أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - حُكم التبنّي في الإسلام













المزيد.....

حُكم التبنّي في الإسلام


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 6806 - 2021 / 2 / 5 - 22:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في سؤال على الواتس أمس، أخت كريمة قالت: ما رأيك في التبني وهل الإسلام قال بتحريمه؟

قلت: يجب تصور ظروف عصر التنزيل أولا لكي نرى آيات القرآن بوجهها الصحيح، فالعرب وقتها كانوا ينسبون أبناء الفقراء لأشراف القبيلة إما من باب الكفالة لضيق ذات اليد وإما للعزّة والشرف، والنبي كان من أشراف قريش فنسب العرب أحد خُدّامه له وهو "زيد بن حارثة" فقيل "زيد بن محمد"

وبما أن والد زيد معروفا نزل قوله تعالى "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما" [الأحزاب : 5]

يعني انسبوا زيدا لأبيه حارثة وليس لمحمد..ذلك من العدل أن تُحفَظ الأنساب ولا تختلط بمرور الزمن، ولأن ما يحدث فيه (ظلمُ بيّن) وتشريع لنسب أطفال الفقراء للأغنياء مقابل منح وهبات تُدفع أحيانا..كان وجها آخر من العبودية يمارَس على نطاقٍ واسع فنزل الأمر بتحريمه وعودة الحق الاجتماعي (النسب) لأصحابه ولحفظ الأرحام لقوله تعالى " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله "[الأحزاب : 6]

لكن إذا لم تعلموا آبائهم؟..يعني لو كان الطفل مجهول النَسَب؟

هنا أمرين:

1- إخوانكم في الدين
2- مواليكم

الأولى لم تحل موضوع النسب فالمجتمع لا يقبل إسما دون أب، فما معنى الأخوة هنا؟..وهل يجوز القول فلان أخو فلان وكفى؟..الآية فيها تفصيل وخلاف فالأخوة الدينية شأن أخلاقي لكن (النسب) شأن اجتماعي، فلابد من نسب..ومن يرى تحريم التبني هو يخلط عدة أمور في بعضها، فهو يخلط أولا بين (التبني وخلط الأنساب) وثانيا بين ( الأخلاق والعُرف الاجتماعي) فالأعراف قد تختلف مع أخلاق الناس أحيانا كهذه القضية، شخص بدون أب ولا يعرف له نسب..من الأخلاق أن نعامله كأخ، لكن المجتمع سيُعامله كلقيط وابن زنا، وهنا الفارق بين النظرية والتطبيق..

بينما الإسلام يُحرّم الظلم وخصوصا ظلم الإنسان بجريرة غيره، قال تعالى في خمسة آيات قرآنية للتوكيد "ولا تزر وازرة وزر أخرى" يعني لا ذنب لأطفالكم بجريرة وذنوب آبائهم، فمن يُحرّم التبني هنا ليس لديه علاجا لأبناء الجنس غير المشروع أن يعيشوا عالة على المجتمع فتكثر الجرائم والفوضى ، وبالتالي فمفهوم (إخوانكم في الدين) لا يصطدم مع نسب الطفل لكافله..خصوصا وأن الآية منعت فقط نسب الطفل – معلوم الأب – لغير والده كما في قصة زيد بن حارثة، ومن يقول بالتحريم ليس لديه دليل صريح..

أما الثانية: فتليق بزمن العبودية والموالي..وهذا الزمن انتهى، فكلمة "مواليكم" خاصة بوضع اجتماعي انتهى فعليا بتحرير العبيد ونهاية عصر الرقيق.

