أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عدنان إبراهيم - من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله تعالى | الجزء‏ الخامس















المزيد.....


من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله تعالى | الجزء‏ الخامس


عدنان إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 6814 - 2021 / 2 / 14 - 08:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المعرفة بالله تعالى

تذوق السكينة هو المعرفة بالله تعالى ‏
‏ أهل الطريق أسسوا طريقهم إلى الله تعالى على آيات كثيرة من القرآن، وأحاديث ‏صحيحة وصلت إليهم بسند عال صحيح، من تلك الأحاديث ما رواه الإمام أحمد بن ‏حنبل بسنده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « ذاق طعم الإيمان منْ رضي بالله ربا ‏وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيًّا » هذا الحديث الصحيح ركن من أركان الطريق ‏الذي أخذ به أهل العلم بالله تعالى، لأن الذوق (1) المنبعث عن الرضا هو المعرفة بالله ‏تعالى، والمعرفة أسكنها سبحانه قلب من أحبه من العباد، ولا شيء أجل وأعظم من ‏ذلك النور. ‏

حقيقة المعرفة حياة القلب وموت النفس: ‏
‏ وحقيقة المعرفة حياة القلب بالحي سبحانه، قال تعالى (أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا ‏له نورا يمشي به في الناس) وقال جل ذكره (لينذر من كان حيا) وقال تعالى (فلنحيينه حياة ‏طيبة) وقال تعالى (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) فمن ماتت نفسه ‏بعدت عنه دنياه، ومن مات قلبه بعد عنه مولاه. ‏
‏ وأهل طريق الله تعالى رضي الله عنهم ؛ لما ماتت نفوسهم بعدت عنهم الدنيا وبعدوا عنها (2) ولما ‏قامت بحكم الحياة الدائمة بالله قلوبهم الطاهرة؛ قربت من الله، وقرب بسره المقدس منها. ‏فهم ودائع مدد الله وخزائن أسراره، إليه يرجعون، وبه سبحانه وتعالى يهيمون، وعليه ‏يتوكلون وإلى غيره لا يلتفتون، وكل ما يحمل على أكابرهم وأصاغرهم، خفيهم ‏وظاهرهم، من الشئون التي تمس زهرة هذه الدنيا الفانية بحقيقتها، خلاف ما حملها ‏عليهم الكذابون، وأضافها إليهم الباغون. ‏

مشارب أهل الطريق: ‏
‏ وهم رضي الله عنهم على مشارب وأطوار، فمنهم رب المظهر القهار، ومنهم المتحلي بالتجرد عن ‏الآثار، ومنهم الملتحف برداء التعزز والوقار، ومنهم المتطيلس بطيلسان الذل لله ‏والانكسار، ومنهم المغلوب، ومنهم المجذوب، ومنهم المتمكن الجامع، ومنهم السيف ‏القاطع، ومنهم شرعي الانبلاح، ومنهم البحر العجاج. ‏
‏ وكلهم ثقيلون على أهل النفوس الملوثة بأغراضها، والقلوب المملوءة بأمراضها، وهم ‏غرباء عن جنس أولئك، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام عنهم: « من يبغضُهُم أكثر ‏ممن يُحبُّهم » لأنهم يخالفون ما عليه النفوس وأربابها. والمقاصد الفاسدة وأصحابها. وقد ‏رُوي: «منْ أحبّ الله فيلتخذْ للبلاء جلْبابًا » فالابتلاء لأحباب الله تعالى لابد منه، ‏ولكن لهم الغلبة على من عاداهم، والنصرة على من ناوأهم قال سبحانه (ومن يتول الله ‏ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) وقال تعالى (ألا إن أولياء الله لا ‏خوف عليهم ولا هم يحزنون).‏
وكل أهل زمان لهم من الله حظهم بقدر احترامهم لأهل الوقت من أهل الله، وبقدر ‏محبتهم لهم، وحسن ظنهم بهم، وصدق موالاتهم، وخالص الاجتماع لمناهجهم، وسلوك ‏طريقهم، والتخلق بأخلاقهم، مع إجلالهم وإعظام شأنهم. ‏
والعكس - والعياذ بالله - بالعكس... فإن إهانة أولياء الله، والكذب عليهم، وإهمال ‏حقوقهم، وهضم مقاديرهم، ينتج عن زيغ القلوب، وخبث النفوس، واستخفاف لأوامر ‏الله تعالى. ومتى عمت هذه الأوصاف القبيحة قوما من المسلمين ؛ ترى الخزي والفشل ‏يعمهم، والذل يكتنفهم، ويدعون فلا يستجاب لهم. ‏
‏ لأن هؤلاء القوم هم أمناء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأمة، وهم العلماء بالله حقا، العارفون بسنته ‏عليه الصلاة والسلام صدقا، المتمسكون بها، الناصرون لها، المفْرِغون للأخلاق المحمدية ‏في القلوب، الجاذبون ألباب الأمة إليه صلى الله عليه وآله وسلم، هم نقطة الجمع للقلوب على أمر الله وسنة ‏نبيه، وإعزاز كتابه، وتعظيم أمره، وتوقير أحبابه، فمتى أهملهم أهل زمانهم انفكت ‏جامعتهم، وتفرقت قلوبهم، وهنالك فلا عز ولا مكنة، حيث يسلط الله عليهم عدوهم، ‏وينزع المهابة عنهم.‏
نسأل الله تعالى أن يمنحنا الأدب في جانب أوليائه رضي الله عنهم، وأن يوفقنا للاهتداء ‏بهديهم، ويعلق قلوبنا بمحبتهم، ليسلكوا بنا طريق الله القويم، وصراطه المستقيم.‏

