المهدي بوتمزين
كاتب مغربي
(Elmahdi Boutoumzine)
الحوار المتمدن-العدد: 6815 - 2021 / 2 / 15 - 01:38
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
إن معيرة المقاربات الإصلاحية يخضع لمحددات و فرادات محلية تتباين تبعا للأنظمة الإقتصادية و السياسية , حيث من غير المنطقي تنزيل استراتجية تنموية فرنسية و إسقاطها على صعيد عربي شمال إفريقي ؛ مازال يشتغل باَليات و ميكانيزمات قرأوسطية . إن الأوضاع الإرتكاسية و الرجعية في العالم العربي, مردها إلى غياب الإستقلالية و الذاتية في صياغة الرؤى و اختيار المضامين التي تتماشى و الواقع الحاضر و تساير معدل التنمية في المستقبل؛ عطفا على قابلية الفرد للتكيف الإيجابي مع العولمة الإقتصادية و الثقافية و الإجتماعية المعرفية العابرة للقارات. الإشكال الثاني هو اجتماعي صرف , يتجلى في تدني أو غياب مستوى وعي على المستويين العمودي و الأفقي لدى مواطني المجتمعات العربية , التي تظل تركن و تستند إلى مرجعيات ماضوية و تبني قراراتها المصيرية استنادا إلى الكتب الصفراء و اَثار المحدثين و المتكلمين الذين عاشوا في سياقات اجتماعية و زمانية تختلف عن حاضرنا اَنيا , إنها أزمة وعي حادة وجب إعادة تأهيلها و إصلاحها لبناء مجتمعات قادرة على المضاربة في حسابات المستقبل .
يمتلك المغرب العربي موارد اقتصادية هائلة من النفط و الغاز الطبيعي و الفوسفاط و الحديد , و هي مقدرات كبيرة قياسا على المستوى العالمي , إلا أن الأوضاع الإقتصادية داخل هده البلدان تتهاوى بشكل ملحوظ , لتجتر معها ملف حقوق الإنسان الذي يضرب عرض الحائط بسبب الإعتقال التعسفي و المحاكمات الصورية التي تطال كل من طالب بحق مالي أو قانوني تضمنه نواميس الكون و دساتيره ؛ و كل هذه المخططات الإستعجالية تصطدم بنظام مكتبي و بيروقراطي و نظام جزائي فاسد , يحول دون تنزيل حقيقي لجوهر الرؤية ما يدل على أن المؤسسات الوطنية لا تفتقر إلى الكوادر و الرأسمال اللامادي و إنما تعوزها الإرادة الوطنية و الضمير الحي اللذان يكبحان جماح المرء في الإلتفاف على المخصصات و الأرصدة المالية التي هي ملك للدولة أي لخزينة الشعب .
إن من أهم ركائز الديمقراطية فصل السلط التقليدية عن بعضها ضمانا لقطع السبيل أمام استغلال النفوذ, لكن المسار التاريخي المبني على التجربة و العقل , يظهر أن الدول العربية تشهد فراغا مؤسساتيا كبيرا , نظرا لحجم الثغرات القانونية التي تقف سلبيا أمام متابعة المتهمين بإختلاس الأموال و استغلال النفوذ , ما يعني ضرورة إيجاد هيكلة جديدة لشبكة إدارات الدولة تهدف في مجموعها إلى تلافي قوة التحافات و الكيانات و الكمبرادورية الداخلية و المدعومة أجنبيا . مفاد القول أن الديمقراطية بشكلانيتها و بنيتها و فلسفتها الحالية , نجحت في دول أوروبية , لكن فشل إفراغ محتواها في عالمنا العربي؛ يعزى بالأساس إلى أن الديمقراطية لا يمكن استيرادها كما نفعل مع الوجبات السريعة . إن الديمقراطية تتطلب في باكورة الأمر وجود نظام شرعي و يتمتع بمشروعية في نفس الاَن , و شعبا مدركا للفكر السياسي ولو على مستوى أقل , لأن الأفراد الذين يجهلون ألفياء السياسة سيكونون مجرد موضوعات مستغلة و فاقدة لوعيها و ذاتها , ستفقد معها الديمقراطية ماهيتها و غايتها الأولى .