الشيوخ الذين قالوا بتحريم التبني قالوا ذلك لأن (الطفل المتبنى) ليس له حقوق ميراث مفروضة، وبما أن نصيب التبني غير معلوم ونسبته غير معلومة فالله لم يُشرّع التبني فلو كان مشروعا لعُد من أنصبة الإرث مع الفروض المعلومة نصاً، وجواب ذلك أن الشيوخ لو لم يمنعوا وصية المتوفي لسهل عليهم فهم الآية والواقع الاجتماعي بشكل صحيح، لأنه ببساطة فالمتوفي لو أوصى لإبنه (بالتبني) بأمواله كاملة فله الحق وفقا للنص القرآني، لكنهم قدّموا الفروض على الوصية، فآمنوا بآية وكفروا بأخرى..وعندما رأوا عدم سد الفروض كامل نسبة التركة (اخترعوا التعصيب) وعندما رأوا زيادة القسمة عن حد الفروض (اخترعوا العول) وهذه قصة كبيرة في المواريث ..وعليها ضرب نار بين المذاهب..والمتسبب فيها الشيوخ الذين ألغوا الوصية وقعّدوا كل شئ في الميراث تحت قاعدة (للذكر مثل حظ الأنثيين) وهو الذي أدى لظلم آخر في الميراث يدعى ب (المسألة الغراوية أو العمرية)..

كذلك فالذين قالوا بتحريم التبني اعتقدوا أن كفالة اليتيم بديلة عن التبني، وفي الحقيقة هي نفس الشئ، فكفالة اليتيم ليست على وجهٍ واحد، منها ما ينفق على اليتيم في بيته أو بيت أبيه المعلوم، ومنها من لا بيت له ولا نسب ولا عائلة فماذا نفعل معه؟..نقتله مثلا؟

شاهد ماذا قال الله عن اليتيم :

"كلا بل لا تكرمون اليتيم" [الفجر : 17]
"فأما اليتيم فلا تقهر" [الضحى : 9]
"فذلك الذي يدع اليتيم" [الماعون : 2]

ومن صور إكرام اليتيم وكفالته وعدم قهره هو (تبنّي غير معلوم النسب) ولذلك عدة فوائد:

الأولى: تبني اليتيم يجعله مقبولا في المجتمع ويمارس حياته بشكل طبيعي، فيتحقق له جانب الكرامة والأمن وعدم القهر المنصوص عليه في القرآن.

الثانية: كفالة اليتيم ليست طعاما وشرابا ومسكنا فقط..بل مجتمع وسمعة وكرامة وحماية..إلخ، وهذه أمور لا يمكن توفيرها سوى بالتبني

الثالثة: تقضي على ظاهرة أطفال الشوارع وما يرافقها من جرائم وانحرافات أخلاقية، فالحاصل بمجتمعات المسلمين - التي تُحرّم التبني – أن أطفال الشوارع قنبلة موقوتة عندما يكبرون يصيرون خطرا على المجتمع..فلا هوية له ولا ضابط ولا رابط اجتماعي يحكمه..وفي مدينتي أكثر حوادث السرقة والتحرش والاغتصاب تحدث من شباب "ملجأ الأيتام" الذين كبروا ولم يجدوا عائلا لهم سوى موظفي الملجأ فامتهنوا الجريمة..

الرابعة: تقضي على فتاوى حرمان غير المسلم من ميراث المسلم والعكس صحيح، فالشيوخ فسروا كلمة "إخوانكم في الدين" على أنها دليل لحُرمة الإرث من غير الملة..

الخامسة: تقضي على ما يسمى "رضاعة الكبير" فأحد نتائج تحريم التبني هو ظهور تلك الآفة بين العرب والمسلمين الأوائل، والقصة أنه لما أفتى الشيوخ بحُرمة التبني كانوا يتداولون قصصا عن تبني عرب لمواليهم كأبي حذيفة الذي تبنى سالم، فلما ظهرت فتاوى تحريم التبني أصبحت زوجة أبي حذيفة "سهلة بنت سهيل" غريبة على سالم وتحل له شرعا، فاخترعوا حديث رضاعة الكبير الشهير وقالوا على سهلة أن ترضع سالما وهو كبير ليصير ابنها بالرضاعة..!!..ومن أفحش ما قاله الشيوخ أن السيدة عائشة قبلت هذه الفتوى فقالوا "أخذت بذلك عائشة فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال، فكانت تأمر أختها أم كلثوم، وبنات أختها يرضعن لها من أحبت أن يدخل عليها من الرجال"..(تفسير الشافعي 2/ 1184)

ثم يعيبوا على بعض الشيعة الذين يسبوا عائشة وفي الحقيقة هم الذين يسبوها ويشنّعوا عليها بتلك الفتوى البغيضة، فما عليك الآن سوى أن تختار : إما التبني أو رضاعة الكبير..!

