في علم التربة، هناك مصطلح إسمه (نقطة الذبول الدائمة) يصلها النبات حين لا يوجد ماء متاح للإمتصاص. وهذه النقطة هي خاصية للتربة ولا علاقة لها بالنبات سوى أنه يعمل كدليل لها. والتربة عند (نقطة الذبول) تحتوى ماءً، سوى أن جزيئات هذا الماء تكون ممسوكة من قبل غرويات الطين في التربة بقوى (تقاس بالضغط الجوي السالب) عالية لا تستطيع الشعيرات الجذرية التغلب عليها. ولكل تربة نقطة ذبول خاصة بها. المهم إن نقطة الذبول الدائمة إذا وصلها النبات فموته يصبح محتوما. ومعلوم انه لو جف المعين أو تعسر فموت الكائن يصبح مسألة وقت لا غير. ومعلوم أن النبات يتأثر بالأصوات أيضا! لكن غير المعلوم هو: هل تصيب النبات أعراض هذيان كالتي تصيب المتماوت عطشا!
وأمس وردتني رسالتان مباشرتان ورسالتان تلميحا. أدى رسالتي التلميح تسأل عما إذا كان الإسم المستعار في الكتابة عار أو وصمة. وفي رد لنا، مبسط على صاحب السؤال، أخذنا عليه إستعارته الإسم إلا أن (كتابات) لم تنشره. إن إستعارة الإسم كحالة ليست عارا، إنما العار أن يستتر الفرد خلفها ويشاتم ويتعاطى السياسة. فلا خير في رأي يخاف صاحبه الكشف عن هويته. وحيث ليس لصاحب السؤال من رأي سوى الشكوك والمنابزات، فمن باب الفروسية أن ينتسب ويعلن إسمه الصحيح فيثبت أنه أهل لما يقول، وأن سجله الشخصي لا يركس لسانه. وإلا فقد يكتب الصحاف أو مشعان أو وفيق بإسم رشيد، ويقول وينابز ما حلا له.
ورسالة التلميح الثانية، وردت على شكل مقال مطول على (الحوار المتمدن) و(كتابات) بعنوان (نستالجينو،،) والتي كانت كسيل جارف ،،، حاجة الصادي منه جرعتان. ويبدو أنها جواب من يد يمين على سؤال من يد شمال. وقد بدأت بتظلم ورثاء على حال كاتب هضم حقه. إذ كتب قصة تحكي صراع الإنسان مع الطبيعة عبر طيار إسرائيلي وتهيب من نشرها خوف الملامة، كما تأفف أن أحدا لم يفهم تقلباته الظلامية، وأنه حارب الماركسية من نعومة أظفاره، وأنه ناشد جهات عراقية، عددها ليوحي بكثرتها، معتبرا إياها الوحيدة التي ستفهمه لكونها، كما وصفها سرياليا، خارج الإنشقاقات البنيوية عن تاريخية الأحزاب. وقد كرر أمثال هذا الهراء السريالي عدة مرات كدليل على الألم الذي يعتصر قبله. وإن يعذرني القارئ فأحيله إلى مقال (نستالجينو) ومنه إلى الفقرة التالية: (( الرهان الوحيد امامنا نحن العراقيون، هو قراءة الخارطة المعقمة من ارث الحزبيات التاريخية، وهي خارطة متداخلة، قد تتسرب الى داخل هذه الاحزاب، طبقا لتطورات ونمو العلاقات المعاصرة،كما ان بعضها يطرح نفسه باستقلال واعد،امكنه الاستفادة من شرطيات فكرة الانسان لا انسان الفكرة،وقد غلبت على رؤيته الوقائع اكثر من خيالات الايديولوجيا والفكرة.ولعله امتلك ارثا لا باس به من المهاجر الاوربية، كذلك هذه الشرائح الاكثر هي موجودة في العراق وتناغمة مع خبراء ديمقراطية وليبرالية دول العالم، ذلك لان العراقيين في اللاعودة،لاسيما اشمئزازهم المنهجي من الافكار الثورية والبطولية وقد استغرقها النظام السابق،فيما مجموعات هذا التفكير الرومانسي الحربي ايضا موجودة في المهاجر،وان وجدت مجموعات تتقاطع معها في العراق،فان تلك المجموعات فقدت امتيازها القديم مع غياب سلطة صدام،واخرى اسيرة خوف طائفي..