إننا بحاجة إلى تقوية دور السلطة القضائية و ضمان استقلاليتها , وهذا رهان صعب المنال في العالم العربي مادامت الأنظمة سلطوية و توليتارية تفتقد للشرعية القانونية . و هذه الأنظمة لا تنحصر في رئيس البلد كما كان الشأن مع الرئيس المصري حسني مبارك أو نظيره التونسي زين العابدين بن علي , فهذا ضرب من الإختزال , إن النظام ضارب في العمق من هذا المستوى بكثير , فهو يشمل كل شخص ذاتي أو معنوي كان مستفيدا في ظل النظام الديكتاتوري , و يظل مجهولا بعد سقوط النظام لأن عمله يشبه الخلايا النائمة و جماعات العمالة السرية التي تحقق خسارات مهولة في الطرف النقيض المستهدف دون أن تظهر على الواجهة و دون أن تُعرف . و تظل الكيانات الإقتصادية العارض و العنصر الأخطر في هذا السياق , و التي يمكنها تأليب الجماهير الشعبية في أية لحظة من خلال تهديد الإقتصاد الوطني و رفع العجز التجاري و تراجع مخزون العملة الصعبة و رفع الدين الخارجي و زيادة التضخم و تقليص فرص الإستثمار لاسيما في المجلات المهمة كالطاقة و الفلاحة .
و تقعيدا عليه تكون الدول العربية بحاجة في المقام الأول إلى تعزيز المؤسسات بأفراد مأمونين و صادقين و وطنيين , ثم بلورة إصلاحات سياسية متعددة الأوجه , من خلال تقوية دور البرلمان في التعبير عن إرادة الفئات الشعبية , و هذا لا يتأتى إلا في ظل ترسيخ ثقافة الإنتخابات و فعل التصويت لدى كل مواطن بلغ سن الترشح و التصويت, مع تمتعه بالشروط المنصوص عليها قانونا , و يبقى المطلب الملح في هذا الصدد , ضرورة اشتراط مستوى معرفي و دراسي محدد على كل شخص له نية الترشح للبرلمان و لقد كان هذا مطلب الجزائري رشيد نكاز أيضا , لأن فعل التشريع و صياغة موقف من السياسات العمومية يحتاج لرصيد ثقافي و معرفي كبير , كما أن المواطن الذي سيدلي بصوته وجب أن يكون ملما بالجوانب المحيطة بالعملية حتى نتفادى استغلاله من قبل الأحزاب السياسية التي تبحث عن ناخبين مقابل بعض القطع النقدية , و هذا مركز الإصلاح السياسي في تقديري الاَني . كما سبق أن نبهت إلى لزوم تخصيص مجلس برلماني جديد يخصص حصرا للنقابات العمالية , و إذا لم يتم إحداثه على المستوى المركزي فيمكن تأسيس لبِنات برلمانات جهوية أو إقليمية للتعبير عن حاجات المواطنين دون بيروقراطية أو تسويف أو إهمال , و هذه هي الصياغة الحقيقية و الواقعية لورش الجهوية و اللامركزية .
أما على المستوى المالي و الإقتصادي فهما لا ينفكان عن مطلب إصلاح المؤسسة القضائية , لأن البلاء العظيم الذي بليت به الأوطان العربية, هو حجم الفساد المالي الذي أصاب كل المؤسسات دون استثناء , ولعل الإستثناء تأكيد للقاعدة . في هذا السياق الإصلاحي حاول المغرب خلق مؤسسات تضطلع بمهام التتبع و المحاسبة , فأوجد المجلس الأعلى للحسابات , لكن هذا الأخير أضحى بدوره موضوعا للفساد و المحاباة , و بدل أن يكون اَلية لتوطيد القاعدة الدستورية ربط المسؤولية بالمحاسبة , أصبح بدوره متهما بالتورط في عمليات تبذير المال العام و غض الطرف عن المتورطين مقابل أرباح مادية أو غيرها .
