|
كتاب ( النصر) ف 3 : شروط النصر: الخوف من الله جل وعلا وحده ، ولا خوف من غيره
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 6802 - 2021 / 1 / 31 - 19:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أولا : ( شيء من الخوف ) وليس كل الخوف . 1 ـ الخوف شعور إنسانى يعترى البشر جميعا، ولا بأس به إذا كان حالة وقتية يتغلب عليها المؤمن الحقيقي الذى يواجه أكابر المجرمين . قد يعتريه الخوف ولكن يتغلب عليه ويحوله الى شجاعة وإقدام ومواصلة في الجهاد توكلا على ربه جل وعلا . هذا المؤمن يتذكر قوله جل وعلا : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157) البقرة ). بدون التقوى يتحول الخوف الى حالة مرض يلازم الانسان ويجعله خانعا خاضعا يحنى ظهره لمن يركبه من أصغر مخبر شرطة الى الفرعون . ثانيا : المؤمنون والخوف من الله جل وعلا وحده : 1 ـ الأنبياء كانوا يعلنون خوفهم من الله جل وعلا ، ونعطى أمثلة : 1 / 1 : الملأ المترفون من قوم نوح عليه السلام إحتقروا المؤمنين حوله ، قالوا له : ( وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ )(27) هود ) ( قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ (111) الشعراء ) وطلبوا منه أن يطردهم من حوله فردّ عليهم معلنا خوفه من ربه جل وعلا : ( وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) هود ). 1 / 2 : النبى صالح قالها لقومه ثمود : ( فَمَنْ يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) هود ) . 1 / 3 : إبراهيم عليه السلام خوّفه قومه بغضب آلهتهم فأعلن لهم إنه لا يخاف آلهتهم الوهمية وإنهم الذين يجب عليهم أن يخافوا رب العزة جل وعلا : ( وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الأنعام ). 1 / 4 : خاتم النبيين عليه وعليهم السلام تكرر الأمر له أن يعلن خوفه من ربه جل وعلا : 1 / 4 / 1 : إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) يونس ) ، ( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) الانعام ) ، (13) الزمر) 1 / 4 / 2 :وقال جل وعلا له مؤنّبا :( وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ )(37)الأحزاب) 2 ـ قال جل وعلا عن المؤمنين في كل زمان ومكان : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) الانعام ) . المؤمنون الذين لا يظلمون رب العزة بعبادة غيره ولا يظلمون البشر لهم الأمن في الدنيا وفي الآخرة ، وسيقال لهم في دعوتهم لدخول الجنة : ( ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) الحجر ) 3 ـ وقال جل وعلا يؤنّب الصحابة يحثّهم على قتال المعتدين الذين نكثوا العهد بعد فتح مكة سلميا : ( أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) التوبة ) .أى يجب أن يخافوا الله جل وعلا وحده . 4 ـ المؤمنون حقا يؤمنون بقضاء الله جل وعلا وقدره ، أي بالحتميات المقدرة سلفا ولا مهرب منها ، فيما يخصُّ الميلاد والموت والرزق والمصائب . قال جل وعلا : 4 / 1 ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) التغابن ) 4 / 2 : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الحديد ) 4 / 3 : لذا فهم مأمورون أن يقولوا: ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (51)التوبة).هنا يرتبط التوكل على الله جل وعلا بالإيمان بالحتميات . ثالثا : الكافرون المشركون والخوف . قال جل وعلا عنهم : 1 ـ ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) آل عمران ). هم يعتقدون أن آلهتهم تنفع وتضُرُّ ، وكلما إزداد إيمانهم بها إزداد رُعبهم منها ومن التجرُّؤ عليها . 2 ـ ( سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ) (12) الانفال ). هذا عن الكافرين بالاعتداء. . رابعا : عمليا وواقعيا : الفارق بين المؤمنين المتقين والكافرين المعتدين 1 : إقتنصت قريش نصرا سريعا في موقعة (أُحُد ) بسبب عصيان بعض الصحابة لأوامر النبى محمد عليه السلام ، واسرع جيشها بالفرار ، وطاردهم بعض شجعان المؤمنين الجرحى ، وقد تغلبوا على الخوف . 