الريكات عبد الغفور
الحوار المتمدن-العدد: 6802 - 2021 / 1 / 29 - 16:08
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
دائما ما نتحدث عن أزمة العمل النقابي بالمغرب و التي لا تختلف عن الوضع النقابي إقليميا و عالميا. و هي أزمة ترخي بظلالها على مسار و سيرورة حركة التحرر الوطني، و تؤثر أيضا على مسار نضال الطبقة العاملة في مواجهة الاستغلال الممارس من طرف التحالف الطبقي المسيطر.
و هذا الحديث يدفعنا بقوة و إلحاح إلى طرح إشكالات قد تكون أرضية للانطلاق نحو الانعتاق من هذه الأزمة: فهل هي أزمة من داخل النقابة أو من خارجها؟ ما السبيل إلى فك الارتباط مع الأزمة؟.
1- السياقات:
منذ بداياتها الجنينية، وجدت التنظيمات الذاتية للطبقة العاملة بالمغرب نفسها في صراع مباشر مع أعدائها. و هو صراع تؤصل له السردية التاريخية في معرض حديثها عن نشأة و بروز العمل النقابي. و هو ظهور واكب توغل الإمبريالية الفرنسية و الإسبانية في المغرب و استغلالها الإقتصادي و الإجتماعي لخيرات المغرب و ثرواته خاصة في المناجم و الموانئ و الأبناك... ولذلك فبروز حركة نقابية في هذا المستوى يشكل تهديدا قويا لمصالح الرأسمال الأجنبي، ما جعل الإمبريالية الفرنسية تسعى منذ البداية إلى التحكم في نضالات الطبقة العمالية و تجعل إضراباتها في سبيل تقوية تراكم رأس المال و ليس العكس.
و قد شكل هذا البروز أيضا فرصة مواتية للمخزن المغربي من أجل تعزيز تواجده داخل الحركة النقابية، ما أدى عمليا و كما أشار إلى ذلك المؤرخ ألبير عياش إلى تشكل حركتين نقابيتين: واحدة خاضعة لرقابة فرنسا و أخرى خاضعة لرقابة المخزن المغربي. و الهدف من هذا التقسيم راجع إلى الرغبة في تمييع الفعل النقابي و التحكم المسبق في نضالاته من طرف أعداء الطبقة العاملة.
و لكن ارتباط الحركة النقابية خلال الأربعينات من القرن 20 م بحركة التحرر الوطني، أسهم في انعتاقها من هذه القوى الضاغطة و المعادية لها. و هذا التحرر عززه أيضا ارتباط الحركة النقابية المغربية بنضالات الحركة النقابية بفرنسا و الدور الريادي لليسار الفرنسي. و هذا الاشتباك طبيعي أنه يهدد مصالح الإمبريالية الفرنسية و خدامها المحليين، و خاصة في ظل حيوية و حركية الفعل النقابي و كثرة الإضرابات في المناجم و الأبناك...
و يمكن اعتبار الفترة الممتدة من 1934 إلى 1956م، فترة صراع الحركة النقابية مع أعداء من خارجها. و خاصة إذا ما عرفنا أن فرنسا حاولت كثيرا خلال هذه الفترة تمييع العمل النقابي و خلق بدائل تحمي مصالحها و هي تنظيمات برجوازية في كنهها، و على شاكلة تعاضديات أو وداديات... و لكنها عجزت عن ذلك بحكم التفاعل الجدلي بين النضال النقابي و النضال السياسي، فقد كان التحرر الإقتصادي و الإجتماعي في خدمة حركة التحرر الوطني.
و مباشرة بعد الإستقلال الشكلي، و بروز معالم نمط الإنتاج الكولونيالي و التبعي في المغرب.أرخى بظلاله على العمل النقابي بل و أثر على كل التنظيمات الذاتية المعبرة عن هموم الجماهير العمالية و الكادحة و المهمشة.
و قد دشنت هذه المرحلة لمسار تاريخي طويل، احتدم خلاله الصراع بين خطين متناقضين من داخل الحركة النقابية: خط بيروقراطي، يسعى إلى تمييع الفعل النقابي و جعله فعلا انتهازيا، يهدف في أبعاده إلى خدمة مصالح الطبقة الاجتماعية السائدة. و خط ديمقراطي، يدرك تماما أن الفعل النقابي ينبغي أن يستكمل مهامه و لذلك فمن الضروري استقلاله الذاتي و الموضوعي عن قوى نقيضة له.
و قد أسهم تكوين المركزيات النقابية إلى البروز العملي للصراع بين هذين الخطين، و هو صراع مستمر لحدود الآن.
