عادل عبد الزهرة شبيب
الحوار المتمدن-العدد: 6812 - 2021 / 2 / 12 - 10:24
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ادى الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 الى تدمير الاقتصاد العراقي وانهيار بنى الدولة المركزية ومؤسساتها, وقامت سلطة الاحتلال بتحويل بنية الاقتصاد العراقي الذي كان يشغل فيه قطاع الدولة وشركاته الحكومية والمختلطة دورا مهيمنا , الى اقتصاد السوق حيث قامت بإزالة جميع القيود عن التجارة الخارجية وفتح الأسواق العراقية امام غزو السلع الأجنبية المختلفة الزراعية والصناعية دون عوائق , في الوقت الذي سعت فيه الى تصفية الشركات العامة الصناعية عبر عدم تأهيلها والابقاء على قدراتها الانتاجية معطلة تمهيدا لخصخصتها, الأمر الذي ادى الى الانحسار المتواصل للأنشطة الانتاجية الصناعية والزراعية وغيرها , ما سمح للمنتجات المستوردة خصوصا من دول الجوار باكتساح السوق المحلية على حساب المنتجات العراقية .
وبرفع الاجراءات الحمائية عن منتجات القطاع الزراعي واهمال هذا القطاع , اصبح العراق يستورد سلة غذائه من دول الجوار خاصة من ايران وتركيا والدول الاخرى. وبعد ان كان العراق يحتل المرتبة الاولى في العالم في انتاج وتصدير التمور العراقية اصبح اليوم يستوردها من ايران والسعودية والامارات, مما يدلل على سوء ادارة القوى المتنفذة الحاكمة لشؤون البلاد. ومنذ عام 2003 والى اليوم ازدادت بشكل مضطرد سنويا سياسة اغراق الأسواق المحلية بالمنتجات المستوردة الزراعية والصناعية دون تدخل فاعل او وضع قوانين تنظم عملية استيراد البضائع او اخضاعها الى قوانين الفحص والتقييس والسيطرة النوعية واصبح الاغراق معضلة تتطلب حلولا جذرية. فما المقصود بالإغراق السلعي ؟
الاغراق السلعي , هو قيام دولة بتصدير منتج بسعر يقل عن قيمته المعتادة ( اقل من سعر بيعها المحلي او اقل من تكاليف انتاجها ) , وهو اسلوب يتبع عادة من قبل الشركات المصدرة التي تبيع في سوق دولة اخرى . لقد ادى النمو الهائل في حجم الانتاج العالي لجميع السلع الى انتشار صراع متوحش بين دول العالم للسيطرة على الأسواق وفقا لنظرية التهام السوق التي تتخذها الشركات متعدية الجنسية شعارا لها . ويمكن التحقق من الاغراق في ابسط صورة عند مقارنة الأسعار في سوقي البلدين المستورد والمصدر .
لقد اشار لينين في مؤلفاته الى الاغراق , على انه نظام التصدير القائم على اساس كسر الأسعار ويعده نموذجا لسياسة الكارتلات والرأسمالية المالية , حيث حدد مسار هذه العملية على النحو الآتي :
يبيع الكارتل داخل بلد معين كالبلد المنتج مثلا بضائعه بأسعار احتكارية عالية , الا انه يبيع مثل هذه البضائع في الأسواق الأخرى بأسعار اقل بكثير في محاولة منه لمنع المنتج المنافس من زيادة انتاجه الى مستوى طاقته الانتاجية القصوى . وفي الوقت الذي يقيد الكارتل من حجم الانتاج المخصص للأسواق الداخلية فإنه يتوسع في الانتاج الموجه للأسواق الخارجية. ويعبر الاغراق عن منهجية متعمدة وغير عرضية تتبعها الشركات الاحتكارية في محاولتها الضغط على المنتجين المنافسين . .
شروط الاغراق :
هناك ثلاثة شروط لتحقيق الإغراق وهي كالاتي :
1. وقوع حالة الاغراق : اذا كان سعر تصدير المنتج يقل عن سعر البيع.
2. وجود ضرر للصناعات المحلية في البلد المستورد .
3. توفر علاقة سببية بين الواردات ووجود ضرر على المنتج المحلي .
