أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - قسطنطين زريق وفلسفة الفكرة القومية الحضارية















المزيد.....

قسطنطين زريق وفلسفة الفكرة القومية الحضارية


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 6801 - 2021 / 1 / 28 - 22:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كان قسطنطين زريق، من الناحية الزمنية، ابن القرن العشرين، أي قرن الصيرورة الجديدة للعالم العربي الحديث. أما من الناحية التاريخية فقد كان وليد النكبتين! الأمر الذي نعثر عليه في الوحدة الخفية للزمن والتاريخ، أي في رؤيته وموقفه النقديين من نكبات العالم العربي، ومقترحاته المتعلقة بمشروع البدائل الضرورية للمستقبل. وما بينهما تراكمت فكرته القومية بوصفها فكرة تاريخية ثقافية (حضارية). وفيما لو أردنا اختصار كل هذا المسار الدرامي الخفي لنظريته القومية فمن الممكن وضعه بعبارة تقول: أنه أحب قوميته زمن المصائب، وأدرك واقعها زمن النكبة، وسعى لترميم وعيها التاريخي والثقافي بوصفه الشرط الضروري لتكاملها القومي. ووجد ذلك انعكاسه وتعبيره في رؤيته الخاصة للفكرة القومية من خلال إبراز وإفراز إشكالية الأبعاد الحضارية بوصفها جوهر المشكلة القومية العربية . وبهذا يكون قسطنطين زريق الأول من بين مؤسسي الفكرة القومية العربية بمعايير الرؤية الحضارية (الثقافية). ومن ثم وضعه فكرة الارتقاء إلى مصاف المتطلبات والتحديات التي تفرضها الحضارة المعاصرة، بوصفها الصيغة العقلانية والواقعية لإدراك معنى وحقيقة ووظيفة الفكرة القومية بالنسبة للعالم العربي المعاصر. ووجد ذلك انعكاسه في تركيزه على فكرة وعي الذات التاريخي وتأسيسها العملي.
وليس مصادفة أن يشير في مقدمة كتابه (نحن والتاريخ)، الذي وضع فيه الصيغة الأولية لأهمية الرؤية التاريخية، إلى أن ما يكتبه "ليست فلسفة التاريخ"، بل هي "مطالب وتساؤلات" دعا إليها "النظر في الواقع العربي واختباره ومجابهة المشكلات الفكرية التي تنجم عنه" . بعبارة أخرى، أن الأولوية في الرؤية التاريخية تضع مهمة إدراك الموقع الذاتي في التاريخ المعاصر عبر اختبار ما فيه ومواجهة الإشكاليات الفعلية الكبرى القائمة فيه وأمامه. ومع انه أشار إلى أن ما يريده أيضا هو "محاولة تلمس الأسئلة الهامة التي تثيرها علاقتنا بماضينا" ، إلا أن القضية الجوهرية ظلت تحوم حول كيفية وضع التاريخ العربي المعاصر وإشكالاته في صلب الرؤية المستقبلية أيضا. من هنا إدراكه لقيمة الرؤية التاريخية. فقد كتب بهذا الصدد يقول، بأنه "لابد لنا كأفراد وكأمة إذا أردنا أن نحيا من أن نجابه التاريخ" . ووضع هذه المجابهة ضمن سياق التاريخ العالمي الحديث أو ما اسماه بواقع الإنسانية الحاضر. ولا يعني ذلك سوى رفع مهمة وعي الذات القومي إلى مصاف المعاصرة. بمعنى إجراء المقارنة التاريخية بمعايير الحاضر من اجل فهم الماضي والحاضر والمستقبل. ومن خلاله يمكن تحديد مهمات الوعي القومي. من هنا غلبة "المطالب والتساؤلات" على الإجابة والتأسيس النظري للتاريخ القومي. إلا أننا نعثر فيها على تأسيس خاص ومتميز، رغم بساطته، لفكرة وعي الذات التاريخي بوصفها فكرة عملية سياسية وثقافية حضارية. وضمن هذا السياق يمكن النظر إليها باعتبارها إحدى النماذج النظرية الأكثر رقيا لتأسيس الفكرة القومية العربية الحديثة.
انطلق زريق في تحديده لماهية التاريخ، باعتباره "سعيا لإدراك الماضي البشري وإحيائه" . ولا يعني ذلك سوى تحويل التجارب التاريخية إلى مصدر فعال بالنسبة للإحياء الجديد، أي لوعي الذات مع ما يترتب عليه من تنشيط القوى المختلفة للإصلاح والارتقاء. ووجد في صيرورة العالم العربي الحديث تجسيدا لهذه الفكرة. إذ وجد فيما اسماه بتنبه العرب لتاريخهم أحد أعظم العوامل في النهضة القومية الحديثة منذ بزوغ فجرها في القرن التاسع عشر .
ووضع هذه المقدمة العامة في أساس تصنيفه للمواقف المختلفة من التاريخ، ومن ثم أثرها بالنسبة لمواجهة إشكاليات العصر. فقد اعتبر ما اسماه بالتيارات التقليدية والقومية والماركسية والعلمية، الصيغ الأكثر انتشارا وتأثيرا في الرؤية العملية. فالتيار التقليدي ينظر إلى التاريخ العربي على انه تاريخ "الأمة الإسلامية". وأن مجراها هو المجرى الرئيسي في التاريخ العالمي. وقيّم زريق هذه الرؤية على أنها "نظرة إلهية في تعليلها للأحداث". أما التيار القومي، فهو تيار صاعد متزايد تكيفت نظراته بعوامل عديدة. ويتميز بالإقبال على الماضي والانغماس شبه الكامل فيه، كما هو الحال في كتابات العقاد وطه حسين ومحمد حسين هيكل، مع أن اتجاههم مخلوط بالتقليدي . وما يميز هذا الاتجاه هو اعتباره الماضي القومي لب الماضي، أي يعزل التاريخ القومي عن التاريخ العالمي. وأطلق زريق على هذه الرؤية صفة "التعليل التيوقراطي". بينما تطابق التيار الماركسي في رؤية زريق مع ما اسماه بتغلغل الماركسية في العالم العربي بفعل الصراع الخارجي. وجعلت من الصراع مع التيار القومي احد همومها الكبرى. أما التيار العلمي فيتميز برؤية عقلانية. وذلك لأنه يجعل العقل مرشدا هاديا. كما انه يتوجه إلى الماضي دون فكرة مسبقة.
وفيما لو أهملنا عدم سلامة هذا التصنيف من حيث حدّه لبعض التيارات وتحديده لحقيقتها ومضمونها الفعلي، وبالأخص ما يتعلق بتحديد ماهية ومضمون التيار التقليدي و"التيار القومي" بشكل خاص، فإن أهميته تكمن في إبرازه القيمة الموضوعية للرؤية التاريخية. ويظهر ذلك بوضوح في إدراكه النظري للقيمة العملية للرؤية التاريخية. إذ اعتبر الهمّ القائم وراء تأسيس الرؤية التاريخية يقوم في تعميق "الرؤية الاجتماعية السياسية الثقافية الصحيحة عن الغايات والمهمات" . بمعنى أنه يوّحد في كلّ واحد الأبعاد الاجتماعية والسياسية والثقافية في رؤيتها للمهمات والغايات. وليس هذا بدوره سوى الصيغة المباشرة والعملية للفكرة التي وضعها في تحديده للتاريخ باعتباره سعيا لإدراك الماضي البشري وإحيائه. من هنا وضعه في فكرة الرؤية العلمية التاريخية ما اسماه بالفضائل المكتسبة والمزايا المطلوبة، والتي حصرها بخمس وهي كل من الجد والمثابرة، والشك والنقد، والدقة، والتجرد، وأخيرا محبة الحقيقة . ووجد في هذه الفضائل المكتسبة حلقات لسلسة مهمتها إحياء الرؤية التاريخية بوصفها مشروعا مستقبليا. من هنا حديثه عما اسماه باحتياج العالم العربي المعاصر إلى هذه الفضائل المكتسبة. ففيها ومن خلالها تتوحد الرؤية المجردة، أي التي تنفذ إلى حقيقة الأشياء كما هي. خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن العلم التاريخي في مواده علم نقلي. وبالتالي، فإنها خاضعة للأهواء والمصالح، كما أن الوثائق عادة ما تكتب في ظروف تسيطر فيها أفكار أو سياسات محددة. من هنا ضرورة الدقة بوصفها النتيجة الملازمة للنقد والشك، وذلك لما لها من أثر علمي بالنسبة "لترويض الذهن على الانضباط والانتظام".
وتوصل زريق بأثر هذه الرؤية إلى جملة استنتاجات عامة حصرها أيضا بخمس مزايا وهي:
• أن استعمال التاريخ واستغلاله الحسن هو احد أفضل الوسائل في بعث الروح القومية وتكوين الأمم ودفعها إلى ما تنشده من نهضة وعزة،
• وضرورة التخلي مما فيه عما هو مثير للأحقاد القومية والطائفية والدينية،
• وأن استغلال التاريخ لأهداف قومية يتوقف على أصالة فهم الموجهين والباحثين والمربين،
• وأن استغلال التاريخ لأهداف قومية مسألة خطرة ينبغي إدراكها،
• وأن الغاية القومية ذاتها لا تؤتي نتائجها البعيدة المدى إلا إذا وافقت الحقيقة واهتديت بهديها .