و دمقرطة أو بقرطة النقابة هو جوهر الصراع الذي تكرر على مراحل تاريخية و أسهم في تقديم خدمات مميزة للطبقة البورجوازية التبعية. و حضرت خلال هذا الصراع نظرية الانشطار تماما كما تتفكك الذرة، تتفكك النقابة و تظهر نقابة على أنقاض نقابة أخرى و هكذا حتى تضعف قوتها و تتعقد بذلك أزمة العمل النقابي لتصبح أزمة بنيوية و مركبة من داخل النقابة و من خارجها.
2- المآلات:
ليست هناك وصفات سحرية جاهزة لتجاوز الوضع الراهن الذي تعيشه الحركة النقابية بالمغرب، و انعكاسها على مسار أو سيرورة الحركات التي تتولد في خضمها أو تسهم في بنائها.
و لكن هناك مسؤوليات و مهام ملقاة على عاتق كل الماركسيين الذين ينهلون من الإشتراكية العلمية، و هي مهام على المستوى النظري و العملي. فلا يمكن الإستمرار في نضال اقتصادي ضيق الأفق رغم أهميته،و تسييد الفهم العلمي من داخل الحركة النقابية سيمكن من ارتباطها بعموم الجماهير الشعبية الكادحة و المهمشة. و في هذا السياق هناك معارك نضالية عديدة، يمكن أن تدخل في صلب اهتمامات العمل النقابي و منها على سبيل الذكر لا الحصر نضال المقهورين من أجل تحصين الحق في العيش و خاصة في ظل نظرية الانقسام التي تنهجها الدولة : المركز/الهامش، و نضالهم أيضا من أجل الحق في السكن و صراعهم مع مافيات العقار، و كذلك نضال حاملي الشهادات المعطلين من أجل تحصين الحق في الشغل...
فالنضال النقابي ينبغي أن يقوي أو يعزز الارتباط بين عموم الجماهير العمالية و الكادحة، و هو بالتأكيد سيفك هذا الارتباط أكثر فأكثر باقتصاره على النضال الفئوي.
ولنا على المستوى الإقليمي تجارب عملية علاقة بارتباط العمل النقابي بعموم الجماهير العمالية و الكادحة و ممارسته العمل السياسي دون يافطة حزبية، أو دون حتى أن يصرح علنا بذلك و خاصة الحراك الشعبي في تونس بعد سنة 2011 م و نضاله ضد القوى الأصولية و كذلك الانتفاضة الشعبية في السودان سنة 2019 م و الحضور القوي للنقابات كمكون من مكونات لجان الأحياء الشعبية.
و إن من شأن تطوير الحركة النقابية في هذا المستوى و تكثيف أنشطتها في معاقل غير معاقلها المعتادة، أن يسهم في تلاشي أزمتها و في التراكم الكمي و الكيفي لحركة التحرر الوطني.
فحين نتحدث عن جدلية العمل النقابي و العمل السياسي فإننا لا نقصد بها أن تقوم النقابة بأعمال الأداة السياسية أو العكس.كما لا نقصد بها أيضا التقسيم الميكانيكي أو السطحي بين العملين و الذي لا يفرز في نهاية المطاف إلا تنظيمات فوقية ذات ممارسة إصلاحية. و لكن القصد من ذلك أن تجعل الحركة النقابية ممارستها في خدمة حركة التحرر الوطني، و من شأن هذا الفهم الجدلي أن يضع الحركة النقابية في مسارها و سكتها الصحيحة لاستكمال مهامها التاريخية.
و ما ينبغي إدراكه في نهاية المطاف أن أزمة العمل النقابي ليست أزمة تقنية (ضعف الانخراط أو التبطيق)كما يتم الترويج له في العادة، و لو أن ضعف الانخراط هو نتاج موضوعي لأزمة تاريخية على مستوى اختلاف الفهم للعمل النقابي (لماذا نمارس العمل النقابي؟ و ماذا نريد من العمل النقابي؟). و هو اختلاف يرخي بظلاله على طبيعة التحالفات من داخل الحركة النقابية الديمقراطية. و لذلك ينبغي في كل وقت و حين لمن ينشد وحدة الديمقراطيين من داخل الحركة النقابية أن يطرح سؤال : من هم أصدقاء الشعب؟ و من هم أعداء الشعب؟.
.............................
الهوامش:
_ عامل مهدي، مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الإشتراكي في حركة التحرر الوطني، دار الفارابي،بيروت، 1972.
_ المنوني عبد الله، عياد محمد، الحركة العمالية المغربية:صراعات و تحولات، سلسلة المعرفة الإجتماعية، دار توبقال للنشر، 1985.
_ عياش ألبير، الحركة النقابية بالمغرب، الجزء الأول، ترجمة نور الدين المسعودي، مراجعة العربي مفضال.
_ عياش ألبير، الحركة النقابية بالمغرب، الجزء الثاني، ترجمة نور الدين المسعودي، مجلة أمل للتاريخ و الثقافة و المجتمع، الدار البيضاء، 1997.
#الريكات_عبد_الغفور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