صحة الأمر الواقع أن الأنظمة العربية قد لا تستطيع قطع أذرع أخطبوط المال و الكيانات العميقة داخل الدولة, و التي تخدم و ترعى مصالح الدول الخارجية خاصة التي كانت مُستعمِر فيما سبق و مازلت , لذلك لا مناص من توفير تعليم و تلقين جيد للمواطن و تمكينه من الإستفادة من بنية فكرية و معرفية موضوعية قادرة على جعله مواطنا فاعلا داخل المجتمع مدركا لحقوقه و واجباته . ما أقصده هنا هو ضرورة تأهيل الرأسمال البشري ليكون رافعة مهمة لنقل البلد من يد شبكات العمالة إلى يد المواطنين و الشعوب , دون الإقدام على أية أعمال دموية و تدميرية, لأن هذه الكيانات العميقة تمتلك نفوذا داخل مؤسسة الجيش و البوليس و لها من المرتزقة العدد الكبير . إننا بحاجة إلى التشبث بالنموذج التونسي الذي كان شرارة الربيع العربي, لكن دون خسائر كبيرة في الأرواح و الاموال , حيث أخطر الجيش الرئيس السابق بن علي أنه لا يستطيع حمايته, و عليه مغادرة البلد حالا , و قام الشعب بانتخاب رئيس ديمقراطي شعبي له من الإيجابيات الشيئ الكثير , فقط يجب على الشعب التونسي أن يحافظ على هذه المكتسبات و يزيد ثقته في مؤسساته و يمنع الطريق عن عملاء الدول الخارجية التي دمرت اليمن و سوريا , وهذا ما يفرض إعلاما وطنيا نزيها و تعلميا نظاميا جيدا لأبناء الشعب .
المطلب الإصلاحي المستعجل الاَخر هو اجتماعي , حيث ترتفع نسبة الطلاق و العزوبية – و لا أقول العنوسة - و هذه مؤشرات خطيرة لها مضاعفات عكسية على النسيج المجتمعي . حيث تنتشر في ظله ثقافة الإنحلال الأخلاقي و جرائم الإجهاض, و ترتفع نسبة الحنق لدى الفئات المعنية في ظل غياب استقرار أسري ثان – البيت الزوجي – ما ينتج اَثار وخيمة على مستوى الفرد و الجماعة و المجتمع . و الملاحظ أن عددا من الأزواج و رغم الضعف المادي يغامرون – بالأحرى يقامرون – في الزواج دون رؤية استراتجية متوسطة أو بعيدة الأفق , ما يجعلهم يصطدمون بواقع اقتصادي و معيشي أقل ما يقال عنه أنه كارثي .
قد يكون للحنابلة في هذا المقام , أقصد كل فرد أو جماعة دينية ذات مرجعية نقلية تعتمد الترجمة الحرفية للنصوص الشرعية , التي تستدل باَيات قراَنية و أحاديث نبوية تدعو للزواج تحت وكالة الله تعالى و سنده , و هذا سياق كلامي و سجال ديني له محدداته التي يطول الحديث عنها و سأحاول تجازوها حاليا .
إن الذي نلاحظه و نرصده أن عددا من الأزواج المغاربة لا يفهمون جوهر مؤسسة الزواج التي نصت عليها مدونة الأسرة المغربية لسنة 2004 م , حيث نصت في مادتها الرابعة , على ان الزواج هو ميثاق تراض و ترابط شرعي بين رجل و امرأة على وجه الدوام , غايته الإحصان و العفاف و إنشاء أسرة مستقرة , برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة .
و أمام حجم المشاكل الزوجية و التي تنتهي في الغالب بالطلاق و تضييع حق الأطفال في رعايتهم من طرف الأبوين, نكون بحاجة إلى فرض تكوين معرفي على كل شخصين – ذكر و أنثى – مقبلين على الزواج , يمَكنهم من التعرف على أسس بناء الأسرة المستقرة و السعيدة ماديا و روحيا .
المسألة الأخيرة في هذا الصدد , أستغرب حقيقة من التصور الذي يملكه عدد من الأزواج المغاربة الذين يباشرون الإنجاب منذ الوهلة الأولى , لتكون الحصيلة مهولة , خصوصا في ظل الفقر المدقع و ارتفاع مقابل التمدرس و الحاجات اليومية الأساسية من الملبس و المأكل و السكن . إنها دعوة صريحة للحكومات الوطنية لتقنين و تحديد النسل , لأن الإقتصاد المحلي لا يتحمل ارتفاع نسبة السكان الذي لا يوازيه ارتفاع اقتصادي .
هذه بعض النقاط التي أرى ضرورة للتطرق إليها , أملا في تحسين المستوى السياسي و الحياتي داخل الدول العربية , و إن كنت حقيقة لا أملك أية ثقة في الأنظمة و لا الشعوب العربية لاسيما في النزعة الإنسانية لديها , فإني ما زلت أرجح مصلحة الفرد – المواطن – على مصلحة الجماعة و الدولة . فالمواطن المتشرد الكث الشعر الرث الأسمال , أهم عندي ألف مرة من أي برلماني أو مسؤول حكومي أو رئيس بلد .
#المهدي_بوتمزين (هاشتاغ)
Elmahdi_Boutoumzine#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