|
بيكار … مايسترو صناعة النور
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 6805 - 2021 / 2 / 3 - 11:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن كنتَ تعرفُ "بيكار"، وتصافحُ لوحاتِه بين الحين والآخر؟ فأنت على ما يرام وصحتّك النفسية ومذاقُك الفنّي بخير، ولا خوفٌ عليك من البوار الذهني والخمول الفنيّ وطوبى لك مقامًا في كوكب الراقين الذوّاقين. إن كنت لا تفعل فقد خسرت الكثير. يُدركُ كلُّ عاقل أن الفنونَ قاطرةُ الإشراق والحضارة والتقدم والصحة العقلية والنفسية لأفراد أي مجتمع. لهذا نحتفظ في حواسيبنا بقطع من لوحات بيكار المدهشة، إن لم تكن هناك لوحة أو لوحتان من لوحاته، معلّقتين على جدران بيوتنا، نتأمل خطوطه وألوانا وحواديته ونهمس: (يا مصرُ العظيمة، شكرًا لما أهديتِ العالمَ من عظماء!). حسين بيكار، واحدٌ من أهم أيقونات الفنّ الرفيع في مصر والعالم. حين نكتبُ الشِّعرَ نستلهمُ من لوحاته جُملتَنا الشعرية وطاقتنا الإبداعية. وشكرًا "جوجل"، الذي يحتفل يوم 2 يناير بعيد ميلاده. وحزينة لأن مصرَ، تنسى الاحتفالَ به، بسبب جهود الظلاميين المستميتة في طمس كل جميل في مصر خدمةً للرجعية والطائفية التي تهدمُ الحضارات. فقد كان الفنان الأسطوريُّ بيكار بهائيًا. ولِد "حسين بيكار" عام 1913 بمدينة الإسكندرية الساحرة، قبل أن يغزوها الظلام، في عهد راق متحضّر كانت مصر فيه تُصدّر للعالم أيقونات الفنّ والنحت والآداب. وقف الطفلُ أمام والدته ذات الأصول التركية، وهي جالسة تُطرّز بالإبرة على قطع القماش ورودًا وفراشاتٍ وعصافيرَ رسمتها بالقلم الرصاص قبل أن تُعمِل فيها إبرتَها وخيوطَها الملونة. وقف مشدوهًا تتأملُ عيناه الطفلتان كيف تتحوّل قطعة القماش البيضاء إلى حديقة ملوّنة حاشدة بالزهر والشجر، فاعتبر ما تقوم به والدتُه الفنّانة لونًا من ألوان السِّحر والخلق الإلهي. هنا وقع الطفلُ الموهوب في عشق الرسم. نظر حوله فوجد "عودًا"، كان أبوه قد اشتراه لتتعلّم عليه شقيقته فنونَ العزف وأسرار النغم. هنا اكتشف الطفلُ الموهوبُ ضربًا آخر من ضروب "السحر" حين يُحيل صمتَ الغرفة إلى نغماتٍ تطير كما تطيرُ الفراشات من تطريزات أمّه على القماش. فبدأ يدندن على العود حتى أتقن العزف. أنصتت الجارةُ فطلبت منه أن يُعلّمها العزفَ على العود مقابل "ريال" مصريّ؛ جعله ثمنًا لأول علبة ألوان زيتيه صنعت مستقبل الطفل الذي سيصير أحد أهم أساطين التشكيل في العالم بعدئذ. بدأت محاولاته الطفولية برسم بيوت أوروبية بسقوف مائلة تُطلّ على بحيرات تحوطها أشجارٌ وزهورٌ تفترشُ بساطًا أخضر من العشب والحشائش. وبعد حيازته الشهادة الابتدائية ووفاة والده، سافر إلى القاهرة مع والدته وشقيقته ليلتحق بمدرسة الفنون العليا، كلية الفنون الجميلة الآن، ولم يتجاوز الخامسة عشر من عمره بعد، ليبدأ مشواره الاستثنائي. فنانٌ موسوعيّ شامل له باعٌ في الموسيقى