الاغراق السلعي في العراق :
وفي العراق تعد ظاهرة الاغراق السلعي واحدة من التحديات التي تواجه الاقتصاد العراقي ولا سيما بعد 2003 حيث شهدت السوق العراقية انفتاحا كبيرا امام السلع المستوردة من مختلف دول العالم , وكان لهذه الظاهرة اثر كبير على الاقتصاد العراقي في جوانبه المختلفة حيث ادت الى تراجع القطاع الصناعي والزراعي وتزايد معدلات البطالة وزيادة الميل نحو الاستهلاك . ومما ساهم في استشراء هذه الظاهرة هو عدم وجود قوانين تنظم الاستيراد والضعف الواضح في اجهزة الرقابة وتأخر الحكومات المتعاقبة في وضع الحلول لهذه الظاهرة . والعراق يعاني من ظاهرة الاغراق السلعي منذ 2003 والى اليوم حيث شهدت السوق العراقية انفتاحا كبيرا على السلع المستوردة والتي تكون ذات نوعية رديئة ورخيصة الثمن مما ادى الى منافستها للمنتجات المحلية وكان ذلك احد اسباب انكشاف الاقتصاد العراقي على العالم الخارجي , اضف الى ذلك ضعف القدرة على تكوين قاعدة وطنية لتطوير القطاعات الزراعية والصناعية والخدمية وبالتالي عدم القدرة على منافسة السلع الأجنبية من حيث النوعية والسعر الأمر الذي ادى الى استشراء هذه الظاهرة في السوق العراقية وساعد في ذلك غياب القوانين والتشريعات التي تحكم عملية الاستيراد مما ترتب عليه هدر في الموارد المادية والبشرية واضعاف القاعدة الصناعية للبلد وتراجع القطاع الزراعي وزيادة معدلات البطالة وزيادة الميل نحو الاستهلاك اكثر مما كان عليه سابقا .
اسباب ظاهرة الاغراق في العراق :
هناك عدة اسباب لظاهرة الاغراق السلعي في العراق منها :-
1) تعطيل قانون التعرفة الجمركية على الاستيرادات ادى الى انخفاض اسعار السلع المستوردة حيث لم يتم سوى فرض ضريبة اعمار العراق بنسبة ( 5%) باستثناء الغذاء والدواء وهي نسبة متدنية لا توفر الحماية الكافية للمنتجات الوطنية , في حين ان هناك ضريبة تفرض على المواد الخام التي يستوردها القطاع الصناعي اللازم للتصنيع بنسب مرتفعة تصل الى 20% ما ادى الى صعوبة استمرار اصحاب المصانع بالعمل او تطوير صناعاتهم او القدرة على منافسة السلع المستوردة.
2) وجدت دول الجوار خاصة والدول الاخرى عامة في العراق بعد 2003 سوقا واسعة لتسويق منتجاتها ذات النوعية الرديئة حيث غزت ( ساخت ايران ) السوق المحلية دون ان تخضع لرقابة كافية لفحص النوعية خاصة السلع الغذائية منها التي وجد الكثير منها منتهي الصلاحية , كما وجد ان بعضها تحتوي على مركبات غير مسموح بها صحيا , وهذه المنتجات تنافس منتجات القطاع الخاص العراقي كالألبان واللحوم والدجاج المجمد وغيرها .
3) انسحاب الجهات الزراعية من توفير مستلزمات الانتاج الزراعي من بذور واغطية بلاستيكية ومواد مكافحة الأمراض مما جعل المزارع العراقي ضحية الاغراق لاستيراد سلع زراعية منتجة من دول الجوار .
4) ضعف هيئات التقييس الكمي والنوعي لتحديد ومتابعة السلع والصناعات ومدى جودتها.
5) غياب الأجهزة الرقابية وعدم كفاية المختبرات المزودة بالأجهزة والكوادر المتخصصة مما انعكس سلبا على صحة المواطن العراقي , حيث اشارت احدى احصائيات حماية المستهلك الى اكثر من 50% من السلع المستوردة غير صالحة للاستهلاك البشري .
6) الافتقار الى نظام تجاري محكم يحمي السوق العراقية من محاولات الاغراق المستمرة التي تمارسها الدول الاقليمية .
7) ضعف القاعدة القانونية في النظم والقوانين العراقية اللازمة لردع موردي السلع المغشوشة ذات الأسعار المتدنية التي تزخر بها السوق العراقية حاليا .
8) قلة المنظمات الخاصة بحماية المستهلك وضعف امكانياتها المادية والفنية .
9) غياب الوعي الكافي لدى المستهلك يساهم في استمرار هذه المشكلة .
10) انتشار بضاعة الأرصفة في العراق , اذ ان اغلب السلع المتداولة على الأرضية هي سلع رديئة الصنع ومنخفضة السعر وهي سريعة التلف وتفتقر الى خدمة ما بعد البيع وغالبا ما يكون مصدرها تركيا وايران والصين ..
وفيما يتعلق بالبرنامج الحكومي للسنوات ( 2018 – 2022) للحكومة الحالية فإنه لم يتطرق الى العلاقة بين مهام وزارة التجارة ودورها بضرورة العمل على تنمية الصادرات غير النفطية وتنظيم الضوابط لتقييد الاستيرادات حماية للمنتجات المحلية .
آثار سياسة الاغراق السلعي على الاقتصاد العراقي :-
- ان السلع الرديئة والرخيصة تخرج السلع الجيدة من المنافسة في السوق المحلية .
