أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاهر أحمد نصر - هل هناك من هو أقوى من حكام الولايات المتحدة الأمريكية الحاليين ؟!















المزيد.....



هل هناك من هو أقوى من حكام الولايات المتحدة الأمريكية الحاليين ؟!


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 476 - 2003 / 5 / 3 - 06:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


 

 شاهر أحمد نصر
 

وداعاً زمن الصمت !
من ثنايا جدار الصمت يتغلغل الغريب ، والمحتل !

الصمت والموات صنوان . الصمت لن يقود إلى الخلاص .

البوح أحد سبل البحث عن الحقيقة ، وسبيل الخلاص .

الصمت قد يدعي الصفاء والنقاء ، إنما كثيراً ما يخدم النفاق ..

البوح يقارب الصدق ، يصفي الفكر ، ويفيض بالعبر .

لقد حل زمنٌ الصمتُ فيه خيانة !

من صمت كثيراً  وأراد البوح فجأة ، يتلعثم بكثرة الأفكار المخزونة ، والتي يريد البوح بها دفعة واحدة ..

 

هناك واقع يراد فرضه من قبل البعض وخاصة القوى المعادية خارج الوطن ، ألا وهو إلغاء روابط الأخوة بين الشعوب والبلدان العربية ، واعتبار حالة كل دولة في معزل عن الأخرى ، وهذا ما يتناقض مع الحقيقة ، ومع وجدان كل عربي حر صادق .. لأن أهم القضايا المغموسة مع خبزنا اليومي قضية حرية بلداننا واستقلالها ، قضية تحرير أراضينا العربية المحتلة ، قضية تحقيق حقوق الشعب العربي الفلسطيني الشقيق المضطهد والمنكوب الذي احتلت أراضيه وهجر شعبه .. في تحرير أراضيه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس ومعالجة مأساة لاجئيه .. 

أجل إنّ أكثر العبارات إلحاحاً في ذاكرة الإنسان العربي في القرن العشرين هي تحرير الأراضي العربية المحتلة ، ومع مرور الزمن تزداد مساحة رقعة الأراضي العربية المحتلة ، لتشمل دولاً تبدو مستقلة شكلياً ، وفي الواقع هي محتلة إما من قبل حكام غريبين عن شعوبهم، أو بواسطة قواعد أجنبية .. وها نحن نجد أنفسنا أمام واقع جديد لا يمكن وصفه إلاّ بالمأساوي في العراق الشقيق .

 

وداعاً للأنظمة الشمولية !
من خلال متابعة النقاشات الدائرة حول الوضع العربي على المستويين الشعبي والرسمي بعد سقوط بغداد في يد الجيش الأمريكي في 9 – 4 – 2003  ، نستطيع أن نجد خطاً عاماً يوحد الباحثين ، يكمن فحواه في أن ما وصل إليه العرب ، في آخر محطات هزائمنا في العراق ، هو نتاج لتناقضات شاملة دولية ومحلية ، وتتويج لأزمة شاملة يعيشها العرب شعوباً وأنظمة ..

والمنطلق السليم والصحيح لمعالجة أية قضية هو البحث في عناصرها الذاتية والموضوعية ..

في البحث عن الأسباب التي قادت إلى قضيتنا الراهنة ـ مأساة العراق ـ تتداخل عناصر وأسباب كثيرة ، تبدأ من أزمة النظام القمعي الشمولي البائد في العراق ، والنظام العربي الرسمي ، والتنظيمات المنضوية تحت لوائه ، إلى مأزق الحكومة الصهيونية العنصرية الفاشية في إسرائيل المفضوحة أمام صمود الشعب العربي الفلسطيني ، وصولاً إلى الحكام في الولايات المتحدة الأمريكية المتحالفين مع الصهيونية ، والمبهورين من الانتصارات السريعة التي حققتها ترسانتهم العسكرية في أوروبا الشرقية ويوغسلافيا ، مروراً بالعالم العربي المفكك والمتوجس ، إلى أوروبا وروسيا والصين المترقبة ..

