|
الصومال.. ونظرية الدولة الفاشلة 2-2
إكرام يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1622 - 2006 / 7 / 25 - 12:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فزاعة الإرهاب
إلا أن الإصرار الأمريكي على التخويف من "فزاعة" الإرهاب يتواصل كالعادة دفعا لتكريس فكرة ضرورة التدخل الأجنبي لحل الأزمة. وهي الفكرة التي تبناها البرلمان الصومالي المؤقت الذي وافق ـ بعد دقائق من استيلاء قوات المحاكم الشرعية على مدينة جوهر ـ على استقدام قوات أجنبية لحفظ الأمن في البلاد، رغم معارضة المحاكم لها. ولا شك أن الولايات المتحدة تسعى ضمن مخططاتها المعروفة للسيطرة على القرن الإقريقي ؛ إلى التدخل في الصومال وإقامة نظام موال لها مثلما هو الحالف في أفغانستان والعراق. إلا أن تجربتها السابقة في هذا البلد الذي وجه أبناؤه للعسكرية الأمريكية قبل عقد ونيف صفعة قاسية جعلتها تنسحب من هناك وهي تجرجر أذيال الخيبة؛ تفرض على واشنطن التروي والتماس العون من قوى دولية أخرى وفي مقدمتها فرنسا التي تهمها مصالحها في جيبوتي بوجه خاص، ويرى محللون أن إيطاليا لن تتردد في المساعدة نظرا للتحالف الذي يربطها حاليا بالولايات المتحدة فضلا عن كونها إحدى الدول المستعمرة للصومال الجنوبي سابقًا. كما ينتظر أن تشارك دول أخرى مثل ألمانيا. ولا شك أن أي تدخل دولي مقبل ستشارك في دعمه دول من الجوار الإفريقي ذات مصلحة مثل إثيوبيا وكينيا. فمن المعروف أن الدولتين الجارتين حريصتان على التدخل في شأن الصومال لأسباب عدة. فكل من الدولتين داخلة على حدة في صراع على الأراضي مع مقديشيو؛ التي تتهم إثيوبيا بالاستيلاء على إقليم الأوجادين (الذي يقطنه 5 ملايين مسلم، وقامت بريطانيا باقتطاعه من الصومال وإعطائه لأثيوبيا عام 1954).كما تطالب باسترداد إقليم النفد الذي تحتله كينيا. ويرى محللون أن إثيوبيا سارعت إلى تبني الشعارات الأمريكية المناهضة للإرهاب بهدف سلخ الصومال عن هويته العربية الإسلامية ودفعه (مثلما يستهدف مع جنوب السودان) إلى الانتماء الأفريقي، لتقطع عليه سبل التواصل مع دول شبه الجزيرة العربية على الجانب المقابل من البحر الأحمر ومع دول الشمال الأفريقي خاصة السودان ومصر. وقامت إثيوبيا بالفعل باختراق الحدود الصومالية مرات عديدة بدعوى مطاردة القوات المعارضة للحكم في أديس أبابا. فضلا عن أن إثيوبيا – باعتبارها دولة حبيسة – تسعى لإيجاد منافذ لها على ساحل البحر الأحمر – خاصة في ظل حالة العداء مع إريتريا وإغلاق مينائي زيلغ وبربرة في وجهها، فضلاً عن صغر ميناء جيبوتي البديل، وارتفاع تكلفة النقل. أما كينيا، فتعاني من تهريب السلع الصومالية عبر حدودها وبيعها بسعر يقل عن السلع الكينية بسبب فرق الجمارك. وهو ما دفع الكينيين إلى إغلاق الحدود البرية والجوية مع الصومال عدة مرات خلال السنوات الأخيرة. هيمنة بالوكالة
ولعل هذا الوضع الإقليمي هو ما دفع بعض المحللين إلى توقع أن تنأى الولايات المتحدة بنفسها عن التدخل المباشر في الصومال حتى "لاتحترق أصابعها" مرة أخرى، والاستعاضة عن ذلك بتدخل قوى إقليمية حليفة لها تحقق لها الهيمنة بالوكالة. ولعل هذا أيضا هو ما دفع واشنطن إلى استبعاد الجامعة العربية من اجتماع مجموعة الاتصال الدولية الجديدة حول الصومال التي أنشئت بمبادرة أميركية واجتمعت للمرة الأولى الخميس الماضي. وشكلت واشنطن المجموعة بعد إقرارها بفشل إستراتيجيتها في دعم أمراء الحرب في مواجهة المحاكم الشرعية. وكان عمرو موسى الأمين العام للجامعة دعا إلى "التوقف الفوري" عن دعم أمراء الحرب الصوماليين. وحث موسى المجتمع الدولي على ضرورة دعم الحكومة الصومالية الشرعية ومساعدتها على إقرار الأمن والاستقرار