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المستشرق الروسي كريمسكي (1871- 1942)
- المستشرق الروسي بارتولد (1869-1930)
- فلسفة العروبة عند الحصري
- ساطع الحصري ومفهوم الكينونة العربية
- الارسوزي وفلسفة العبقرية القومية (5)
- الارسوزي وفكرة الأصول الثقافية للقومية العربية(4)
- الارسوزي : اللغة العربية والفكرة القومية (3)
- الارسوزي وتأسيس وحدة اللغة والفكر والثقافة القومية (2)
- فلسفة الفكرة القومية عند الارسوزي(1)
- الصعود الأول للوعي القومي العربي الذاتي
- مستقبل الفكرة القومية العربية(2-2)
- مستقبل الفكرة القومية العربية (1-2)
- حقيقة الكمال الإنساني عند الغزالي
- جمال عبد الناصر ودراما التجربة الناصرية (2-2)
- جمال عبد الناصر ودراما التجربة الناصرية (1-2)
- نجيب عازوري ومشروع البديل العربي العقلاني
- نجيب عازوري: العالم العربي والمسألة الشرقية
- نجيب عازوري حول الاثار التركية العثمانية والخطر اليهودي
- الفكرة القومية عند نجيب عازوري
- من أعلام التصوف : معروف الكرخي


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - قسطنطين زريق وفلسفة الفكرة القومية الحضارية