 

* ـ من الدروس الهامة التي قدمتها مأساة العراق ، وسرعة سقوطه ؛ حقيقة وجود أسباب جوهرية داخلية لهذا السقوط والهزيمة ، تتعلق بطبعة الأنظمة الشمولية القمعية والدموية ، التي كان النظام العراقي مثالاً صارخاً لها . هذه الأنظمة التي تستولي على البلاد وتستغل مختلف مواردها لمصلحة طغمة تستولي على الحكم بطرق غير شرعية تحت شعارات ثورجية وقومجية أو دينجية ، وتقيم حكماً شبيهاً بالنظم الثيوقراطية ، على رأسه الفاسد الأول "الملهم ،المقدس" ، وفي مفاصله قواد مخلصون يتربعون على رؤوس أدوات وأجهزة قمعية منتقاة من أسافل السافلين ، يملكون كل وسائل القمع والتنكيل ، يزرعون الرعب في قلوب العباد ، ويلغون أية فسحة لمجرد التفكير الحر ، بحجة حماية النظام والبلاد ، ويسومون الشعب مختلف صنوف العذاب التي يعجز أكثر المبدعين خيالاً عن تصور بعض فنونها .. مع إشادة النصب في كل ساحة وزاوية ، تذكر العباد باليد الحديدية المرفوعة في وجوههم صباحاً، وعشيا ..

وتلغى في هذه الأنظمة كافة البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية والتربوية الفاعلة ، ويستعاض عنها بهياكل تنظيمية ترتبط نواتها بالأدوات القمعية للنظام ، وتعطى لتلك البنى أفضل الأسماء الحزبية والجماهيرية والإبداعية .. كما يتم سحق تفتح أي إبداع شعبي من خلال محاصرة وكبت مختلف أشكال منابر التعبير الأهلي والمدني .. ويتم التدخل في أخص خصوصيات الناس بما فيها صلاتهم أمام ربهم سواء في منازلهم أم في دور العبادة ..

تسن الأحكام العرفية والقوانين الطارئة بحجة حماية البلاد من خطر العدو الخارجي ، ويصبح كل شيء مراقباً ، تحظر الصحافة الحرة ، والطباعة والنشر ، وتأسيس الأحزاب والجمعيات والنوادي ، حتى النوادي واللقاءات الشخصية في منازل الأدباء والمفكرين تلغى .. تلغى حقوق المواطنة ، ليستمتع الطغاة والفاسدون باحتلال وسلب واستنزاف خيرات بلدانهم وشعوبهم ، وهي تتفرج على بلواها صامتة خاشعة ، فاغرة الأفواه ..

يبنون القصور مما نهبوه من خيرات البلاد في قمم الجبال ، ولا يجرؤ أطهر العباد على مجرد الإشارة إليها ، أو السؤال عن مصدر تمويلها .. خوفاً على منجزات "الثورة الاشتراكية" والوحدة الوطنية والصمود في وجه العدو ..   

يسحق الطغاة كل ما هو خير ونير وجميل ، ويسعون لسحق القيم المقدسة في النفوس.

ويأخذ المواطن المقموع يتساءل في طيات نفسه عن الفرق بين الجنرال (الوطني) الذي ينهبه وسلب خيرات الوطن ،ويضطهده (س) ، والجنرال (x) .. بين المنافق السياسي (الوطني) (ع) والسياسي (y)   ... !! 

وككل شعب مُستَغَل يتحين المضطهدون ساعة الخلاص .. وتخبو لديهم أية إمكانية للدفاع عما يطيل عمر طغاتهم ..

 

إنّ الدكتور طيب التيزيني محق تمام الحق عندما يقول إن "الاستئثار بالسلطة وبالثروة وبالقرارات الكبرى والصغرى، وإبعاد الشعب عنها مع إفقاره وإذلاله وسجن أبنائه "الخَطِرين"؛ إن هذا كله ومعه استشراء الفساد الهائل وتفكك المؤسسات عبر ترهُّلها ووقوف رجال باعوا أنفسهم للمال "المدوّل" والسلطة الغاشمة، هو الذي كمَن وراء الهزيمة التاريخية العظمى للعراق وللعرب جميعاً".