أساس الطريق
تحصيل العلم والعمل به

أولا: تحصيل العلم
العلم في الكتاب: ‏
‏ أول واجب ينبغي على من أراد السلوك في طريق الله تعالى تحصيل العلم، إذ هو أساس ‏العقيدة، وروح العبادة، ومعلم الأخلاق، والرائد في المعاملات، وهذه الأربعة هي أصول ‏الدين. ‏
ذكر الله تعالى العلم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، تنبيء عن شرفه وتعظيمه، ورفع ‏سبحانه قدر العلماء حتى عطفهم على نفسه، وخصهم بخشيته والتعقل عنه، فقال ‏سبحانه: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم‏) وقال تعالى: (إنما يخشى الله من ‏عباده العلماء) وقال عز وجل: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) ‏ ‏وقال جل شأنه (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون‏).‏

العلم في الحديث: ‏
‏ وكذلك حثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على طلب العلم، حتى جعله فريضة على كل مسلم ‏ومسلمة، وذكر في تعظيمه وبيان قدره أحاديث كثيرة نكتفي منها بهذا القدر: ‏
‏ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما عُبد اللهُ بأفضل من فقهٍ في دين الله، ‏ولفقيهٌ واحدٌ أشدُّ على الشيطان من ألف عابدٍ، ولكل شيء عماد وعماد الدين ‏الفقه)، وعن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (تعلّمُوا العلْم فإنّ تعلُّمهُ ‏لله خشيةٌ، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيحٌ، والبحث عنه جهادٌ، وتعليمه لمن لا يعلمه ‏صدقةٌ، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبل أهل الجنة, وهو الأنيس ‏في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخُلوة، والدليلُ على السرّاء والضراء ، ‏والسلاح على الأعداء، ةالزّيْنُ عند الأخلاّء, يرفعُ اللهُ به أقواماً، فيجعلُهم في الخير قادة ‏وأئمة, تقتفى آثارهم, ويقتدى بفعالهم، ويُنتهى إلى رأيهم، ترغبُ الملائكةُ في خلتهم، ‏وبأجنحتها تمسحُهم، يستغفر لهم كلُّ رطب ويابس, حتى الحيتانُ في البحر وهوامُه، ‏وسباعُ البر وأنعامُه، لأن العلم حياةُ القلوب من الجهل، و مصابيح الإبصارمن الظُّلم، ‏يبلغُ به العبدُ منازل الأحرار، ومجالسة الملوك، والدرجات العُلا في الدنيا والآخرة، ‏والتفكرُ فيه يعدلُ القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال والحرام، وهو إمام ‏العمل، والعملُ تابعه ، يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء). ‏
‏ من ذلك تعلم أن تحصيل العلم أساس السلوك في طريق الله تعالى، إذ هو النور الذي ‏يهدي إلى الرشد، ويكشف للسالك عما قد يعترض طريقه من عقبات ومهاوٍ. ‏

ما المقصود بالعلم ؟: ‏
وإنما نقصد بالعلم، علم المعرفة بالله تعالى، الذي يهدى القلوب إلى معرفته، والعقول إلى ‏توحيده، والأرواح إلى محبته، والأجسام إلى الفناء في عبادته والقيام بأمره، فذلك هو ‏العلم المفروض على المؤمنين جميعا (3)، لأنه قوام العقيدة، وروح الإيمان، ومن حرمه أو ‏أهمل في طلبه فقد حرم السعادة والخير.