والغناء، والكتابة الزجلية، وباعٌ في رسوم الأطفال التعليمية، لكن باعَه في التشكيل ملكَ عليه حياتَه وملك على العالم إنصاتَه. تعلّم على يد فنانين أوروبيين. وعلى يد الفنان أحمد صبري تعلّم أسرار فن البورتريه بالزيت على التوال. تخرّج من مدرسة الفنون العليا عام 1933 ليبدأ مشواره وتعددت المناصب الرفيعة التي شغلها بدءًا بالتدريس بكلية الفنون الجميلة ثم في القسم الفني بجريدة الأخبار، وفي مجال تصميم أغلفة الكتب، وفي رسم كتب القراءة للصفوف الأربعة الأولى بالمدارس الابتدائية، ومجلات الأطفال التعليمية، حيث أجاد تحويل "الكلمات" إلى "صور" تنطق بالحياة والصخب. ولهذا فكثيرٌ من أجيال مصر مدينون له بما تعلموه من رسوماته في كتب القراءة والتاريخ المدرسية. انتهى الجزءُ المشرقُ من الحدوتة، وحان أن أُنهيها بما يُبكي. زُجّ بذلك الفنان الرهيف العذب إلى ظلمات السجن عام 1985 بتهمة الرشوة! هل يرشو الفنانُ أو يرتشي؟! الحكايةُ أن ذلك الفنان الاستثنائي قد اعتنق "البهائية". ذهب الفنانُ المصري العالمي "حسين بيكار"، إلى مكتب السجلّ المدني لاستخراج بطاقة شخصية. ولأنه "صادق"؛ حاول إقناع الموظف أن يكتب في خانة الديانة: "بهائي"، لكن الموظف رفض واتهمه بالرشوة! فزُجّ به في السجن برهة من الزمن، أُفرِج عنه بعدها. لكن استرداده حريته لم يكن نهاية معاناته بل بدايتها. بدأ الإعلام المصريّ الانتقائي في طمس إنجازاته، وتعرّض بيكار بسبب عقيدته للعسف والظلم والتشويه والاغتيال المعنوي حتى رحل عن دنيانا حزينًا عام 2002. وانتهى الظلمُ بوقف ُمشروع انتاج فيلم سينمائي عن حياته الغنية بالإنجازات الفنية المدهشة. لن نتحضّر ولن نتقدّم طالما لا نؤمن بحقيقة بسيطة تقول: "الدينُ لله، والفنُّ والوطنُ والعلمُ للجميع. تحية احترام لك أيها الفنان الجميل حسين بيكار، وفي عيد ميلادك أقول لك: كل عام وأنت أيقونة مصرية فريدة نزهو بكَ، وتزهو بك مصرُ. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يضيء شموعَ الوطن.” ***
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضحكات المصريين ... في زمن الكورونا
-
قلقاسُ الغطاس … في بيت ميرنا ذكري
-
هديةٌ السيدةِ التي لم أرها!
-
بوابـةُ العَدَم
-
-الكريسماس- على الطريقة الإنسانية
-
وحيد حامد … رجلٌ لهذا الزمان
-
الوعي بالحياة … الوعي بالموت
-
لا يرون … لكن اللهَ يرى!
-
ميري كريسماس … يا مصر
-
الجميلةُ … كلّ عامٍ وأنت جميلة!
-
عصفٌ ذهنيٌّ عن أمراض الكبد في الجلالة
-
باقي صدقة … الذي مصرُ تعيشُ فيه
-
عمّ نجيب … لقاءٌ أولُ .. لقاءٌ أخير
-
صندوق تحيا مصر … هاتريك!
-
أوركسترا وطني بقيادة المايسترو عبد الفتاح السيسي
-
واحد من المصريين
-
الوصية … اعرفْ جيشَك
-
الذبائحُ
-
أضواء -سوهو- … نبوءةُ مصرَ للنور
-
أولُ لصٍّ … أولُ مفتاحٍ ... في التاريخ
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|