1 / 1 : ، قال جل وعلا عنهم :( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) ( آل عمران ). 1 / 2 : جاءت العبرة بعدها في قوله جل وعلا : ( إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)آل عمران ).إذا إتّقيت الله جل وعلا وخفته لا يمكن أن تخاف من مخلوق . إذا لم تخف الله جل وعلا تولى الشيطان أمرك فجعلك تخاف من أي شيء ومن كل شيء . 1 / 3 : وهذا من يفعله الشيطان مع المستبدين في كل زمان ومكان ، يزيّن لهم الظلم فيزدادون خوفا ، فيحصنون أنفسهم بمزيد من الظلم فيزدادون رُعبا ، وتتكاثر كوابيسهم وشكوكهم حتى فيمن حولهم . لهذا لا ينبغي للمؤمن أن يخاف من أكابر المجرمين لأنهم الأكثر خوفا ورعبا . خوف المؤمنين وقتى وهم في حماية الرحمن جل وعلا ، أما خوف أكابر المجرمين فهو ملازم لهم حتى الموت . 2 ـ المؤمنون في موقعة الأحزاب : 2 / 1 : شملهم الخوف في البداية وهم تحت الحصار . قال جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) الأحزاب ) 2 / 2 : ولكن سرعان ما غلبوا خوفهم ، وصمدوا . قال جل وعلا : ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) الأحزاب ) 3 : المنافقون : 3 / 1 : إستحوذ عليهم الشيطان فأدمنوا الخوف والحلف بالله كذبا ، قال عنهم جل وعلا : ( وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) التوبة ) . 3 / 2 : في محنة الحصار في موقعة الأحزاب تحكم في قلوبهم الخوف ، قال جل وعلا : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيراً (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً (15) ..( أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) الأحزاب ) 4 أهل الكتاب المعتدون 4 / 1 ـ إعتدوا فحوصروا فأصابهم الرعب فاستسلموا بعد قتال خفيف ، قال جل وعلا : ( وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) الاحزاب ) 4 / 2 : . معتدون آخرون منهم ظنوا أن حصونهم تحميهم ، ولكن عندما حوصروا أصابهم الرعب ، وبادروا بالفرار ، قال جل وعلا : ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2) الحشر) . هي عظة للمؤمنين أولى الأبصار ، ليتذكروا قوله جل وعلا : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) الانعام ). أخيرا : المستفاد مما سبق : 1 ـ الحكومة في الدولة الديمقراطية تخاف من الشعب، لأنه سيدها وهى خادمة له ، فهو مصدر السلطات . وهذا مبدأ أساس في الديمقراطية المباشرة الإسلامية في قوله جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ )(159) آل عمران ). لو عاملهم بغلظة وفظاظة لانفضوا من حوله ، وبالتالي يصبح وحيدا بلا قوة لأنه يستمد قوته منهم ، فهم مصدر السلطة ، لهذا كان عليه السلام مأمورا أن يكون لينا معهم وأن يعفو عنهم إذا أساءوا اليه وأن يغفر لهم إذا تجاوزوا في حقه ، وأن يستشيرهم في الأمر لأنهم أصحاب الأمر . هذا مع كونه عليه السلام نبيا يأتيه الوحى من رب العزة جل وعلا . 2 ـ وإذا كانت الشورى القرآنية أو ( الديمقراطية المباشرة ) مفروضة على النبى فإن المستبد يرفع نفسه فوق النبى عليه السلام، أي يزعم الألوهية صراحة أو ضمنا . 3 ـ إذا كانت الحكومة تخاف الشعب في النظم الديمقراطية فإن الشعب هو الذى يرتعب من المستبد لأنه يستخدم التعذيب بأبشع أساليبه ليحمى نفسه ، وكلما إزداد ظلما إزداد رُعبا ، ويظلُّ يدور بين الظلم والرعب الى أن ينتهى . طاحونة الظلم والتعذيب تجعل الشعب مقهورا مستكينا خانعا ذليلا متواكلا . 4 ـ لا إصلاح إلّا بتغيير النفسية من الخضوع لمخلوق الى الخضوع للخالق جل وعلا وحده . هنا تكون الهداية . وإذا كانت الهداية مسئولية شخصية ، ومن إهتدى فلنفسه ، فإن تغيير ما بالنفس من خضوع للمخلوق الى خضوع للخالق وحده هو أيضا مشيئة شخصية . من شاء لنفسه الخنوع لمخلوق شاء له رب العزة ما شاءه لنفسه ، أي إن هذا التغيير مرجعه الى مشيئة البشر ، وتأتى مشيئة الرحمن جل وعلا تالية مؤيدة لمشيئة البشر . قال جل وعلا :( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) (11) الرعد).