- ان سياسة الاغراق السلعي ادت الى تراجع القطاع الصناعي العراقي بسبب انخفاض القدرة التنافسية للسلع والمنتجات العراقية وبالتالي ساهم في اغلاق العديد من المصانع او انخفاض طاقتها الانتاجية وارتفاع نسب البطالة وتسرب العملات الأجنبية الى الخارج , كما ادت هذه السياسة الى تراجع الانتاج الزراعي ايضا بسبب عدم قدرة المزارع العراقي على مواكبة اسعار المنتجات الزراعية المستوردة من دول الجوار وذلك لانخفاض اسعارها مقارنة بالمنتجات العراقية. اضف الى ذلك عدم تطبيق المقاييس الصحية في مجال المواد الغذائية المستوردة. وقد شمل الضرر المستهلك ايضا بسبب رداءة نوعية المنتجات نتيجة لاستشراء ظاهرة الغش التجاري والفساد الاداري والمالي . وبلغ الاغراق حدا جعل من منتجات القطاع الخاص العراقي تختفي بشكل يكاد يكون تاما من الأسواق العراقية واصبح الاقتصاد العراقي منكشفا على الخارج بنسب تزداد سنة بعد اخرى حيث بلغت 94% في عام 2008 واصبحت 115% في عام 2009 .
ان اضعاف الصناعات المحلية في العراق قد انعكس على القوى العاملة وخصوصا الفنية منها والمتخصصة حيث انها اما ان تتحول الى اعمال اخرى او تفكر في الهجرة, وكذلك اثر في استغلال المواد الخام اذ يتم تصديرها بشكل اولي وعدم الاستفادة منها من قبل الصناعة الوطنية . ولم يتضرر القطاع الخاص وحده وانما امتد الضرر الى القطاع العام ايضا حيث عانت صناعة الأدوية في سامراء وصناعة الاسمنت وغيرها من الصناعات من سياسة الاغراق.
كما ان سياسة الاغراق قد زحفت واثرت على الأمن الغذائي للمستهلك والصناعات ذات العلاقة وادت الى تراجع الصناعات الغذائية كصناعة الألبان والدواجن وبيض المائدة .
ونظرا لتدهور الانتاج الزراعي في العراق بسبب سياسات الاغراق فقد ترك العديد من الفلاحين مزارعهم واصبحوا عاطلين عن العمل نتيجة السياسات الخاطئة واساليب العمل غير الكفؤة التي ادت الى تدهور وتخلف القطاع الزراعي والذي ساعد على ذلك هو عدم تفعيل قانون التعرفة الجمركية وقانون حماية المنتج ومكافحة الاغراق الأمر الذي اضعف من قدرة المنتوجات المحلية على منافسة السلع المستوردة .
ان تراجع الانتاج الوطني وهيمنة السلع الأجنبية قد ادى الى تفكيك منظومة القطاع الخاص المحلي وتحويل العديد من المصانع الخاصة الى مجرد مخازن لتخزين السلع المستوردة.(5) ولذلك يتوجب ان تتصدر مهام الدولة حاليا خطط وبرامج عمل قصيرة وطويلة الأمد للحد منها عبر تفعيل دور التقييس والسيطرة النوعية واستيراد اجهزة حديثة متخصصة بالفحص على السلع المستوردة واختيار ملاكات كفؤة للعمل عليها واللجوء الى سن قوانين وتشريعات تحد من ظاهرة الاغراق السلعي وتنظيم عمليات الاستيراد والتصدير , علاوة على ضرورة دعم الصناعة الوطنية من خلال تشجيع الدولة للمؤسسات والشركات والقيام بشراء سلعها ودعمها وبيعها للمستهلك بأسعار مخفضة حيث ان سعرها عندما يكون اقل من المستورد سيلجأ المستهلك الى شراءها بالتأكيد فضلا عن خفض قيمة الرسوم والضرائب على استيراد المواد الخام الداخلة بالصناعة(6) وفرض الرسوم والضرائب على السلع المستوردة .
وبهذا الصدد فإنه من الضروري فرض او زيادة الرسوم الجمركية على المنتجات المستوردة المنافسة وترشيد عمليات الاستيراد في مجال التجارة الداخلية والخارجية وتنسيق عمل مختلف الأجهزة الحكومية بالتعاون مع قوى وهيئات المجتمع المدني ذات العلاقة لضمان سلامة المنتجات المستوردة ولتشديد الرقابة على المنافذ الحدودية من خلال فحص المنتجات المستوردة وتنشيط دور التفتيش والسيطرة النوعية وتطبيق الشروط الصحية وشروط السلامة العامة ومكافحة التهريب ومحاربة المتاجرين بالمواد غير المشروعة ..
ولا بد من مساندة كافة الخطوات التي تسهم في عملية دعم المنتوج الوطني الزراعي والصناعي والحد من الاعتماد على المنتجات المستوردة التي تغرق السوق العراقية منذ سنوات لهدف واضح الا وهو تدمير الصناعة الوطنية في العراق وكذلك تدمير الزراعة العراقية وجعل العراق مستهلكا لا منتجا ومستوردا لا مصدرا . فلنعمل معا على دعم الانتاج العراقي , ولتكن هذه مهمة الحكومة المقبلة التي يختارها المنتفضون في ساحات الاحتجاج .
#عادل_عبد_الزهرة_شبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