لقد قدم سقوط النظام القمعي الشمولي في بغداد دروساً بليغةً منها :

ـ إن البنى الشمولية التسلطية وتفريغ المجتمع من بناه ومؤسساته المدنية والأحزاب السياسية تقزم الوطن والمواطن ، وتفرغه من كل إمكانات النمو والتطور ، والحماية الذاتية.. 

ـ إنّ فرض الأحكام والقوانين العرفية الطارئة لفترة زمنية طويلة ، لن يخدم البلاد في وجه الأعداء ، بل يربي أبناء المجتمع على الخوف ، ويسحق قيم الإقدام والشجاعة ، ويخلق الظروف المناسبة لترعرع ونمو الفساد .. إن حالات الطوارئ التي تسن دون مبرر مقنع ، ولفترات طويلة ، هي حاضنة الفساد وحاميته ..

ـ إنّ تبوأ المناصب عبر الاستفتاءات الكرنفالية والحصول على نسب 100% ، مسألة مشكوك في صحتها وشرعيتها ، ومن الضروري التخلص منها ، والاعتماد على الطرق الديموقراطية المجربة دولياً في هذا المجال .

ـ إن شعباً يُكره على العويل بشعارات جوفاء ، لا يمكن أن يكون وفياً لمن يكرهه على هذا العويل . ولحظة تلازم العويل الصارخ خارج الحناجر بتلك الشعارات الجوفاء مع الشتائم المكبوتة في الصدور، هي لحظة بداية نهاية الاحترام لذلك "المفدى" من قبل المعولين له .

ـ إنّ شعباً لا يملك منابر ديموقراطية حرة للتعبير تقتل لدى أغلبية أبنائه جذوة الإبداع ..

ـ إنّ نظاماً ليس ديموقراطياً ، ولا يخدم كافة أبناء شعبه ، سهل الهوان ، لا يمكن أن يكون وطنياً ، بل يسلم الوطن لسيده الأصلي ، وهو يجترح بطولة الذل !

فهل من مستفيد ‍!

 

* لن نقف طويلاً عند واقع الأنظمة العربية المفكك والمأزوم والمهزوم ، والذي يتلاقى في كثير من خصاله مع الشمولية ، وحالة التفكك والشرذمة وطاعة المركز الخارجي السيد الحامي المذل ، التي شكلت تربة وشروطاً مناسبة للهزيمة .. علماً بأن كثيراً من مسببات هذه الأزمة ناتج عن حرب قوات النظام القمعي الشمولي في بغداد ضد إيران ، ومن ثم احتلالها للكويت ..

* هناك عامل هام لا يمكن تجاهله في كل ما يجري في الوطن العربي ، يتلخص في أن ما حصل ، لا يمكن فصله عما يخطط له المركز الصهيوني العالمي ، في البحث عن مخرج للمأزق الذي تعانيه الحكومة الفاشية العنصرية في إسرائيل.. ورغبة ذلك المركز وهذه الحكومة ، التي تعد من أكثر الحكومات الصهيونية فاشية وتطرفاً في إسرائيل ، في استثمار هذه الحالة ، لكسب نقاط قوة ودعم في صالحها بتحطيم بلد وقوة علمية وعسكرية  قد تشكل خطراً عليها في المستقبل ، لأنّ تحطيم أية قدرة عربية ، وتفتيت أي بلد عربي هو في صالح المشروع الصهيوني العنصري المجابه للمشروع النهضوي والوجود العربي ..  وبنفس الوقت  لتغطي على جرائمها ، وعلى مأزقها الناجم عن عجزها وهي أقوى ترسانة مسلحة ، وأغشم قوة معززة ومدعومة من قبل أقوى دول العالم ، أمام صمود الشعب العربي الفلسطيني ، الذي يمثل صموده أمامها ضمير ووجدان القوى الخيرة على الصعيد الإنساني ، وعلى نتيجة صموده سيتقرر الكثير من مستقبل الإنسانية.