العالم الرباني يهدي إلى الطريق: ‏
‏ ولن يستطيع السالك أن يخطو في طريق الله تعالى خطوة ؛ إلا على يد عالم رباني، ‏منحه الله علم المعرفة به، وكاشفه بأسرار حكمته، وبدائع قدرته، حتى صار دالا به ‏عليه، واقتدر على بيان الحقائق بلسان الحكمة المؤثرة على النفوس. ‏
‏ أما أولئك الجهلاء الذين يظنون أن السلوك إلى الله تعالى بالعبادة والعمل - دون العلم ‏‏- فهم محجوبون، ناكبون عن الطريق، لأن العمل من غير علم المعرفة يجعل القلب ‏قاسياً، والقلب القاسي بعيد عن الله تعالى، ولو عبد الله ألف سنة، قال رسول الله ‏صلى الله عليه وآله وسلم: (فضلُ العالم على العابد كفضْلي على أدناكُم) وقال عليه الصلاة والسلام: (قليل ‏العلم خير من كثير العبادة).‏
‏ فعليك أيها السالك أن تسعى إلى العالم الرباني، لتتلقى منه علم المعرفة بربك، بعد أن ‏تعرف نفسك، حتى ينتهي بك السلوك إلى الوصول. ‏
‏ ‏
ثانيا: العمل بالعلم

العلم وسيلة للعمل: ‏
‏ العلم مقصد عظيم، وكل ما سواه من المال والبنين والعافية والزوجة ؛ إنما هو وسائل ‏لتحصيل العلم، الذي هو المقصد الأعظم. (4)‏
والعلم وسيلة للعمل، فالعمل بالنسبة للعلم مقصد عظيم، والعلم له وسيلة. والعمل ‏وسيلة للتقرب من المعلوم جل جلاله، ولنيل رضوانه. والتقرب ونيل الرضوان مقصدان عظيمان، ‏ولكنهما وسيلتان لنيل شهود جمال الله تعالى. ونيل شهود جمال الله تعالى فوق العلم ‏والعمل.‏

ترك العمل بالعلم خسران:‏
‏ والله جل جلاله لا يمنح ما عنده بمعصيته، لأنه تعالى غني عن العالمين، فالعمل بلا علم لا ‏يرفع، والعلم بلا عمل لا ينفع، والعمل والعلم بلا إخلاص لا يقبلان، والعالم إذا ترك ‏العمل خاب فيه الأمل، لأنه قدوة العالم ومحل نظرهم. ومن علامات بغض الله تعالى ‏للعلماء بالأحكام وبالدنيا وسياستها أن يتركوا عمل القلوب، ويتهاونوا بعمل الجوارح، ‏فتكون قلوبهم محلا للحسد والهمم الشيطانية، واللمم البهيمية، يتقربون بما حصلوه إلى ‏الظلمة، والملوك - ولو كانوا كفارا - ويستعينون به عندهم على نيل الخير العاجل. ‏
‏ وقد يكون العلم بالدنيا - لدى العلماء بالدنيا - سببا في سلب الإيمان - نعوذ بالله ‏‏- لأنهم يعينون أهل القوة والمال والسلطان، ولأنهم يُحَسّنون لهم أعمالهم، ولا يخافون الله ‏فيهم ويخافونهم. فإذا همّ الظالم بعمل يخالف الله ورسوله ؛ أعانوه عليه خوفا منه، ولم ‏يخافوا من الله تعالى.‏
أقول: يُسْلَبُ - بهذا العلم - الإيمانَ من العالم بالدنيا ؛ لأنه ينسى نفسه، ويعتقد أنه ‏عالم، والعالم في الحقيقة هو الله، وكل من سواه متعلم منه سبحانه، فإذا نسى العالم نفسه ‏؛ وحكم لنفسه بالعلم ؛ نسى الله تعالى، قال الله تعالى: (نسوا الله فأنساهم أنفسهم). ‏‏(5)‏
إذا خاف العالم من الموت ونسى يوم القيامة وسارع في أعداء الله تعالى قائلا (نخشى ‏أن تصيبنا دائرة) واقتدى به العالَم في هذا العلم ضل وأضل، فكان كالمرض المعدي، ‏وكان علمه شرا عليه. أعاذنا الله تعالى من مرض أهلك إبليس فظن لعلمه أنه خير من ‏غيره وخالف أمر ربه. أما العلم بالله تعالى وبأيامه وبأحكامه وبحكمة أحكامه فهو العلم ‏الذي يهبه الله تعالى لمن يشاء من أحبائه، وهو العلم الذي ينفع الله به عباده. ‏
‏ ‏
العالم الذي يعمل بعلمه:‏
‏ وهذا العالِم لا يخالف علمه ما دام مؤيدا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله ‏عليه وآله وسلم، وعمله نجاة العالم أجمع، لأنه يعمل بعلمه عمل القلوب فيما بينه ‏وبين ربه، ويعمل بعلمه عمل الأجسام مخلصا لله تعالى أمام إخوانه، فيكون له المقام ‏العلى عند الله بعمل قلبه.‏
قال الله تعالى (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد‏) ‏صاحب القلب المتقلب فيما يقربه من الله تعالى، وصاحب البصيرة المشاهدة لآيات الله ‏تعالى فوق العالم العامل بجسمه لا بقلبه، لأنه عمل بقلبه عملا قربه من الله تعالى، ‏وعمل بجسمه عملا أناله الله تعالى به فضله ورضاه، ونفع به أهل عصره، كما قال ‏سبحانه: (واجعلنا للمتقين إماما).‏