الخ ثمة انفصال محترم عن التاريخ عبرت عنه مجموعات هائلة، وذلك من خلال انقلاب مدوي في خطابها التمدني والسلمي،الى حد فاقت انشطاراته وانشقاقاته أي تصور،ولعلها تمكنت من الاستفادة والتعرف على نظام الحقوق في الغرب، مع ان هناك مقابل عدمي يعمل على احلام دول البابا الحمراء،رغم عيشه بالقرب من هزيمة اباطرة الكرملن وشاهات الملالي في ايران ، كما هو على مقربة من شرعات حقوق الانسان والضمان الاجتماعي وحماية الحرية في ادق جزيئاتها،الى حد تقديس الجزء على الكليات الماحقة،لانها كليات مستبدة تحاول سحق الجزء بدواعي مفاهيم رعناء للديمقراطية والحرية،أي فهم الديمقراطية على اساس انها تصويت الاكثرية وقبول الاقلية بنتائج التصويت ،وان كان تصويتا ضد الحرية بمفعول الحرية نفسها،أي الاكثريات الانقلابية على المصائر،وهذه ثغرة سامة لمن يتامل تدمير الديمقراطية بالتصويت،لما فيها من قيم بربرية وبدوانية،تعمل على سحق الجزء لمصلحة الكل!! انها بلشفية غادرة واسلاموية الجزائر ذات المليون مجرم، لذا لا خيار امام غرف الحماية النارية لديمقراطيتنا من اكثريات ارث الاحتراب،لاخيار غير غرف الانعاش واستشفاء الموجه!! ))
على أية حال: حين يعلن شخص عفته ومعصوميته عبر شعار يقول أنه حمله طوال حياته وهو ((كم تدفع لي كي أكرهك)) ثم ينقلب فجأة ليتغزل بسفاح قاتل هو رامسفيلد ويسميه ضمنا وصراحة (( فيلسوف القتل الجميل، وفوضوي شيكاغو البسيط المحبوب)) تلك التسمية التي إستشفها من خلال 1500 قنبلة إنشطارية أسقطها هذا السفاح على الشعب العراقي وأضعافها من الصواريخ والقنابل والطلقات المنضدة، ومن خلال النهب والسلب الذي مهد له. في مثل هذه الحال لا خيار ما بين تشخيصين، أما أن يكون هذا الشخص عفيفا حقيقة أو مصابا بمرض المازوشية اللانمطية.
وحين يشتم هذا الشخص رئيس ما يسمى بالمؤتمر الوطني (الكلبي) ويتوقع، بناءً على قوة وعقلانية تحليلاته كما يقول عن نفسه، أن تعتقله القوات الأمريكية لكونه دون النشال، ثم يعود ويعتبر هذا المؤتمر أحد كتائب جيوش الفرح والأمل، كما ورد في مقدمة (نستالجينو). أو حين يكون عنوان هذا الشخص البريدي والإلكتروني وقبل أربعة أشهر فقط مرجعا لجماعة (الحل الثالث) ثم ينقلب فجأة مع موازين القوى ليتغزل بقاتل أهله وشعبه، فليس لنا إلا أن نعتبر هذه أعراض هلوسة الذبول الدائم.
وكي لا يذهب هذا السيد بعيدا، نقول له: ما كنا لنهتم بما تسميه تقلباتك الظلامية ولا تاريخ محاربتك للماركسية، ولم نهتم أصلا بمطولات مقالاتك، ولا بمديحك لكنعان الذكي. نحن لا نقيمك، لأننا لا نقيم أحدا. كل ما أخذناه عليك، حالة شخصناها، وهي عشقك اللامبرر لرامسفيلد. لذا، لا تتظلم ولاتمر بتاريخ نستالجينو ولا أوركاجينا! وكم نود لو أنك سألت أوركاجينا عن رأيه بشخص مجد وعشق سفاحا ضرب شنعار بالقنابل الإنشطارية؟! أما حديثك عن الضمان الإجتماعي وبحبوحة أوربا وممارسة دونية التحليم الجنسي مع الغرب الأشقر، فهذا من الإنفصام ليس إلا. بديل أنك لا تنظر إلى نفسك أين تعيش وعلى حساب من؟!