* ـ يحصل كل ذلك بعيد انتصار الاحتكارات الرأسمالية العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية المتحالفة مع الصهيونية العالمية ، ورساميل أمراء وشيوخ الدول التابعة لها على النظام(الاشتراكي) في الاتحاد السوفياتي ـ ذلك النظام الذي حمل بذور هزيمته عندما تخلى قادته عن الديموقراطية كحامية وحاضنة للعدالة والمناخ السليم لتطور المجتمعات ، ـ ..  وانتصار الولايات المتحدة الأمريكية على الاتحاد الأوروبي وزيادة تغلغلها في أوروبا بعد حربها في يوغسلافيا ، وبروزها كقطب رئيس اعتقد القيمون على حكمه أنّ العالم (وقد يكون الله حسب زعم بعضهم ) وكّلهم بسيادته وحكمه وفق النمط الأمريكي الذي لا وجود ـ حسب زعمهم ـ أفضل منه ..

وفجأة يتلقى هذا الملاك الحارس صدمة مؤلمة في 11 أيلول من عام 2001 تستحق الشجب ، وقد شجبتها الإنسانية الواعية جمعاء ..

تركت تلك الصدمة أثراً نفسياً هاماً على أصحاب القرار في ذلك البلد .. الذين حاولوا استثماره إلى أقصى مدى ممكن ، فجعلوا من شعار محاربة الإرهاب شماعة يبررون بموجبها خططهم المرسومة منذ حين لاقتناص الفرصة السانحة لوحيد القطب ، والتي ربما لن تتكرر ثانية للهيمنة على ثروات العالم وتعزيز دوره الإمبراطوري ..

وفي ضوء كل ما تقدم أصبح العراق لقمة سائغة ، بالاستيلاء على خيراته تحقق الاحتكارات الرأسمالية الأمريكية المتحالفة مع الصهيونية العالمية ، وبيوت المال التابعة لها أكثر من هدف ، فهي من جهة تؤدي خدمة عظيمة لحليفتها الصهيونية ، ومن جهة ثانية ومع هيمنتها  المسبقة على الخليج العربي ونفطه ، تؤسس مكانة ذات بعد استراتيجي عالمي في مواجهتها لأي قوة عالمية قد تفكر في منافستها على مدى عقود من الزمن ..

ولن تتوانى الولايات المتحدة الأمريكية في توجيه ضربات احترازية مسبقة لمن يقف عثرة في طريق تحقيقها لهذا المشروع  .. وفي هذا السياق أتت تهديدات المسؤولين الأمريكين ومن بينهم  مساعد وزير الخارجية الأمريكي ريتشارد أرميتاج لسوريا بـ "عقوبات وإجراءات سياسية أخرى" في حال واصلت تقديم الدعم لحزب الله اللبناني وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية. وكان العديد من المسئولين الأمريكيين اتهموا سورية بتطوير أسلحة دمار شامل وإيواء مسئولين عراقيين هربوا من العراق.

                               *            *             *

        أما بعد ؛

وقد حصل ما حصل ووصلنا إلى هذه النقطة الحرجة وهذه الذروة من الهزائم والتهديدات ، يبقى السؤال المصيري : ما العمل ؟!

        كيف نتصرف لمعالجة هذه الأزمات ، ووقف النزيف ، وتحرير بلداننا وأراضينا العربية المحتلة ،  وتفادي الأعظم ؟!

 

        نعود إلى العناصر الرئيسية الفاعلة في هذه الأزمة ، ونحاول تلمس سبل التعامل مع كل منها ، بموضوعية واتزان ، بعيداً عن العصبية والشعارات الجوفاء .