العمل بحكم ما أنزل الله: ‏
‏ الأساس الذي أسس عليه أئمة أهل المجاهدة طريقهم هو أساس واحد. وهو أن الحاكم ‏هو الله، والحكم له سبحانه وتعالى (إن الحكم إلا لله) وقال تعالى (ومن لم يحكم بما ‏أنزل الله فأولئك هم الظالمون) وقال تعالى (‏ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك ‏هم ‏الفاسقون) وقال تعالى ‏(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم ‏الكافرون)‏ وحكم الله هو كتاب الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو حكم الله، ‏قال تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).‏

العلماء بالدنيا الجهلاء بالآخرة: ‏
‏ ولا عجب، فإن علماء الدنيا أعانوا الظلمة والكفرة على مفاسدهم وأباطيلهم، وأضلوا ‏العامة بمسارعتهم إلى أعداء الله تعالى، والمخالفين لسنة نبيه ﴿--------صلى الله عليه وآله ‏وسلم﴾--------، قال الله تعالى (يحرفون الكَلِم عن مواضعه) وقال تعالىى (وإذ أخذ الله ميثاق ‏الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا ‏به ثمنا قليلا ‏فبئس ما يشترون) هذا لأن جميع العالَم يعتقدون أن العلماء هم الأئمة، وهم النور، ‏ويقبلون منهم مالا يقبلونه من غيرهم. ‏
وهؤلاء ليسوا بعلماء بالله وبأيامه وبأحكامه وبحكمة أحكامه، ولكنهم علماء بالدنيا، ‏وبالوجوه التي يحصلونها بها، قطع حب الدنيا قلوبهم عن مشاهدة الآيات في الكائنات، ‏وأعمى الحسد والمنافسة في الدنيا وحب الشهرة بها أبصارهم عن السياحة في ملكوت ‏الله، فعظموا ما حقر الله، وأهانوا ما عظم الله، فتراهم أذلاء. ‏

