المتعصبون الجهلة إلى صوابهم؟