حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 6802 - 2021 / 1 / 31 - 14:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حين نعود للمراجعات التي قام بها أسلافنا للماضي سنجد أنها ليست بعيدة عن القضايا التي نثيرها اليوم حول مسائل من نوع التقدم والحداثة والتضامن، بل إن الحوار والجدل الفكريين اللذين نعرفهما اليوم بين ازدواجيتنا بين الماضي واستحقاقات المستقبل ربما كانا أقل حدة مما هما عليه اليوم .
وفي العلاقة مع القوى الدولية بدا العرب يوم ذاك ضعفاء أمام الآخر، وكان لب الدعوة النهضوية كامناً في الرغبة بامتلاك أسباب القوة التي تجعل العرب في موقع الندية لهذا الآخر، تماماً كما هو حال خطابنا المعاصر .
كيف نفسر سر هذا التشابه، الذي يشمل أحيانا أدق التفاصيل، بين خطابنا العربي قبل أكثر من مئة عام وبينه اليوم، وأن القضايا التي انشغل بها أسلافنا ما زالت هي نفسها التي تشغلنا ؟
هل سنقول ما أشبه الليلة بالبارحة، وهي المرثية التي اعتاد العرب لوكها كلما أرادوا المقارنة بين بؤس وضعهم الراهن والملمات والمصائب التي حلت عليهم في أزمنة سابقة؟
لكن ما هو مؤكد أن إشكاليات النهضة الكبرى ظلت عالقة أو غير منجزة، والمراوحة كما تدل كل التجارب هي عودة للوراء لا وقوفاً عند نقطة محايدة، بل إن جذوة الأسئلة وحرارة المشاريع التي نلمسها في خطاب نهاية القرن التاسع عشر غائبة في خطاب مطالع القرن الحادي والعشرين المحكومة بالتشاؤم والخيبة والشعور بقلة الحيلة .
أمر مهم فقدناه، هو الأمل، ففي المراحل السابقة، وفي ظروف لا تقل صعوبة وتعقيداً عن تلك التي نعيشها اليوم توفر أسلافنا على مشاريع طموحة، شكلت رافعة حقيقية لعملهم، بحيث لم تثنهم التعقيدات عن التمسك بالأمل .
التاريخ يكرر نفسه مرتين، على شكل مأساة تارة، وعلى شكل مهزلة تارة أخرى، والشكلان يتجسدان في هذا التكرار الموجع لتاريخنا .
في حوار مع الدكتور طه حسين قبل وفاته بقليل، قال عميد الأدب العربي: "يخيل إلي أن ما كافحنا من أجله مازال يحتاج إلى كفاحكم وكفاح الأجيال المقبلة بعدكم . . إنني في آخر أيامي ألملم أوراقي وسأمضي قريباً . . أودعكم بكثير من الألم وقليل من الأمل" .
ومن يعقد مقارنة بين الفترة التي قال فيها طه حسين هذا الكلام، في سبعينات القرن الماضي، والحال اليوم سيجد أن الأمور ساعتها كانت أفضل بكثير مما هي عليه اليوم، وإننا لا نسير صعوداً إلى الأمام، وإنما تقهقراً نحو الوراء .
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