العلماء بالله: ‏
‏ أما العلماء بالله تعالى، فإنهم يسارعون إلى مغفرة من ربهم وجنة عرضها السموات ‏والأرض أعدت للمتقين، فيعمرون الأنفاس بما يحبه الله، مراقبة لله وخشية من عظمته، ‏وعملا بما يحبه ويرضاه، فيهدي الله بهم أهل عصرهم. ‏
فالعالِم كالنجم المشرق في الليل المظلم، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أكرمُوا العلماء فإنهم سرُجُ الدنيا ‏ومصابيحُ الآخرة". ‏
‏ قال الله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا ‏قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم ‏يحذرون) ‏‎ ‎وقال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ‏‎ ‎وأهل الخشية قليل، ومتى أظهر الله رجلا من أهل الخشية عم نور اليقين أهل عصره. ‏
وأشر الناس يوم القيامة رجل يبيع دينه بدنيا غيره، فليتنبه أدعياء العلم، وليتقوا الله فيما ‏خولهم من العلم بأحكامه سبحانه، فإن تقوى الله بها نيل العلم بالله، وصحبة العلماء ‏الربانيين، قال تعالى: (واتقوا الله ويعلكم الله) ومن خاف غير الله أبعده، ومن طلب الله ‏وجده، فدله على من يدله عليه.‏
‏ إن الله سبحانه وتعالى قد أكرم أهل الطريق بما هو كمعجزات أنبياء الله السابقين، ‏على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، والله سبحانه لا يستجيب لمن لم يستجب له، ولا ‏يكرم بآياته من خالف حكمه. فأساس طريقهم رضى الله عنهم العمل بحكم الله تعالى، ‏ومخالفة كل ما خالفه، حتى أنهم يخالفون كشفهم الصريح، ويرجعون إلى حكم الله ‏تعالى، وأئمتهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكان الرجل منهم رضى الله عنهم إذا حكم ‏بحكم وظهر له حكم الله تعالى قال: أخطأت، ورجع إلى الحق.‏

‏_________________ ‏
‏(1)‏ في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ‏(ذاق طعم الإيمان).‏
‏(2) قال الإمام في تعريف الدنيا: ‏الدنيا هى مدة بقاء النفس مع الجسد إلى وقت افتراقها الذى يسمى الموت. ‏أنظر كتابه (معارج المقربين). وأوضح الإمام في موضع آخر أن المذموم هو التعلق بالحياة الجسمانية ومطالبها التي ‏تشغل العبد عن مصالحه الروحانية الخالدة الباقية معه، كما قال تعالى (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير ‏وأبقى).‏
‏(3)‏ لأن العلم الآخر التجريبي، فرض كفاية على الأمة وليس فرض عين، بمعنى أنه ليس فرضاً على كل ‏أحد ولكن إن قام به عدد كاف منهم، سقط الفرض عن الباقين. والإمام كان يحث المسلمين ‏على العلم التجريبي والتقدم الصناعي والزراعي، وكان يقوم بتوعية المسلمين بأن المستعمر ‏الإنجليزي يأخذ ثروات المسلمين وخامات أرضهم ويقوم بتصنيعها وبيعها لهم بأضعاف السعر ‏الذي اشتراها منهم. ولكنه هنا يتحدث عن العلم الخاص بمصلحة العبد الروحانية.‏
‏(4)‏ ‏ العلم بالله معنى واسع، يشمل الوعي بالنفس، ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من عرف نفسه عرف ربه). ‏والوعي بالنفس يكون من خلال خوض التجارب والتعامل مع الخلق.‏
‏(5) كانت هذه هي معصية آدم، أنه حكم لنفسه بالعلم والحياة والإرادة والسمع والبصر وسائر الصفات، ‏ونسي أنها صفات الله ظهرت فيه، وأنه مجرد مظهر، قال تعالى (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي) ومن هنا ‏نفهم قوله تعالى (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) نسوا أصل ومنبع الصفات، فأنساهم أنهم مظاهر وعباد لله تعالى.‏



#عدنان_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله تعالى | الجزء‏ ...
- من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله تعالى | الجزء‏ ...
- من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله تعالى | الجزء ا ...
- من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله تعالى | الجزء ا ...
- دين الإنسان ودين السلطان


المزيد.....




- سوريا.. إحترام حقوق الأقليات الدينية ما بين الوعود والواقع
- بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة ليست حربا بل وحش ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- وفاة زعيم تنظيم الإخوان الدولي يوسف ندا
- بالصور.. الزاوية الرفاعية في المسجد الأقصى
- جماعة -الإخوان المسلمون- تنعى الداعية يوسف ندا
- قائد الثورة الاسلامية: اثارة الشبهات من نشاطات الاعداء الاسا ...
- قائد الثورة الاسلامية يلتقي منشدي المنبر الحسيني وشعراء اهل ...
- هجوم ماغدبورغ: دوافع غامضة بين معاداة الإسلام والاستياء من س ...
- بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة وحشية


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عدنان إبراهيم - من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله تعالى | الجزء‏ الخامس