العناصر الرئيسية الفاعلة في هذه الأزمة : إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ـ العراق والنظام العربي ، وشعوب المنطقة .

 

هل هناك من هو أقوى من حكام الولايات المتحدة الأمريكية ؟!

 

إنّ إقامة السلام الشامل والعادل في منطقة الشرق الأوسط ، على أساس الشرعية الدولية القاضية بإعادة الأراضي العربية المحتلة في الجولان ومزارع شبعا إلى أصحابها الشرعيين في سوريا ولبنان ، وإقامة الدولة العربية الفلسطينية ، وعاصمتها القدس ، ومعالجة مأساة اللاجئين وفق قوانين الشرعية الدولية هي بداية النهاية للمشروع الصهيوني العنصري .. وهذا ما تعيه وتخافه تلك الأوساط  ، ولذلك نجدها تبحث عن سبيل الهروب من استحقاقات السلام العادل والشامل ، باستغلالها ومحاولة افتعالها الأزمة تلو الأخرى .. للتأخير في حل أزمة الشرق الأوسط علّها تصل إلى زمن وظروف تجعلها تفرض شروطها التي تقود إلى هيمنتها المطلقة على المنطقة ، ولو أدى ذلك إلى إلغاء الآخر ..

من الضروري في ظروفنا الحالية تمسك العرب بخيار السلام العادل والشامل ، والاستفادة من المبادرات الدولية ، بما فيها مبادرة الرئيس الأمريكي واللجنة الرباعية ( أمريكا ، وروسيا، والاتحاد الأوروبي ، والأمم المتحدة ) لإقامة دولة فلسطينية ، ودفع هذه المبادرات إلى الأمام ، ومخاطبة العالم بلغة موضوعية حقيقتها أنّ المشكلة ليست بين العرب واليهود كيهود ، بل بين العرب والمشروع الصهيوني العنصري الذي يستبيح احتلال أرضنا ..

ومن مهام لغة الخطاب العربي الوصول والتأثير في الشارع الإسرائيلي .. إن تحرير اليهود والإسرائيليين من الفكر العنصري هي مهمة إنسانية وعربية ستترك آثارها على مستقبل العالم ككل .. ليس في مصلحة أحد من محبي السلام  القول أنّ كل إسرائيلي أو يهودي فاشي وعنصري ولا الدفع في هذا الاتجاه ، بل على العكس ، إنّ مثل هذه الشعارات تغذي معسكر مناوئي السلام .. علينا البحث عن مناصري السلام في المعسكر الآخر والعمل على تقوية وتعزيز نفوذهم ..

كما أننا بحاجة إلى نظرة موضوعية عند البحث في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية .. 

لقد أقدم حكام الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤهم على الحرب في العراق ، على الرغم من معارضة شعوب العالم ، وغالبية أعضاء مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة .. ولا يمكن لأي مراقب عاقل أن يصف ذلك إلاّ بالتصرف الخاطئ ..

 

ومما لا شك فيه أنّ حكام الولايات المتحدة الأمريكية ونتيجة حربهم غير الشرعية ضد العراق ، قد وجهوا صفعة قوية للديموقراطية ودعاتها في العالم العربي ، وقد أساءت هذه الحرب لقيم الديموقراطية التي بنيت على أساسها الولايات المتحدة الأمريكية ، لقد كانت حرباً على الأسس ، والقيم القانونية ، والفكرية الديموقراطية والحرية والليبرالية ، وقيم سيادة القانون ، التي تشكل الضمانة الرئيسية لتطور الولايات المتحدة ، وتخطيها لأزماتها الدورية ..

لقد وضع حكام الولايات المتحدة الأمريكية ومؤيدوهم من حكام الدول التي تنتهج سبل الديموقراطية ، (وضعوا) بلدانهم والعالم في تناقض كبير مع أسس الديموقراطية والشرعية ، وسيادة القانون ، والجميع يعيش أزمة ومأزقاً لا سبيل للخروج منه إلاّ من خلال الديموقراطية ..