في الصومال. وأعربت الجامعة عن استغرابها لعدم استدعائها إلى اجتماع مجموعة الاتصال الدولية الجديدة حول الصومال. وقال سمير حسني المسؤول عن إدارة القرن الأفريقي في الجامعة العربية "تأمل الجامعة أن تعيد الإدارة الأميركية النظر في فريق الاتصال ليشمل أهم اللاعبين الدوليين والإقليميين بالنسبة للمسألة الصومالية ومن بينهم الجامعة العربية والهيئة الحكومية للتنمية (إيجاد) ومنتدى شركاء إيجاد". وكانت واشنطن أعلنت الاثنين أن مجموعة الاتصال بشأن الصومال ستجتمع بمشاركة ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والنرويج والسويد وبريطانيا وإيطاليا وتنزانيا واليمن برئاسة مساعدة وزيرة الخارجية للشؤون الأفريقية جانداي فريزر. أحمر.. أصفر وبالعودة إلى تقرير "دليل الدول الفاشلة" الذي نشرته مجلة "فورين بوليسي"؛ نجد أن التقرير يخلص إلى أن هناك نحو مليارين من سكان العالم يعيشون في دول غير مستقرة تحمل مخاطر الانهيار وسط مقدمات حادة للفشل، كعجز بعض الدول عن احتكار القوة أوالاستخدام الشرعي لها بما يعرضها للاضطرابات. ويشير التقرير إلى أن بعض الأنظمة ينقصها السلطة الكافية لاتخاذ قرارات جمعية أو القدرة على تقديم الخدمات المجتمعية. وفي دول أخرى تلجأ الجماهير للسوق السوداء وتفشل في دفع الضرائب وبعضها يلتحق بحركات للعصيان المدني. وعلى المستوى الخارجي ربما تكون سيادة الدولة الفاشلة مقيدة تلقائيا من خلال فرض العقوبات الاقتصادية والسياسية أو تواجد قوات مسلحة خارجية على أرضها أو بعض القيود العسكرية الأخرى مثل حظر الطيران في إحدى المناطق داخل المجال الجوي للدولة. ويضم التقرير نحو 60 دولة؛ استخدم اثني عشر مؤشرا لتصنيفها ضمن الدول الفاشلة؛ وهي: تفاقم الضغوط الديموجرافية (سواء عبر الزيادة السكانية الطبيعية أو نزوح أعداد كبيرة من اللاجئين من الخارج، أو عبر الترحيل في الداخل مما ينجم عنه حالات طوارئ إنسانية معقدة)، ووجود إرث ثأري أو انتقامي بين جماعات داخل البلاد أو هوس جماعي بالعنف، وهروب المواطنين الدائم والمتواصل من الدولة، وافتقار التنمية الاقتصادية إلى العدالة بين مكونات المجتمع، والتدهور الاقتصادي الحاد، وتنامي دعوات عدم شرعية النظام الحاكم وتجريمه، مع التدهور الحاد في الخدمات العامة، وانتفاء سيادة القانون،وتفشي انتهاكات حقوق الإنسان، وتعاظم دور المؤسسة الأمنية بحيث تصبح دولة داخل الدولة، واحتدام الصراع بين النخب السياسية والاجتماعية، والتدخل الخارجي من دول أو جهات سياسية خارجية. وتقسم الدراسة هذا الدليل إلى ثلاث فئات يضم كل منها 20 دولة من الدول غير المستقرة. الفئة الأولى ويرمز لها باللون الأحمر، وهي حالات تقع فعلا في مرحلة الخطر. وتبدأ بدولة ساحل العاج وتنتهي بجمهورية إفريقيا الوسطى ومن الدول العربية تقع كل من السودان (المركز 3)، والعراق (المركز 4)، والصومال (المركز 5)، واليمن (المركز 8) داخل هذه الفئة الأكثر عرضة للفشل. أما الفئة الثانية فيطلق عليها التقرير أنها دول في "منطقة الخطر الكامن" ويميز درجة خطورتها اللون البرتقالي. وتبدأ بالبوسنة والهرسك، وتنتهي بدولة بيرو . وداخل هذه المجموعة تقع سوريا في المركز 28، وباكستان في المركز 34، ولبنان في المركز 37، ومصر في المركز 38. وتقع الفئة الثالثة في إطار احتمالية الخطر أي في مرحلة متوسطة يمكن تسميتها "حالة الترقب" وتأخذ اللون الأصفر كإشارة لاحتمالية دخولها لمراحل أعلى. وتبدأ هذه الفئة بدولة هندوراس في المركز 41 وتنتهي بدولة جامبيا في المركز الأخير (60) لتكون أقل الدول تعرضا للفشل. وضمن هذه المجموعة تقع السعودية في المركز 45، وإندونيسيا في المركز 46، وتركيا في المركز 49، وإيران في المركز 