أخيرا: فالدكتور محمد شحرور رأيا في التبني وجيها يتسق مع القرآن، قال أن قوله تعالى في تحريم بعض النساء في النكاح "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم ...وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم "..[النساء : 23] فحسب شحرور أن الله يقول بأن هناك أبناء ليسوا من الأصلاب، وإلا فما دلالة ذكر أصلابكم هنا إلا ثبوت الاختلاف؟..وكذلك قوله "أبنائكم" وليس "أولادكم" والفارق أن هناك تشريعا بالتبني من غير الولادة..فكل من تبني غير ولده يعلم أنه ليس من صُلبه ولكنه يسمى "إبنا" وليس "ولدا"..

فالقضية إذن مفتوحة للاجتهاد وإن كنت أقول بجواز التبني - اجتهادا – لصالح المجتمع واليتيم والطفل والأسرة، فهناك من الأسر من لا تلد وترغب في استئناس وألفة الأبناء..بينما هناك أطفالا – مجهولي النسب – بحاجة إلى كفالتهم اجتماعيا ليس فقط بالطعام والشراب ولكن بالأمن والحماية والسمعة..فلماذا لا نجمع هذا بذاك ونُحلّ معضلة اجتماعية ومشكلة واقعية كبيرة أرّقت شعوب المسلمين وخلقت مشاكل كأطفال الشوارع والملاجئ وغيرها، وبما أن الإسلام رسالة إصلاحية نزلت لصالح الأرض وإعمار الكون فكل تفسير للقرآن واجتهادا يحقق تلك الرسالة بالبناء والعمران والعدالة والقسط فهو تشريع إصلاحي لا يتعارض مع الإسلام بل يتفق مع روحه ومضمونه، وظني أن من يعترض على هذه الرؤية لا توجد لديه حلول للمشكلات الخمسة الواردة أعلاه سوى التعصب لتفاسير الأقدمين..



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجديد الفقه الإسلامي وتحدياته
- كيف تنقد مقالا بطريقة علمية؟
- الشيعة فوبيا والإسلاموفوبيا..ما العلاقة؟
- صفوت الشريف كرئيس مصري بدون قَسَم
- روشتة الاستبداد الذكي
- أكذوبة لعن الزوجة الممتنعة عن الفراش
- صراع المرأة ورجل الدين
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (6)
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (5)
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (4)
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (3)
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (2)
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (1)
- الحزب العلماني المصري..كفكرة سيئة
- دخول الإسلام بنجلاديش وأندونيسيا بالحرب لا بالدعوة والتُجار
- طموح شيخ الأزهر السياسي
- القصة الأصلية لصحيح البخاري
- روشتة الحكم الرشيد للسيد جو بايدن
- الإسلام السياسي والحرية الصحفية
- رسالة لشيخ الأزهر


المزيد.....




- عيد الفطر في مدن عربية وإسلامية
- العاهل المغربي يصدر عفوا عن عبد القادر بلعيرج المدان بتهمة ق ...
- المرصد السوري يطالب بفتوى شرعية عاجلة لوقف جرائم الإبادة
- عبود حول تشكيلة الحكومة السورية الجديدة: غلبت التوقعات وكنت ...
- بقائي: يوم الجمهورية الإسلامية رمز لإرادة الإيرانيين التاريخ ...
- الخارجية الايرانية: يوم الجمهورية الإسلامية تجسيد لعزيمة الش ...
- الملك المغربي يعفو عن عبد القادر بلعيرج المدان بتهمة قيادة ش ...
- بكين: إعادة التوحيد مع تايوان أمر لا يمكن إيقافه
- العالم الاسلامي.. تقاليد وعادات متوارثة في عيد الفطر المبارك ...
- اتصالات هاتفية بين الرئيس الإيراني وقادة الدول الإسلامية


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - حُكم التبنّي في الإسلام