لقد شهد العالم وخاصة الغربي أزمات ومآزق عدة ، وجهت خلالها الصفعات إلى الديموقراطية التي أخذت طابعاً ليبرالياً أحياناً ، وطابعاً إمبريالياً عسكرياً وكولونيالياً في أحيان أخرى ..  وبفضل الديموقراطية استطاعت تلك البلدان تجاوز أزماتها بشكل دينامي مرن ، وحدها الأنظمة الفاشية والشمولية لم تستطع حل أزماتها إلاّ عبر انهيارها ..

إذا نظرنا إلى الولايات المتحدة من خلال المنظور الديموقراطي التاريخي لوجدنا أنّ الحكام الحاليين الذين يمثلون مصالح أعتى الاحتكارات والتحالفات اليمينية ، قد وصلوا إلى الحكم في غفلة من غفلات الزمن في إطار تناقضات جمة في البنى الاجتماعية والاقتصادية هناك ، ولا يوجد ثبات وديمومة أبدية في تلك البنى الاجتماعية ، وبالتالي فإن تلك التناقضات الكامنة في المجتمع وبناه الاقتصادية وما يضاف إليها من تناقضات خارجية ، وتناقضات مع الفكر الديموقراطي الذي تقوم عليه تلك البنى ، لا بد سيقود إلى تغيير .. وبقدر ما كانت القوى المؤثرة في التغيير تنسجم مع مصالح التقدم والقيم الإنسانية ، بقدر ما كان ذلك التغيير في صالح الإنسانية ككل بما في ذلك الشعوب العربية ..     

 

إنّ الولايات المتحدة الأمريكية ليست شعاراً وهمياً يعادينا ونعاديه ، إنّها ليست خرافة أو عنقاء ، كما أنّها ليست شيطاناً رجيماً ، إنّها مجتمع ودولة موجودة على الكرة الأرضية التي نعيش ـ ولا يمكن لأي مجتمع بشري أن يكون في المجمل شيطانياً ، بل في كل مجتمع بعض أو كثير من الخير وبعض أو كثير من الشرور ـ إنّها ( الولايات المتحدة الأمريكية ) واقع موضوعي يحوي تناقضات داخلية وتناقضات خارجية تنعكس على سياساته  ، علينا معرفته والتعامل معه للاستفادة من انجازاته واتقاء شرور أشراره .. من الأخذ بعين الاعتبار أنّ المجتمع الأمريكي ليس مغلقاً ، بل من الممكن التأثير والتأثر به ..

من هنا تنتصب مهمة أساسية أمام الغيورين على مستقبل الإنسانية في العالم ككل وفي وطننا العربي على وجه الخصوص ، في البحث عن سبل التفاعل مع المجتمع الأمريكي ، ونقل تلك الأفكار إلى التطبيق العملي .. ومما لا شك فيه أن أولى أولويات هذا الفعل هي وجود حالة ديموقراطية حقيقية في مجتمعاتنا تتيح القيام بالمبادرات وتطبيقها في الواقع ، فضلاً عن تجاوز الحاجز الذي يجعلنا غير مقبولين سلفاً من الآخر .. لنخاطبه بلغة طالما افتخر بها ألا وهي : الديموقراطية ، وهي السبيل لتغيير قناعاته وتغيير حكامه :

أجل هناك من هو أقوى من حكام الولايات المتحدة الأمريكية ، إنّها : الديموقراطية . 

 

وهذا ما يقودنا إلى البحث عن طرق تجاوز الأزمة والهزيمة التي حلت بأنظمتنا وبشعوبنا العربية ..

 

للحقيقة أوانها لا بد سيحل !