إذا شاء البشر الخنوع لمستبد إعترف رب العزة به ملكا عليهم ، لذا إعتبر رب العزة فرعون ملكا الى مصر ، ولم يرسل موسى الى المصرىين المقهورين بل أرسله الى فرعون، وقال جل وعلا لموسى وهارون :(اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) طه ) 4 ـ لأنه مرتبط بالهداية الايمانية فإن هذا التغيير يبدأ بتحرير الناس من الخضوع للكهنوت ، فالفرعون إما أن يكون بنفسه كهنوتا ( مثل الدولة الدينية الشيعية الفاطمية والإيرانية الحالية ) أو أن يحكم راكبا الكهنوت ، ويركب الكهنوت الناس ( مثل فرعون مصر الحالي وأزهره وكنيسته ). إذا تحرّر الناس من تقديس الكهنوت ( الامام الأكبر / شيخ الإسلام ) ( البابا ) سقط الكهنوت وسقط الفرعون راكب الكهنوت ، وتحرّر عقل الناس من الخنوع للمستبد ، وأسرعوا للتضحية في سبيل عزّتهم وكرامتهم وحريتهم . هنا لا يرهبهم التعذيب الذى يؤسس المستبد به سلطانه . بالتقوى وخوف الرحمن وحده يعلمون أن آلام التعذيب الجسدى وقتيه ، أهون كثيرا من آلام خوف مستمر ، وآلام التعذيب ـ إذا حدثت فهى ضمن الآلام المكتوبة سلفا بمرض أو غيره ولا مفر منه ، ثم إنه ألم جسدى مؤقت ، وإذا زاد دخل الانسان في غيبوبة لا يشعر فيها بالألم لأن للنفس حدّا أعلى في تحمل الألم ، إذا زاد الألم غاب عن وعيه . أما عذاب الآخرة فلا حدّ أقصى له ولا تخفيف فيه ولا خروج منه . إذا إستوعب المؤمن التقىُّ هذا تضاءل عنده الخوف من البشر وتحوّل الى دافع للنضال والصبر على ما قد يحدث ، فكل ما يحدث له من مصائب من خير أو شرّ هو حالات مؤقتة وعارضة . 5 ـ بدون التحرر من سلطة الكهنوت وثقافته لا أمل في التغيير الى الأفضل . وهناك ديمقراطية مضحكة في العراق وأفغانستان وباكستان بسبب تقديس البشر والحجر ، في هذه الديمقراطية الشكلية يتم تداول السًلطة بين فاسدين . 6 ـ هذا التغيير يستلزم وقتا ، لأنه تغيير للثقافة الشعبية الجمعية ، لذا بدأنا المواجهة نحن أهل القرآن ، ونجحنا في تكسير الأصنام الكهنوتية ،ولا زلنا في الساحة نتعرض للاضطهاد. وحسبنا الله جل وعلا وهو نعم الوكيل .
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصص إنسانية على هامش الحروب بين العرب والروم البيزنطيين
-
لمجرد التذكير : هل القرآنيون فرقة جديدة ظهرت فى الاسلام ؟
-
تخريف القرطبى في ( تفسيره ) للآيات عن أصحاب القرية في سورة (
...
-
قرية ظالم أهلها
-
كتاب ( النصر) ف 3 :شروط النصر: الصبر ( 5) بين صبر المؤمنين و
...
-
كتاب ( النصر) ف 3 :شروط النصر: الصبر ( 3 ) صبر الأنبياء عليه
...
-
كتاب ( النصر) ف 3 :شروط النصر: الصبر ( 3 ) ملامح الصبر في ال
...
-
بيان من المركز العالمى للقرآن الكريم عن موقع أهل القرآن
-
كتاب ( النصر) ف 3 :شروط النصر: الصبر ( 1 ):( لمحة عامة عن ال
...
-
كتاب ( النصر) ف 3 :شروط النصر: التوكل على الله جل وعلا( 3 )ع
...
-
كتاب ( النصر) ف 3 : شروط النصر: التوكل على الله جل وعلا ( 2
...
-
كيف إستخدموا حُمق ترامب فى الانقلاب على ترامب
-
كتاب ( النصر) ف 3 : شروط النصر: التوكل على الله جل وعلا ( 1
...
-
كتاب ( النصر) ف 3 : شروط النصر: جاءت كورونا ( بغتة )، وستقوم
...
-
تحية إعزاز لفرسان الصحافة المصرية الحُرّة : خالد البلشى ورفا
...
-
كتاب ( النصر) ف 3 : شروط النصر: أن ترجو لقاء الله جل وعلا
-
معتقد غير مباح.. تقرير عن حبس المدون القرآني رضا عبد الرحمن
-
( أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَل
...
-
كتاب ( النصر) ف 3 : شروط النصر: الإيمان بالله جل وعلا واليوم
...
-
كتاب ( النصر) ف 3 : شروط النصر: الإيمان بالله جل وعلا واليوم
...
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|