57، وروسيا في المركز59 . وفيما يتعلق بالصومال يرى التقرير أن فشل الدولة كان واضحا لسنوات معبرا عن نفسه في النزاع المسلح والمجاعات والانقلابات وتدفقات اللاجئين. وفي حالات أخرى يبدو عدم الاستقرار كامنا وغالبا ما يتضمن عناصر مزعجة من العداءات والضغوط التي تمثل فقاعات تنتظر الانفجار. وجاء الصومال في المرتبة الخامسة قبل الأخيرة (أي أفضل من العراق بدرجة واحدة) فيما سماه التقرير بالمنطقة الحمراء التي تضم الدول العشرين الأكثر فشلا والآيلة للسقوط. ودعا واضعو التقرير العالم إلى الإسراع في مساعدة هذه الدول "الحمراء" قبل انهيارها معتبرة أن إنقاذ هذه الدول من الانهيار يمثل تحديا للولايات المتحدة وأوروبا والعالم الأغنى. ولا يعد هذا التقرير هو الأول الذي يبحث تلك القضية؛ فالبنك الدولي قد صنف 30 دولة فاشلة تعد الأقل دخلا على المستوى العالمي. بينما حددت الإدارة البريطانية للتنمية الدولية 46 دولة ضعيفة، كما أشارت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى وجود 20 دولة فاشلة في العالم. ولا شك أن حجة الدول العظمى جاهزة دائما للتدخل في مختلف البلدان التي تعاني من الفشل، خاصة إذا كانت دولة نفطية مثل العراق؛ أو ذات موقع استراتيجي مهم مثل أفغانستان أو الصومال أو السودان. والشعوب دائما هي من يدفع الثمن. وها هو "مفهوم الدول الفاشلة" يصك كمصطلح يبرر التدخل في شؤون الدول المستقلة بدعوى فشلها وعدم الوفاء بالتزاماتها تجاه السلم والأمن الدوليين؛ ولن يكون نموذجا أفغانستان والعراق الأخيران في سلسلة يبدو أن حلقاتها تتالى. ولا شك أن المفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي كان محقا عندما استعار مصطلح "الدولة الفاشلة" ليصف به النظام الحاكم في بلاده. ففي كتاب أصدره تحت عنوان "الدولة الفاشل: إساءة استخدام السلطة والاعتداء على الديمقراطية" وركز فيه على "فشل" بلاده في التقيد بالقوانين بعدما صار قادة واشنطن يعتقدون أنها فوق جميع القوانين المحلية والدولية؛ طرح تشومسكي عدة مقترحات للحيلولة دون انزلاق بلاده إلى حالة الفشل التام. ويشير محللون إلى أن هذا الكتاب يكمل كتاب المفكر الأمريكي أيضا ـ ويليام بلو الذي أصدره2002 تحت عنوان "الولايات المتحدة: الدولة المارقة". ويتحدث بلو عن مسؤولية الولايات المتحدة عن تنفيذ وتمويل "40 انقلاباً و30 عدواناً في 50عاماً!". ويبدو أننا أصبحنا بحاجة إلى توحيد مفهومي "المروق" و"الفشل" بعدما صار البعض يستخدمهما بمنطق.. رمتني بدائها وانسلت.
#إكرام_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصومال.. ونظرية الدولة الفاشلة 1-2
-
حزب الله.. والتكفيريون
-
السلطان عريان
-
تيمور الشرقية .. على سطح صفيح ساخن 2-2
-
تيمور الشرقية .. على سطح صفيح ساخن (1-2)
-
الطلاب.. رافد يدعم التغيير ولا يقوده
-
حنانيك يا موت..غاب نهار آخر..
-
الصهيونية: عنصرية مع سبق الإصرار والترصد والممارسة 2-2
-
(لصهيونية: عنصرية مع سبق الإصرار والترصد والممارسة (1-2
-
..ورحل أجمل أزهار البساتين
-
كيف كان لطفي السيد ملحدا
-
هند الحناوي.. ومجتمع يفيق من إغفاءة
-
اتفاقيات التجارة الحرة مع أمريكا داء أم دواء؟ 2-2
-
اتفاقيات التجارة الحرة مع أمريكا داء أم دواء؟ 1 2
-
الشهيد المسيحي الذي قتلناه
-
الملف النووي ..اختبار جديد للقطبية الأحادية
-
نهب الماضي والحاضر واغتيال المستقبل (2-2) العراق مجرد بداية
-
.نهب الماضي والحاضر واغتيال المستقبل (1-2) العراق مجرد بداية
-
(عن -الديمقراطية الأمريكية- و دور الدولة.. وأمور أخرى (2-2
-
عن -الديمقراطية الأمريكية- و دور الدولة.. وأمور أخرى1-2
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|