كنا قد بينا الظروف والأسباب التي أفرغت مجتمعاتنا وشعوبنا من عناصر القوة  ، وجعلت الأمة بملايينها وإمكاناتها وقدراتها تقف عاجزة في أحلك الظروف ، وقادتنا إلى الهزيمة ، والتي لا يمكن تجاوزها من دون معالجة تلك الأسباب عن طريق القيام بإجراءات ملموسة في مجتمعاتنا تسمح بالتأسيس لبنية جديدة تفتح إبداعات الشعوب ، وتحصنها ، وتخلق الآليات الضرورية لحمايتها .. من الضروري لنا نحن العرب بناء مجتمعاتنا وفق بنى وآليات عمل وممارسة ديموقراطية ، تستند على العلم ، وتستفيد من تجارب الشعوب المتحضرة ، تنعكس في الممارسة المستمرة في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، والتخلص من الأساليب القائمة على الشعارات والخوف وتقديس القادة الذي لا (يخطئون) !

ولقد اتفق الباحثون العرب على تلك الإجراءات ، والتي يرى فيها البعض "قرارات مؤلمة" ـ على غرار ما يقوله شارون في إحقاق حق الشعب العربي الفلسطيني ـ والتي تتلخص في بناء أنظمة ديموقراطية متحضرة ، تنطلق من مصلحة الشعب والوطن ، وتصون التراث الذي ينسجم مع الحضارة والتقدم ، كما اتفق الباحثون حول الخطوات الضرورية للسير في هذا الطريق ، وأهمها إجراء إصلاح سياسي شامل في البنية التي تقود إلى الفساد ، وتفرخ الفساد يوماً ، وتنهك الوطن وتحرمه من طاقاته وإبداعاته ، فالبنية السياسية هي المحرك الرئيس الذي يغذي بالطاقة جميع مجالات الحياة الاقتصادية ، والاجتماعية في أي بلاد ، وأي إصلاح لا يبدأ من البنية السياسية لا يمكن أن يصل إلى مبتغاه ، كما اتفق الباحثون على أن الخطوات الرئيسية على طريق هذا الإصلاح يجب أن تشمل الخطوات الملحة والضرورية التالية :

* ـ إلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية، وعدم فرضها إلاّ في الحالات الاستثنائية ولوقت محدد وفي أمكنة معينة من البلاد ، في أيام الكوارث المحدقة بالوطن فقط . وإطلاق سراح السجناء السياسيين وأهل الفكر .

واعتبار أحكام المحاكم غير المدنية في القضايا السياسية باطلة ، والتعويض على المتضررين منها ، وإعادة الحقوق للمجردين منها بسبب أحكام غير شرعية ..

* ـ فسح المجال لتفتح مؤسسات المجتمع المدني التي تشكل جهاز المناعة المراقب للحكومات ، واحتياطي للوطن في إبداع وسائل الدفاع عنه ، وحمايته ، في وجه مختلف حالات الكوارث التي يتعرض لها ..

* ـ إصدار القوانين التي تكفل تأمين الحقوق الثقافية والحقوقية والمواطنة الكاملة لجميع الأقليات بما فيهم الأكراد ، ومعالجة الغبن الحاصل من إحصاءات مجحفة بحقهم .. واستفادة المجتمع من كل الطاقات والإمكانات ، وتعزيز حرية العبادات لتكريس القيم الأخلاقية التي تعلمها الديانات السماوية ، مع التأكيد على أن للديانات مكانة مرموقة سامية في حياة الناس الخاصة ، وسمو الأديان المقدسة أرفع من التدخل في الأمور التي تحط من مكانتها .. وتحديد وظيفة رجال الدين في نشر الأخلاق النبيلة التي تعزز إنسانية الإنسان ، وتحميه من الفساد ، وتعزز حب الوطن والأسرة والزود عنها ..  

 

* ـ  العمل على إصدار" قانون أحزاب" و" قانون مطبوعات" ، بعد طرح مشاريعها للنقاش العام يشارك فيه المفكرون والمثقفون ورجال السياسة والعلم ، وعموم أبناء الشعب ، والتأكيد على " الحرية الأكاديمية " التي تحظر اعتقال رجال العلم والأكاديميين على ما يطرحونه من أفكار علمية ..

