|
أسباب ظهور الطوائف الغنوصية / الجزء الثالث
أحمد راشد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 6810 - 2021 / 2 / 9 - 14:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الجزء الثالث
استنادا الى الموروث المندائي، فان تواجد المندائيين الاوائل لم يقتصر على بلاد الرافدين وحده، وانما شمل مصر وبلاد الشام وحوض الاردن ايضا، وان تواجدهم في فلسطين وحوض الاردن خصوصا يعود الى ما قبل اليهودية بزمن طويل، وتؤكد المرويات التأريخية للمندائيين وكذلك عدد من نصوص بيت كنزي الى ان المندائيون آنذاك كانوا يمارسون المشاعية الزراعية في استقرار وامان، لعدم وجود ما يعرف بالختان في مناطقهم، فمع ان الكنعانيون لا يحرمون الختان تحريما تاما، الا انهم لم يمارسوه، ولم يدخل ضمن معتقداتهم. وكما يبدوا فان بروز اليهودية جنوب فلسطين، وممارستها للختان القسري، ولد حالة من الهلع بين المندائيين خصوصا. سيما وانهم يرفضون الختان رفضا قاطعا، الى درجة ان من يُختن قسرا، فانه يكون خارجا عن المندائية بشكل قاطع. مسألة اخرى لم تثر انتباه الباحثين في مسألة المرويات اليهودية، ففي الوقت الذي عجز فيه الباحثون في اثبات المعارك التي يتحدث عنها الكتاب المقدس في اي من مدونات الحضارات القديمة، كنعانية كانت ام بابلية ام مصرية، فأننا نجد صدى لتلك المعارك عند المندائيين دون غيرهم تحديدا، ناهيك عن الختان القسري والذي غالبا ما تتحدث به الاسفار اليهودية، والذي نرى له صدا في الكتب والمرويات المندائية أيضا! فماذا يعني ذلك كله؟ الا يرجح ذلك، ان المعارك والصولات الاسطورية التي تتحدث عنها الاسفار اليهودية، انما كانت في حقيقتها غزوات بدوية لقرى مندائية، تم الاستيلاء عليها بيسر، بسبب نبذ المندائيين للعنف. والذي يجعلهم يهربون من اراضيهم بمجرد سماعهم وصول الغزاة! لتتحول فيما بعد الى معارك وانتصارات على امم وشعوب؟ من يقرأ الكتاب المقدس بتمعن، سيلاحظ ان اغلب اسفار الكتاب المقدس زاخرة بصولات قطع الغلف القسري لغير اليهود، وتسخيرهم ليعملوا كعبيد لهم، مع الملاحظة وكما أسلفنا، فان الكنعانيون وان لم يستخدموا الختان كطقس ديني، الا انهم لم يرفضوه كلية. في حين نرى المندائيون دون غيرهم، يعتبرون حتى من يختن قسرا خارجا عن الدين، وينبذ من المجتمع. فماذا يعني ذلك كله؟ الا يعني ذلك أن تأكيد اليهودية على الختان، وتأكيد المندائية على رفضه، يؤكد وجود علاقة تنافريه تاريخية بين شعبين؟ ننقل هنا عدد من الاحداث التي تطرحها مرويات العهد القديم والتي تتحدث عن الختان. صموئيل: الاصحاح 18 (6) وكان، عند وصولهم حين رجع داود من قتل الفلسطينيين، أن خرجت النساء من جميع مدن إسرائيل، وهن يغنين ويرقصن بدفوف وهتافات ابتهاج ومثلّثات في استقبال شاول الملك. (7) فأنشدت النساء الراقصات وقلن: قتل شاول ألوفه وداود ربواته. (6) فغضب شاول [...] (20) وأحبّت ميكال، ابنة شاول، داود، فأُخبر شاول، فحسن الأمر في عينيه. (21) وقال شاول في نفسه: أعطيه إيّاها، فتكون له فخاً، وتكون يد الفلسطينيين عليه (25) فقال شاول لحاشيته: هذا ما تقولونه لداود: ليست رغبة الملك في المهر، ولكنّه يريد مائة غلفه من الفلسطينيين انتقاما من أعداء الملك. وكان شاول قد أضمر أن يوقع داود في يد الفلسطينيين. (26) فأخبرت حاشية شاول داود بهذا الكلام، فحسن الأمر في عيني داود أن يصاهر الملك. (27) فلم تتم الأيّام حتّى قام داود وذهب هو ورجاله وقتل من الفلسطينيين مائتي رجل وجاء بغلفهم، فسلمت بتمامها إلى الملك ليصاهره. فزوجه شاول ميكال ابنته. (28) ورأى شاول وعلم أن الرب مع داود. أشعيا: الفصل 52 (1) إستيقظي إستيقظي، إلبسي عزّك يا صهيون، إلبسي ثياب فخرك يا أورشليم يا مدينة القدس، فإنه لا يعود يدخلك أغلف ولا نجس... القضاة: الفصل 14 (1) ونزل شمشون إلى تمنة، فرأى في تمنة امرأة من بنات فلسطين. (2) فصعد وأخبر أباه وأمّه وقال: رأيت في تمنة امرأة من بنات الفلسطينيين، فاتّخذاها الآن لي زوجة. (3) فقال له أبوه وأمّه: أليس في بنات إخوتك وفي شعبي كلّه امرأة، حتّى تذهب وتأخذ امرأة من الفلسطينيين الغلف؟ فقال شمشون لأبيه: بل إيّاها تأخذ لي، لأنها حسنت في عيني. حزقيال: الفصل 44 [(6) وقل للمتمرّدين، لبيت إسرائيل: هكذا قال السيّد الرب: كفاكم جميع قبائحكم، يا بيت إسرائيل (7)، وإدخالكم بني الغرباء الغلف القلوب، الغلف الأجساد، ليكونوا في مقدسي ويدنّسوا بيتي، وتقريبكم طعامي، الشحم والدم، ونقضكم عهدي بجميع قبائحكم، (8) ولم تقوموا بخدمة أقداسي، بل أقمتم من يقومون بالخدمة عنكم في مقدسي. (9) هكذا قال السيّد الرب: لا يدخل مقدسي ابن غريب أغلف القلب أغلف الجسد من جميع بني الغرباء الذين بين بني إسرائيل. ولا يدخل الهيكل ولا يشارك في الاعياد وليس له من نصيب في يوم المعشر]. ومن المفيد الاشارة الى ان في الوقت الذي لا يسمح فيه اليهود لغير المختون بالزواج من يهودية، اضافة الى اعتباره غير يهودي، فان المندائيون لا يزوجون المختون لبناتهم، ولا يعتبرونه مندائيا، وهنالك رواية يهودية تقول ان إبراهيم يقف يوم الدينونة على باب الجحيم فلا يسمح أن يدخل في الجحيم أي شخص يحمل علامة الختان، ورواية أخرى تقول إن الله يغفر لليهود خطايا كثيرة بسبب الختان [8]. وفي الوقت الذي يمثل الختان وخروج الدم عملية ارتباط روحي مع الاله يهوه في اليهودية، فان المندائية تعتبر خروج الدم والختان ارتباط بأسرار قوى الظلام وان التعميد في الماء الجاري هو الرباط الحقيقي بعوالم النور العليا. ويبقى ان نشير الى الاقوام التي يذكرها الكتاب المقدس والتي حاربها اليهود وفرض عليها الختان القسري، ومنها مملكة صوبا وكذلك الميديانيين [9] هذين الاسمين يُذَكِران بقوم الصابئة المندائيين، فصوبا من صابا او صابي صبي، اما مديانيين فمن الممكن ان تكون تحريف لكلمة مندائيين، اما مبدئنا في ذلك، فيكمن في عدم وجود اي دليل اركيولوجي على وجود ممالك بهذا الاسم مجاورة لفلسطين، لها جيوش باستثناء الكتاب المقدس، ولان الاسمين يقتربان من تسمية الصابئة المندائيين، فبالتالي من الممكن ان تكون تلك المجتمعات، عبارة عن تجمعات مندائية ريفية، ذات نظام مشاعي، تمت محاربتها والسيطرة عليها بسهولة ويسر، لتتحول فيما بعد ومن خلال المدونين الى صولات ضد امم وممالك عظيمة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [8] للمزيد حول موضوع الختان راجع كتاب الختان والجدل الديني الجزء الثاني ــ سامي الديب. [9] يؤكد سفر العدد31 على ان المديانيين كانوا يسكنون جنوب وشرق فلسطين وبالتالي من المرجح ان يكون اسمهم تحوير لاسم المندائيين، ان تحديد موقع سكنهم في جنوب وشرق فلسطين بحسب السفر يؤكد ان لا علاقة لهم بشعوب ميديا في إيران.
#أحمد_راشد_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اسباب ظهور الطوائف الغنوصية /الجزء الثاني
-
اسباب ظهور الطوائف الغنوصية/الجزء الاول
-
بيوت العبادة وبيوت الدعارة
-
صابئة فلسطين والغنوصية المحدثة
-
العلاقة الجدلية بين النبي يحيى والنبي عيسى وفق المفهوم المند
...
-
العلاقة الجدلية بين النبي يحيى والنبي عيسى وفق المفهوم المند
...
-
الاسينيون خلافا لما هو سائد / سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية ا
...
-
الاسينيون خلافا لما هو سائد / سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية ا
...
-
الأسينيون خلافا لما هو سائد/ سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية ال
...
-
الاسينيون خلافا لما هو سائد سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية ال
...
-
الأسينيون خلافا لما هو سائد الجزء الثاني سلسلة صابئة فلسطي
...
-
الأسينيون خلافا لما هو سائد الجزء الاول من سلسلة صابئة فلسطي
...
-
تأريخ ميلاد النبي يحيى بحسب النصوص المندائية (من كتاب صابئة
...
المزيد.....
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
-
الضربات الجوية الأمريكية في بونتلاند الصومالية قضت على -قادة
...
-
سوريا.. وفد من وزارة الدفاع يبحث مع الزعيم الروحي لطائفة الم
...
-
كيفية استقبال قناة طيور الجنة على النايل سات وعرب سات 2025
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|