أما الرسالتان المباشرتان، فإحداهما جاءت من (كتابات) على شكل فلم لجورج بوش يرقص على موسيقى عراقية يتصدرها صولو الدنبك (الخشبة). وإذ أشكر (كتابات) على هذا الفلم اللفتة، فلازلت محتارا أي الرأيين أستخلص منه؟ هل إن بوش إنتبه إلى ورطته مع الشعب العراقي، وبدأ مقدما يدك ويلطم مهووسا على إيقاع الدنبك؟! أم أنه لمح لإستعداده لأن يتعرقن كسابقه المغولي، لكنه أخطأ التعبير؟!
والرسالة المباشرة الثانية وردت من صديق وهي مقتطفات من نشرة أخبار وكالة (رويتر) ليوم أمس (030501) جاء فيها: (( إسقاط مروحية أمريكية قرب النجف،، مقتل جندي بريطاني في البصرة،، إلقاء قنبلتين يدويتين على الأمريكان في الفلوجة وجرح سبعة منهم،، تعرض موكب رامسفيلد لطلقات نارية على طريق المطار فغادر العراق ولم يكمل نهارا واحدا،، تبادل إطلاق النار بين القوات الأمريكية وعراقيين في بغداد إثر عودة التيار الكهربائي وتفجير خزان وقود )) الطريف في نشرة رويتر هذه أنها أفلتت جملة ما كان لوكالة متمرسة بنقل (أو فبركة) الأخبار مثلها أن تفلته. فقد قالت بالحرف: (( وتبادل العراقيون إطلاق النار مع قوات التحالف في منظر أصبح مألوفا يوميا )) أي أن المنظر المألوف هو ليس ما يكتبه البعض من أن العراق بخير تحت مظلة قوات التحالف، وإنما المألوف هو المقاومة اليومية التي تتعامى عنها وكالات الأنباء.
فما الذي يجمع بين هذه الرسائل المباشرة وغير المباشرة؟ أو ما الذي تفترضه قناعتنا من رابط فيها؟!
الذبول!
إن ليس الدائم، فشبيهه، لمشاعر ورؤى القائلين بتحرير العراق، والمتعشمين الخير بأمريكا. ذلك الذبول الذي يلوح على وجوه رامسفيلد وبوش وبلير وعلى صحافتهما وكل ما يصدر عنهما، حين يتحدثون عن العراق، وبما لا يشير بأي شكل من الأشكال أنهم منتصرون حقا. مثلما يلوح ذلك الذبول عبر إعلانات البراءة، المنطوقة بشكل هستيري، من أعمال أهالي الفلوجة، وإتهامهم بأنهم مصنع رجال الأمن ومريدي النظام. ولابد وسيتبرّأ هؤلاء لاحقا من أعمال الشعب العراقي في البصرة وبغداد والموصل والناصرية والنجف وكل بقعة ترفض الإحتلال وتقاومه سلما أوعنوة. والشعب العراقي ماض في مقاومته، ولن تثنيه براءات ولا نصائح ولا إتهامات بجهل أو بدوية أو حمق النسيب الذي رجمهم به عاشق رامسفيلد، وأتهمهم بحلمية الممارسة تجاه الغرب الأشقر. وقد قالت لنا الأحداث الماضية أن لا من إحد إنتفض ولا من أحد رحب بالمحتلين، ولا من أحد رغم المغريات والمرعبات تراجع عن موقفه تجاه الإحتلال.
لقد تذابلت أيها السادة أفراحكم بالإحتلال، وستموت.
كنتم تدعون أنكم تأخذون من نبع الشعب العراقي وبإسمه تتحدثون وتمثلون مصالحه (الواعية!!) فراجعوا ما تقولون!