كم من الأسئلة وعلامات الاستفهام ستتلاطم في ذهن الإنسان العربي عندما يرى كبار مسؤوليه يضطرون للتعبير عن آرائهم في منابر وصحف خارجية حول "تكلس بنية الأنظمة العربية" ودورها السلبي فيما وصلنا إليه ، ويحجمون عن ذلك في بلدانهم .. في ظل قوانين مطبوعات (اقرأ ـ ممنوعات) مليئة بالكوابح والقيود تمنع تناول القضايا الجوهرية في الحكم والسياسة ، وتسمح بتناول القشور بعيداً عن الجوهر والأسباب ، يمكنك الكتابة والنشر بموجبها مثلاً ، حول مشرع مليء بالنواقص والثغرات ، ولا يمكنك التطرق إلى البنية الفاسدة التي تقود إلى تلك النواقص آن تنفيذ هذا المشروع .. 

* ـ ويتفق الباحثون العرب على ضرورة إطلاق حوار وطني ديمقراطي شامل حول المخاطر العظمى، التي تواجهها البلاد ، على أن يؤسس الحوار على أسس علمية بعيداً عن الثأرية وروح التعصب والانغلاق ، وأن الحقيقة ليست حكراً على أحد ، بل إن تضافر جهود الجميع يجلب الفائدة للجميع ..

        * ـ بناء مؤسسات التضامن العربي على أسس ديموقراطية ، ونشر مؤسسات المجتمع المدني على الصعيد العربي ، لما فيه مصلحة جميع الشعوب العربية ، والبحث عن أسس قانونية في الحكم والسياسة تمنع وصول طغاة إلى الحكم ، وتسمح بتعرية الطغاة ـ وفق أسس قانونية وحقوقية معترف بها دولياً ـ ألم يكن مفيداً وضرورياً تسليط الضوء على عدم الشرعية الأخلاقية ولا الإنسانية للنظام القمعي الشمولي في العراق ، والاستجابة للدعوات العربية التي صدرت لتنحية قادته عن الحكم الذي اغتصبوه لتجنيب العراق والعرب تلك الهزيمة الزائدة عن طاقتهم ..

 

إنّ الويلات التي عانتها البشرية من وصول طغاة إلى الحكم مثل هولاكو ، وهتلر ، وبينوتشيت ، وصدام حسين ، وغيرهم .. حري برجال القانون الدولي ، والهئيات القانونية المعترف بها دولياً ، أن يسنوا القوانين الدولية التي تمنع وصول أمثالهم إلى الحكم ، ومحاصرتهم والاتفاق على السبل القانونية الدولية  للتخلص منهم ..

 

لقد استخدمت البشرية في مختلف مراحل تطورها وسائل وأسلحة مختلفة في تعاملها مع مختلف العقبات والصعاب التي واجهتها ؛ إن أحد أهم الأسلحة والوسائل  الناجحة ،  والضرورية للإنسانية في مواجهتها الراهنة لمختلف حالات التطرف والإرهاب ، بما في ذلك الصادر عن حكومات بعض الدول الصغرى والكبرى هو الديموقراطية ؛ أجل إنّ الديموقراطية ، إن امتلكتها الشعوب ، أقوى من أقوى الحكام في الولايات المتحدة الأمريكية ، وغيرها .. والديموقراطية هي ما نحن بأمس الحاجة لها ، وإلى التعلم في كيفية استخدامها وتطويرها ، والاستفادة منها كأداة مساعدة في تحرر بلداننا وأراضينا المحتلة وبناء مجتمعات تستطيع مواكبة مسيرة الحضارة الإنسانية .

 

      طرطوس ـ نيسان 2003                   
                                                                        

 

 



#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني ...
- إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش ...
- تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن ...
- الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل ...
- تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
- بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
- تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال ...
- -التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين ...
- مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب ...
- كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاهر أحمد نصر - هل هناك من هو أقوى من حكام الولايات المتحدة الأمريكية الحاليين ؟!